الأربعاء 12 سبتمبر 2012
كما هي العادة معي في كل الأعياد و المناسبات، أذهب إلى أحد محلات الخياطة لتفصيل اللباس الوطني أو الثوب الوطني. هذا الثوب الذي لا يستغني الإنسان عنه ليحس بزهوة العيد، سواء كان كبيراً أو صغيراً، فاستحباب لبس الجديد بالإضافة إلى ما اعتدناه من أن يكون طابع يوم العيد تقليدياً في الملبس يجعل الجميع في ذلك اليوم يرتدي الثوب الوطني.
في السنوات الماضية دخلت على الثوب تغييرات كثيرة، فقد طالت الياقة، و تعددت أشكال الأكمام، و دخلت التطريزات المختلفة على صدر الثوب، و الأزرار صارت مخفية أو ظاهرة، بالإضافة إلى دخول الياقة الصينية و قبلها الياقة القطرية. تنوعت أنواع القماش، و رغم كل ما يميز الثوب العماني و الإماراتي و غيرهما، إلا أن من يرتدي الثياب المختلفة يظل محتفظاً بطابع وطني نوعاً ما لأنه يرتدي الثوب.
مع هذا فأنا متأكد أنني لو زرت محلات الخياطة كلها دون أن أحدد ما أريده و اكتفيت بإعطاء القياسات و طلبت من الخياط أن يقوم بتفصيل ثوب وطني لي فسأجد حتماً من كل منهم اجتهاداته و رؤيته و مفهومه المختلف للثوب الوطني. أقول أن كل هذه الثياب ستختلف عن بعضها البعض من حيث الضيق و الإتساع، نوعية القماش، شكل الياقة، شكل الكم، و ربما أصر أحدهم على التطريز، أو أن يضيف إضافاته الخاصة من القطع الإضافية.
ربما اشترط علي أن ألبس معه البشت أو الصديري أو أي قطعة إضافية تعلو الثوب ليكون الثوب وطنياً بمفهومه هو. و لو خضعت لاجتهادات الخياط أو أصررت أن أفصل أنا بمفهومي الخاص، فهل سيخرج الثوب عن كونه وطنياً؟ لا أعتقد، و لا أظن أنها ستكون مشكلة كبيرة.
فإذا كان مفهوم الثوب الوطني يختلف عليه أرباب هذه المهنة و صناعها، و يمتلكون اجتهادات يعتقدونها تطويرات و إضافات محمودة، أو التزاماً بأصالة معينة، دون أن يخرج عن كونه الثوب الوطني،فكيف لنا أن نحتكر مفهوماً أكثر تعقيداً و عمقاً منه و هو مفهوم الوطن فنحدد له شكلاً نخرج كل من اختلف عنه من دائرة الوطنية؟
صدق إن شئت أو لا تفعل أن كل تيار سياسي يحمل صورة عن الوطن تختلف عن الآخر، و يحمل رؤاه و تصوراته لما هو الوطن و ما يجب أن يكون عليه، و لكن كيف أخرجت من يختلف عن هذه الصورة من دائرة الوطنية؟
البعض يختار الوطن لنا من قماش خشن ليدوم، دون أن يدري أن دوام الملبس و طول عمره لا يستلزم أن نتأذى من خشونته. آخر يريد الوطن من خامة معينة يعتقدها الأجمل، و ثالث يتحرى للوطن أن يكون بحسب مقاييس عالمية في التفصيل.
لنختلف أو نتفق على ثوبنا الذي سنلبسه جميعاً، و لنكن ليس حقاً ولا عدلاً أن ننتهي في آخر المطاف و قد قرر كل منا أن يأخذ الشبر الذي يخصه من قطعة القماش التي كانت تفصل الثوب، أو أن يستأثر بعضنا به دون الآخرين.
آخر الوحي:
أمضيت كل سني العمر مرتحلاً
زادي الهوى و أنيسي في الأسى قلمي
كتائه جاب كل الأرض مغترباً
و لم يجد في نواديها سوى العدم
محمد نصيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق