٠١ يونيو ٢٠١١
اليوم رسمياً هو أول يوم بعد رفع حالة السلامة الوطنية التي أعلنت منذ منتصف شهر مارس 2011 في أعقاب أعنف أزمة سياسية تعصف بالبلاد في تاريخها الحديث. هذه الأزمة مرت في سياق من الاضطرابات والأزمات في عدد من الدول العربية، انتهى بعضها بسقوط أنظمة وبعضها مازالت تكابد صراعات داخلية وخسائر في الأرواح والممتلكات. في الدول التي سقطت فيها الأنظمة لم تكن لحظة السقوط نهاية مطاف أو بداية عهد زهري اللون، بل على العكس. فهذه الدول لا تزال تعيش مخاضات سياسية وأمنية حتى الوصول إلى نقطة توازن مرة اخرى.
خارطة جديدة غير واضحة المعالم ترسم للوطن العربي سواء على مستوى صيغ الحكم أو التحالفات وموازين القوى أو التيارات الفكرية والفلسفات والعقائد، ستأخذ وقتها حتى تتضح معالمها وتتمايز توجهاتها وسياساتها.
ورغم التسمية التي شاعت بكون الحاصل ربيعاً عربياً، إلا أنه لا يشابه الربيع في أي شيء، فموجات عدم الاستقرار والعنف والعداوات بين الدول القائمة والأنظمة الوليدة كفيلة بتعكير صفو أي مكاسب سياسية للشعوب، إذ قد تتسلم هذه الشعوب دولاً لم يبق منها إلا الاسم بعد ضياع أجزاء مهمة من مميزاتها ليس أقلها الأمن والاستقرار.
التغيير كما طال الدول العربية منفردة طالها كمجاميع، فهناك توترات واضحة في العلاقات ما بين عدد من الدول العربية واتهامات متبادلة في وجود أيدي عربية تعبث باستقرار دول عربية أخرى، يضاف ذلك إلى قائمة الخلافات الحدودية والاستراتيجية الموجودة منذ البداية.
كذلك يشهد العالم العربي إشارات بتطور لتكتل قائم هو مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي من المزمع أن يشمل معه المملكتين الهاشميتين في الأردن والمغرب، وبذلك سيشتمل المجلس على جميع الملكيات العربية، التي قد تتشابه في عدد من الخصائص التي لن تقتصر بعد ذلك على الموقع الجغرافي.
جامعة الدول العربية في ظل هذا الوضع يجب تعزيز دورها لكي لا تتعمق الاختلافات الأخوية وتتحول إلى خلافات صعبة المعالجة وشروخ في جدار البيت العربي الواحد. وبالنسبة للجامعة فهي تشهد خروج رئيسها السابق الذي قد يخوض غمار انتخابات الرئاسة في مصر ليقود المرحلة الانتقالية فيها.
في ظل مثل هذه الأوضاع والأحداث المتلاحقة كلها، عاشت البحرين هذه الأزمة التي نأمل أن نطوي صفحتها بتحقق الاستقرار واستتباب الأمن مبكراً بدليل رفع حالة السلامة الوطنية قبل موعدها. هذه الأزمة التي لا يتمنى أي مواطن مخلص أن تعصف ببلده، تذهب فيها أرواح وينتكس الاقتصاد وتضيع فيها وظائف وتتقطع الأرزاق بين عاملين وأرباب عمل والأهم من ذلك كله انقسام المجتمعات وشحن النفوس وتعمق الاصطفافات الطائفية البغيضة.
وبسبب حبنا لبلدنا والتصاقنا بترابه وتمسكنا بأمنه واستقراره وازدهاره، فإننا نأمل أن يكون الطريق نحو التعددية مفتوح بتعددية، وأن يكون الدفع نحو الرفق والأمن والاستقرار محافظاً على الرفق والأمن والاستقرار، والسعي لثقافة الانفتاح على الآخر بانفتاح على الآخر. وبكلمات أخرى فإننا نرجو أن تكون دعوة كل اتجاه وفريق ورأي في المجتمع لمبادئه عبر الممارسة وليس الشعارات التي لا تتجاوز الاستهلاك الإعلامي.
نعم نأمل في تطوير عملية إدارة الدولة والشراكة والمناصحة، ولكن لا يطاع الله من حيث يعصى، ولا يجوز أن نحقق هدفاً سامياً بأسلوب لا يساويه في السمو. وكما قال جلالة الملك حفظه الله ان الكلام عن برلمان أفضل وحكومة أفضل هو مطلب الجميع.
ومن هذه الرغبة المستمرة والدؤوبة في الإصلاح والنظرة المشفقة على البحرين من الشقاق والنزاع والمحبة لكل من يعيش على تربة هذا الوطن، نتمنى بكل إخلاص وبعد أن تم استتباب الأمن أن نسمع تباشير حوار وطني صريح ينهي الاختلافات الجوهرية ويضع النقاط على الحروف ويخرجنا من عين الأخبار الحاسدة الحاقدة إلى ضفة الأمن والاستقرار والوفاق والوحدة الوطنية بالممارسة وبعيداً عن الشعارات البراقة، ويقطع الطريق على أي تدخل خارجي من الشرق أو الغرب.
آخر الوحي:
سعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم
يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً بمالٍ ومعروف من الأمر نسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق