12 يونيو 2011
مع تطور الإعلام صار يتوجه نحو تحليل واقع الحركات السياسية ونشأتها في البحرين، وأصولها الحزبية وانتماءاتها الدينية والمذهبية. وهذا التوجه أحد أسبابه تصاعد تأثير هذه الحركات على المجتمع وخصائصه الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومن ناحية أخرى فإن كون المجتمع إسلامياً محافظاً انعكس على الطبيعة الدينية لأحزابه وتنظيماته.
من الملاحظ أن أغلب صحفنا الناشئة في عهد المشروع الإصلاحي وهي غالبية الجرائد الموجودة بدأت بطرح ملفات من هذا النوع في بدايات صدورها ثم كانت تطرح مثيلاتها في المناسبات والأحداث المرتبطة ببعض الشخصيات الرئيسية في هذه التيارات أو في الوسط الديني عموماً.
مؤخراً عاد هذا النمط من المقالات في الظهور في محاولة لتشخيص عوامل ظهور الأزمة المؤسفة التي حصلت مؤخراً في البحرين، وفي هذا الاتجاه كانت برامج تلفزيونية ومقالات صحافية ودراسات إنثروبولوجية.
ما لفتني هو التركيز الواضح على المدرستين الأساسيتين في الفقه الشيعي وهما المدرسة الإخبارية (المحدثون) والمدرسة الأصولية (المجتهدون)، والتركيز على ارتباط الأخيرة بالحركات السياسية الثورية. وهنا باب لنقاش واسع قديم جديد حول مدى صحة هذا التشخيص.
فالتاريخ يؤكد بشكل أو آخر أن التوجهات السياسية الثورية جديدة على الطائفة الشيعية الاثنا عشرية وهذا كلام صحيح، فالشيعة منذ عصور أئمتهم لم يكن لهم هدف الوصول إلى الحكم لذا نجد أن الخلافة اقتصرت على الإمامين علي بن أبي طالب وابنه الحسن عليهما السلام وفي ظروف محددة يعرفها الجميع، ثم لم يكن أي من الأئمة حاكماً أو خليفة أو حتى طالب حكم. بل كانوا لا يؤيدون ولا ينتمون ولا يدعون لأي من الحركات السياسية التي قام بها أفراد من الشيعة حتى إن ربطتهم بهم القرابة. فعدة حركات منها الحركة الزيدية كانت في اتجاه السعي لإيجاد حكم شيعي إلا أن خط الأئمة لم يكن في هذا الاتجاه ولم يؤيده.
وعوداً على بدء فالمدرسة الأصولية في الفقه الشيعي ليست شيئاً جديداً حتى يقال انها السبب في صعود تيارات ثورية وإن كانت هذه التيارات تخرجت من صفوف هذه المدرسة. إذ أنها كمدرسة لم تخرج بجديد في تعامل الشيعة مع مواضيع السياسة والحكم بل ظلت في نفس الإطار التقليدي، لذلك يكفي النظر إلى توجهات مراجع الفقهاء في القرن الخامس عشر الهجري ومنهم السيد الخوئي والسيد السيستاني ونظرتهم وغيرهم إلى هذا الباب من الفقه. هؤلاء المراجع يلتزمون خطاً محافظاً ورثوه عن أئمتهم وهو نفس المنهج الذي توارثه الفقهاء المعتبرون.
وقد يقول قائل ان نظرية ولاية الفقيه هي منشأ التوجه الثوري وهنا أقول أيضاً ان هناك أكثر من خلل في هذه النظرة. أولها ان القائلين بولاية الفقيه لا يمثلون السواد الغالب من فقهاء الشيعة. والخلل الثاني ان هذه النظرية في الفقه ليست حديثة تماماً، فقد مرت هذه النظرية بعدة مراحل حتى وصلت أوجها مع الخميني وارتبطت بإيران الثورة فكانت أساساً لحكم الولي الفقيه.
ويرد هنا سؤال من داخل البيت الشيعي يقول: فإذا كان التشيع نفسه كمذهب ومدارسه الفقهية المختلفة براء من مسألة السعي للحكم ما خلا بعض النظريات والمسائل الخلافية، فكيف يمكن تفسير تصاعد الحركات الثورية؟ فنقول هنا ان هذه الظاهرة ليست طارئة على جمهور الشيعة فحسب بل طارئة على عموم المجتمعات الإسلامية. وإذا كان الكلام عن رفض لون معين من التشدد فإن لوناً آخر سينمو وسيصير أسوأ من سابقه.
إن تغييرات جمة دخلت على المفاهيم العامة في نصف القرن الفائت وأحدثت تغييرات في قناعات الناس وأفكارهم. ربما كان تعاقب المذاهب الفكرية المختلفة على قيادة الحركات الشبابية على مدى الخمسين عاماً الماضية قد ساهم في فتح الطريق لهذه الخلخلة. التشكيك المستمر في المفاهيم الكلاسيكية بفعل الحركات اليسارية ثم العلمانية ومن ثم الإسلامية ساهم بخلق منظومة جديدة من المفاهيم. أضف إلى ذلك ما أنتجته العولمة من نموذج موحد لأنماط الحياة والسلوك والتفكير.
كما أنه من نافلة القول ان نشير إلى نقطة هي ان إيران ليست توسعية بفعل تحولها لجمهورية إسلامية مصدرة للثورة، إنما ثقافة التوسع والامبراطورية والمجد الفارسي جزء من الموروث الثقافي لكل الشاهات والحكام في إيران والشواهد كثيرة.
آخر الوحي:
ليس السؤال «إخباري أم أصولي؟» إنما «حزبي أم غير حزبي؟».
أهنئك على هذا المقال الرائع ، و اذكر القارئ بمقالك المنشور بتاريخ سبتمبر ٢٠١٠ بعنوان الأخوة الحزبية .
ردحذفمعظم الاحزاب السياسية الاسلامية للأسف تبنت التنظيم و الحراك الحزبي الغير إسلامي حتى أضحى الاسلام مجرد مضاف يجر بعد كلمة حزب.بلا شك ان توحيد وتنظيم القوى مطلوب في جميع المجتمعات ولكننا للأسف استوردنا النموذج الغربي البعيد عن القيم الاسلامية.
اذكر هنا مقال جورج واشنطون وهو من المؤسسين للولايات المتحدة قبيل تنحيه من السلطة يحذر فيه من ما اسماه بالروح الحزبية:"هذه الروح ، للأسف ، لا يمكن فصلها من انفسنا فهي تستمد جذورها من أقوى عواطف العقل البشري وقد كانت موجودة تحت اشكال مختلفة في جميع الحكومات.... ان هيمنة فصيل على فصيل مصحوبة بروح الانتقام هي من طبيعة الشقاق الحزبي والذي انتج على مر العصور اشد الفظاعات . المشاكل الناتجة عن الروح الحزبية تجعل من واجب العقلاء ثنيها وتقييدها"
اختم مقالي بقول العزيز المقتدر
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
أخي صلاح،
ردحذفأشكر مرورك و نزولك في مدونة الكلام المفهوم، فأهلاً بك و أتمنى منك دوام التواصل و الإثراء