الأربعاء 23 فبراير 2011
هذه المائدة التي تترقبها أطراف عديدة في البحرين لتوصيل رؤاها حول العمل الوطني سواء من حيث النظرية أو التطبيق. لم يكن أحد يتمنى أن يكون ثمن وصول هذه الرؤى بهذه الفداحة، وأن تكون طبعات خطوات الأقدام إلى هذه المائدة حمراء اللون قانية كلون دماء أبنائنا الذين تساقطوا في شمال البلاد.
كل منا يحمل ولا شك رسائل إلى هذه المائدة، سواء من وقف في دوار اللؤلؤ أو لم يقف، من دعا إلى التحاور أو من دعا للتظاهر، ولعل أكثر الرسائل خطورة ما كان مختوماً بتواريخ قديمة قد تعود إلى عشرين سنة من يومنا هذا أو تزيد.
الرسالة الأولى: الانفتاح في بلد محافظ: لو نظرنا إلى شعب البحرين المحافظ بشكل عام لوجدنا عمومهم يتمنون لو أقفلت الحانات من حولهم، ومنعت صور الحياة الليلية من أنحائهم، ليس فقط حفاظاً على سمعة البحرين وكرامة أهلها. هذه السمعة التي صارت وصمة على جبيننا كبحرينيين ونحن نرى البلد مقصداً للسياحة الرخيصة وأكرر الرخيصة، حتى صار الواحد منا يستوحش من السيارات ذات الأرقام الخليجية حين يسأل أصحابها عن “المصنع” أو “الشركة” أو بعض شوارع العاصمة. أضف إلى ذلك كم الحوادث الهائلة التي راح ضحيتها أبناؤنا تحت عجلات السواق الثملين.
ولا أعتقد أنني أحتاج لذكر باقي مساوئ هذا الأمر التي صار تكرارها غير ذي جدوى، رغم إجماع نوابنا منقطع النظير على محاربتها في برلمان 2006، إلا أنها لم تجد حلاً ولا أدري لماذا. أليس هذا ملفاً للوحدة الوطنية يجمع عليه سواد هذا الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه؟
الرسالة الثانية: ملف الإسكان: هذا الملف الملتهب الذي لا نجد صحيفة في أي يوم من أيام السنة لا تتكلم عنه ولا مواطنا بحرينياً إلا يرزح تحت عبء أقساطه أو إيجاراته بسببه، لا غني ولا فقير، ولا شيعي ولا سني.
حين يصل عمر بعض الطلبات إلى عشرين سنة أو أكثر، فإن الاستراتيجيات الموضوعة لحله لا تحمل إلا خواء ودعايات إعلامية فارغة وعصي صلبة في عجلة الإصلاح. حين يصل عدد الطلبات الإسكانية 54 ألف طلب أي نصف عدد الأسر البحرينية بحسب إحصائية مكرمة الالف دينار التي أحصت الأسر المسجلة بمئة وستة عشر ألف أسرة، فإن نصف عائلات البحرين تعيش في الإيجار أو في ملحقات ضيقة، بخيارات أحلاها مر.
المشكل المعيشي الذي تبين لنا كل الأزمات أنه سبب حاضر بقوة، ولكن يتم تجاهله إن لم يكن في القراءة ففي إيجاد الحلول. لقد تبين بعد كل هذه السنوات أن المشكل المعيشي هو ركيزة المشكل الأمني، أليس كذلك؟
أليس الملف الإسكاني نموذجاً صارخاً للمشكل المعيشي، الذي يجمع عليه كل مواطني البحرين بكل مللهم وطوائفهم، ولا يختلف عليه اثنان بسبب خلفية مذهبية أو أيديولوجية أو سياسية؟
الرسالة الثالثة: إعلام بعين واحدة: حين يعجز إعلامنا في استقطاب مشاهدين من البحرين حتى في الأيام التي تمر فيها بلادنا بظروف طارئة، ويفضل كل بحريني أن يشاهد قناة أخرى يقتنع أنها اقرب للحقيقة أو في قلب الحدث. حين يصرح بعض أفاضل ضيوف البرامج في قنواتنا أن إعلامنا يكرر دوماً اسطوانات مشروخة، حين يكون إعلام التلفزيون نبضاً لصحيفة معينة ومنتدى معين على الإنترنت. حينها مشاكلنا لن تستعصي على التشخيص وحسب، بل سنجد التويتر والفيس بوك وغيرهما ينطقان بنبض مختلف لا ينبغي أن نأسف على توجيهه إذا تم توجيهه. لأننا ضيعنا فرصة استقراء مشكلات الناس من خلال إعلامنا، وصار كل ذي شكوى يطرحها في فضائه الخاص حتى نمت وتفاقمت دون حل.
أليس واضحاً أنه لا أحد يشاهد قنوات تلفزيون البحرين؟ وأنه لم يعد يمثل البحرين حقيقة؟
هذه أمثلة لبعض الرسائل التي لا بد من طرحها في الحوار الوطني الذي دعا له سمو ولي العهد في دعوة للجميع أن يتكلموا بكل صدق ويؤدوا أماناتهم تجاه هذا الوطن لحمايته من كل هزة أو أزمة.
آخر الوحي: أؤمن أن مشاكل هذا البلد الحبيب لا تتعلق بصيغة سياسية معينة، فهناك ملكيات دستورية تعاني مما نعانيه، وهناك ملكيات مطلقة تعيش الرفاه والاستقرار. لن أطلب في يوم أن توضع العربة أمام الحصان، ولن أثق بجدوى التغيير السياسي بقدر ما أثق وأتمنى وأتطلع إلى حل المشاكل المعيشية كضمانة على الاستقرار. أما تطوير المشاركة السياسية، فلن يريح البحريني من عبء المشكل الشعبوي، بقدر ما سيحل جزءاً من المشكل النخبوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق