الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

تلمس الذات







الأربعاء ٥ أكتوبر ٢٠١١




حين يفتح الطفل عينيه على الدنيا، فإنه أول ما يبدأ بالتعرف على أجزاء جسمه ثم على قدرات كل منها واحداً فواحد. هذا من معاني تلمس الذات أي التعرف على القدرات و الأدوات المتوفرة. كذلك الغطاس حين يستعد لقفزة خطيرة فإنه يفحص نفسه بنظرات سريعة ليتأكد من جهوزيته ربما أو لعامل نفسي يبحث من خلاله عن الثقة، هذا مكان آخر لتلمس الذات.
 مقدم البرنامج التلفزيوني لا بد له من إلقاء نظرة فاحصة على المرآة يتأكد من خلالها أن كل شيء على ما يرام. و على نفس منواله فإن الإنسان عند خروجه مباشرة من حادث سيارة خطير، فأول ما يبادر به هو تلمس أجزاء جسمه و كأنما يتأكد من سلامتها واحداً فواحد أو لعله يحمد الله على سلامتها جميعاً بدون أن يشعر و في حركة فطرية.
 و لعل المعنى الذي أريد التركيز عليه هو المعنى المرتبط بتعرض الإنسان لهزة عنيفة كحادث سيارة أو ما شابه، و كيف يبدأ بتقييم وضعه و سلامته جسمانياً، و ربما فكر في مسببات الحادث و كيفية تجنبه في المستقبل. إنه ذات المعنى الذي أشار إليه الراحل الشيخ سليمان المدني رحمه الله في محاضرته حول علاقة الديموقراطية بالإسلام.
 فهو يقول كما يروي التاريخ أنه بعد أن دكت مدافع محمد الفاتح العثماني القسطنطينية، خرج كثير من فلاسفتها ومفكريها إلى روما و باقي مدن أوروبا. و يقول أن ذلك كان إيذاناً  للأوروبيين للتنبه من سبات طويل و بدأ عندهم عصر عرف بعصر التنوير أقبل فيه الأوروبيون على دراسة العلم من جديد و على “تلمس ذاتهم” تلمساً جديداً - و هنا بيت القصيد.
 إذن فقد كانت بداية عصر التنوير و التغيير في أوروبا كارثة أو هزة عنيفة تجلت في وصول الخطر العثماني إلى أبواب القسطنطينية و غيرها. بدأ المفكرون بعدها بالإنتشار بين مدن أوروبا انتشاراً غير عادي، و بدءوا بعدها بالعمل الدؤوب على تنوير الناس بمؤلفاتهم و أعمالهم و اختراعاتهم. لقد وجد حافز للعمل للأمة الأوروبية كلها آنذاك التي أعادت تقييم نفسها بعد أن تردى وضعها للدرجة التي صار رقادها يغري العثمانيين باحتلالها.
 في عصرنا هذا، لا شك أن الربيع العربي يمثل هزة عنيفة، قامت بالكثير من التغيير في الواقع العملي لشعوب من أمثال تونس و مصر و ليبيا. و تجلى هذا التغيير في سقوط أنظمتها. و قامت حركات في عدة دول أخرى كاليمن و سوريا. في هذه الدول تالية الذكر، فإن هناك ناراً تحت الرماد. لماذا أقول أن هناك ناراً تحت الرماد؟؟ لأن ما يعمل فيها الآن و بشدة هو تساؤل الفلاسفة و تفكيرهم في مدىصحة نظرياتهم التي عاشوا يعتقدون بها زمناً طويلاً.
المدارس الفكرية بدورها دخلت مرحلة إعادة التقييم، فهناك مدارس كلاسيكية أو تقليدية مثل سلفيي السنة و إخباريي الشيعة أو غيرهم من الباحثين عن تأصيل شرعي لموقفهم السياسي. هؤلاء أخذوا في النظر من جديد لمبحث العلاقة مع السلطة. في مقال “طاعة أولي الأمر بين الإفراط و التفريط “ يتساءل الشيخ ابراهيم بو صندل عن الأمر و عن ولاية الأمر و صفات و صلاحيات ولي الأمر و متى يفقد شرعيته و غيرها من الأسئلة في هذا الباب من طاعة ولي الأمر.
 لاشك أن هذه التساؤلات التي أشار بوصندل إليها، قد أشبعت نقاشاً في عصور سابقة كما ذكر هو، إلا أنها ظلت لزمن طويل منسية عند عوام الناس بل و كثيراً من علمائهم، حتى جاء الباحثون عن التأصيل الشرعي. فالتناقض الذي يحصل للمسلم حين يدعو على بشار سوريا ثم يدعو لعلي صالح اليمن مثلاً يجعله يفكر من جديد أكثر من مرة في هذه العناوين التي ربما ما كانت لها لولا الربيع العربي إلا أن تنتشر في أوساط المثقفين من طلبة العلوم الدينية و أعضاء التنظيمات السياسية الدينية.
يقع اليوم على عاتق علماء الدين في ظل هذه الفتن التأصيل الشرعي لمواقفهم في أبواب كثيرة من طاعة ولي الأمر إلى الوحدة الإسلامية إلى التكفير إلى المنظمات الجهادية إلى عدة ملفات ملتهبة يجب أن تكون مبنية على أصول راسخة من ديننا الحنيف وليست مبنية على مصالح فردية لدويلات عربية مسلمة دون باقي دول الإسلام. كل هذه الأبواب هي مما يحتاج إلى إستباق قبل أن تحصل بسببها هزات قد تكون أعنف وقعاً من مدافع الفاتح على أبواب القسطنطينية.

آخر الوحي:
 يــا جلـــق الشــام إنـا خلقـة عجــــب
 لــم يــدر ما سرها إلا الذي خلقــــا
 معــذبون وجنـــات النعيـــم بنـــــا
 وعاطشـون ونمري الجونة الغدقـــــا
 وزاحفــــون بأجســــام نوابضهـــــــا
 تســـتام ذروة علييــــن مرتفقـــــــا
 محمد مهدي الجواهري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق