الأربعاء، 15 يونيو 2011

القطة و اللحم








الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١١




حين كنت طالباً بالمرحلة الابتدائية ولعله في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي، كان منهج اللغة العربية يحتوي على قصص طريفة. أذكر من ضمنها قصة من طرائف جحا. هذه القصة رغم فكاهيتها بالنسبة لنا آنذاك إلا أنها كانت تحتوي على مقدار بالغ من الحكمة، واختصاراً للموضوع دعوني أروي لكم شيئاً من هذه القصة.
يروى يا سادة يا كرام أن جحا ذلك الكوميديان العربي المشهور اشترى رطلاً من اللحم لمؤونة طعام الغداء. بيد أن الرجل بعد أن ترك المنزل وعاد لعمله، لم يدر أن امرأته لن تنتظر مجيئه وأنها سوف تطعم اللحم لعيالها. قامت بطهي اللحم طهياً شهياً وبادرت بتقديمه لصبيتها الجائعين.
وبالطبع عند عودة جحا إلى المنزل، كان أول ما سأل عنه هو رطل اللحم الموعود. هنا أجابته المرأة أن غداءك أكلته القطة. فقال جحا أكلته كله؟ فقالت له: بل لم تترك منه مقدار لقمة. أطرق جحا لدقائق ثم قال علي بالقطة. وحين جاءته بها قام بوضعها في الميزان.
وجد جحا القطة تساوي رطلاً في الميزان فناداها بلسان العجب: إن كنت أنت القطة فأين ذهب اللحم؟ وإن كنت أنت اللحم فأين ذهبت القطة. انتهت القصة هنا ولعل جحا اكتفى بعد ذلك بتناول الخبز الحاف أوبات طاوياً، لأن البروبوغاندا التي تعذرت بها زوجته رغم أنها مكشوفة إلا أنه لا يستطيع فعل شيء، فالخلاصة أن الغداء فات.
ولعل ما يسمى بالمعارضة وما يسمى بالموالاة في البحرين كانتا في الفترة الأخيرة تزايدان على بعضهما البعض في العدد بما يشبه قصة القطة واللحم. فبينما الأولى تختزل الشعب فيها بالمسمى وبالشعار وتتكلم بإسمه، تختزل الثانية الشعب بالعدد المهول الذي تذكره أيضاً، ناسين أن البحرين كلها لا تحوي مجموع العددين.
الحال أن هذا الموضوع كان مثيراً للضيق حين تجد البحرينيين في سجال على الأكثرية، مع العلم أن الأكثرية والأقلية لا قيمة لها في ميزان الحق والباطل. فالحجة الداحضة لا ترجح بالعدد الكبير والحجة القوية لا يجب أن تحتقر لقلة القائلين بها. فمابالنا إن كانت مقدمتنا باطلة؟
اليوم والأمور تتجه لنصابها ندعو كل بحريني وبحرينية أن ينفصل عن العقل الجمعي لئلا يصدق علينا قول الباري “الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون”. ثم بعد أن ننفصل عن عقل الجماعة نفكر بهدوء وروية من خلال المنهج القرآني لنبذ العقل الجمعي كما شرحه بعض العلماء “قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا”.
وأما أن نكون اسرى لـ “ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر” فلن يوصلنا إلى حق ولا عدلٍ ولا برٍ ولا إحسان.
ولقد تكلم عدد من حكماء البلاد حول المصالحة الوطنية وحول التقريب ورأب الصدع، وأنا على يقين أنه لو نزعت الضغائن والحساسيات من القلوب وفهم كل طرف هواجس الآخر ومد إليه جسور التقارب والثقة ورسائل التطمين وعلامات حسن النية فإننا سنجد أنفسنا في حال افضل مما كنا عليه.
وأنا أعلم علم اليقين أننا جميعاً فوق هذه الأرض إنسانياً أسمى منا سياسياً، لأن الإنسانية رحم جامعة والسياسة تنافس ومغالبة وقهر بالعدد أو بالعدة، لذا لا بد من التقارب فهوالسبيل الوحيد لنجاح العيش المشترك. والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
أتنكر يا ابن إسحق إخائي **** وتحسب ماء غيري من إنائي؟
أأنطق فيك هجراً بعد علمي**** بأنك خير من تحت السماء؟
وهبني قلت هذا الصبح ليلٌ **** أيعمى العالمون عن الضياء؟

أبوالطيب المتنبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق