الأحد، 9 سبتمبر 2012

رهان كبير






الأحد 9 سبتمبر 2012

جلس الساهرون في تلك الليلة على طاولة القمار يمسك كل منهم بقطع اللعب التي تمثل قيمة ما دفعوه لكازينو الملهى الذي يرتادونه. كان نادل الملهى يتلقى منهم اختياراتهم للأرقام التي يتراهنون عليها ثم يدير الطاولة بينما يدفع اللاعب كرته المعدنية لتنتقل بين خانات الأرقام وتستقر في خانة ما عند توقف طاولة اللعب عن الدوران. حين تستقر الكرة عند رقم ما فقد تعني أن اللاعب ربح ليحصل على بعض المكاسب أو خسر فيضطر لدفع المزيد من المال إن كان متفائلاً بالربح في المرات التالية.
ما يحصل في تلك السهرة مشابه كثيراً لما حصل في أكثر من دولة من دول الربيع العربي، ربما سميناه الفوضى الخلاقة، رهان قائم في الخارج على سقوط الأنظمة، وبالذات في الحالة السورية، إلا أن الفارق بين لعبة الروليت وبين هذه الثورات هي أن الرهان المقدم ليست أموال يقدمها اللاعبون بقدر ما هي دماء الشعوب التي تجري المعارك في ساحات بلادها. الحالة السورية هي كسابقاتها من دول الربيع العربي من أن نظامها يتربع على سدة الحكم بدون مشاركة شعبية حقيقية رغم أنها كما سابقاتها نظام جمهوري يفترض أن مؤسساته تتكامل عبر الاختيار الشعبي. من في العالم كان يجهل وضع المشاركة الشعبية في هذه الدول. فمصر قبل ربيعها حصلت فيها انتخابات عام 2005 بمنافس آخر على منصب الرئيس وانتهت بالمرشح أيمن نور آنذاك مسجوناً بتهمة تزوير في أوراق الترشح. تونس هي الأخرى دولة حكمها رئيسها بن علي لثلاثة عقود دون تغيير وشاهدت صوره تعلق حتى في أصغر حوانيت العاصمة ورأيت في مكتباتها كتب تمجيد الحزب الحاكم من قبيل “تونس من الحزب الواحد إلى حزب الأغلبية”. وعلى نفس المنوال كان حزب البعث السوري يحكم بلاده لعقود حصل فيها التوارث الجمهوري ربما الأول في الدول العربية قاطبة لدرجة أن الدستور تم تعديله ليلائم حداثة سن بشار الأسد آنذاك.
ومما لا شك فيه أن تعاطي الغرب مع قضية سوريا لا يمكن أن يكون مبنياً على دوافع إنسانية بقدر ما هو بدوافع المصلحة، إذ أن ما جرى ويجري في فلسطين خير دليل على أن حسابات الإنسانية تأتي أخيراً في حسابات هذه الدول مع الشعوب المسلمة والعربية. بل إن المزيد من الدماء في سوريا هو شيء مطلوب لهذه الدول التي تعرف مسبقاً نتيجة قيام ثورات في بلدان تعيش عزلة دولية ولا تخشى من مواجهة هذه الأزمات.
الوضع الإنساني السيء في سوريا مع تفاقمه الذي يدفع ثمنه السوريون وحدهم هو رهان للدول والأحزاب التي تدفع باتجاه التغيير إلا أن الثمن الباهظ والمتزايد يدفعه السوريون دون غيرهم فيما تتحمل مسؤوليته الدول التي أبدت دعماً معنوياً ألقى بالسوريين بين شقي الرحى في أتون جحيم مشتعل دون أن يكفل لهم أي عون أو حماية من أن يكونوا حصاداً لهذه المعارك. و مع تزايد هذه الآلاف يوماً بعد يوم، نجد الرهان متواصلاً دون جهد يذكر لحقن الدماء. ترى؟ هل الدول الكبرى تهتم حقيقة بما يجري على هذه الدولة العربية، أم أنها تشجع أمراً يحمل لها فتحاً سواء نجح أم لم ينجح؟
هل سنسمع خلال سنوات بعد مأساة سوريا من الأمم المتحدة كلاماً عن مطالبة رؤساء دول الأمم المتحدة من كل الدول التي لا تحتمل نظاماً للمشاركة لشعبية أن تقوم الأمم المتحدة باستفتاء على رضا مواطني كل دولة عن حكمهم، وهل ستكون إجراءات تقرير المصير إلزامية أممية؟
ثلاثون عاما أو أكثر استغرقت السوريين ليدخلوا في مواجهة مع الرئيس ولعل الحبل على الجرار يأتي بمزيد من الضحايا، وهل يا ترى كان ليكون أمثال هذه القضية والضحايا لو حصل حراك مشابه في دولة عربية أخرى؟ أظن ذلك، يمكنكم النظر للسودان كمثال. وبينما تدور طاولة الروليت تطحن الرحى مزيداً من الأرواح ويرتفع الرهان بارتفاع عددهم.

آخر الوحي
الرصاصة لا تشبه السيف في أي شيء
سوى لحظتي الاحتواء
الرصاصة محض امتداد..
لصخرة قابيل حين بإثمين باء
دبب الوقت والخوف أنيابها
شحذتها الضغينة والكبرياء
سيد يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق