الأربعاء ١٩ أكتوبر ٢٠١١
في أيام مضت و في أول ما نشر لي قارنت بين دور الصحفي و دور الأديب، و أوضحت كيف أن دور الصحفي يكمن في وضع الأصابع على مكامن الخلل و تسليط الضوء عليها سعياً لانصراف الجهود نحو معالجتها. و شكوت أن نسبة الاستجابة لصحافتنا متدنية، و أن الآذان ليست صاغية و أن الصحافة صحافة بريد قراء.
إلا أن هذا لم يكن أبداً سبباً في انصرافي عن أداء هذا الدور ولا داعياً لتحولي للجانب الآخر من المعادلة و محاولة تقمص دور الأديب. فكان اتجاهي حينها نحو الحفر في ذلك اليابس و محاولة أداء المهمة و إن كانت النغمة مكرورة لدرجة أنك مهما قلت لا تقول جديداً و لا تصدم قارئاً ولا تحرك ساكناً.
لكنني اليوم أرى أن دور الأديب أهم، لصناعة الأمل و جمع القلوب و تهدئة النفوس. و هنا لا أعني إيقاع الجمهور أو القراء تحت تأثير المخدر. فأنا لا أدعو أحداً أن يقول أنه ليست هناك مشكلة إسكانية فاغرة فاها على مصراعيه، و لا أقول أنه لا توجد لدينا مشكلة في تنوع مصادر دخل الدولة. و أنا لا أنكر أن بنيتنا التحتية ينقصها الكثير. و لا أدعي أننا حققنا اكتفاء ذاتياً أو أمنا غذائياً. لو دعوت لمثل هذه الأقوال أو لمعتها فسأكون حتماً تحت تأثير المخدر، إلا أنني أشير إلى جانب آخر.
ما أشير إليه هو أننا نحتاج من الكتاب لمن يشيع المودة بين الناس، لا من يؤكد على حقهم في التقاطع و التدابر ثم يدعي أنه يريد خير البلد. لا من ينادي بالدعوات المكارثية للإستئصال، ثم يخطب باسم أمن البلد، ولا من يغمض عينيه و يصم أذنيه عن الإقتصاد المنهك، ثم يدافع عن الأخطاء باسم حق التعبير عن الرأي.
الأديب الذي نحتاجه هو من سيحاول أن يغير الصورة القاتمة و اليائسة التي صارت حاضرة حتى عند الواقعيين و المتفائلين و المتشائمين على حد سواء. إنه قادر على تركيز عدسته على نقاط القوة التي يمكن لأهل هذا البلد أن يبنوا عليها و يواصلوا مسيرتهم، و يبتعد بهذه العدسة عما يفرقهم، يجمعهم على الثمانين بالمائة المتفق عليها، حتى يحين الخروج من هذا النفق، لأنه لا يمكننا التفكير ما دمنا فيه.
ربما كان ما دفعني دفعاً لهذا التفكير أنني رأيت أكثر من شخص ممن يغلب عليهم التفاؤل و العمل الجاد الدؤوب لخدمة مجتمعهم رغم الظروف الحالكة، رأيتهم و قد شارفوا على أن يفقدوا أجمل ما فيهم و هو الثقة بالله و التوكل على الله. حين ترى معتدلاً و قد صار أو كاد يصير معتزلاً، فاعلم أننا كلنا نحتاج إلى راحة نفسية طويلة و نظرة متفائلة لنتمكن من مواصلة المسير.
صديق خليجي قال لي ذات مرة أنه لا يفرق بين الناس على أساس أعراقهم أو مذاهبهم، قلت له تأكد أنه لا يفرق بين الناس إلا من يتعيش على الفرقة ولا تظهر له قيمة إلا بفساد ذات البين و هنا يصدق المثل أو قول الشاعر “يرفع الله حظوظاً بعدما كانت زبالة”.
آخر الوحي:
قال السماء كئيبة ! وتجهما
قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتــسم
لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
قال: التي كانت سمائي في الهوى
صارت لنفسي في الغرام جــهنما
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها
قلبي , فكيف أطيق أن أتبســما
قلـــت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها
لقضيت عــــمرك كــله متألما
إيليا أبوماضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق