الأحد، 30 سبتمبر 2012

"الأسكان" و الأسنان







الأحد 30 سبتمبر 2012


أعلم أن همزة الإسكان تكون في الأسفل إلا أنها في الدارجة تكون في الأعلى، ثم ان القافية حكمت أنه لم أستطع أن أنزل همزة الأسنان فأعليت همزة الإسكان. وذكري للقضيتين معاً ليست من قبيل الظرافة ولكن لأن الموضوعين بصراحة يستحقان الكتابة ومطروقان بكثرة، وتجمعهما بعض المشتركات التي تجعل ذكرهما في مقال واحد أبلغ من فصلهما.
الإسكان وهي الخدمة الحكومية التي تنتظرها نصف عوائل الشعب أو أكثر يتشابه عندنا مع طب الأسنان ذو الطوابير الطويلة التي لا تنتهي، فكما ان أمام أي عائلة جديدة تنضم إلى انتظار الخدمة الإسكانية ما يربو على خمسين ألفا من الطلبات، فكذلك هناك طابور طويل أمام المتقدم لعلاج الأسنان في العيادات الحكومية بشكل مبالغ فيه. وكما أن عيادات الأسنان الخاصة والموجهة لذوي الدخل المحدود والمتوسط ربما صارت الأكثر بين جميع تخصصات الطب، فكذلك نجد مشاريع شقق التمليك والوحدات السكنية الصغيرة صارت مجالاً ناجحاً للاستثمار للمواطن الذي لا يجد حلاً سوى الالتحاق بركب المملوكين للبنوك وتحول القرض العقاري من دين ينقض الظهر إلى علامة على كون الإنسان مواطناً.
الإسكان يعدنا في ظرف خمس سنوات أن يجعل مدة انتظار المواطن للخدمة أقل من خمس سنوات، وبعيداً عن أسباب تراكم الطلبات، فإن عدد الطلبات التي تفوق خمسين ألفاً لا تنحصر في الوحدات إنما هناك طلبات قروض وقسائم، وهذه لا تعد مشاريع تحتاج تنفيذ بقدر ما هي تحتاج سيولة للقروض يمكن حلها عن طريق التعاون مع البنوك وتغطية الفوائد عن طريق الدولة وتحتاج تخطيط أراضٍ جديدة وتوزيعها على الطلبات لينحسر جزء كبير من العبء ويبقى عبء المشاريع التي تحتاج أيضاً إلى التسريع خصوصاً مع الوعد بتحويل مدة الانتظار إلى أقل من خمس سنوات.
أما بالنسبة للأسنان فإلى حين تنفيذ الخطط التطويرية التي قدمت الوزارة عرضاً عنها للوزير قبل أسابيع (أقل من ثلاثة أشهر)، فليس من العدل بتاتاً أن يبقى المواطن تحت رحمة طابور الانتظار، لماذا لا تقوم الوزارة بالتنسيق مع عدد من العيادات في كل منطقة لاستقبال المواطنين وتقديم العلاج لهم حتى تصل الخدمة الحكومية إلى المستوى المأمول؟ أو أن تقوم الوزارة بتوفير تأمين صحي للأسنان ولباقي التخصصات التي لا تتمكن حالياً من تغطية الحاجة إليها؟
أما أن نعيد ونكرر قضية أن العلاج مجاني ومجاني ومجاني ثم تكون العيادات الخاصة هي الملجأ، يجب التفكير ألف مرة قبل أن نقول هذا الكلام والعيادات الخاصة يفوق عددها عدد صالونات الحلاقة في كل المناطق. نعم العلاج مجاني وهي نعمة نحمد الله عليها ألف مرة، ولكن طب الأسنان وباستبيان بسيط سنجد أن أكثر الناس لم يعودوا يعرفون ساعات عمل العيادة الحكومية ليأسهم منها.
والإسكان خدمة حكومية لكل المواطنين ولكن هذا كاد يكون حبراً على ورق حين ينتظر المواطن طلبه ليسكن فيه الابن بعد زواجه. فأنا أعرف وغيري يعرف مواطنين لم يصلهم الدور إلا وقد زوجوا أبناءهم أو ألحقوهم بالجامعة أو وجدوا لهم عملاً بسيطا. القضية الإسكانية أشبعت طرحاً ونقاشاً، إلا أن مما يوجع القلب أن تترك قضايا عالقة كهذه لتتفاقم فتخلق أزمات الكل في غنىً عنها. نعم هناك من يتاجر بهموم الناس، صحافي وسياسي، ولكن لماذا يسمح بتوفير رصيد لهم؟ تتحول القضايا الخدمية إلى قضايا سياسية ومن ثم تحتاج حلاً سياسياً.
قيل قديماً ولا أدري مدى صحة المقولة “لا وجع كوجع الضرس ولا هم كهم العرس” والله من وراء القصد.

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

مع عقلاء المجانين









الأربعاء 26 سبتمبر 2012


أحد الكتب ذائعة الصيت في ثقافتنا العربية الإسلامية، وكنت أذكر دوماً ما ينقل من القصص والحوادث عنه من طرائف المواعظ التي تجري على لسان أناس اشتهروا بالجنون وإن كان واقع حالهم صحة العقل ورجحانه، وإنما اعتزلوا عالم العقلاء لما وجدوه يجري بصورة غير منطقية فقرروا مخالفته واعتزاله فما كانت لهم حيلة ليفعلوا ويسلموا من شر من يقال عنهم العقلاء إلا بادعاء الجنون.
وعجبت حين وجدت ناشر الكتاب يعلق قائلاً “هذا الكتاب نال شهرة واسعة لغرابة موضوعه، وطرافة محتواه، إذ يحتوي على نوادر الحمقى وأخبار المجانين من الذكور والإناث، ويبين أصل الجنون في اللغة، ويعدد أسماء المجنون، ويسوق الأمثال المضروبة في الحمق والحمقى”. وكان عجبي من ذاك أن الناشر على ما يبدو لم يطلع حقاً على الكتاب، إذ أن مجمل ما تقرأه في الكتاب من قصص لا يتعلق بحمقى ولا بمجانين كما أسلفت، إنما يدور حول من ادعوا الجنون أو اعتزلوا الناس رغم رجحان عقلهم ونقاء سريرتهم ونفاذ بصيرتهم. إلا أن ظاهر الكتاب يبدو قد خدع الناشر كما خدع كل بطل من أبطاله القريب منه والناظر.
ويصنف الكتاب المجانين إلى أنواع وضروب، فمنهم من عشق فتيمه الحب وجن، ومنهم من اعتقد بدعة أو ارتكب كبيرة فأدركه شؤمها فجن، ومنهم من سمي مجنوناً بلا حقيقة حتى أن العرب اعتبرت الشباب شعبة من الجنون. ومنهم من جن من مخافة الله. ثم يأتي إلى لب الكتاب فيقول ومنهم من تجان وتحامق وهو صحيح العقل، ثم يقسم هؤلاء إلى ضروب. فمن المتحامقين من أراد تورية شأنه وستر أمره عن الناس، ومنهم من تحامق لينال غنى، وآخر تحامق لينجو من بلاء وآفة.
ولعل تفسير ذلك كله في قول ينقل في الكتاب إذ يقول “الناس ثلاثة، مجنون ونصف مجنون وعاقل. فأما المجنون فأنت منه في راحة، وأما نصف المجنون فأنت منه في تعب، وأما العاقل فقد كفيت مؤنته”.
ولعل القائل قد فاته شيء مهم، وهو أن يشير إلى فرق بين عقلاء المجانين ومجانين العقلاء، فإن عقلاء المجانين قوم ظاهرهم الجنون وباطنهم العقل وهم قلة قليلة، وأما مجانين العقلاء فأقوام ظاهرهم العقل وباطنهم الجنون والخبل والعياذ بالله منهم لكثرتهم وشدة أذاهم.
والحق يقال إن الفتن العقيدية والسياسية التي جرت في بلاد الإسلام كانت عذراً لكل متحامق، والخلافات التي نشبت حجة لكل معتزل، ولكن الطريف أن العقلاء كانوا يسمعون العظات ويهتمون لها حين يسمعون أمثالها على ألسنة المجانين. وربما كان ذلك أصل مقولة “خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين”.
فذلك مجنون يقذفه الأطفال بالحجارة فيقال له: ارمهم وكفهم عنك فيقول لا أفعل: يمنعني من ذلك خصلتان: خوف الله وأن أكون مثلهم.
وذلك آخر اسمه لغدان من بني أسد يمر بقوم من تيم اللات بن ثعلبة فيعذبونه ويعبثون به فيقول لهم “ما أعلم في الدنيا قوماً خيراً منكم” فيسألونه عن ذلك فيرد عليهم: بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري. يسأل عن ذلك فيجيب: بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري، وقد قيدوني وسلسلوني، وكلكم مجانين ليس فيكم مقيد”.
هذا وقصص المجنون الأشهر “بهلول” أكثر من أن تحصى في وعظ الكبراء، ولا أدري أي مجنون يقصدون وقد طبقت شهرته الآفاق في الوعظ والنصح والتدين. وللحديث تتمة.

آخر الوحي:
رأيت الناس يدعوني**بمجنون على حال
ولو كنت كقارون**وفرعون في الأقبال
رأوني حسن الوجه**جميلا حسن البال
وماذاك على حق**ولكن هيبة المال

جعيفران

الأحد، 23 سبتمبر 2012

هكذا أدبنا محمد






الأحد 23 سبتمبر 2012

منذ سنوات خرج على العالم رسام من الدنمارك برسومات يحاول من خلالها الإساءة إلى منقذنا ومنقذ البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتحركت المشاعر حباً وغيرةً عليه وعلى مقامه في نفوسنا، وما كان أول من يتجرأ على هذا المقام الشريف ولن يكون آخر من يتجرأ، فمعروف أنه من يريد الظهور والشهرة لا يستغني أن يقرن اسمه باسم كتب له الخلود، ولأنه لا يمكن له أن يقترن به وهو دونه مقاماً إلا أن يسيء إليه، وشبهت العرب من يروم ذلك بذلك الذي "وضع برازه" ** في بئر زمزم لعل الناس تعرفه ولو بالسفاهة والحمق.
وهاهو آخر يتجرأ على هذا المقام بفيلم تافه وآخر برسومات مسيئة ولكن عبثاً أن ينال هؤلاء مآربهم لسبب بسيط لا يدركه هؤلاء وينبغي لنا نحن أن ندركه جيداً. فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مقامه منيع إلى درجة أن التجرؤ عليه يجعل نوره يشع في قلوب كانت تعيش الظلمة سنين طويلة دون أن يقصد المسيئون ذلك. إذ لو كنت أعيش في مكان آخر وعلى عقيدة أخرى وسمعت عن إساءة لنبي الإسلام من شخص على ملتي فسأتساءل عدة تساؤلات منها ألا يخشون أن يتعرض هؤلاء المسلمين لعقيدتنا؟
سيأتي الجواب حينها أن أهل الإسلام لا يمكن أن يسيئوا لنبي آخر، لأنهم يحترمون كل الأنبياء ويعتبرون رسالاتهم والإيمان بها جزءا من عقيدتهم. بمعنى آخر لا يمكن أن يخرج مسلم سفيه فيسب موسى أو عيسى عليهما السلام انتقاما لنبيه. وهذا قد يكون مفهوماً بالنسبة للمسيحي بالذات لأنه يعتبر رسالة المسيح مكملة لرسالة موسى. ولكن ما لا يمكن أن يفهمه أحد هو نهي القرآن عن سب الكافر الذي لا يدعو إلى ديانة سماوية بل يدعو إلى ديانة أرضية. لأن القرآن يدعو إلى عدم سب الذين كفروا فيسبوا الله.
حين أسمع برجل بهذه العظمة وديانة بهذه العظمة فإنني ولاشك اقف احتراماً لهذه الديانة التي أدبت أتباعها ألا يسبوا أحداً حتى ولو كان وثنياً فيسب ذلك الشخص ربهم.
ماهذا الخلق الرفيع الذي يستحيل أن يوجد إلا في شخص تناهى في النبل وعقيدة بلغت أعلى درجات الرقي؟ لاشك حينها أن من يسمع بهذا المستوى الأخلاقي الرفيع ستخلق عنده تساؤلات عدة لن تجد لها أجوبة إلا بمعرفة بهذه الشخصية وبمآثرها وبالعقيدة التي تدعو إليها.
أقول للسياسيين على الضفة الأخرى من العالم الذين يريدون اختلاق أي سبب ليثيروا غضبة المسلمين ليحققوا مآربهم المشبوهة، هيهات، فرغم الغضب الشديد، فتلك الأخلاق في احترام مقدسات المخالف هي من الثوابت التي لا تمس. أما نسبتكم كل ما يسيء الإسلام فهو يجعلنا نتساءل عن أمرين:
أولهما عن الأخلاق التي تربيتم عليها، وثانيهما عن صدق دعواكم حول ما تؤمنون به من الديمقراطية التي باتت عندكم القبول بكل ما يقال حول أديان الآخرين فيما أنتم تسيئون إلى أمتكم قبل غيرها وتثيرون الكراهية لأمتكم التي لم تحمل للآخر إلا اضطهاد عقيدته.
نعم هكذا أدبنا نبينا، ألا نسيء لأحد ولا لعقيدة أحد، فكيف تأدبتم أنتم؟

---------------------------------------
**العبارة الأصلية قبل النشر: الذي بال في بئر زمزم

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

الأمن الغذائي إلى أين؟







الأربعاء 19 سبتمبر 2012


عشنا خلال الشهرين الماضيين أخبارا ووقائع قضايا شحنات اللحوم الفاسدة التي أتتنا كل منها من وادٍ مختلف وكأن الحظ العاثر أو سببا آخر زاد مما يأتينا من اللحم الفاسد. اشتعلت القضية واشتعل معها تقاذف الاتهامات بين الجهات المعنية والمسؤولة عن وصول الشحنات ودخولها إلى البلاد وسمعنا وقرأنا من التصريحات الشيء الكثير التي تحلل الأسباب وتطرح الحلول عبر إثارة قضايا أخرى متعلقة بالقضية الأساسية.
فمما طرح موضوع اللحوم المبردة بديلاً للرؤوس الحية، ومما طرح مسألة الحاصل من احتكار للدعم على الشركة بدلاً من توزيعه على غيرها من مستوردي اللحوم، وأسهبت الصحافة ووسائل الإعلام في تغطية الموضوع حتى وصل إلى المناكفات وتبادل الردود بين مسؤولين من نفس الجهات حول نفس القضايا.
أقول أسهب الجدل حول الموضوع وأعادنا إلى القضية الأساس وهي قضية الأمن الغذائي بصورة عامة والقصور الخطير في تأسيس مقومات وموارد وطنية في هذا المجال المهم والحيوي حتى وصل الوضع إلى هذا السوء. حيث كنا سابقاً نتلقى التطمينات قبل بداية المواسم المهمة كشهر رمضان المبارك والأعياد بتوافر الشحنات الكافية، ثم يصل بنا الحال إلى شح في اللحوم خلال أشهر عادية، يتزامن معه شح في الإنتاج السمكي وربما كانت لتكون الطامة أكبر لو رافقتها أنباء عن أمراض وأوبئة متعلقة بالطيور.
مما لاشك فيه أن العمل في مجال الصناعات الغذائية هو عمل ذو عوائد مجزية لما يترافق معه من طلب لا يصل إلى حد الاكتفاء. لكن المعوقات الموجودة لا يمكن قطعاً تجاوزها بدون توافر دعم للمربين والمستوردين بشكل متكامل وفعال. وحين أقول متكامل فإني أتكلم عن تسهيلات للعمل في هذا المجال بشكل يدفع المزيد من التجار لدخول هذا المجال سواء كمستوردين أو مربين، تكامل يوفر خدماته لهذا المجال كما يوفر مركز خدمات المستثمرين كل التسهيلات اللازمة لعموم النشاطات التجارية في تأسيس الشركات لمزاولة أنشطتها. وحين أقول فعال فأنا أتكلم عن دعم يحقق أهدافه المراد الوصول إليها.
من المشاكل الأولية التي تمس مربي المواشي مشكلة الحصول على أرض يزاولون عليها أنشطتهم ويفعلون منها سجلاتهم ويحصلون على احتياجاتهم من الكهرباء والماء وجلب العمال. كيف لا ونحن نشاهد حظائر الماشية تضيق عليها السبل وتلاحقها الشكاوى للخروج من المناطق التي أقيمت فيها دون بديل مناسب ويعمل كثير كهواة يتعامل في السوق المحلي بيعاً وشراء بسبب ضيق الإمكانات دون أن يستطيع تحقيق فكرة الاستيراد من الخارج.
هل تعجز الدولة عن رعاية حقيقية للمجال الزراعي تبدأ من توفير الأراضي للمربين، ليشعر العاملون بهذا المجال بالجهد المبذول في توفير الأعلاف والأدوية وباقي الخدمات؟
الدعم الحقيقي الذي من الممكن أن يخلق أمناً غذائياً لا يمكن أن يقتصر على مبلغ يخفض تكلفة الموردين لينخفض السعر على المستهلك، الدعم يتمثل في أن نأخذ موضوع الثروة الحيوانية بجدية لتكون رافداً يغطي نسبة كبيرة من احتياج السوق، الموضوع يحتاج استراتيجية متكاملة جادة ودعماً لجهود كل من يريد أن يحقق الأمن الغذائي سواء عبر الاستيراد أو عبر الإنتاج المحلي.

الأحد، 16 سبتمبر 2012

ماذا يجري في ليبيا؟







الأحد 16 سبتمبر 2012


سنضطر للكلام في كثير مما لا يمس ليبيا بشكل مباشر، لنستوضح قراءتنا لما سيجري على ليبيا و ما أسبابه والتوقعات التي توضع على المدى المتوسط و القصير، أي أن نتائج هذه القراءة سيتضح صدقها من عدمه خلال سنة إلى ثلاث سنوات.
ففيما يمر العالم بأزمة اقتصادية عارمة ألقت بظلالها عليه ابتداء منذ عام 2007 و عام 2008 حين تردت أحوال البنوك الإستثمارية الكبرى على خلفية ديون الرهن العقاري الأمريكية التي أعيد تمويلها عن طريق هذه البنوك عن طريق سلسلة من إصدارات السندات المتصل بعضها بالآخر، و حين تعثر المستفيدون من الديون عن دفع أقساطهم تساقطت السندات كحبات الدومينو تجر معها البنوك التي قامت بالإصدار و البنوك التي استثمرت في هذه الإصدارات على حد سواء.
 تفجرت بعدها أزمة الديون السيادية داخل الإتحاد الأوروبي و كانت أكثرها إثارة للقلق هي أربع دول:  البرتغال، إيرلندا، اليونان و إسبانيا. و قد كان أشدها وطأة و أولها إنفجاراً الحالة اليونانية التي تسارعت دول الإتحاد الأوروبي و فرنسا و ألمانيا بالذات للدعوة لدعم اليونان لإخراجها من المأزق قبل أن تغرق معها جميع دول الإتحاد الأوروبي أو منطقة اليورو.
 و بعيد الأزمة و كحل متوقع و لزيادة السيولة في الأسواق، قامت البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة لتنسحب الأموال من الإيداعات التي تصير غير مجدية و تتجه إلى التوظيف في مشاريع و أعمال أكثر ربحية من ناحية، و لتتمكن البلدان والشركات المستدينة من إعادة تمويل ديونها بتكلفة أقل.
 من حيث أسعار العملات التي تعكس قوة الإقتصاد فالدولار و اليورو يواصلان الإنخفاض على خلفية هذه الأزمات، و خصوصاً اليورو الذي مازالت هناك مخاوف من انسحاب اليونان اذا عجز الإتحاد الأوروبي من انقاذها مما قد يفتح الباب لإنسحاب آخرين.
إذن فاليورو و الدولار كإقتصادين لن يتحملا أي إرتفاع مفاجئ في أسعار النفط خصوصاً في ظل خطط الإنقاذ التي يتم تنفيذها على مستوى الشركات الكبرى و حتى بعض الحكومات.
 النفط مهيأ للإرتفاع بسبب التوتر السياسي و الإستراتيجي في الخليج، فإيران المهددة بضربات من أمريكا و إسرائيل و التي نستثني نفطها من معادلة السعر بسبب العقوبات و المقاطعة الواقعة عليها، قد هددت بسد مضيق هرمز في حال وجود أي تهديدات بحرية لأمنها،مما سيمنع قطعياً تدفق أغلبية نفط الخليج إلى باقي دول العالم، و يؤدي ذلك إلى رفع السعر بشكل جنوني و غير مسبوق. بل حتى لو لم يتم سد المضيق فإن أي حرب قصيرة الأمد ستكون كافية لرفع الأسعار بشكل مؤذ للإقتصادين الأوروبي و الأمريكي.
 من هنا تدخل ليبيا كمفتاح لحل هذه المعضلة أمام جيوش دول الناتو التي تقف اقتصاداتها كسد دفاع أمامها، و بمعنى آخر يكون النفط الليبي و تأمينه و توفره هو الحل أمام هذه الحكومات ليقف وزراء المالية و الإقتصاد في نفس اتجاه وزراء الدفاع و الحربية. فليبيا بالإضافة إلى توافر النفط فيها بكميات هائلة غير مستغلة إلى حدها الأقصى فهي كذلك تقع بعيداً عن ساحة المعركة وتمر إمداداتها عبر طرق مختلفة تماماً هي الأقرب إلى أوروبا.
 إذن فالمتوقع أن يجري في المستقبل القريب التدخل بشكل أكبر في الداخل الليبي لضبط الأمن من ناحية، و لتأمين إنتاجية أكبر من النفط الليبي لتغطية أي خلخلة تسببها الحرب أو التوترات على ضفتي الخليج العربي و مضيق هرمز. و الأيام كفيلة بتوضيح هذه التوقعات و ربما كان حدث مقتل السفير الأمريكي هناك سبباً مباشراً و بداية لهذا التحرك المتوقع.

آخر الوحي:

 لم يعد يذكرني منذ اختلفنا أحد في الحفل
غير الإحتراق
كان حفلاً أمميا إنما قد دعي النفط
و لم يدع العراق

مظفر النواب

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

الثوب الوطني








الأربعاء 12 سبتمبر 2012


كما هي العادة معي في كل الأعياد و المناسبات، أذهب إلى أحد محلات الخياطة لتفصيل اللباس الوطني أو الثوب الوطني. هذا الثوب الذي لا يستغني الإنسان عنه ليحس بزهوة العيد، سواء كان كبيراً أو صغيراً، فاستحباب لبس الجديد بالإضافة إلى ما اعتدناه من أن يكون طابع يوم العيد تقليدياً في الملبس يجعل الجميع في ذلك اليوم يرتدي الثوب الوطني.
في السنوات الماضية دخلت على الثوب تغييرات كثيرة، فقد طالت الياقة، و تعددت أشكال الأكمام، و دخلت التطريزات المختلفة على صدر الثوب، و الأزرار صارت مخفية أو ظاهرة، بالإضافة إلى دخول الياقة الصينية و قبلها الياقة القطرية. تنوعت أنواع القماش، و رغم كل ما يميز الثوب العماني و الإماراتي و غيرهما، إلا أن من يرتدي الثياب المختلفة يظل محتفظاً بطابع وطني نوعاً ما لأنه يرتدي الثوب.
مع هذا فأنا متأكد أنني لو زرت محلات الخياطة كلها دون أن أحدد ما أريده و اكتفيت بإعطاء القياسات و طلبت من الخياط أن يقوم بتفصيل ثوب وطني لي فسأجد حتماً من كل منهم اجتهاداته و رؤيته و مفهومه المختلف للثوب الوطني. أقول أن كل هذه الثياب ستختلف عن بعضها البعض من حيث الضيق و الإتساع، نوعية القماش، شكل الياقة، شكل الكم، و ربما أصر أحدهم على التطريز، أو أن يضيف إضافاته الخاصة من القطع الإضافية.
ربما اشترط علي أن ألبس معه البشت أو الصديري أو أي قطعة إضافية تعلو الثوب ليكون الثوب وطنياً بمفهومه هو. و لو خضعت لاجتهادات الخياط أو أصررت أن أفصل أنا بمفهومي الخاص، فهل سيخرج الثوب عن كونه وطنياً؟ لا أعتقد، و لا أظن أنها ستكون مشكلة كبيرة.
فإذا كان مفهوم الثوب الوطني يختلف عليه أرباب هذه المهنة و صناعها، و يمتلكون اجتهادات يعتقدونها تطويرات و إضافات محمودة، أو التزاماً بأصالة معينة، دون أن يخرج عن كونه الثوب الوطني،فكيف لنا أن نحتكر مفهوماً أكثر تعقيداً و عمقاً منه و هو مفهوم الوطن فنحدد له شكلاً نخرج كل من اختلف عنه من دائرة الوطنية؟
صدق إن شئت أو لا تفعل أن كل تيار سياسي يحمل صورة عن الوطن تختلف عن الآخر، و يحمل رؤاه و تصوراته لما هو الوطن و ما يجب أن يكون عليه، و لكن كيف أخرجت من يختلف عن هذه الصورة من دائرة الوطنية؟ 
البعض يختار الوطن لنا من قماش خشن ليدوم، دون أن يدري أن دوام الملبس و طول عمره لا يستلزم أن نتأذى من خشونته. آخر يريد الوطن من خامة معينة يعتقدها الأجمل، و ثالث يتحرى للوطن أن يكون بحسب مقاييس عالمية في التفصيل.
لنختلف أو نتفق على ثوبنا الذي سنلبسه جميعاً، و لنكن ليس حقاً ولا عدلاً أن ننتهي في آخر المطاف و قد قرر كل منا أن يأخذ الشبر الذي يخصه من قطعة القماش التي كانت تفصل الثوب، أو أن يستأثر بعضنا به دون الآخرين.

آخر الوحي:
أمضيت كل سني العمر مرتحلاً
زادي الهوى و أنيسي في الأسى قلمي
كتائه جاب كل الأرض مغترباً
و لم يجد في نواديها سوى العدم

محمد نصيف

الأحد، 9 سبتمبر 2012

رهان كبير






الأحد 9 سبتمبر 2012

جلس الساهرون في تلك الليلة على طاولة القمار يمسك كل منهم بقطع اللعب التي تمثل قيمة ما دفعوه لكازينو الملهى الذي يرتادونه. كان نادل الملهى يتلقى منهم اختياراتهم للأرقام التي يتراهنون عليها ثم يدير الطاولة بينما يدفع اللاعب كرته المعدنية لتنتقل بين خانات الأرقام وتستقر في خانة ما عند توقف طاولة اللعب عن الدوران. حين تستقر الكرة عند رقم ما فقد تعني أن اللاعب ربح ليحصل على بعض المكاسب أو خسر فيضطر لدفع المزيد من المال إن كان متفائلاً بالربح في المرات التالية.
ما يحصل في تلك السهرة مشابه كثيراً لما حصل في أكثر من دولة من دول الربيع العربي، ربما سميناه الفوضى الخلاقة، رهان قائم في الخارج على سقوط الأنظمة، وبالذات في الحالة السورية، إلا أن الفارق بين لعبة الروليت وبين هذه الثورات هي أن الرهان المقدم ليست أموال يقدمها اللاعبون بقدر ما هي دماء الشعوب التي تجري المعارك في ساحات بلادها. الحالة السورية هي كسابقاتها من دول الربيع العربي من أن نظامها يتربع على سدة الحكم بدون مشاركة شعبية حقيقية رغم أنها كما سابقاتها نظام جمهوري يفترض أن مؤسساته تتكامل عبر الاختيار الشعبي. من في العالم كان يجهل وضع المشاركة الشعبية في هذه الدول. فمصر قبل ربيعها حصلت فيها انتخابات عام 2005 بمنافس آخر على منصب الرئيس وانتهت بالمرشح أيمن نور آنذاك مسجوناً بتهمة تزوير في أوراق الترشح. تونس هي الأخرى دولة حكمها رئيسها بن علي لثلاثة عقود دون تغيير وشاهدت صوره تعلق حتى في أصغر حوانيت العاصمة ورأيت في مكتباتها كتب تمجيد الحزب الحاكم من قبيل “تونس من الحزب الواحد إلى حزب الأغلبية”. وعلى نفس المنوال كان حزب البعث السوري يحكم بلاده لعقود حصل فيها التوارث الجمهوري ربما الأول في الدول العربية قاطبة لدرجة أن الدستور تم تعديله ليلائم حداثة سن بشار الأسد آنذاك.
ومما لا شك فيه أن تعاطي الغرب مع قضية سوريا لا يمكن أن يكون مبنياً على دوافع إنسانية بقدر ما هو بدوافع المصلحة، إذ أن ما جرى ويجري في فلسطين خير دليل على أن حسابات الإنسانية تأتي أخيراً في حسابات هذه الدول مع الشعوب المسلمة والعربية. بل إن المزيد من الدماء في سوريا هو شيء مطلوب لهذه الدول التي تعرف مسبقاً نتيجة قيام ثورات في بلدان تعيش عزلة دولية ولا تخشى من مواجهة هذه الأزمات.
الوضع الإنساني السيء في سوريا مع تفاقمه الذي يدفع ثمنه السوريون وحدهم هو رهان للدول والأحزاب التي تدفع باتجاه التغيير إلا أن الثمن الباهظ والمتزايد يدفعه السوريون دون غيرهم فيما تتحمل مسؤوليته الدول التي أبدت دعماً معنوياً ألقى بالسوريين بين شقي الرحى في أتون جحيم مشتعل دون أن يكفل لهم أي عون أو حماية من أن يكونوا حصاداً لهذه المعارك. و مع تزايد هذه الآلاف يوماً بعد يوم، نجد الرهان متواصلاً دون جهد يذكر لحقن الدماء. ترى؟ هل الدول الكبرى تهتم حقيقة بما يجري على هذه الدولة العربية، أم أنها تشجع أمراً يحمل لها فتحاً سواء نجح أم لم ينجح؟
هل سنسمع خلال سنوات بعد مأساة سوريا من الأمم المتحدة كلاماً عن مطالبة رؤساء دول الأمم المتحدة من كل الدول التي لا تحتمل نظاماً للمشاركة لشعبية أن تقوم الأمم المتحدة باستفتاء على رضا مواطني كل دولة عن حكمهم، وهل ستكون إجراءات تقرير المصير إلزامية أممية؟
ثلاثون عاما أو أكثر استغرقت السوريين ليدخلوا في مواجهة مع الرئيس ولعل الحبل على الجرار يأتي بمزيد من الضحايا، وهل يا ترى كان ليكون أمثال هذه القضية والضحايا لو حصل حراك مشابه في دولة عربية أخرى؟ أظن ذلك، يمكنكم النظر للسودان كمثال. وبينما تدور طاولة الروليت تطحن الرحى مزيداً من الأرواح ويرتفع الرهان بارتفاع عددهم.

آخر الوحي
الرصاصة لا تشبه السيف في أي شيء
سوى لحظتي الاحتواء
الرصاصة محض امتداد..
لصخرة قابيل حين بإثمين باء
دبب الوقت والخوف أنيابها
شحذتها الضغينة والكبرياء
سيد يوسف

الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

إفراط و تفريط!!







الأربعاء 5 سبتمبر 2012


حينما يتكلم الجميع عن الوسطية باعتبارها المنجاة للفرد و المجتمع، فإن كلاً من الناس يحسب نفسه وسطياً، و ربما لا أحد يحسب نفسه على التطرف. المتطرف لا يرى تطرفه و لكن يقال أن صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا حاجته، و المتطرف يسرف في تصوره للآخر متطرفاً، بينما هو على محور مختلف.
عندنا متطرف من النوع الذي يغفر لكل من يختلف معه على أي مستوى إلا أن يختلف معه سياسياً، فمثل هذا لا يقبل منه أي رأي و لا يؤخذ بأي شيء مما يقول. كأن يقول أحدهم مثلاً في استشراف لما يتوقعه من انتقادات “سيقولون ماركسيين، شيوعيين، بعثيين، طائفيين “ و يوجه أن هذه العناوين تستخدم لضرب و تسقيط المخالف في الرأي. و الواقع من الحال أن المتكلم يعرض عن هذه الحقائق و كأنها لا تعني له شيئاً. أيها الأخ، إنما وثق الناس بك دون أولئك أول الأمر قبل أن تمكن لهم القلوب فقط لأنك دخلت من بوابة الدين، أما لو أنك دخلت من حيث دخل المذكورين لما وجدت أذناً صاغية و لا عقلاً متفهماً ولا قلباً متعطفاً. إن تلك الإختلافات التي ذكرت ليست هامشية أو غير ذات بال، و حسبي أن من ترك باباً من الحق أحوجه الله إليه.
عندنا آخر من النوع الذي يقبل بأن تختلف معه في كل شئ، إلا أن يكون من ترجع إليه في الأحكام شخصاً آخر فتجده يهاجمك على تقليدك الديني. فعندما غرد وزير الخارجية البحريني تغريدته الشهيرة “كوكب آخر” و قال أن على من يرفض الأخوة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم أن يكفينا شره و يذهب إلى كوكب آخر. حينها رد عليه أحد المغردين ممن يفترض فيهم أنه من أهل العلم، ليقول أن هذه التغريدة نموذج لهدم التوحيد، فعنده “كيف نجمع بين الموحد و المشرك في صف واحد و نسميهم إخوان؟”. و لعمري لقد رمتني بدائها و انسلت، فالذين فرقوا دينهم هم بلاء الأمة. إذ كيف في بلد تعددي يقبل أن يقوم رجل دين بتكفير من لا يرجعون إلى نفس فقيهه الذي يرجع إليه و كأنه احتكر الحق و الحقيقة. ثم إن كان رجل الدين لا يحفظ أرحامه و لا يخشى من تقسيم المجتمع، فماذا لنا لنتوقعه من خيره و من غيره؟
عندنا متطرفون يقومون بتقييم ظروف بلد ما بالسيء أو الحسن فقط من خلال ارتباطاتهم الإستراتيجية، فيسوغون ما لا يسوغ للدفاع عن شخصية سياسية أو الهجوم عليها داخل بلادهم أو خارجها. بمعنى أنهم مع ما يسعد الجمهور و يسعد غيرهم و ليس مع ما يقتنعون به، هناك من يدافعون عن النظام السوري البعثي و آخرون يذوبون حباً في البعث الصدامي، و طبعاً كل ذلك دفاعاً عن مصالح أو رغبة في الإنتقام.
عندنا متطرفون حقوقيون مع حق المجموع و آخرون متطرفون مع حقوق الفرد رغم أن لكل منهما حقوقه التي لا يجب أن تطغى على حقوق الآخرين. و أعتذر عن ذكر من سقط الحديث عنهم سهواً لكثرتهم، و كما يقول المثل، عندي و عندكم خير. والله من وراء القصد.

الأحد، 2 سبتمبر 2012

الأميرة النائمة

الأحد 2 سبتمبر 2012

فيما يطلق على الصحافة لقب السلطة الرابعة في مواضع معينة، يطلق عليها أيضاً لقب صاحبة الجلالة، و هو لقب يدل على سلطتها التي تمارسها عبر التزامها بقضايا المجتمع و أحداثه و تواجدها قريباً من كل ما يهم الناس عموماً و القراء بشكل خاص. أما إذا ابتعدت عن هذه الإهتمامات فإنها تدخل حالة أشبه ما تكون بحالة الأميرة النائمة في الأسطورة القديمة و تظل بإنتظار تحريرها من ذلك السبات الأبدي الذي دخلت فيه.
 في زماننا هذا يسهل على الصحافة الوقوع في هذا الفخ لأسباب عدة و يصعب خروجها منه، فمن هذه الأسباب احتدام المنافسة في مجالها و تعدد المتنافسين بعد أن كان عدد الصحف أقل مما هو عليه اليوم. و من الأسباب الأقسى عليها وجود الإعلام الجديد الذي جعل من عامة الناس صحافيين و مراسلين و مراقبين يطرحون أفكارهم و متابعاتهم أولاً بأول في سياق تفاعلي مباشر تفتقر إليه الصحافة.
 اليوم حين يحدث حدث ما فإنه و بشكل مباشر بل لحظي نجد أصداء الخبر تتردد في مواقع التواصل متبوعة بالتأكيد أو النفي و التحليل بالإضافة إلى خلفية الحدث و النتائج المتوقعة منه، لذا فإن تعاطي الصحف مع نفس الحدث يجب أن يكون حذراً و إلا خرجت من دائرة التأثير و فقدت مصداقيتها بأسرع ما يكون. فإن الناس و إن كرهوا صحيفة ما إلا أن مصداقيتها تجبرهم على متابعتها و إن أحبوا جريدة ما فهم قد لا يهتمون بقراءتها لأنه ليس فيها ما يستحق المتابعة. تتحول هذه الصحيفة الفاقدة للمصداقية إلى شبيه لحنفية الماء الساخن حين يكون السخان مطفأ، تكفي عنها الحنفية الأخرى و تؤدي ذات غرضها.
 حين تنتمي الصحيفة لا يعود بإمكانها أن تجتذب إهتمام أحد فهي لا تعود مرآة للمجتمع و إنما لوحة محببة لأشخاص ينظرون إليها و يستريحون إلى منظرها و لا تجتذب غيرهم، و هنا لا يكترث بالنظر إليها من يعرف أنه لن يرى صوراً جديدة فيها.
 بالأمس البعيد تجاهلت بعض الصحف خبر إساءة أحد النواب إلى فئة من المجتمع، و جرمها شنئانها أن تعدل في تغطيتها، بل و جرمها أن تتابع القضية التي رفعت ضده، و جرمها نفس الشنئان أن تنتصر لمصداقيتها حتى بنشر تحقيقاتها المعهودة التي تحمل استنكار الفعاليات المجتمعية لمثل هذه التصرفات الخاطئة ففعلت كما تفعل صحف الأحزاب إزاء سقطات الحزبيين المنتمين لحزب ما.
 تجاهلت نفس الصحف إساءة شخصيات أخرى متعددة بعضها تتهم فئات أخرى بالضلال و أخرى بالشرك إلى غير ذلك من خطابات الكراهية و التكفير فتراجعت عن دورها في حماية المجتمع من هذه الظواهر لصالح حسابات تظنها سياسية و لكنها للأسف تضرب مهنيتها و مصداقيتها في العمق و تضرب كل ادعاءاتها بأنها حامية اللحمة و رائدة الوحدة.
 قد يقول بعض أصحاب النوايا الخيرة أن الصحافة باعتبارها جزء من المجتمع و يحمل لواءها أفراد من المجتمع فمن المتوقع أن تصيبها ذات الأدواء التي تصيب المجتمع ككل. و نرد هنا بردين مهمين.
 أولهما: أن بعض هذه الصحف للأسف كانت تنهج هذا النهج السلبي قبل أن تمر البلاد بأزمة 2011 . يشهد بذلك ما كتبناه حول نفس الموضوع في هذه الزاوية منذ عام 2010 و الطبع غالب التطبع.
و ثانيهما: أنه إذا كنا لا نعول على ثقافة المثقفين ووعي الواعين و نزاهة المهنيين من كتاب و مفكرين في حماية المجتمع و التنبه للأخطار المحدقة فإن التعويل على وعي عامة الناس أو على نزاهة السياسيين يكون ضرباً من الخبل الذي لا دواء له. والله من وراء القصد.