الأربعاء، 29 يونيو 2011

الجلبريك






٢٩ يونيو ٢٠١١


حين قمت بشراء جهاز الآيفون منذ أشهر، سألني أحد الأصدقاء إن كنت قد قمت بعمل “الجلبريك”، فقلت له ليس بعد. قال لي إن هاتفك من دون جلبريك لا يساوي قيمته التي اشتريته بها. فلما سألته عن الجلبريك، قال إن هذا البرنامج يخولك تركيب تطبيقات وبرامج مجانية كثيرة. قلت له إن الجهاز يوفر منفذاً لمثل هذه العملية، هو المنفذ الرسمي “متجر التطبيقات”، قال لي صحيح إن الكثير من البرامج المجانية متوفرة، ولكن هناك الآلاف غيرها التي لن تجدها هنا، سواء بسبب كونها برامج من صنع هواة أو بسبب تكلفتها التي ستضطر لدفعها في هذه الحالة.
قال: جهازك الذي يرتبط بشركته الأم عبر المنفذ “الأصلي” لا يمكنه التواصل مع أي منتج برامج غير معتمد من الشركة الأم. إن جهازك معلق بأمه الشركة كما يتعلق الجنين عبر حبله السري بأمه، فيأخذ منها كل احتياجاته. حين تقوم بعمل الجلبريك، فإنك تطلق له العنان ليأخذ التطبيقات التي يشاء من حيث يشاء، ولا يعود أسيراً لشركة “التفاحة المعضوضة”.
فكرت، إنها ميزة رائعة، في إطلاق العنان وفتح الأفق أمام المزيد والمزيد من الأفكار الجديدة والتطبيقات المفيدة التي لن تتوقف، بل وقد تتوفر بالمجان. ثم هالني تفكير آخر، كم من البشر يسبح في عالم الأفكار بعوامة عقول الآخرين عبر أفكار معلبة جاهزة ويستغني ربما بإرادته عن التفكر والبحث والتساؤل؟ ما أكثر الناس الذين يحتاجون أن تطبق عليهم وعلى عقولهم عملية الجلبريك؛ لإنقاذهم من هذا الأسر الاختياري الذي يقعون فيه.
يا ترى كم من الناس يضيف لأبواب الجنة المباشرة طرقاً ودهاليز طويلة لا توصلهم إلى الحق والحقيقة، ولكن توصلهم إلى، حيث يراد لهم الوصول؟
لكن هل بالفعل هو أسر اختياري؟ وهل كل إنسان له القدرة على مراجعة ذاته وفلسفته في الحياة لينطلق نحو آفاق السعادة المنشودة والتي يجدها بين ذراعي العلم والحرية؟ لا أدعي أن لي أنا الشجاعة بعد لمواجهة كل آفات نفسي ونزعات عقلي وقيود ضلالي، لكن أليس جهاد النفس هو الجهاد الأكبر؟ فهل نتوقع هذا الجهاد معركة سهلة أو قصيرة؟
ثم، إن لم أبدأ في التفكير دون اعتماد على أحد، فهل سأنتظر أحداً أن يحاسب على نتيجة أعمالي ويدفع الفاتورة عما تقترفه يدي وترتكبه جوارحي؟ هيهات، فإن كان متوقعاً لعقوبة الناس الوقوع في الظلم والعقاب الجماعي، فإن عقوبة الضمير تستهدفك فرداً حتى تخنق كل إحساس لديك بأي قيمة لنفسك. ستجد نفسك حقيراً وضئيلاً لدرجة أنك تلوم نفسك على ما فعلته بأمر غيرك، ثم لا تجد هذا الأمر واتباعه عذراً منقذاً من عذاب الضمير.
الغريب أن الأديان قد حضت على ترك العبودية للبشر وعدم عبادة الأحبار والرهبان، وعدم الانسياق الأعمى وراء موروث الآباء وعدم جعل الحياة لعباً ولهواً، وذمت الكثرة ونهت عن الاغترار بها، وأكدت أن الحق نور وشعاع لا تخفيه الأكف ولا المناخل. حتى تاه رجل فصاح به علي عليه السلام “إنك ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله”.
وحين تتوصل لرأي وتقتنع به، فلا تخش من اختلاف رأيك عن الآخرين، فلست ملزماً بآراء الناس، وحذار أن تقول إنك واحد من الناس إن أصابوا أصبت وإن أخطأوا أخطأت. بل إن تفكيرك وظهور آراء مختلفة لك هو دليل وجودك كما قال ديكارت “أنا أفكر إذن أنا موجود”.
أعط الجلبريك فرصة ليخرجك من قائمة من المسلمات الموروثة، والتي استفاد من وجودها السياسي والتاجر والواعظ والرئيس وربما الحانوتي. كل هؤلاء ربما كان موتك فرجاً لهم، عذابك مصدر لرزقهم، مشاحناتك باب لوجاهاتهم، فهؤلاء يا عزيزي هم الجالسون على الطرف الآخر من الشبكة، بينما تتصل أنت وآلاف غيرك بالجهاز نفسه والبرنامج نفسه، والمعادلة الخاسرة نفسها.
اعلم أن من حقك أن تستمع لكل الآراء، ولا يخدعنك كاذب يقول بخلاف الآية “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب”. ولا يغرنك من يصنف البشر ويقول: دع عنك هذا، فإنما الناس إما أخوك في الدين الذي يستحق منك النصيحة أو نظيرك في الخلق الذي يستحق منك الرأفة.
يبقى أن إجراء عملية الجلبريك تتطلب أن العمل الجاد لصناعة برنامج يفكك شفرات الشركة الأم المسيطرة على أدمغة الأجهزة، وإذا لم يحصل هذا الإعداد، فإن توعية المستخدمين باستخدام الجلبريك دون توفره بعد ستجعلهم تحت رحمة الشركة وعلى قوائم الانتظار.

آخر الوحي:

ليس في وُسْعِكِ، يا سيِّدتي، أَن تُصْلِحيني ..
فلقد فاتَ القِطَارْ ..
إنَّني قرَّرتُ أن أدخُلَ في حربٍ مع القُبْح،
ولا رَجْعَةَ عن هذا القَرَارْ.
فإذا لم أستطعْ إيقافَ جيش الرُومِ،
أَوْ زَحْفِ التتارْ.
وإذا لم أَستطعْ أن أَقتلَ الوَحْشَ .. فحسبي
أَنَّني أَحْدَثْتُ ثُقْباً في الجدارْ ...

“نزار قباني”

الأحد، 26 يونيو 2011

بعض المغالطات




٢٦ يونيو ٢٠١١


يذكرني هذا المقال بمقالي «جدل في المسلمات» فهو يحمل جواً فلسفياً مشابهاً، إلا أن ما لفتني لموضوع المغالطات، هو كلام أحد الأقارب الأعزاء، ولربما كانت هذه إحدى ميزاته الفكرية حيث يركز فكره دوماً على اقتناص المغالطات وتصحيحها، وهي ميزة أعتقد أنه ورثها كابراً عن كابر، كما ورثها الكثير من أهل البحرين عامة والمناطق المشهورة بالعلم والعلماء خاصة.
حتى قال في بعضهم أحد الشعراء:
أناس في أوال قــد تصـدوا          لمحو العلم واشتغلوا بلم لم
إذا جادلتهم لم تلق منهم         سوى حرفين: لم لم؟ لا نسلم
يقال ان هذه الأبيات قالها الشيخ الحسين بن عبدالصمد العاملي (والد البهائي) في أعقاب مناقشة مع عالم جدحفص آنذاك الشيخ داود صاحب المدرسة القائمة هناك حتى اليوم.
نرجع لاقتناص صاحبنا للمغالطات واتحفني بثلاث مغالطات لا يسلم لها ويهتف في وجهها بـ (لم لم؟) وبـ (لا نسلم) قويتين، يقول فيها:
1 -  المغالطة الأولى حين تنزعج المعارضة من تمثيلها في الحوار بخمس شخصيات عن الجمعية، وتقول ان هذا فيه إجحاف بحقها، فهي تملك كجمعيات من القواعد الشعبية والأصوات الانتخابية ما يؤهلها لامتلاك نصف نسبة التمثيل أو ما يزيد عليها. وفي هذا الأمر مغالطتان الأولى كما يقول: ان تمثيل هذا الاتجاه لن يقتصر على ممثلي الجمعيات إنما سيشمل كذلك بعض الشخصيات التي ستدعى بأسمائها لا بحكم انتمائها لأي جمعية كما سيشمل مؤسسات المجتمع المدني وتمتلك المعارضة حضوراً قوياً فيها. والمغالطة الأخرى هي في الدفع بوجوب كون الحوار مقصوراً على المعارضة والسلطة، وهذا يحوي الكثير من الفكر الإقصائي، فأنت تسعى لامتلاك ديمقراطية باعتبار الوضع الموجود غير ديمقراطي ثم تريد اعتماد مخرجات الوضع الحالي كمقاييس للأكثرية والأقلية. هل تيقن أنه في حال خرجت التغييرات المقترحة في الدوائر الانتخابية بحيث تجعل البحرين دائرة واحدة أنك ستكون الأغلبية الفعلية؟
ثم انه حتى مرجعية المعارضة تقول انه لا وكالة ولا تخويل عن الشعب وأنت كمعارضة تريد احتكار الحوار عن الشعب كله؟ وكلامي هنا لا يعني أن النموذج المطروح هو الأفضل، إلا أنه ولاشك أفضل من الاحتكار الذي تقترحه المعارضة.
2 -  المغالطة الثانية هي محاولة فرض شكل معين من التطبيق للقانون، وكأن القانون صار ملكاً لأحد دون الآخر، متناسين أن القانون فوق الجميع. مثال ذلك دعوى أنه لا يجب أن يكون هناك عفو عن مذنب أو متهم من باب ضرورة فرض سيادة القانون. وتجد من يطالب بذلك يهدد، إذا لم تطبق العقوبات فإننا لن نسكت، ماذا ستفعل هل ستتجاوز القانون؟ تصير مذنباً أنت أيضاً في هذه الحالة، ولا مفر من تطبيق القانون عليك.
ألا يعلم دعاة الانتقام ودعاة رفض العفو أن العفو هو أحد الخيارات التي يقترحها القانون وهي غير خارجة عنه بل هي من صلبه. يقول الدستور في مادته الحادية والأربعين:
«للملك أن يعفو، بمرسوم، عن العقوبة أو يخفضها».
فالعفو إذا حق ملكي خالص لا يحق لأحدٍ أن يجعله حجراً محجوراً، وهو من صميم القانون حين يرى جلالة الملك فيه مصلحة وطنية عليا.
وإن كان يحق لكم التماس عدم العفو كما يحق لغيركم أن يلتمس العفو، فلا تستبقوا القضاء، فإنك ان تطلق مذنباً خير من أن تعاقب بريئاً.
3 -  المغالطة الثالثة: من المخجل أن يجر أحد النار إلى قرصه بأن يدعي أن رمزاً وطنياً هو رمز لطائفته. فرموز الوطن هم رموز الجميع وظل للجميع وعون للجميع لأن الوطن يحتضن جميع أبنائه. لسنا نحن الذين لا نرضى بهذا وحسب، بل القيادة بكل رموزها تنأى بالوطن والشعب عن هذا الكلام وهذه اللغة. ولم يشهد لهم التاريخ أبداً كلمة تدل على نزعة طائفية أو مذهبية.
فسواء كان من باب جر النار إلى القرص أو من باب إقصاء الآخر أو من باب الحب والولاء فكل هذا لا يسوغ الكلام بهذه الصورة عن القيادة التي هي ظلنا جميعاً ونفتخر ببنوتنا وولائنا وانتمائنا لها. أشكر صاحبي على ما قاله من كلمات، وأرجو أن نبض قلمي لم يشوش الأفكار البناءة التي حملها نبضه الفكري.
والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
الحب ليس رواية شرقية
بختامها يتزوج الأبطال...
لكنه الإبحار دون سفينة
وشعورنا أن الوصول محال...
هو أن تظل على الأصابع رعشة
وعلى الشفاه المطبقات سؤال...
هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله وغلال...
هو هذه الأزمات تسحقنا معاً
فنموت نحن وتزهر الآمال...

نزار قباني

الأحد، 19 يونيو 2011

حصار الشعب






١٩ يونيو ٢٠١١


بكسر الشين وتسكين الباء يكون نحواً من طريق بين جبلين، وفي هذا يقول المثل “أهل مكة أدرى بشعابها”. وربما لو مررت في مكة لرأيت شعاباً كثيرة بسبب الطبيعة الجبلية للمنطقة. بل وستجد أن لكل شعب اسماً يعرفه أهل مكة به منذ غابر السنين. فمنها شعب عثمان الذي يعرف اليوم بحي الروضة، وشعب عمرو، وشعب بني عامر (يسمى بشعب عامر اليوم)، وشعب أبي دب، وشعب الصيفي، وشعب آل قنفذ، وشعب الأخنس، والكثير الكثير غيرها مما يعرفه أهل مكة.
ومن الشعاب المشهورة شعب أبي طالب، والذي يعرف اليوم بشعب علي، ولهذا الشعب قصة معروفة في تاريخ الإسلام، حيث حاصر أهل مكة بني هاشم وبني عبدالمطلب في هذا الشعب وتعاهدوا ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يكلموهم حتى يسلموهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليقتلوه أو يتخلى عن دعوته وكتبوا بذلك صحيفة علقت في جوف الكعبة.
حوصر بنو هاشم وأخذ يضيق الخناق عليهم حتى قطع عنهم المال والطعام وجعل أهل مكة لا يتركون طعاماً يدخل مكة إلا واشتروه، والتجأ الهاشميون للجلود وأوراق الشجر يأكلونها كما يروى من شدة ما نزل بهم.
بقي الحال بهذا السوء أعواماً ثلاثة عجافاً، ثم بدأ يدب الخلاف في أهل مكة حوله، ويقال إن زهير بن أبي أمية أخذته الغيرة والحمية، فهتف “يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباعون ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة”. فقال أبو جهل “كذبت، والله لا تشق”، فقال زمعة بن الأسود “أنت والله أكذب، مارضينا كتابتها حيث كتبت”. ودارت سجالات حتى أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الأرضة قد أكلت الصحيفة إلا باسمك اللهم. ويروى أن أبا طالب رضي الله عنه قال: “إن صدق ابن أخي ترجعون عن قطيعتنا وظلمنا، وإن كذب خلينا بينكم وبيننا”. قيل، فوجدت كما قيل، فارتفع الحصار وعادت الدعوة الإسلامية كما كانت.
إن التقاطع والتدابر لا يمكن أن يستمر لا وعظاً وإنما كضرورة اجتماعية، لذا كان لكل حصار نهاية، ولكل مقاطعة أمد تنتهي بعده. ولا تستمر حتى بمقدار ما تستمر العداوة. هذا والمقاطعة في الشعب كانت بين قوم من ملتين مختلفتين، فكيف إذا كانوا جميعاً على ملة واحدة.
في الأيام الفائتة رأينا الكثير من الكتاب الحزبيين بالمعنى الاجتماعي وبالمعنى السياسي يذكون نار التقاطع والتدابر دون أي حياء، ودون أي مجاملة ودون أن ينفعهم تذكير مذكر أو وعظ واعظ.
أحد الكتاب الوطنيين بلا حياء يدعو لمقاطعة محلات السيارات والمجوهرات والعطورات والأطعمة، على أساس طائفي مهما حاول تلبيسه بلبوس سياسي أو وطني. وليس هو الوحيد في صحيفته والصحف الأخرى. وهذا بالذات لا أستغرب منه أي شيء وهو الذي يسمى سنوات الإصلاح السنوات العشر السوداء، ويسمي السياسة الإصلاحية السياسات التي أضاعت الوطن وكل شيء، ثم يدعي الوقوف خلف راية القيادة بلا حياء ولا استرجاع.
ولو اقتصر الأمر عليه لهان علينا ذلك، ولكن أن نسمع دعوات المقاطعة في الإذاعة والتلفزيون الرسمي، فذلك مما يدمي القلب. ذلك أن القيادة ما فتئت تدعو للتهدئة والحوار ونبذ التصعيد والعنف، فيما يتساهل المذيعون مع المتصلين الطائفيين الذين يذكون الخلاف ويشقون الصفوف ويزيدون التهاب اللحمة الوطنية بدلاً من مداواتها.
أما الكتاب الحزبيون، فقد بدأوا يعملون على تفريق المجتمع والبيت الواحد إلى جماعات وأحزاب، ويلوحون لنا بإعادة حصارات ومقاطعات التسعينات التي قسمت البيت الواحد. يأتون بهذه الدعوات في سياق من المصادرة للرأي الآخر، وكأن الاجتهاد السياسي حق لهم ولأحزابهم ولعل باقي المجتمع أن يكون تابعاً لهم وإمعة.
يريدونك كما قال المدني رحمه الله “لعبة على خشبة مسرحهم”، وإلا فأنت الخائن والعميل والمنشق والمرتزق وغير ذلك من ألفاظ البذاءة السياسية. إما أن تدخل في المشروع الحزبي أو تكون المتسلق والمتمصلح من آلام الآخرين وويلاتهم. وليت شعري لقد “رمتني بداءها وانسلت”. ألا يستحي من يعلم أن كرام قومه حالهم كحال عنترة الذي قال:
ينـادونني في السلــم يا ابــن زبيبــة          وعند صدام الخيل يا ابن الأطايب
ولولا الهوى مـاذل مثلي لمثلهـــم         ولا خضعت أسد الفلا للثعالب
سيذكرني قومي إذا الخيل أصبحت         تجول بها الفرسان بين المضارب
 أقول صادقاً إن هذه الدعوات دعوات المقاطعة أيا كان مصدرها واتجاهها، فهي دعوات لا تقل خبثاً عن دعوات المشركين في حصار شعب أبي طالب. ذلك أن التفريق بين المسلمين أنفسهم وإخوانهم أشد وطأة وأنكى أثراً من مقاطعة من يخالفك في الدين. كما أن هذه الدعوات لن تغير موقف أحد ممن رأى الحق فيما يعتقده وما يضمره من رأي وعقيدة وسلوك.
آخر الوحي:
ومن الخليج إلى المحيط، ومن المحيط إلى الخليج
كانوا يعدون الجنازة.. وانتخاب المقصلة
أنا أحمد العربي فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار، فليأت الحصار
وأنا حدود النار، فليأت الحصار.. وأنا أحاصركم.. أحاصركم
وصدري باب كل الناس فليأتي الحصار
“محمود درويش”

الأربعاء، 15 يونيو 2011

القطة و اللحم








الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١١




حين كنت طالباً بالمرحلة الابتدائية ولعله في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي، كان منهج اللغة العربية يحتوي على قصص طريفة. أذكر من ضمنها قصة من طرائف جحا. هذه القصة رغم فكاهيتها بالنسبة لنا آنذاك إلا أنها كانت تحتوي على مقدار بالغ من الحكمة، واختصاراً للموضوع دعوني أروي لكم شيئاً من هذه القصة.
يروى يا سادة يا كرام أن جحا ذلك الكوميديان العربي المشهور اشترى رطلاً من اللحم لمؤونة طعام الغداء. بيد أن الرجل بعد أن ترك المنزل وعاد لعمله، لم يدر أن امرأته لن تنتظر مجيئه وأنها سوف تطعم اللحم لعيالها. قامت بطهي اللحم طهياً شهياً وبادرت بتقديمه لصبيتها الجائعين.
وبالطبع عند عودة جحا إلى المنزل، كان أول ما سأل عنه هو رطل اللحم الموعود. هنا أجابته المرأة أن غداءك أكلته القطة. فقال جحا أكلته كله؟ فقالت له: بل لم تترك منه مقدار لقمة. أطرق جحا لدقائق ثم قال علي بالقطة. وحين جاءته بها قام بوضعها في الميزان.
وجد جحا القطة تساوي رطلاً في الميزان فناداها بلسان العجب: إن كنت أنت القطة فأين ذهب اللحم؟ وإن كنت أنت اللحم فأين ذهبت القطة. انتهت القصة هنا ولعل جحا اكتفى بعد ذلك بتناول الخبز الحاف أوبات طاوياً، لأن البروبوغاندا التي تعذرت بها زوجته رغم أنها مكشوفة إلا أنه لا يستطيع فعل شيء، فالخلاصة أن الغداء فات.
ولعل ما يسمى بالمعارضة وما يسمى بالموالاة في البحرين كانتا في الفترة الأخيرة تزايدان على بعضهما البعض في العدد بما يشبه قصة القطة واللحم. فبينما الأولى تختزل الشعب فيها بالمسمى وبالشعار وتتكلم بإسمه، تختزل الثانية الشعب بالعدد المهول الذي تذكره أيضاً، ناسين أن البحرين كلها لا تحوي مجموع العددين.
الحال أن هذا الموضوع كان مثيراً للضيق حين تجد البحرينيين في سجال على الأكثرية، مع العلم أن الأكثرية والأقلية لا قيمة لها في ميزان الحق والباطل. فالحجة الداحضة لا ترجح بالعدد الكبير والحجة القوية لا يجب أن تحتقر لقلة القائلين بها. فمابالنا إن كانت مقدمتنا باطلة؟
اليوم والأمور تتجه لنصابها ندعو كل بحريني وبحرينية أن ينفصل عن العقل الجمعي لئلا يصدق علينا قول الباري “الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون”. ثم بعد أن ننفصل عن عقل الجماعة نفكر بهدوء وروية من خلال المنهج القرآني لنبذ العقل الجمعي كما شرحه بعض العلماء “قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا”.
وأما أن نكون اسرى لـ “ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر” فلن يوصلنا إلى حق ولا عدلٍ ولا برٍ ولا إحسان.
ولقد تكلم عدد من حكماء البلاد حول المصالحة الوطنية وحول التقريب ورأب الصدع، وأنا على يقين أنه لو نزعت الضغائن والحساسيات من القلوب وفهم كل طرف هواجس الآخر ومد إليه جسور التقارب والثقة ورسائل التطمين وعلامات حسن النية فإننا سنجد أنفسنا في حال افضل مما كنا عليه.
وأنا أعلم علم اليقين أننا جميعاً فوق هذه الأرض إنسانياً أسمى منا سياسياً، لأن الإنسانية رحم جامعة والسياسة تنافس ومغالبة وقهر بالعدد أو بالعدة، لذا لا بد من التقارب فهوالسبيل الوحيد لنجاح العيش المشترك. والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
أتنكر يا ابن إسحق إخائي **** وتحسب ماء غيري من إنائي؟
أأنطق فيك هجراً بعد علمي**** بأنك خير من تحت السماء؟
وهبني قلت هذا الصبح ليلٌ **** أيعمى العالمون عن الضياء؟

أبوالطيب المتنبي

الأحد، 12 يونيو 2011

إخباري و أصولي!






12 يونيو 2011




مع تطور الإعلام صار يتوجه نحو تحليل واقع الحركات السياسية ونشأتها في البحرين، وأصولها الحزبية وانتماءاتها الدينية والمذهبية. وهذا التوجه أحد أسبابه تصاعد تأثير هذه الحركات على المجتمع وخصائصه الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومن ناحية أخرى فإن كون المجتمع إسلامياً محافظاً انعكس على الطبيعة الدينية لأحزابه وتنظيماته.
من الملاحظ أن أغلب صحفنا الناشئة في عهد المشروع الإصلاحي وهي غالبية الجرائد الموجودة بدأت بطرح ملفات من هذا النوع في بدايات صدورها ثم كانت تطرح مثيلاتها في المناسبات والأحداث المرتبطة ببعض الشخصيات الرئيسية في هذه التيارات أو في الوسط الديني عموماً.
مؤخراً عاد هذا النمط من المقالات في الظهور في محاولة لتشخيص عوامل ظهور الأزمة المؤسفة التي حصلت مؤخراً في البحرين، وفي هذا الاتجاه كانت برامج تلفزيونية ومقالات صحافية ودراسات إنثروبولوجية.
ما لفتني هو التركيز الواضح على المدرستين الأساسيتين في الفقه الشيعي وهما المدرسة الإخبارية (المحدثون) والمدرسة الأصولية (المجتهدون)، والتركيز على ارتباط الأخيرة بالحركات السياسية الثورية. وهنا باب لنقاش واسع قديم جديد حول مدى صحة هذا التشخيص.
فالتاريخ يؤكد بشكل أو آخر أن التوجهات السياسية الثورية جديدة على الطائفة الشيعية الاثنا عشرية وهذا كلام صحيح، فالشيعة منذ عصور أئمتهم لم يكن لهم هدف الوصول إلى الحكم لذا نجد أن الخلافة اقتصرت على الإمامين علي بن أبي طالب وابنه الحسن عليهما السلام وفي ظروف محددة يعرفها الجميع، ثم لم يكن أي من الأئمة حاكماً أو خليفة أو حتى طالب حكم. بل كانوا لا يؤيدون ولا ينتمون ولا يدعون لأي من الحركات السياسية التي قام بها أفراد من الشيعة حتى إن ربطتهم بهم القرابة. فعدة حركات منها الحركة الزيدية كانت في اتجاه السعي لإيجاد حكم شيعي إلا أن خط الأئمة لم يكن في هذا الاتجاه ولم يؤيده.
وعوداً على بدء فالمدرسة الأصولية في الفقه الشيعي ليست شيئاً جديداً حتى يقال انها السبب في صعود تيارات ثورية وإن كانت هذه التيارات تخرجت من صفوف هذه المدرسة. إذ أنها كمدرسة لم تخرج بجديد في تعامل الشيعة مع مواضيع السياسة والحكم بل ظلت في نفس الإطار التقليدي، لذلك يكفي النظر إلى توجهات مراجع الفقهاء في القرن الخامس عشر الهجري ومنهم السيد الخوئي والسيد السيستاني ونظرتهم وغيرهم إلى هذا الباب من الفقه. هؤلاء المراجع يلتزمون خطاً محافظاً ورثوه عن أئمتهم وهو نفس المنهج الذي توارثه الفقهاء المعتبرون.
وقد يقول قائل ان نظرية ولاية الفقيه هي منشأ التوجه الثوري وهنا أقول أيضاً ان هناك أكثر من خلل في هذه النظرة. أولها ان القائلين بولاية الفقيه لا يمثلون السواد الغالب من فقهاء الشيعة. والخلل الثاني ان هذه النظرية في الفقه ليست حديثة تماماً، فقد مرت هذه النظرية بعدة مراحل حتى وصلت أوجها مع الخميني وارتبطت بإيران الثورة فكانت أساساً لحكم الولي الفقيه.
ويرد هنا سؤال من داخل البيت الشيعي يقول: فإذا كان التشيع نفسه كمذهب ومدارسه الفقهية المختلفة براء من مسألة السعي للحكم ما خلا بعض النظريات والمسائل الخلافية، فكيف يمكن تفسير تصاعد الحركات الثورية؟ فنقول هنا ان هذه الظاهرة ليست طارئة على جمهور الشيعة فحسب بل طارئة على عموم المجتمعات الإسلامية. وإذا كان الكلام عن رفض لون معين من التشدد فإن لوناً آخر سينمو وسيصير أسوأ من سابقه.
إن تغييرات جمة دخلت على المفاهيم العامة في نصف القرن الفائت وأحدثت تغييرات في قناعات الناس وأفكارهم. ربما كان تعاقب المذاهب الفكرية المختلفة على قيادة الحركات الشبابية على مدى الخمسين عاماً الماضية قد ساهم في فتح الطريق لهذه الخلخلة. التشكيك المستمر في المفاهيم الكلاسيكية بفعل الحركات اليسارية ثم العلمانية ومن ثم الإسلامية ساهم بخلق منظومة جديدة من المفاهيم. أضف إلى ذلك ما أنتجته العولمة من نموذج موحد لأنماط الحياة والسلوك والتفكير.
كما أنه من نافلة القول ان نشير إلى نقطة هي ان إيران ليست توسعية بفعل تحولها لجمهورية إسلامية مصدرة للثورة، إنما ثقافة التوسع والامبراطورية والمجد الفارسي جزء من الموروث الثقافي لكل الشاهات والحكام في إيران والشواهد كثيرة.

آخر الوحي:
ليس السؤال «إخباري أم أصولي؟» إنما «حزبي أم غير حزبي؟».

الأربعاء، 8 يونيو 2011

حسد العواذل











٨ يونيو ٢٠١١


العذول لغة هو اللائم أو  هو صيغة مبالغة للعاذل فيعني بها كثير اللوم. أما ما درج العرب على اصطلاحه فهو اللائم في الحب، وهو الذي يدخل بين محبين فيلوم أحدهما على وجده وولعه بالآخر، ولا يختلف إن كان الملوم حاضراً أو مذكوراً في غيابه ليكون المتكلم عاذلاً. ولأهمية العذول ولشهرته فقد حضر في أدب العرب وفي أشعارهم بقدر ما ذكر الحب والمحبون في الأدب العربي.
والشواهد في هذا المجال أكثر من أن تحصى ولكن لا بأس بتناول بعضها للتدليل على هذا الفرض.
وفرق ابن حزم الأندلسي في رسالته “طوق الحمامة في الألفة والإيلاف” بين الرقيب والعاذل والواشي فجعل لكل منهم باباً منفرداً.
فأما العاذل – كما يقول - أقسام أحدها صديق سقطت الكلفة بين المحب وبينه فهذا نعمة من النعم وزاجر للنفس ومقوٍ لها. وآخر زاجر شديد لا يكف عن الملامة فذلك خطب شديد وبلاء ثقيل. وقد يبلغ الحب بالمحب أن يرى العذل أحلى الملذات ليخالف عاذله ويكيده ويستلذ بعصيانه ومغالبته. وفي هذا المعنى يقول ابن حزم:
أحب شيء إلي اللوم والعذل كي أسمع اسم الذي ذكراه لي أمل.
ويقول أبونواس في عشقه للمدام:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها لومسها حجر مسته سراء
وعن الرقيب فيقول “وأشنع ما يكون الرقيب إذا كان ممن امتحن بالعشق قديماً ودهي به وطالت مدته فيه ثم عري عنه بعد إحكامه لمعانيه فكان راغباً في صيانة من رقب عليه. فتبارك الله أي رقيب يأتي منه وأي بلاء مصبوب يحل على أهل الهوى من جهته”.
وثالث من ذكرنا وشرهم هو الواشي وهو عندي من أنواع العواذل أيضاً بل هو أشدهم على المحب وطأة، يقول ابن حزم، ان الواشي على ضربين أحدهما يريد القطع بين المتحابين فقط وإن هذا لأفترهما سوأة على أنه السم الزعاف والصاب الممقر والحتف القاصد والبلاء الوارد. أما الثاني فهو واش يسعى للقطع بين المحبين لينفرد بالمحبوب ويستأثر به وهذا أشد شيء واقطعه واجزم لاجتهاد الواشي واستماتة جهده. ومن الوشاة جنس ثالث يسعى بهما جميعاً ويكشف سرهما فهذا لا يلتفت إليه.
وأما في طرق الوشاة فيقول ابن حزم ان منهم من يذكر للمحبوب أن محبه غير كاتم للسر وهذا مكان صعب المعاناة بطيء البرء. أو ربما ذكر الواشي للمحبوب أن ما يظهره المحب من المحبة هو زيف وخداع وأن مبتغاه من ذلك شفاء نفسه وبلوغ وطره، وهذا أهون أثراً من سابقه وإن كان شديداً في النقل على نفس المحبوب.
ولعل الواشي إن كان قاصداً للاستئثار بالمحبوب يصدق عليه لقب الغريم، وفي التاريخ قصص كثيرة للكيد بين الغرماء وتحايل بعضهم لهلاك البعض الآخر والاختصاص برضا المحبوب.
وما بين هذا وذاك فإن المحبوب قد يكون معشوقة أو سلطاناً أو فكرة ومعتقداً. نعم قد يكون عقيدة، فمن من العقلاء لا يدعي أنه يمتلك الحق والحقيقة وأن من سواه على ضلال مبين، وكأن ألوان الدنيا كلها قد انحصرت في الأبيض والأسود، وكأن ما وافق هواه هو الحق المطلق. ولعل قول الشاعر في بعض المقامات هو أصدق ما يصف هذا الجانب:
وكلُ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم وصالا
وأرى أن اختلاف الناس في آرائهم لا يستدعي التقاطع والتدابر والنميمة والبهتان، فحتى المحب الصادق لا ينبغي أن يدفعه حبه لمحبوبه أن يسعى بالظلم والبهتان والكيد والانتقام لغريمه. يقول ابن حزم في ذم الواشي “وما في جميع الناس شر من الوشاة وهم النمامون وإن النميمة لطبع يدل على نتن الأصل ورداءة الفرع وفساد الطبع وخبث النشأة ولا بد لصاحبه من الكذب”.
ولحديث المحبين صلة، مع طوق الحمامة وغيره، وحتى ذلك أسأل الله أن يحفظ لكم كل من تحبون.
آخر الوحي:
يقول المتنبي في محبوب له:
عَذْلُ العَواذِلِ حَوْلَ قَلبي التّائِهِ 
 وَهَوَى الأحِبّةِ مِنْهُ في سَوْدائِهِ
يَشْكُوالمَلامُ إلى اللّوائِمِ حَرَّهُ    
 وَيَصُدُّ حينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحائِهِ
وبمُهْجَتي يا عَاذِلي المَلِكُ الذي
 أسخَطتُ أعذَلَ مِنكَ في إرْضائِهِ
إنْ كانَ قَدْ مَلَكَ القُلُوبَ فإنّهُ    
 مَلَكَ الزّمَانَ بأرْضِهِ وَسَمائِهِ

الأحد، 5 يونيو 2011

معلقة زهير





٥ يونيو ٢٠١١


تعودت أن أختتم مقالاتي بأجزاء من القصائد الشعرية التي أحبها، وتعبر عن بعض ما في النفس، حتى صار بعض القراء ينتظر مختارات أبيات الغزل وقد يعاتب على غيابها، إلا أن أبيات المقال الفائت من معلقة زهير بن أبي سلمى قد استهوت أكثر من شخص ووجهها كل منهم بتوجيه.
بل طلب بعضهم أن أستكمل المقال بحسب توجيه القصيدة لا توجيه بنات الأفكار وهذا شيء جميل، فموضوع القصيدة يتكلم عن المصالحة بين الفرقاء وتطييب النفوس والمساعي الحميدة بعد حرب داحس والغبراء.
وكما ستكون - بإذن الله - نهاية الأزمة برفع حالة الطوارئ وبدء حوار وطني كما تمنينا في مقالنا الأول، فإننا نتمنى أن تثمر هذه المساعي الحميدة والتوجهات الطيبة لحلحلة نقاط الاختلاف بحوار بناء يقي بلادنا أي هزات مستقبلية ويقطع السبيل على أي تدخلات أجنبية.
أقول هذا بأسف على أن هذا الاتجاه لم ينجح في بدايته، إلا أننا نتمنى أن يفلح في الموعد المضروب وذلك كفيل بالتحقق إذا دعمه الجميع ورأوه ضرورة وطنية حتمية، فالمنهج والمبدأ القرآني يحث على حل جميع المشكلات بالرفق.
نقطة ذكرتها في المقال السابق وأريد أن أركز عليها، وهي كون الحوار صريحاً بحيث لا يترك مناطق رمادية تستثمر في المستقبل من قبل المتشددين. رأينا قبيل التصويت على الميثاق كيف كانت المعارضة متشككة في تفسير بعض العبارات حتى أنها كادت تتخذ موقفاً آخر حتى تلقت تطمينات بأن فهمها لهذه العبارات صحيح. ومن ثم، رأينا المعارضة يكاد يطير صوابها كما يطير صواب من وقف في الطابور ليشتري سلعة ثم بعد جهد جهيد يفتح علبة السلعة في البيت ليجدها سلعة مختلفة عن طلبه.
إذن، فموضوع الوضوح والتأكد من كل النقاط يقلل قدر الإمكان من الغموض في الأمور المفصلية والتي قد تترتب عليها تراكمات ومن ثم أزمات جديدة.
الآلية تحتاج أن تنطوي على أمرين مهمين، وهما: تمثيل الجميع والتوافق، إذ يجب أن يفرض التوافق مستقبلاً بحرينياً مستقراً.
المعارضة بدورها يجب أن تضع هواجسها على الطاولة وأن تصر على المضمون لا الشكل. فالمهم في نهاية هذا المؤتمر أن يتوصل ممثلو الأطراف المتحاورة إلى تصور يحمي البحرين من أي هزات مستقبلية ويكفل السعادة والرفاه لجميع أبناء الوطن.
الإعلام في هذه المرحلة وفي كل مرحلة يجب أن يكون صانعاً للوئام، ويجب أن يسد الباب أمام أي مفردات للتخوين والسباب، إذ إن الجميع معنيون بهذا الحوار وبنجاحه كما أن الجميع معنيون بسلامة الوطن ووحدته واستقلاله.
كذلك لا مانع أن تقوم كل الأطراف بتقديم بوادر حسن النية خلال هذا الشهر مما يخفف الاحتقان في جميع الأطراف، ويساعد في الدخول على أرضية متينة؛ لأنه ليس أمامنا إلا النجاح فعدمه لا يحمل معه أي خير للبحرين ولا لأهلها.

آخر الوحي:
قال لي أحدهم نقلاً عن زهير بن أبي سلمى:
 تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت      ينجمها من ليس فيها بمجرم
ينجمها قوم لقوم غرامة            ولم يهرقوا من بينهم ملء محجم

وأكمل لي الآخر:
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة         وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في صدوركم        ليخفى ومهما يكتم الله يعلم

وأنقل أنا إن لم يكن ذلك ما أستشرفه:
وقفت بها من بعد عشرين حجة       فلأياً عرفت الدار بعد توهم

الأربعاء، 1 يونيو 2011

بعد "السلامة الوطنية"





٠١ يونيو ٢٠١١

اليوم رسمياً هو أول يوم بعد رفع حالة السلامة الوطنية التي أعلنت منذ منتصف شهر مارس 2011 في أعقاب أعنف أزمة سياسية تعصف بالبلاد في تاريخها الحديث. هذه الأزمة مرت في سياق من الاضطرابات والأزمات في عدد من الدول العربية، انتهى بعضها بسقوط أنظمة وبعضها مازالت تكابد صراعات داخلية وخسائر في الأرواح والممتلكات. في الدول التي سقطت فيها الأنظمة لم تكن لحظة السقوط نهاية مطاف أو  بداية عهد زهري اللون، بل على العكس. فهذه الدول لا تزال تعيش مخاضات سياسية وأمنية حتى الوصول إلى نقطة توازن مرة اخرى.
خارطة جديدة غير واضحة المعالم ترسم للوطن العربي سواء على مستوى صيغ الحكم أو التحالفات وموازين القوى أو التيارات الفكرية والفلسفات والعقائد، ستأخذ وقتها حتى تتضح معالمها وتتمايز توجهاتها وسياساتها.
ورغم التسمية التي شاعت بكون الحاصل ربيعاً عربياً، إلا أنه لا يشابه الربيع في أي شيء، فموجات عدم الاستقرار والعنف والعداوات بين الدول القائمة والأنظمة الوليدة كفيلة بتعكير صفو أي مكاسب سياسية للشعوب، إذ قد تتسلم هذه الشعوب دولاً لم يبق منها إلا الاسم بعد ضياع أجزاء مهمة من مميزاتها ليس أقلها الأمن والاستقرار.
التغيير كما طال الدول العربية منفردة طالها كمجاميع، فهناك توترات واضحة في العلاقات ما بين عدد من الدول العربية واتهامات متبادلة في وجود أيدي عربية تعبث باستقرار دول عربية أخرى، يضاف ذلك إلى قائمة الخلافات الحدودية والاستراتيجية الموجودة منذ البداية.
كذلك يشهد العالم العربي إشارات بتطور لتكتل قائم هو مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي من المزمع أن يشمل معه المملكتين الهاشميتين في الأردن والمغرب، وبذلك سيشتمل المجلس على جميع الملكيات العربية، التي قد تتشابه في عدد من الخصائص التي لن تقتصر بعد ذلك على الموقع الجغرافي.
جامعة الدول العربية في ظل هذا الوضع يجب تعزيز دورها لكي لا تتعمق الاختلافات الأخوية وتتحول إلى خلافات صعبة المعالجة وشروخ في جدار البيت العربي الواحد. وبالنسبة للجامعة فهي تشهد خروج رئيسها السابق الذي قد يخوض غمار انتخابات الرئاسة في مصر ليقود المرحلة الانتقالية فيها.
في ظل مثل هذه الأوضاع والأحداث المتلاحقة كلها، عاشت البحرين هذه الأزمة التي نأمل أن نطوي صفحتها بتحقق الاستقرار واستتباب الأمن مبكراً بدليل رفع حالة السلامة الوطنية قبل موعدها. هذه الأزمة التي لا يتمنى أي مواطن مخلص أن تعصف ببلده، تذهب فيها أرواح وينتكس الاقتصاد وتضيع فيها وظائف وتتقطع الأرزاق بين عاملين وأرباب عمل والأهم من ذلك كله انقسام المجتمعات وشحن النفوس وتعمق الاصطفافات الطائفية البغيضة.
وبسبب حبنا لبلدنا والتصاقنا بترابه وتمسكنا بأمنه واستقراره وازدهاره، فإننا نأمل أن يكون الطريق نحو التعددية مفتوح بتعددية، وأن يكون الدفع نحو الرفق والأمن والاستقرار محافظاً على الرفق والأمن والاستقرار، والسعي لثقافة الانفتاح على الآخر بانفتاح على الآخر. وبكلمات أخرى فإننا نرجو أن تكون دعوة كل اتجاه وفريق ورأي في المجتمع لمبادئه عبر الممارسة وليس الشعارات التي لا تتجاوز الاستهلاك الإعلامي.
نعم نأمل في تطوير عملية إدارة الدولة والشراكة والمناصحة، ولكن لا يطاع الله من حيث يعصى، ولا يجوز أن نحقق هدفاً سامياً بأسلوب لا يساويه في السمو. وكما قال جلالة الملك حفظه الله ان الكلام عن برلمان أفضل وحكومة أفضل هو مطلب الجميع.
ومن هذه الرغبة المستمرة والدؤوبة في الإصلاح والنظرة المشفقة على البحرين من الشقاق والنزاع والمحبة لكل من يعيش على تربة هذا الوطن، نتمنى بكل إخلاص وبعد أن تم استتباب الأمن أن نسمع تباشير حوار وطني صريح ينهي الاختلافات الجوهرية ويضع النقاط على الحروف ويخرجنا من عين الأخبار الحاسدة الحاقدة إلى ضفة الأمن والاستقرار والوفاق والوحدة الوطنية بالممارسة وبعيداً عن الشعارات البراقة، ويقطع الطريق على أي تدخل خارجي من الشرق أو الغرب.
آخر الوحي:
سعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم
يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً بمالٍ ومعروف من الأمر نسلم