الأحد، 27 نوفمبر 2011

في الجو








الأحد ٢٧ نوفمبر ٢٠١١


ربما كان مما أنعم علي ربي أنني لا أخشى الطيران، ولا أتخوف من ركوب الطائرة. فرغم الإحتمالات السوداوية الكثيرة التي من الممكن أن تضعها نصب مخيلتك و أنت تربط الحزام، إلا أن عقلي لا يستحضرها كثيراً إلا في اللحظات الحاسمة أو عند ظهور مؤشرات على الخطر، أبعدنا الله جميعاً عن هذه المؤشرات و عن كل ما قد يلحقها من سوء.
نعم هناك لحظات يشعر فيها الإنسان كم هو معلق بيد القدر، وهي واقعاً ليست اللحظات الوحيدة، إلا أن عند هذه اللحظات يكشف غطاؤك عنك فبصرك اليوم حديد. و في ماعدا هذه اللحظات المعدودة يعيش الإنسان مقداراً كبيراً من الغفلة ربما أعانه على إدارة شؤون حياته، و ربما مكنه من النوم بهناء.
 في هذا العام عشت عدداً لا بأس به من هذه اللحظات القدرية الحاسمة، و من يدري فلعل كل لحظاتنا حاسمة، بعض هذه اللحظات كان في الجو و بعضها في البحر و الآخر على سرير المستشفى بانتظار مبضع الجراح.و ربما كانت لحظات أخرى كثيرة خلال الأشهر الماضية فيما عاشته بلادنا من ظروف و ليالٍ ليلاء.
في لحظات الحسم، يتوجب على الإنسان إزالة مخاوفه بقدر ما يستطيع ليتمكن من التفكير المنطقي بعيداً عن أي وساوس لن تفيده بقدر ما ستعقد أموره و تعجزه عن التصرف المناسب و السليم. أولاً يجب التفكير في ماهية الخطر المحدق، ثم تهيئة النفس بأخذ نفس عميق لمجاراة دقات القلب المتسارعة و الإستعداد للتمكن من الإستفادة القصوى من دفقات هرمون الأدرينالين المندفعة في الشرايين. قد تصل النفسية إلى حالة من الهلع ينبغي التعامل معها بمقدار من الإيمان و التسليم لله و ليس الإستسلام للنهاية و اليأس.
تمكنك من تقييم الوضع بصورة صحيحة سيتيح لك التعاطي معه بأفضل وسيلة متاحة. لكن الشئ الأهم هو عدم الإستسلام للخوف أبداً و محاولة تجنبه أو تقليله حتى إذا كان قهرياً أو مرضياً.
و باعتقادي أن أكبر مشكلة في ما نقع فيه من ظروف و اختبارات، ليس تعرضنا لظروف جديدة، بقدر ما هو صدمتنا مما نكتشفه عن أنفسنا و كأننا نقف أمام المرآة لأول مرة، و ننظر إلى شخص مختلف مرتعد الفرائص مرتجف الكفين أصفر البشرة غائر العينين. هذا الشخص الجديد هو عائق من التصرف السليم يحتاج أن يساعده أحد ما، و المشكلة انه لا يظهر إلا في الظروف التي لا يمكن لأحد مساعدته فيها.
تراودني أسئلة كثيرة عن هذا الشخص الرعديد، هل يكثر حضوره مع تقدمنا في السن أم يقل، هل يتأثر حضوره من عدمه بما نتناوله من طعام، و بمقدار ما نزود أجسامنا من الراحة، هل يتواجد أكثر مع تسارع إيقاع الحياة أم مع بطئها. الغريب أن ما لاحظته هو أنني أجد هذا الكائن الرعديد حاضراً معي قبيل اللحظات السعيدة أو الهامة أكثر من اللحظات الموسومة بالخطر.
ربما كان ذلك شعوراً طبيعياً لأن الإنسان يخشى دوماً على سعيد لحظاته من التنغيص، قبيل التخرج، قبيل الحصول على رخصة القيادة، قبيل ليلة العمر أو في انتظار مولود أو نتيجة امتحان.
ربما كان مؤلماً وقوع ما كنت تخشاه، و لكنه يجب أن لا يكون نهاية العالم بالنسبة إليك، فلو استمرت حياتك فيما بعد فهي نعمة كبرى يجب أن تنعم بها و تستمتع. و أما إن لم تستمر، فلن يعود هنالك ما تخشاه بالنسبة لحياتك هذه على الأقل.
يجب أن تسعد بمعرفة ذلك الكائن الرعديد الذي يعيش بداخلك الذي ستعرفه في لحظات ما، كما تسعد بمعرفة الكائن الأناني القابع في وجدانك، و تتعامل برفق مع الطفل بداخل شعورك ولا شعورك، فكل هؤلاء يجب معاملتهم بما يستحقونه لتتمكن من حل مشاكلهم. لن يكون ذلك صعباً، المشكلة الوحيدة في أن تتعلم كيف تراهم و تراقب سلوكياتهم.
ملاحظة:
و الطائرة تحط بنا الآن أعتقد أن فرصة سنحت للتعرف بذلك الجبان خصوصاً و الكابتن قد رفع الطائرة مرة أخرى في الجو بعد أن حاول لمس المهبط فلم يستطع، هاهو يرتفع ويقوم بلفة على المطار ليعيد الكرة من جديد، الله يستر !!!

آخر الوحي:
سيدتي يقتلك البرد؟!
أنا يقتلني نصف الدفء و نصف الموقف أكثر...

مظفر النواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق