٢٦ يونيو ٢٠١١
يذكرني هذا المقال بمقالي «جدل في المسلمات» فهو يحمل جواً فلسفياً مشابهاً، إلا أن ما لفتني لموضوع المغالطات، هو كلام أحد الأقارب الأعزاء، ولربما كانت هذه إحدى ميزاته الفكرية حيث يركز فكره دوماً على اقتناص المغالطات وتصحيحها، وهي ميزة أعتقد أنه ورثها كابراً عن كابر، كما ورثها الكثير من أهل البحرين عامة والمناطق المشهورة بالعلم والعلماء خاصة.
حتى قال في بعضهم أحد الشعراء:
أناس في أوال قــد تصـدوا لمحو العلم واشتغلوا بلم لم
إذا جادلتهم لم تلق منهم سوى حرفين: لم لم؟ لا نسلم
يقال ان هذه الأبيات قالها الشيخ الحسين بن عبدالصمد العاملي (والد البهائي) في أعقاب مناقشة مع عالم جدحفص آنذاك الشيخ داود صاحب المدرسة القائمة هناك حتى اليوم.
نرجع لاقتناص صاحبنا للمغالطات واتحفني بثلاث مغالطات لا يسلم لها ويهتف في وجهها بـ (لم لم؟) وبـ (لا نسلم) قويتين، يقول فيها:
1 - المغالطة الأولى حين تنزعج المعارضة من تمثيلها في الحوار بخمس شخصيات عن الجمعية، وتقول ان هذا فيه إجحاف بحقها، فهي تملك كجمعيات من القواعد الشعبية والأصوات الانتخابية ما يؤهلها لامتلاك نصف نسبة التمثيل أو ما يزيد عليها. وفي هذا الأمر مغالطتان الأولى كما يقول: ان تمثيل هذا الاتجاه لن يقتصر على ممثلي الجمعيات إنما سيشمل كذلك بعض الشخصيات التي ستدعى بأسمائها لا بحكم انتمائها لأي جمعية كما سيشمل مؤسسات المجتمع المدني وتمتلك المعارضة حضوراً قوياً فيها. والمغالطة الأخرى هي في الدفع بوجوب كون الحوار مقصوراً على المعارضة والسلطة، وهذا يحوي الكثير من الفكر الإقصائي، فأنت تسعى لامتلاك ديمقراطية باعتبار الوضع الموجود غير ديمقراطي ثم تريد اعتماد مخرجات الوضع الحالي كمقاييس للأكثرية والأقلية. هل تيقن أنه في حال خرجت التغييرات المقترحة في الدوائر الانتخابية بحيث تجعل البحرين دائرة واحدة أنك ستكون الأغلبية الفعلية؟
ثم انه حتى مرجعية المعارضة تقول انه لا وكالة ولا تخويل عن الشعب وأنت كمعارضة تريد احتكار الحوار عن الشعب كله؟ وكلامي هنا لا يعني أن النموذج المطروح هو الأفضل، إلا أنه ولاشك أفضل من الاحتكار الذي تقترحه المعارضة.
2 - المغالطة الثانية هي محاولة فرض شكل معين من التطبيق للقانون، وكأن القانون صار ملكاً لأحد دون الآخر، متناسين أن القانون فوق الجميع. مثال ذلك دعوى أنه لا يجب أن يكون هناك عفو عن مذنب أو متهم من باب ضرورة فرض سيادة القانون. وتجد من يطالب بذلك يهدد، إذا لم تطبق العقوبات فإننا لن نسكت، ماذا ستفعل هل ستتجاوز القانون؟ تصير مذنباً أنت أيضاً في هذه الحالة، ولا مفر من تطبيق القانون عليك.
ألا يعلم دعاة الانتقام ودعاة رفض العفو أن العفو هو أحد الخيارات التي يقترحها القانون وهي غير خارجة عنه بل هي من صلبه. يقول الدستور في مادته الحادية والأربعين:
«للملك أن يعفو، بمرسوم، عن العقوبة أو يخفضها».
فالعفو إذا حق ملكي خالص لا يحق لأحدٍ أن يجعله حجراً محجوراً، وهو من صميم القانون حين يرى جلالة الملك فيه مصلحة وطنية عليا.
وإن كان يحق لكم التماس عدم العفو كما يحق لغيركم أن يلتمس العفو، فلا تستبقوا القضاء، فإنك ان تطلق مذنباً خير من أن تعاقب بريئاً.
3 - المغالطة الثالثة: من المخجل أن يجر أحد النار إلى قرصه بأن يدعي أن رمزاً وطنياً هو رمز لطائفته. فرموز الوطن هم رموز الجميع وظل للجميع وعون للجميع لأن الوطن يحتضن جميع أبنائه. لسنا نحن الذين لا نرضى بهذا وحسب، بل القيادة بكل رموزها تنأى بالوطن والشعب عن هذا الكلام وهذه اللغة. ولم يشهد لهم التاريخ أبداً كلمة تدل على نزعة طائفية أو مذهبية.
فسواء كان من باب جر النار إلى القرص أو من باب إقصاء الآخر أو من باب الحب والولاء فكل هذا لا يسوغ الكلام بهذه الصورة عن القيادة التي هي ظلنا جميعاً ونفتخر ببنوتنا وولائنا وانتمائنا لها. أشكر صاحبي على ما قاله من كلمات، وأرجو أن نبض قلمي لم يشوش الأفكار البناءة التي حملها نبضه الفكري.
والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
الحب ليس رواية شرقية
بختامها يتزوج الأبطال...
لكنه الإبحار دون سفينة
وشعورنا أن الوصول محال...
هو أن تظل على الأصابع رعشة
وعلى الشفاه المطبقات سؤال...
هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله وغلال...
هو هذه الأزمات تسحقنا معاً
فنموت نحن وتزهر الآمال...
نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق