الأحد، 16 أكتوبر 2011

ياخيل الله







١٦ أكتوبر ٢٠١١


في غرفة الإجتماعات، جلس مجموعة من الإخوة يناقشون قضية هامة من قضايا الفكر التي تمس المجتمع بصورة دقيقة لا تحتمل التجاهل، كنوز من الفكر و جواهر من المعرفة و درر من الحجة و المنطق كانت تتناثر بين الحاضرين. علامات البشر و التهلل تنعكس على وجوه المستمعين، طمأنينة تسري في الأنفس و الأبدان، أنفاس من الإرتياح المختلط بالتركيز المعجب.
خرج الجميع من هذه الندوة أو ذلك الإجتماع أو لعلها تلك الإحتفالية، و قد تذاكروا بينهم من العلم ما أحسوا بعظم قيمته في تعزيز ثقتهم و قتل شكوكهم و إبعاد وساوسهم. إلا أن من كان خارج الإحتفالية فاته ما ذكر فيها و ما نوقش من مسائلها و ما تشعب في جدالاتها و تساؤلاتها.
 من كان خارج هذه الندوة؟ كل العالم كان خارج هذه الندوة، كل من قد يهمه الأمر لم يدرك من الأمر شيئاً لسبب بسيط، أن محتوى الندوة كان مشافهة لا مكاتبة، وكم يتفاوت الإثنان في الرسوخ و الإستقرار و التوزيع و الإنتشار و ربما في الدقة و الإحكام.
 ليس قدحاً فيما يقال مشافهة فالتواصل وجهاً لوجه بين المحاضر و المستمع له الأثر البالغ في نفسيهما رغم كونه أمراً فوتياً لمن تخلف عنه، إلا أن حصول المشافهة  لا يمنع أن تلحقها الكتابة  لتثبت أركانها فينتشر ذلك العلم بين بقاع الأرض و أصقاعها و يصير مادة متداولة في أوراق الصحف و نتائج الجوجل و تغريدات التويتر.
 فالفكر هو الساحة التي لا ترهب فيها قلة من كثرة، و لا يخشى فرد من مجابهة العشرات و المئات بل و الآلاف، و لعل من ذلك ما ورد في الحديث من أن مداد العلماء خير من دماء الشهداء. فلم نفرط في معركة الفكر و لم نحصرها في الغرف المغلقة فتغيب عمن يريد أن يشهدها و يرى تصارع الآراء ليرى أيها أقوى من غير بهرجة ولا دجل و لا عد ولا عاطفة آسرة أو قوة قاهرة.
 هذا ما يعيب كثرة من مثقفينا و متعلمينا و مفكرينا المبرزين، و هو اعتزالهم زهداً في حب الظهور. و رغبة عن التعرض للجمهور، و إن كنت لا أرى في ظهورهم إلا إيجاد حراك فكري يسهم في غربلة ما ينتشر بين الشباب و الناشئة و عموم المجتمع من أفكار ليست كلها بناءة. هذا الحراك بدوره يدفع عجلة النهضة المجتمعية نحو مستقبل أفضل غير معتمد على أحلام الحالمين دون نبؤات المستشرفين و تصورات الخبراء و المفكرين.
 ما يمنع كل صاحب رأيٍ إن على مستوى نقد الذات أو نقد الآخر أن يسطر حروف رأيه على الصفحات و الشاشات، لينال هذا الرأي حقه من المناقشة و التمحيص أو حتى من التسفيه الذي قلما غادر فكرة عظيمة في بدايات ظهورها و انتشارها.
 إنما هي مجالدة فكر بفكر و صراع رأي برأي، فأيهما كان أكثر وجاهة سيتقبله العقل لا محالة إن عاجلاً أو آجلاً. ولا شك أن بين النية و العمل مسافة ينبغي قطعها و لو بأدنى الممكن.

آخر الوحي:
فاستلهِموهُ فخيرُ من رَسَمَ الطريقَ مُجرِّب
لا تجمُدوا إنّ الطبيعة حُرَّةٌ تتقلَّب َ
كونوا كرقراقٍ بِمَدرجةِ  الحَصى يتسَرَّب
تأتي الصخورُ طريقَه فيجوزُهنَّ ويَذهب
وخُذوا وُجوهَ السانحاتِ منَ الظروفِ فقلِّبوا
فاذا استوَتْ فتَقحََّّموا
وإذا التوَتْ فتَنكبَّوا 
 وإذا وجدتُم جذوةً  فضعوا الفتيلَ وألهِبوا
محمد مهدي الجواهري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق