الأربعاء 5 سبتمبر 2012
حينما يتكلم الجميع عن الوسطية باعتبارها المنجاة للفرد و المجتمع، فإن كلاً من الناس يحسب نفسه وسطياً، و ربما لا أحد يحسب نفسه على التطرف. المتطرف لا يرى تطرفه و لكن يقال أن صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا حاجته، و المتطرف يسرف في تصوره للآخر متطرفاً، بينما هو على محور مختلف.
عندنا متطرف من النوع الذي يغفر لكل من يختلف معه على أي مستوى إلا أن يختلف معه سياسياً، فمثل هذا لا يقبل منه أي رأي و لا يؤخذ بأي شيء مما يقول. كأن يقول أحدهم مثلاً في استشراف لما يتوقعه من انتقادات “سيقولون ماركسيين، شيوعيين، بعثيين، طائفيين “ و يوجه أن هذه العناوين تستخدم لضرب و تسقيط المخالف في الرأي. و الواقع من الحال أن المتكلم يعرض عن هذه الحقائق و كأنها لا تعني له شيئاً. أيها الأخ، إنما وثق الناس بك دون أولئك أول الأمر قبل أن تمكن لهم القلوب فقط لأنك دخلت من بوابة الدين، أما لو أنك دخلت من حيث دخل المذكورين لما وجدت أذناً صاغية و لا عقلاً متفهماً ولا قلباً متعطفاً. إن تلك الإختلافات التي ذكرت ليست هامشية أو غير ذات بال، و حسبي أن من ترك باباً من الحق أحوجه الله إليه.
عندنا آخر من النوع الذي يقبل بأن تختلف معه في كل شئ، إلا أن يكون من ترجع إليه في الأحكام شخصاً آخر فتجده يهاجمك على تقليدك الديني. فعندما غرد وزير الخارجية البحريني تغريدته الشهيرة “كوكب آخر” و قال أن على من يرفض الأخوة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم أن يكفينا شره و يذهب إلى كوكب آخر. حينها رد عليه أحد المغردين ممن يفترض فيهم أنه من أهل العلم، ليقول أن هذه التغريدة نموذج لهدم التوحيد، فعنده “كيف نجمع بين الموحد و المشرك في صف واحد و نسميهم إخوان؟”. و لعمري لقد رمتني بدائها و انسلت، فالذين فرقوا دينهم هم بلاء الأمة. إذ كيف في بلد تعددي يقبل أن يقوم رجل دين بتكفير من لا يرجعون إلى نفس فقيهه الذي يرجع إليه و كأنه احتكر الحق و الحقيقة. ثم إن كان رجل الدين لا يحفظ أرحامه و لا يخشى من تقسيم المجتمع، فماذا لنا لنتوقعه من خيره و من غيره؟
عندنا متطرفون يقومون بتقييم ظروف بلد ما بالسيء أو الحسن فقط من خلال ارتباطاتهم الإستراتيجية، فيسوغون ما لا يسوغ للدفاع عن شخصية سياسية أو الهجوم عليها داخل بلادهم أو خارجها. بمعنى أنهم مع ما يسعد الجمهور و يسعد غيرهم و ليس مع ما يقتنعون به، هناك من يدافعون عن النظام السوري البعثي و آخرون يذوبون حباً في البعث الصدامي، و طبعاً كل ذلك دفاعاً عن مصالح أو رغبة في الإنتقام.
عندنا متطرفون حقوقيون مع حق المجموع و آخرون متطرفون مع حقوق الفرد رغم أن لكل منهما حقوقه التي لا يجب أن تطغى على حقوق الآخرين. و أعتذر عن ذكر من سقط الحديث عنهم سهواً لكثرتهم، و كما يقول المثل، عندي و عندكم خير. والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق