الأحد، 20 نوفمبر 2011

قدسية الكلمة





الأحد ٢٠ نوفمبر ٢٠١١


قلت له إن شئت أن تنقل عني فلا تنقل شطراً دون شطر، فإن حذف بعض الكلام بقصد أو بغير قصد يجعل المعنى موجهاً في غير ما قصده صاحبه. بل إن من الكلام ما لو بتر صار يعني عكس معناه. و ربما كان من مثال ذلك عبارة “لا إله إلا الله”، فهي كما كان يقول أستاذنا مدرب السياقة المرحوم الحاج حسين، كلمة أولها كفر و آخرها إيمان.
 و هب أن أحدهم نقل عني أنني قلت “لا إله” دون أن يكمل النقل، حينها سأكون عند المتلقي من ضمن الملحدين الذين ينفون وجود إله من الأساس. و لن يكون من السهل تغيير هذا المعنى و تحصيل كل من وصل إليه النقل لتصحيحه عنده، لأن الأخبار السلبية ولله الحمد تسري لدينا سريان النار في الهشيم. بل إنها كم يقول المرحوم العلامة المدني في محاضرته حول الإشاعة : “ و مجتمع البحرين بسبب ضيقه تسري فيه الإشاعة بسرعة فائقة، فيكفي أن تلقي الكلمة في الحد و تسرع بسيارتك حتى تصل إلى الزلاق فتجد أن الكلمة قد سبقتك”.
 أقول هذا و كثير من النقولات تكون بحسن نية و تؤدي إلى مشاكل مجتمعية كثيرة، فكيف البتر المتعمد و ما يجر من سوء الظن و التخاصم و التقاطع و التدابر؟
 أذكر مرة أنني تلقيت مؤخراً رسالة من صديق عزيز على نفسي، يقول لي فيها أنه قرأ لي رأياً فتعجب منه، إذ أنه وجد كما لو أنني كنت محايداً من القضية رغم علمي بها، فكان ما كتبته هروباً أو تمويهاً. قال لي بالمعنى أنه لا يظن النص كاملاً، فأرسلت إليه النص الكامل. قال لي حينها: توقعت ذلك و ما ظننت ما قرأته يخرج من بين قلمك و أوراقك.
 وباب الشاهد في هذه القضية أننا يجب أن نلتزم بأحد إثنين، إما نقل الكلام كما هو، أو عدم نقله من الأساس. و إن لم يكن كذلك، تحول المنقول إلى باب من أبواب الإشاعة التي تؤدي إلى إلهاء أو توجيه قد نرغب فيه أو يكون بغير قصد.
 هذا و قدسية الكلمة اليوم، مبدأ يجب أن لا يغفل أحد عنه في زماننا خصوصاً مع سهولة التثبت من قائل أي كلمة و التواصل معه من ناحية، و بسبب أن انتقال الإشاعة اليوم أياً كانت صار أسرع من أي وقت مضى بسبب تطور وسائل النشر و التواصل أيضاً.

آخر الوحي:
ليس هنالك وطنٌ آخر قد آواني
إلا الكلمة ..
ليس هنالك في تاريخي .. امرأةٌ أخرى
إلا الكلمة ...

نزار قباني 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق