الأحد ٢٣ أكتوبر ٢٠١١
الزعيم عادل إمام ترك تراثاً كوميدياً لا يسمح للمشاهد العربي بنسيان قفشاته ولا المثقف العربي بتجاهل رمزياته. يفتح لك إغراء بتبني مواقف أفلامه و مسرحياته الحاضرة دوماً في ذهن كل عربي ربما. الزعيم على ما يبدو عشق فكرة المحلل و التي طرحها في فيلمه زوج تحت الطلب و مسرحية الواد سيد الشغال. ففي العملين كانت نوافذ المال تفتح لذلك الرجل البسيط بشرط أن يعقد قرانه ثم يطلق عاجلاً. طبعاً الفكرة مبنية على أن أي زوج يطلق زوجته ثلاثاً لا يحل له الإقتران بها مجدداً حتى تتزوج بآخر ثم يطلقها ذلك الآخر.
الآخر طبعاً درجت تسميته بالمحلل أو كما سمته مسرحية الواد سيد الشغال “كوبري”، و هذا الكوبري هو الذي سيكون طريقاً لعودة الزوجين لبعضهما البعض.
ربما هكذا نظر الرئيس الروسي السابق و رئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين إلى الرئيس الحالي ديميتري ميدفيدف. فالرئيس بوتين كان قد حكم روسيا لدورتين متتاليتين، استطاع خلالهما تحقيق العديد من المنجزات لبلاده و من ضمنها تحسين البنية التحتية و رفع المستوى المعيشي و تخفيض نسبة التضخم بشكل ملحوظ جداً. و بعد الدورتين، كان الدستور الروسي يحظر على بوتين أن يعاود ترشيح نفسه إلا بعد أن تنال روسيا رئيساً آخر لدورة واحدة على الأقل. هنا قام بوتين بالدفع بديميتري ميدفيدف للإنتخابات. و يبدو أن تزكية الرجل لميدفيف كانت كفيلة لوصوله لسدة الحكم بنسبة عالية من الأصوات.
كان أول مرسوم أصدره ميدفيدف بعد دخول قصر الكريملين تعيين بوتين رئيساً للوزراء. و يبدو أن السياسة الروسية لم تتغير كثيراً بين عهدين، و ظل بوتين في مركز دائرة صنع القرار رغم كونه رئيساً للوزراء فحسب، إلا أنه كان الرئيس الفعلي من وراء الستار.
منذ أيام و قد شارفت فترة ميدفيدف على الإنتهاء، لاحت في الأفق التصريحات من الحزب الحاكم و الأنباء بأن بوتين ينوي الترشح للإنتخابات المقبلة، و أن ميدفيدف سيظل في نفس الدائرة و يرجح أن يصير رئيساً للحكومة في العهد القادم.
هنا في الحالة القائمة في روسيا، يبدو أن الدستور الذي يحظرالبقاء في الحكم لأكثر من دورتين لم يستطع إلا أن يحافظ على شكليات أمكن تجاوزها بواسطة الرجل القوي الذي ظل يحكم روسيا و إن كان ذلك بإرادة الناخبين. هذه الحالة تمثل تراجعاً في التعددية و الديموقراطية في بلاد يفترض أنها صارت تؤمن بها، و خصوصاً في عهد ما سمي بزمن الشعوب. ما أريد قوله هو أن النصوص وحدها لا تستطيع أن تغني شيئاً عن الناس أو حتى عن نفسها. لا يوجد نص غير قابل للتأويل أو التحايل أو التغيير، و العبرة دائماً بوجود إرادة الإصلاح و الثقة المتبادلة و رسوخ القناعات عند الأمم و عدم السماح بالإستثناءات. فقد سلمت روسيا زمامها إلى رئيس بسبب تزكية زعيمها المحبوب له، و ظنها أنه لن يخذلها، و ربما تسمح لذلك الزعيم بالوصول إلى رقم قياسي في سنوات الحكم بسبب ثقتها فيه ليس إلا.
و قد تكون هذه الحالة و إن كانت مرضية من الشعب الروسي مبدئياً إلا أنها سوف تؤسس لحالة من الإستثناء و الإستحواذ الذي قد يتم استغلاله مستقبلاً فتدخل هذه البلاد في القبضة الحديدية من جديد و لو بإسم غير إسم الشيوعية.
أما في الوطن العربي، فهذه الفرضية غير مطروحة من الأساس، إذ أن الرؤساء لا يحتاجون أن يغادروا ثم يطلبوا العودة بقول أنهم عائدون بدعوى المحافظة على مصلحة البلاد كما قال بوتين. الرئيس لا يحتاج أن يغادر أصلاً لا بالنص ولا الواقع. و النماذج من أمثال القذافي الذين وصلوا للحكم بثورة ظلوا قابعين في مراكزهم حتى اقتلعتهم التحالفات الدولية بإسم الثورة على طريقة قدومهم للكرسي هي كثيرة على العد و الحصر.
كذلك رؤساء أحزاب المعارضة، لا يملون من رئاسة الحزب، و لن يصعب على أي منهم أن يفعل أي شيء للمحافظة على مركزه في الحزب، و استبدادهم بآرائهم مدعاة لعدم تصديق حرف مما يقولون. لأن من كان مستبداً و هو مازال خارج السلطة، فإنه جزار بعد دخوله للسلطة.
الراغبون في السلطة لن تعجزهم الحيل في أي مكان للإستبداد بآرائهم على تابعيهم و الوصول إلى مبتغاهم على حساب المبادئ المتفق أو المجمع عليها، لذلك لا أثق بكلام السياسيين و وعودهم أياً كانوا بل أثق بأفعالهم، فالفرق بين الحق و الباطل أربع أصابع و هي المسافة بين مسمعي و ناظري.
آخر الوحي:
لا تذكروهم لي ، و إن سألوا
لا تذكروني عندهم أبدا
لا يملأ السربال واحدهم
و له وعود تملأ البلدا
يا ليتني ضيّعت معرفتي
من قبل أعرف منهم أحدا
إيليا أبو ماضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق