الأربعاء ١٦ نوفمبر ٢٠١١
منذ أن ظهر ذلك الرجل التونسي على الشاشة وهو يهتف بهذا الهتاف الشهير، بدأت معه موجة الفوضى الخلاقة في شتى بلاد العرب. و انتقلت الحمى بين مصر و اليمن و سوريا و ليبيا. موجة محمومة اختلفت محركاتها بين كل دولة و أخرى فبين صفعة البوعزيزي و موقعة الجمل الشهيرة وحوادث مختلفة حصلت في مختلف بقاع بلاد العرب كانت الشرارة لنيران عارمة التهبت بفعل تخزين مسببات الأزمات.
اليوم دول العالم و بالذات العربية منها هي بين اثنتين إما هي واعظة أو مبتلاة، و صدقوني أن الأولى ليست خيراً من الثانية، فبلاؤها القادم سيكون بلا شك مثل أخواتها إن لم يكن أكثر. وكلامي هنا لا يندرج في سياق التمني بقدر ماهو استقراء لظروف هذه الدول اجتماعيا و سياسياً. فكل دولنا العربية بلا استثناء متشابهة من حيث مشاركة المواطن في القرار السياسي، و متشابهة في تدني المستوى المعيشي إذا رفعنا بعض الدول الخليجية من المقارنة.
أقول أن الدول المبتلاة بأحداث سياسية و ثورات هي أقل بؤساً من الأخرى التي تنتظر دورها، لأن الدول الواعظة –إن صح التعبير- أبعد ما تكون عن الإعداد لتجنب هذه الأزمات عبر خلق بيئة من المشاركة السياسية و التنمية الإقتصادية. ما زالت هذه الدول تركز على الإستعداد العسكري، علماً بأن الأخطار المحدقة بها ستكون غالباً من الداخل و ليس من الخارج.
اليوم ما عاد الخيار العسكري محبذاً لدى القوى العالمية، و ذلك بسبب ارتفاع تكاليفه المتعددة و المتنوعة. فانتهجت هذه الدول منهجاً جديداً للتغيير عبر دعم المعارضات و الحركات الثورية من جانب و رفع غطاء الشرعية و الدعم من جانب آخر.
إن رئيساً كالرئيس المصري كانت تسمع الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة تذمره و مطالبته بالتغيير منذ أمد طويل، إلا أنه حين جاء وقت التغيير، رفعت دعمها بدعوى أن “الشعب يريد”.الشعب يريد منذ عقود، فما الذي استجد؟
ما استجد هو مواكبة هذا الحراك مع التوقيت الذي صار التغيير فيه ضرورياً لضمان انتقال سلس للسلطة، لا يعرض المصالح الأمريكية لهزات غير متوقعة. فالانتقال المفاجئ لن تكون عواقبه محمودة بالضرورة، لذا كان لا بد من استباقه و الإستفادة منه من ناحية، و عدم كبح جماحه حتى يحقق الربيع العربي أو “الفوضى الخلاقة” ذلك الغرض المنشود.
أنا لا انفي كلياً أن الشعب العربي يريد، و لكن الشعب العربي لعقود كان يأكل هواء بين طغيان صدام و غطرسة القذافي و علمانية بورقيبة. هل الشعب أراد الحياة فاستجاب القدر، أم استجابت القوى العظمى، أم أنه لا فرق عندنا بين الإثنين فصرنا نعبد هذه القوى فصارت أقدار الشعوب بيدها.
طريف أن أحد الأقارب في جلسة مع بعض الإخوة المصريين طرح موضوع الفوضى الخلاقة و دورها في تونس فاستحسنوا كلامه، فلما أراد أن يشرح الحالة المصرية على نفس المنوال، كاد إخوتنا المصريين يتخاطفونه بأيديهم و أسنانهم ربما.
اليوم و للأسف الكل يتكلم باسم الشعب العربي، و ما يريده الشعب العربي و يصبو إليه الشعب العربي. المعارضة تتكلم باسم الشعب، و دول الجوار تتكلم باسم الشعب، و الدول الكبرى باسم الشعب، و الموالاة تتكلم باسم الشعب، و الحكومة تتكلم باسم الشعب. أي شعب هذا ؟ شعب المعارضة الذي يريد مشاركة سياسية، أم شعب دول الجوار الذي يريد وصاية؟ أم شعب الدول الكبرى الذي يريد ضمان مصالحه الإستراتيجية، أم شعب الموالاة المستفيد من الوضع القائم، أم شعب الحكومة الذي يريد أن يعمل من هذه الشعوب كلها صورة تذكارية متحابة و يواصل المسير؟!
آخر الوحي:
أغرك من سلمى دنو خيالها
فصرت بهذا طامعاً في وصالها
رويدك لا يذهب بك الجهل مذهباً
به ضل من قد كان قبلك والها
فما أنت كفؤ في الهوى لوصالها
ولا خطرت ذكراك يوماً ببالها
و ما أنت إلا طامعٌ بأهلةٍ
رأى فوق رسم الماء رسم خيالها
د. ناصر المبارك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق