الأحد، 27 فبراير 2011

رسائل إلى مائدة الحوار 2








الأحد 27 فبراير 2011


أثار مقالي السابق شهية العديد من المتابعين وحفيظة البعض الآخر. أغلبهم ممن أكمل الثلاثين أو سيكملها قريباً. ولهذا العمر في عام 2011 معانٍ عدة منها أنهم عاشوا مراهقتهم في أيام أحداث التسعينات مما شكل لهم وعياً معيناً في تحليل المتغيرات السياسية.
أبو حسن وهو أحدهم أثار مقالي في هذه الفترة عنده بعض الاعتراض خصوصاً الفقرة الأخيرة التي تقلل من أهمية التغيير السياسي وتركز على المشكل المعيشي كمفتاح لتفريج الاحتقانات. وقد رد على المقال بآخر أطول منه يشرح فيه وجهة نظره.
ركز أبو حسن في مقاله على غياب العدل وما يترتب عليه من آثار على المجتمع، وذكر المجالات التي غاب فيها العدل، إذ يقول “نعم، دعنا نتقصى العدل كمبدأ في بلدنا العزيز. أنبدأ بحال المحاكم في بلدنا، أم في القانون البحريني الذي عفا الدهر عليه وشرب، أم في وضوح الصورة في بلدنا بأن بعض الأشخاص فوق القانون، أم في العدل في التنمية الحضرية، أم في التنمية الاقتصادية، أم في فرص العمل؟”. ويذكر أبوحسن آثار غياب العدل، فيقول: “ضياع فرص استغلال الموارد البشرية والمالية، انتشار روح البغضاء والحسد، غياب الثقة في الأنظمة وعدم احترام القوانين، وانتشار مبدأ البقاء للأقوى”.
وصديقي لا ينكر أن التغيير السياسي قد لا يؤتي ثماره، إلا أنه يؤكد أن أزمة الثقة في إرادة العدل حتمت خروج الناس للمطالبة بما تريده، واقتراح آليات سياسية معينة، بعد أن عجزت في تحقيق آمالها في السنوات الفائتة عبر الآليات الرقابية والتشريعية التي أوجدتها إصلاحات الألفية الجديدة عبر ميثاق العمل الوطني.
وأقول له في هذه العجالة، نعم، لم تثمر لجان التحقيق البرلمانية والوزارية وتقارير ديوان الرقابة في الإصلاح، وربما كان تصريح سمو ولي العهد العفوي يعبر في نفس الاتجاه حين قال بتبرم “لو لم تكن عجلة الإصلاح بطيئة، لما وصلنا إلى ما نحن فيه”. إلا أن المأثور أن نية المؤمن خير من عمله، مع تسليم جميع الأطراف بوجود الخلل والقصور.
أبو محمد وأبو صالح مثل الكثير من البحرينيين كانا يمتدحان سلمية الاحتجاجات، وينتقدان التعاطي الطائفي من قبل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، ومن بعض المتحدثين الرسميين. وتخوفا من دخول البلاد في المأزق الطائفي بسبب أسلوب التعاطي الخاطئ عبر وسائل الإعلام وتركيزها على أبعاد طائفية مختلقة.
وأقول معهما دون أن أضيف جديداً، إن هذا التعاطي لا يضر طائفة معينة، بل يجعل اللحمة الوطنية والوحدة الإسلامية حطباً للمحرقة السياسية. ولكنني لا ألوم الإعلام بقدر ما ألوم الشخصيات العلمائية التوافقية حين تشترك في توجيه الأزمة السياسية عبر خطاب طائفي خطير يفسد قصة النجاح البحرينية التي ركز عليها وزير خارجيتنا في أكثر من لقاء ومؤتمر صحفي.
أبوهدى وجه رسالة إلى مائدة الحوار يطالب فيها بالتركيز على الدفع نحو دستور متوافق في جميع مواده مع الشريعة الإسلامية، ويخص بالذكر المادة التي تنص على كون الإسلام مصدراً رئيسياً للتشريع، إذ إن عدم الحصر في المصدرية للإسلام، يفتح المجال أمام قوانين مخالفة للشريعة بصورة صريحة وفاقعة دون سقوط دستوريتها.
وإلى المائدة مرة أخرى أبعث جملة من الرسائل المختزلة:
- ملف العمل التجاري: قوانين العمل التجاري عندنا تمنع المواطن الموظف البسيط من امتلاك سجل تجاري، بينما تسمح للخليجي الموظف أن يمتلك سجلاً. وتمنع تأجير السجلات شكلياً، بينما أصحاب المحلات الحقيقيون هم الأجانب. يجب حل هذا الأمر وإعادة البلد ومحلاتها إلى البحرينيين؛ صوناً للاقتصاد الوطني و الأمن الاقتصادي.
- إصلاح القطاع الصحي صار مطلباً عاجلاً؛ لأن مستوى الخدمات وأعداد الأسرة ومدة انتظار المواعيد لم تعد ترعى كرامة الإنسان بأي شكل من الأشكال.
- بحرنة مهنة التعليم التي مازال بعض مرضى البارانويا من المسئولين والإعلاميين يحاربونها، يجب أن تتم في أي تخصص يتوافر فيه خريجون بغض النظر عن الحجج الواهية، والأمر ينطبق على الوظائف الحكومية كافة على الأقل، ويجب أن يجرم أي تنظير أو سلوك يقاوم البحرنة باعتباره خطاباً وسلوكاً عنصرياً.
- التشريع الإسكاني الجائر المرتبط بتحديد سقف دخل الأسرة المستحقة للخدمات الإسكانية والذي لا يراعي أسعار العقارات ولا مستوى التضخم في الاقتصاد.
ويبقى المجال مفتوحاً لمزيد من الرسائل ما دامت دعوات الحوار الوطني مفتوحة، فالوطن يحتاج منا المزيد من الصراحة؛ لمنع أي احتقان مستقبلي، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها، فهي له.
والله من وراء القصد...

الأربعاء، 23 فبراير 2011

رسائل إلى مائدة الحوار









الأربعاء 23 فبراير 2011


هذه المائدة التي تترقبها أطراف عديدة في البحرين لتوصيل رؤاها حول العمل الوطني سواء من حيث النظرية أو التطبيق. لم يكن أحد يتمنى أن يكون ثمن وصول هذه الرؤى بهذه الفداحة، وأن تكون طبعات خطوات الأقدام إلى هذه المائدة حمراء اللون قانية كلون دماء أبنائنا الذين تساقطوا في شمال البلاد.
كل منا يحمل ولا شك رسائل إلى هذه المائدة، سواء من وقف في دوار اللؤلؤ أو لم يقف، من دعا إلى التحاور أو من دعا للتظاهر، ولعل أكثر الرسائل خطورة ما كان مختوماً بتواريخ قديمة قد تعود إلى عشرين سنة من يومنا هذا أو تزيد.
الرسالة الأولى: الانفتاح في بلد محافظ: لو نظرنا إلى شعب البحرين المحافظ بشكل عام لوجدنا عمومهم يتمنون لو أقفلت الحانات من حولهم، ومنعت صور الحياة الليلية من أنحائهم، ليس فقط حفاظاً على سمعة البحرين وكرامة أهلها. هذه السمعة التي صارت وصمة على جبيننا كبحرينيين ونحن نرى البلد مقصداً للسياحة الرخيصة وأكرر الرخيصة، حتى صار الواحد منا يستوحش من السيارات ذات الأرقام الخليجية حين يسأل أصحابها عن “المصنع” أو “الشركة” أو بعض شوارع العاصمة. أضف إلى ذلك كم الحوادث الهائلة التي راح ضحيتها أبناؤنا تحت عجلات السواق الثملين.
ولا أعتقد أنني أحتاج لذكر باقي مساوئ هذا الأمر التي صار تكرارها غير ذي جدوى، رغم إجماع نوابنا منقطع النظير على محاربتها في برلمان 2006، إلا أنها لم تجد حلاً ولا أدري لماذا. أليس هذا ملفاً للوحدة الوطنية يجمع عليه سواد هذا الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه؟
الرسالة الثانية: ملف الإسكان: هذا الملف الملتهب الذي لا نجد صحيفة في أي يوم من أيام السنة لا تتكلم عنه ولا مواطنا بحرينياً إلا يرزح تحت عبء أقساطه أو إيجاراته بسببه، لا غني ولا فقير، ولا شيعي ولا سني.
حين يصل عمر بعض الطلبات إلى عشرين سنة أو أكثر، فإن الاستراتيجيات الموضوعة لحله لا تحمل إلا خواء ودعايات إعلامية فارغة وعصي صلبة في عجلة الإصلاح. حين يصل عدد الطلبات الإسكانية 54 ألف طلب أي نصف عدد الأسر البحرينية بحسب إحصائية مكرمة الالف دينار التي أحصت الأسر المسجلة بمئة وستة عشر ألف أسرة، فإن نصف عائلات البحرين تعيش في الإيجار أو في ملحقات ضيقة، بخيارات أحلاها مر.
المشكل المعيشي الذي تبين لنا كل الأزمات أنه سبب حاضر بقوة، ولكن يتم تجاهله إن لم يكن في القراءة ففي إيجاد الحلول. لقد تبين بعد كل هذه السنوات أن المشكل المعيشي هو ركيزة المشكل الأمني، أليس كذلك؟
أليس الملف الإسكاني نموذجاً صارخاً للمشكل المعيشي، الذي يجمع عليه كل مواطني البحرين بكل مللهم وطوائفهم، ولا يختلف عليه اثنان بسبب خلفية مذهبية أو أيديولوجية أو سياسية؟
الرسالة الثالثة: إعلام بعين واحدة: حين يعجز إعلامنا في استقطاب مشاهدين من البحرين حتى في الأيام التي تمر فيها بلادنا بظروف طارئة، ويفضل كل بحريني أن يشاهد قناة أخرى يقتنع أنها اقرب للحقيقة أو في قلب الحدث. حين يصرح بعض أفاضل ضيوف البرامج في قنواتنا أن إعلامنا يكرر دوماً اسطوانات مشروخة، حين يكون إعلام التلفزيون نبضاً لصحيفة معينة ومنتدى معين على الإنترنت. حينها مشاكلنا لن تستعصي على التشخيص وحسب، بل سنجد التويتر والفيس بوك وغيرهما ينطقان بنبض مختلف لا ينبغي أن نأسف على توجيهه إذا تم توجيهه. لأننا ضيعنا فرصة استقراء مشكلات الناس من خلال إعلامنا، وصار كل ذي شكوى يطرحها في فضائه الخاص حتى نمت وتفاقمت دون حل.
أليس واضحاً أنه لا أحد يشاهد قنوات تلفزيون البحرين؟ وأنه لم يعد يمثل البحرين حقيقة؟
هذه أمثلة لبعض الرسائل التي لا بد من طرحها في الحوار الوطني الذي دعا له سمو ولي العهد في دعوة للجميع أن يتكلموا بكل صدق ويؤدوا أماناتهم تجاه هذا الوطن لحمايته من كل هزة أو أزمة.
آخر الوحي: أؤمن أن مشاكل هذا البلد الحبيب لا تتعلق بصيغة سياسية معينة، فهناك ملكيات دستورية تعاني مما نعانيه، وهناك ملكيات مطلقة تعيش الرفاه والاستقرار. لن أطلب في يوم أن توضع العربة أمام الحصان، ولن أثق بجدوى التغيير السياسي بقدر ما أثق وأتمنى وأتطلع إلى حل المشاكل المعيشية كضمانة على الاستقرار. أما تطوير المشاركة السياسية، فلن يريح البحريني من عبء المشكل الشعبوي، بقدر ما سيحل جزءاً من المشكل النخبوي.

الأحد، 20 فبراير 2011

الرقص مع الذئاب










الأحد 20 فبراير 2011

من منا لم يشاهد رائعة كيفن كوستنر في الإخراج والتمثيل مطلع التسعينات من القرن الفائت التي نال بها عدداً من جوائز الأوسكار. نال هذا الفيلم إعجابي لدى مشاهدته في حينه لما يحمله من حس إنساني راق ومتميز. وربما لا يكون هذا الحس غريباً على الرجل، فقد قدم فيما بعد فيلماً يحمل الحس ذاته، وهو فيلم رجل البريد.
في فيلمه الأول، كان الدور المنوط بالرجل كملازم في الجيش هو الالتحاق بحامية للبيض على مشارف ديار إحدى قبائل الهنود الحمر. وهؤلاء بالطبع كانوا يعتبرون حينها أعداء للأمة الأمريكية ذات الدم الأزرق. وعند وصوله لموقعه، وجد أن البيض قد تخلوا عن الحصن وفروا خوفاً من الهنود. وهنا بدأ بتكوين علاقات مباشرة مع الهنود الذين أخذوا يتقبلونه شيئاً فشيئاً.
ضمن أحداث الفيلم تتكون علاقة حميمة بين البطل وبين ذئب يعيش في الأنحاء نفسها، وبطبع الهنود أطلقوا عليه لقب “الراقص مع الذئاب” كونهم يلقبون كل شخص بسمته المميزة عندهم.
علاقة الرجل والذئب في الفيلم كانت تحمل رمزية رائعة لانعدام الثقة الموجودة بين البيض والسكان الأصليين في أميركا. كان كل من الطرفين – البيض والهنود - يعتبر الآخر ذئباً كونه لا يثق فيه، وقديماً قيل “الناس أعداء ما جهلوا”.
بل إن العلاقة المذكورة نفسها في الفيلم والاستعارة غير غريبة على أدبيات العرب، إذ يقول الشاعر العربي الفرزدق:
وأطلس عسّالٍ وما كان صاحباً
 دعوت بِنَـاري مـَوْهِنـاً فأتـانـي
فلمـا دَنَا قلـت ادْنُ دونك إنّـنـي
وإِيَّـاكَ فـي زادي لَـمُشْتَرِكـَــانِ
فبت أُسَـوَّي الـزاد بيـنـي وبينه
علـى ضـوء نـار مـرة ودخـان
فقلـت لـه لمـا تَكـَشَّــر ضاحكـاً
 وقائـمُ سَيْفِــي مـن يـدي بمكـان
تَعَـشَّ فإن واثقتـني لا تخونـني
 نكن مِثْلَ من يا ذئبُ يصطحبان
   هذه المقاربة أكثر ما تكون حاضرة في عالم السياسة، وبالذات في السياسة الدولية بين دول الإقليم الواحد. هذه الدول تعيش دوماً أزمات الثقة فيما بينها وبين الآخرين لدرجة أنها تحتاج عرابا من الخارج يتبنى العلاقة ويكون وصياً عليها، ومن ثم يضمن ألا يجور أحدها على الآخر. وأتصور أنه لو أمكن نزع أجواء عدم الثقة بكلمة الشرف بين هذه الدول ووفق ضمانات بينية لأمكن الاستغناء عن وجود أي وساطات خارجية.
لقد احتاج أطراف النزاع جنوب السودان عراباً من الخارج، واحتاجت قضية صحراء المغرب عرابين من الخارج، واحتاجت قضية جزر حوار عرابين من الخارج، بل ومحكمة دولية، والقضايا في محيطنا العربي تفوق العد والحصر.
ولعل الثقة إذا انتزعت أصعب في العودة من زرع الثقة ابتداء، مثل قضية الطير (فنزة) في حكايات كليلة ودمنة، أو حكاية القرد والغيلم (السلحفاة). إذ يروى أن قرداً وغيلماً اصطحبا وائتلفا حتى ثقل ذلك على زوجة الغيلم فاحتالت لتقطع ألفتهما. فتمارضت وادعت لزوجها أن دواءها قلب قرد يحضر لها لتأكله. فحار الغيلم ثم احتال، وطلب من صاحبه أن يحضر معه إلى جزيرته ليكرمه، فلما انتصف بهما الطريق، أخبر صاحبه بمرض زوجته ودوائها. وحينها تأوه القرد وقال لصاحبه الغيلم: ليتك أخبرتني قبل أن نمضي في طريقنا، فنحن معاشر القردة لا نحمل قلوبنا معنا، بل نتركها في بيوتنا في الأشجار، فعد بي إلى شجرتي حتى آتيك به. فلما وصلا إلى الشجرة، قفز القرد مودعاً وقال لصاحبه هيهات أن أعود وقد بدا لي ما تنويه من هلاكي.
يبقى أن كيفن كوستنر في الفيلم، رغم أنه كفرد استطاع تجاوز أزمة الثقة مع الهنود، واستطاع تفهم حقيقة سلوكهم وتفكيرهم ومخاوفهم، إلا أنه لم يتمكن من كسر الجليد بين قومه الأصليين (البيض) وقومه الجدد (الهنود). وهل يتمكن صوت العقل والحكمة أن يتجاوز المطامع والمخاوف إلا بشق الأنفس؟ لعل هذا سبب لكون صوت الحكمة والعقل رقصاً مع الذئاب، إذا أمنت عواقبه، فإن جدواه تبقى محدودة.

الأربعاء، 16 فبراير 2011

في الذكرى العاشرة






 
الأربعاء 16 فبراير 2011

ما بين ذكرى الميثاق في 2001 وبين أيامنا هذه عشر سنوات مختلفة مرت بها البحرين بتغييرات سريعة ومتلاحقة. ففي عام 2002 بدأ العمل البلدي والنيابي عبر مجالس منتخبة أضيفت إلى التجربة الشورية القائمة منذ التسعينات. في هذه المجالس بات ممكناً للمواطن التعبير عن آرائه وتطلعاته وملاحظاته من خلال ممثليه المنتخبين.
وفي نفس السياق كان المجال مفتوحاً لتأسيس الجمعيات بما يشبه الأحزاب، التي رغم كونها نابعة من الشارع البحريني كأفراد، إلا أن أغلبها حملت أولويات حزبية وطائفية، تنحى بالتجربة بعيداً عن طموحات الشعب إلى طموحات السياسيين.
في خلال هذه الفترة أشرع باب الصحافة على مصراعيه ومنحت الامتيازات للعديد من الصحف اليومية والأسبوعية، وصار بإمكان القارئ أن يرى جميع الرؤى والتوجهات على صفحات الجرائد فما بين التوجهات الليبرالية والمحافظة واليسارية على المستويين الديني أو السياسي. لم يبق شيء يذكر من التابو لم يتم كسره، ولا أدري إن كان هذا من إيجابيات المرحلة أو من سلبياتها.
في الفترة السابقة فتحت الأبواب للجامعات الخاصة فصارت تفوق العشر عدداً، واستدعى الوضع إيجاد بذرة للوزارة بالتعليم العالي من أجل الرقابة عليها. كما تأسست مؤخراً هيئة لضمان جودة التعليم والتدريب للإشراف والرقابة على عموم المؤسسات التعليمية والتدريبية في المملكة وإعطاء التصنيفات لكل مؤسسة تخضع للتقويم.
توفرت في هذه المرحلة إحصائيات أكثر دقة تقيس بوضوح أحجام المشاكل الرئيسية في البلاد، من حيث أعداد العاطلين من كل تخصص ومنطقة أو عدد طلبات الإسكان المتراكمة حتى عدد السيارات التي يملكها الأجانب في البحرين ويستهلكون بذلك الدعم المخصص للبحرينيين أساساً. ووضعت هذه الإحصائيات كثيراً من النقاط على الحروف لتصنع برامج عمل للسنوات القادمة في سد الفجوات وتصحيح المشاكل.
من ناحية أخرى تضاعفت خلال هذه الفترة أحجام عدد المشاكل، فيبدو أن ملف الإسكان لقي إعلامياً أكثر بكثير مما لقيه فعلياً من الحلول والعمل، فحين يبلغ عدد الأسر 110 آلاف أسرة ويصل عدد الطلبات في الإسكان إلى 54 ألفاً، بشكل متزايد في كل عام، فهذا مؤشر على خلل واضح في عمل الوزارة المسؤولة لم يتم حله خلال هذه الفترة. بل حصل ما يؤدي إلى تفاقمه وتعقيد المشكلة أكثر فأكثر.
شخصياً أؤمن أن أهم ما أوجده ميثاق العمل هو تعزيز قنوات التواصل بين الشعب والقيادة وتعزيز روح التسامح بين مكونات الشعب. إلا أن ممارستنا السياسية في الوقت الحالي لم تستفد كثيراً من هذين الجانبين. أضيف إلى ذلك أن الميثاق تزداد قيمته بقيمة الإنجازات في عهده.
وشخصياً أعتقد أن التفكير من خلال المشكلة المعيشية وتطوير أوضاع المواطنين يقي الممارسة السياسية من التحول إلى “نقد من أجل النقد”. المتطلبات المعيشية لا يجب أن تكون رهاناً للنخب السياسية ويجب أن لا تسمح الدولة باختطاف المشكل المعيشي إلى تغيير أو طموح سياسي، بل يجب المسارعة لمحاصرة أي حاجة معيشية ماسة قبل أن تتفاقم. ذلك أن التنمية يجب أن تكون محور أي مشروع إصلاحي وإلا احترقت المرحلة بنفسها بسبب متغيرات داخلية أو إقليمية، فالإصلاح دوماً سباق مع الزمن.
حفظ الله البحرين وأهلها من كل مكروه وأعاد عليها هذه الأيام والأمة كلها بحال أفضل من هذا الحال

الأحد، 13 فبراير 2011

القرار السياسي...تذكرون؟







الأحد 13 فبراير 2011

في عدة مقالات ربما كان آخرها مقال “أسنان الديمقراطية والملهاة الكبرى” تحدثت مراراً وتكراراً عن أن كثيراً من المشكلات التي تطرح في البرلمان حلها يحتاج قرارا سياسيا لا أكثر.
وربما تذكرون أننا دعونا في مقالات سابقة إلى الحفاظ على هيبة الدولة، عن طريق معالجة الفساد وحل المشاكل المعيشية التي يتصدرها قائمة احتياجات المواطن. ولعل المتابع يتذكر ما كتبته وغيري حول المشكل الإسكاني تحديداً، ومدى حساسيته وتأثيره على حياة الناس.
وربما تذكرون كلام المسؤولين المرتبط بالأسباب وعلى رأسها الميزانية، والدعم المهدور، والعجز الاكتواري، ورفع سن التقاعد، ووقف علاوة الغلاء، وأزمة علاوة السكن.
اليوم وفجأة تخرج علينا مانشيتات الصحف بمجموعة مفاجئة من الأخبار السعيدة من بينها توافق حكومي نيابي على رفع ميزانية الإسكان إلى 600 مليون وميزانية الآيلة للسقوط لتفوق المئة مليون، ورفع رواتب الموظفين الحكوميين، وربما المزيد والمزيد.
على العموم، نتمنى أن تكون كل أخبار البحرين سعيدة فأهلها يستحقون ولا شك كل خير، بعد أن أصبحت متنعماً للأجانب بحسب التعداد السكاني وبيانات التأمينات الاجتماعية.
وأما ضرائب استخدام البنزين والشارع والمجاري والهواء النقي فيجب أن تفرض على الأجنبي ليدفع شيئاً مما يجنيه لخدمة هذه الأرض المعطاء وأهلها الطيبين المضيافين بشدة.
بالأمس، في أول عهد المشروع الإصلاحي، كان المواطن يرى الخير من خلال المكارم التي تصدر من القيادة، واليوم بعد أن صارت الأمور في يد الوزراء لتكريس ودعم حكومة المؤسسات، صار المواطن يسمع الأعذار ولا يرى نتائجاً، ويسمع وعوداً ولا يرى الوفاء بها.
نأمل من القيادة الحكيمة أن توجه المسؤولين لوضع حلول سريعة لمشكلات المواطن، ليتجنبوا التسويف والمماطلة والتصريحات التي لا انعكاس لها على الأرض. فكما تعودنا دوماً، مفاتيح الحلول تكون دوماً مع القيادة.
والمواطن وبسبب الوعود الكثيرة التي لا طائل لها، دخل في نفق من أنفاق أزمات الثقة التي صار بسببها لا يتمكن من تصديق أي شيء وأي أحد كائناً من كان.

والله من وراء القصد.

الأربعاء، 9 فبراير 2011

رسالة إلى أوباما







الأربعاء 9 فبراير 2011

فخامة الرئيس باراك حسين أوباما، اسمح لي بمخاطبتك بكنية (أبوحسين) لأن المروءة عندنا تقتضي أن يكنى الإنسان باسم أبيه. حقيقة، قررت أن أوجه رسالتي حول الديمقراطية إلى شخصك لأنك رئيس للقطب الدولي الأظهر ولكونك منتمياً للحزب الديمقراطي، مما يجعل الخطاب معك حول الديمقراطية ضمن صميم أولويات اهتماماتك.
وأصدقك القول يا أباحسين انني لا أؤمن بالديمقراطية كفلسفة في الحكم، لكوني مسلماً موحداً أرى أن حق التشريع هو للخالق فقط وليس حكم الأغلبية. نعم، أؤمن أن من حق الشعوب أن تشارك في سياسة أمورها، ولكن ينبغي ألا يكون ذلك في التشريع بما لم ينزله الله، وأتوقع أنك تتفهم هذه الفكرة لقرب بعض جذورك من مجتمعات مسلمة. ولكن يبقى أن هذا ليس موضوع رسالتي، فلست بصدد دعوتك إلى الإسلام، لأن الله يهدي من يشاء.
وموضوع رسالتي، هو سؤال موجه لك حول دعوى الديمقراطية، وهل الشعب فعلاً هو مصدر السلطات عندكم كديمقراطيين؟ فمثلاً: هل حرب العراق التي خاضها سلفك الأصولي جورج بوش بالتعاون مع توني بلير سلف ديفيد كاميرون كانت نابعة من قرار شعبي؟ أم انهما ضللا الشعب والدولة وخاضا حرباً شخصية ضد صدام حسين؟ ذلك الهجوم كان بدعوى وجود أسلحة دمار شامل، واليوم يطالب بعض البريطانيين بمحاكمة بلير واتهامه بالكذب، ولعل بعض مواطنيكم مهتمون بمحاكمة المتشدد بوش لنفس الأسباب. إن كانت شعوبكم هي منبع قرارات الحرب - ولا أعتقد ذلك - فيجب محاكمتها وأخذ التعويضات منها ومن أموال ضرائبها، وإن لم يكن، فيجب أن يحاكم رؤساؤكم السابقون.
على كلٍ، نحمد الله أن جعل نهاية حاكم العراق على يد أسياده بعد أن آذى بأمرهم العرب والعجم.
ثم يا أبا حسين، هل ترضون بالفعل بنتائج الديمقراطية؟ أم انها عندكم كالنسيئ عند عرب الجاهلية، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله؟ هل رضيتم بديمقراطية فلسطين عام 2006 حين أفرزت حكومة “إخوان مسلمين” بفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية؟ ألم يصرح بوش حينها أنه يأمل بقاء أبي مازن في الرئاسة ويصرح أنه لا يمكنه التعامل مع حكومة حماس؟
ثم هل رضيتم مؤخراً بفوز حكومة لبنانية معارضة لخططكم في الشرق الأوسط؟ ألم تصرح مصادركم الدبلوماسية رفيعة المستوى بقولها ان “الرئيس الحريري هو الشخص الذي يمكن التعامل معه في توسيع أفق التعاون المشترك، وعملنا معه على إعداد نظام مساعدات مميز للجيش اللبناني والقوى الأمنية، بالإضافة إلى برنامج تطوير كبير ومكلف. وإذا غادر الحكم فهذا ليس أمرا جيدا بالنسبة إلينا لأننا سنفتقد بذلك شريكا أساسيا. ولن نتعامل مع هذا الأمر كأمر واقع قبل أن نرى ما سيحصل بعد انتهاء المشاورات النيابية حول تشكيل الحكومة”؟
ولعلك يا أبا حسين لا تنكر ما حصل عندكم مؤخراً بعد تصريحات الرئيس المصري من هرج ومرج حين خوفكم من استلام الإسلاميين من الإخوان المسلمين سدة الحكم، لقد تغيرت لهجتكم تماماً وصار ديمقراطيوكم يخافون الفوضى المتوقعة في مصر لرحيل رئيسها المفاجئ، مع أنني مازلت لا أرحب بضغوطاتكم على أي دولة لتغيير سياساتها الداخلية، بل أتمنى دوماً أن يكون التغيير من الداخل.
والأعجب من ذلك يا أبا حسين، أن تعلقوا على تصريحات مبعوثكم المؤيدة لمبارك بأنها رأي شخصي. دون أن تعلقوا على أسباب هذه الرؤية أو ما يشاع حول علاقات صاحبكم الاقتصادية بمصر وبالنخبة الحاكمة هناك.
فخامة الرئيس، هل انتبهتم مؤخراً أن للشعب التونسي كرامة وعزة فأخذتم تثنون على عزته وكرامته وانتفاضه على رئيسه الذي صار اليوم حاكماً مخلوعاً، هل يا ترى كان يهددكم أنتم كذلك بسياطه قبل هذا اليوم؟ أم ان ديمقراطيتكم تقتضي التعامل مع الوضع القائم وحسب؟ ألم يكن في إمكانكم وقف التعامل معه بسبب كونه ديكتاتوراً لا يصح أن يمثل مصالح بلده؟ يبدو أنه بالفعل “إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه”.
سؤالي يا أبا حسين حول إيران، أنتم تتعاملون معها بقسوة لعدة أسباب من جملتها أنكم ترونها نظاماً ديكتاتورياً يتجاهل حقوق الإنسان في نظركم، ترى هل كان حليف أميركا الشاه محمد رضا بهلوي رجلاً ديمقراطياً؟
لا أريد أن أسأل أكثر لأن المقام يطول معك حول الديمقراطية، لكن أختم أن أذكرك بشيء يجب ألا تنساه أنت شخصياً، لقد وعدت العالم أجمع بالتغيير، ووجدنا السياسة الخارجية الأميركية لم تتغير أبداً. لقد كنت أنت أيقونة التغيير، ولكن يبدو أن التغيير كان في الانتصار السطحي الظاهري على عنصرية مواطنيكم وإقناعهم بقبول رئيس أسمر البشرة ويبقى أن السياسة الأميركية “ما فيها أحمر أخضر” يا..... “أبو حسين”.

الأحد، 6 فبراير 2011

شعرة معاوية







الأحد 6 فبراير 2011

ربما كانت هذه الشعرة أكثر شهرة في العالم أجمع. يقول عنها صاحبها “لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها”. وهناك شعرات أخرى شهيرة، كتلك التي تفصل بين العبقرية والجنون، والأخرى التي بين الدهاء والخبث، والثالثة بين الصراحة والحمق.
وأعتقد أن هناك الكثير من الأمور التي لا يفصل بين الحق والباطل فيها إلا نصل شعرة، ومن ذلك الفرق بين الحرية الإعلامية وإعلام الفتنة. وأعتقد أن الكثيرين سيخالفونني في السطور المقبلة، إلا أن هذا الخلاف سيريحني إنْ شعرت أن ما أطرحه ذا فائدة.
لا يختلف اثنان على المستوى الراقي التي تظهر به الشبكتان الإعلاميتان الشهيرتان في الخليج العربي والوطن العربي، والذي ينبئ عن قدرات مادية عظيمة تمكن كلاً منهما من اختيار أشهر الكوادر البشرية وعلى الحضور في أرجاء المعمورة كافة، وعلى تعديد القنوات، وإنتاج البرامج. ولا يخفى أنه بسبب قوة حضورهما الإعلامي، اضطرت الولايات المتحدة مثل غيرها من الدول لإيجاد شبكتها الخاصة الناطقة باللغة العربية عام 2004 والتي تنطق برأيها بدلاً من ترك الجمهور العربي للشبكتين العربيتين، وهي قناة الحرة.
وحال شبكة الجزيرة مع شبكة العربية من التنافس لا يختلف كثيراً عن مواقف الدولتين اللتين ينتمي إليهما ملاكهما. فالعربية اعتاد منها الجمهور العربي أن تدعم الأنظمة العربية القائمة، فيما اعتاد هذا الجمهور من الجزيرة دعم الطرف الآخر من كل معادلة. ففي لبنان يتقاسمان تياري الحكومة والمعارضة، وفي العراق يتقاسمان طرفي السياسة والممانعة، وفي فلسطين يتمسك طرف بحركة فتح والآخر بحركة حماس، وفي مصر يشارك كل منهما بدعم السلطة أو المحتجين. أما في دول أخرى كالبحرين، حيث يفترض أن يكون الخطاب أكثر تحفظاً لاعتبارات عدة، فإن العربية تلتزم الصمت، بينما الجزيرة تشاكس البحرين بين حين وآخر. والأمثلة الأخرى موجودة للمتأمل كطهران وكابل، وغيرهما.
يبقى أن خطاب الجزيرة أكثرة حدة وصراحة في كثير من القضايا، وقد بدا ذلك في كثير من المرات التي تعرضت فيها لإجراءات عقابية في الكثير من البلدان العربية وخصوصاً ما تعرضت له في مصر مؤخراً.
وهنا يبدأ الاختلاف بيني وبين الآخرين، فبغض النظر عن رأينا فيما جرى ويجري في مصر، خصوصاً مع إيماني دوماً بخصوصية الشأن الداخلي لكل بلد، إلا أنني لا أستطيع أن أنظر لما تفعله الجزيرة على أنه مصداق للمصداقية الإعلامية البريئة أو من باب حرية الصحافة أو أي باب آخر حتى تنصف الآخرين من نفسها. ذلك أنني أرى أمورا عدة لا تفسير لها ولا مبرر إلا كونها قناة مشبوهة التصرفات والنوايا في كثير من الأحيان وخصوصاً مؤخراً أو صاحبة غرض على الأقل، فمن الأمور التي لا أجد لها تفسيراً:
عدم انتقاد الجزيرة أو العربية للدول التي ينتمي إليهما ملاكهما، وكأنهما المدينتان الفاضلتان. فرغم ما نكنه لهذه الدول الشقيقة من اعتبارات الأخوة والاحترام، إلا أننا لا نرى أنهما استغنيتا عن النقد وخصوصاً من قبل القنوات المملوكة لمواطنيهما محلياً والتي تتشدق كل قناة منهما بأنهما منبر الفكر الحر والأقرب إلى الحقيقة.
اتهام كل منهما لبعض الشعوب أو القيادات بالعمالة للأجنبي فيما نراهما لا يعيبان على بلادهما التحالف مع أقطاب النظام العالمي الجديد على غير مضض ودون أن يعتبر ذلك عمالة، بينما تدفع إحداهما بعمالة المتعاون مع الأمريكان في العراق، والأخرى بعمالة المتعاون مع أمريكا في لبنان وهكذا دواليك.
التحامل الشديد على حكومة مصر من قبل قناة الجزيرة وتسخيرها كل جهودها لتبيين جانب واحد من الصورة. وبغض النظر عن نسبة المعارضين، فلا بد من إعطاء المجال للطرف الآخر. هذا إذا كنا نقول إن القناة لم تشارك بعدتها وعتادها فيما يجري في الشارع العربي. والحال أنها شاركت مشاركة فاعلة، لا كتغطية أحداث كما هو مفترض، وإنما مشاركة كطرف متطفل على العملية السياسية الداخلية.
إن المنافسة ما بين الدول الشقيقة والقنوات الشقيقة لا يجب أن تشعل أتون الأحداث والفوضى في عالمنا المسكين، لمجرد مصالح آنية لا جذور لها في عمق المنظومات الإقليمية والدولية الإستراتيجية الموجودة.
لا شك عندي أن المصداقية الإعلامية لكثير من القنوات لم تعد موجودة، لكن يكفي للمحلل أن يتأكد من إقرار جميع القنوات بالخبر. وأما تفاصيله، فهي دوماً كذبة في كل حرب. وسنتكلم عن مزيد من الخرافات منها كذبة الديمقراطية في المقال القادم، رسالة إلى أوباما

الأربعاء، 2 فبراير 2011

أشرف الخلق





الأربعاء 2 فبراير 2011

في كل مواقف حياتنا نتمثل مواقف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كيف لا و هو خير العباد و أشرف الخلق و خاتم الرسل، و كيف لا و هو الذي يصفه ربه بصاحب الخلق العظيم وبالأسوة الحسنة و بالرؤوف الرحيم. و عنه يصرح الكتاب أنه لا ينطق عن الهوى و أنه مطهر من الرجس و أنه متنزل السكينة.
 و في مثل يوم ارتحاله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى، يبقى كل العالم منصتاً بكل ذهول إلى فضائل الشخصية الأهم في تاريخ البشرية، و إلى قصة حياته الملهمة و إلى رسالة سمحاء دعا لها ثلاثة عشر عاماً ثم أسس لها دولة عاش يشيد أركانها عقداً من الزمان، ليترك الأمانة لمن بعده من الخلفاء الراشدين المهديين .
 و رغم التوثيق المفصل لحياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن الكثير من الجوانب المهمة من حياته لم تكن تحت دائرة الضوء بالنسبة للمسلمين، أو بمعنى آخر تم إهمالها. و قد تكون المصالح الآنية أو الصراعات الفئوية على مر التاريخ و تغير الدول أسهم في نقل صورة مغلوطة استند إليها بعض المستشرقين و المعادين للإسلام في انتقاد شخصية محمد عليه الصلاة والسلام المنزهة عن النواقص و الصغائر.
 بمعنى آخر، فإن الدول و الدويلات التي قامت سواء الأموية في الشام ثم الأندلس أو العباسية في العراق أو العثمانية أو الصفوية، هذه السياسات المختلفة كانت تسعى أن تجعل من الخليفة مثالاً حياً للرسول و تصنع مما يفتي به لتدعيم حكمه أو توجيه سياسته جزءاً من الدين يدعم في أوقات كثيرة بما ينقل عن الوضاعين و الكذابين.
  و لاعتماد السياسة على الدين كونها في مجتمع يفترض به التدين، فقد احتاج الساسة بين كل حين و آخر للاجتهاد حيناً وللوضع أحياناً أو تنزيه شخصياتهم حيناً آخر للتسويق الإعلامي لسياساتهم و التأصيل لها من الدين. و لا أقول جديداً حين أزعم أن سياسات القوم قد أوجدت صورة مشوهة للإسلام في عيون غير المسلمين و بالتالي لصاحب هذه الرسالة و لأتباعه أيضاً.
 و أضرب مثلاً جديداً نسبياً على ذلك، وهو اتجاه إرهابيي القاعدة، فالقاعدة رغم تناقض توجهاتها مع السواد الأعظم من المسلمين، إلا أن أعداء الإسلام استطاعوا أن يسوقوا بها صورة نمطية جديدة للمسلمين عموماً تحمل صفات وحشية بغيضة. على أن القاعدة و لا شك رغم تشويهها لهذا الدين العظيم قد حاولت كغيرها من ذوي الأغراض تأصيل توجهاتها و الاستفادة من الأحاديث النبوية التي كانت تبشر أفراد الجيوش المسلمة المحاربة تحت لواء الإسلام بالجنة و النعيم، رغم كون أتباع القاعدة منشقين حيناً و خوارج أحياناً. و أذكر أنني سمعت مرة شريط كاسيت في سيارة أجرة في موسم الحج عام 2004 تنقلنا من مكة للمدينة يسهب في الوصف الدقيق للمزايا الجمالية للحور العين وصفاً يخجل منه شاعر الغزل الصريح. ثم ينتقل المحاضر إلى ذكر الأعمال المؤهلة للحصول على الحور العين، ثم يحصرها في الجهاد و يركز عليه. طبعاً أحسسنا يومها بأننا نحضر جواً قاعدياً بامتياز حين انتقل الخطيب إلى تمجيد المجاهدين في كل بقاع الأرض. و للقارئ تقييم مدى انتشار الفكر القاعدي في أوساط الشباب و مدى تأثير ذلك على السلم الأهلي في بلاد المسلمين و في تمزيق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي يفترض أن المسلمين يتبعونه و ينفذون تعاليمه.
 من حق صاحب الرسالة علينا، أن ننقل صورته العظيمة للعالم أجمع بمعزل عن أغراضنا الشخصية و بتجرد عن اتجاهاتنا السياسية و مصالحنا الآنية ليتمكن هذا العالم من رؤية ما نراه، و لنسهم في الدفاع عن هذه الشخصية العظيمة التي أسيء لها أكثر ما أسيء بسياساتنا و ابتداعاتنا و أهوائنا التي لم تنجح في أن تشرب من معين الإسلام و صافي المورد المحمدي العظيم. إن هذه الأرواح المتعبة في بحثها عن الكمال وقفت بباب النبي الأعظم إلا أنها تحتاج أن تدخل لتحلق في رحاب حرمه وستضيئ بنوره لترى الطريق إلى خلاصها فترجع إلى ربها راضية مرضية.
اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.