بينما كانت ليلى تستعد للذهاب لعملها وتحمل حقيبتها بيد، كانت باليد الأخرى تحضر حقيبة ابنها ذي السنوات الثلاث لتأخذه لحاضنته أم محمد، فتضع له شطيرة وكيس رقائق البطاطا وعلبتين من العصير الذي يحبه. هذا بالطبع بعد أن وضعت له كل ما يحتاج من ملابس وألعاب تكفيه مدة ست ساعات يقضيها كل يوم عند الحاضنة. كان من تمام التوفيق أن تجد هذه الحاضنة التي ترضى بالقليل ومع ذلك تعتني بطفلها والأطفال الآخرين أفضل عناية. وكعادة ليلى أسرعت في الخروج المبكر قبل دوامها بساعة لتوصل صغيرها في زحام طريقها إلى العمل. لم تكن تتمنى أن تعمل ووحيدها في هذه السن المبكرة، ولا كانت تأمل أن ترسله لحاضنة غريبة لولا أن شظف العيش وخشونته والذي فرض عليها أن تكون أماً عاملة قد فرض عليها أن توجد حلاً لمشكلة ابنها عن طريق أخذه لـ «بيبي سيتر». وعند باب أم محمد، كانت توصي المرأة الأربعينية بابنها قبل أن تنصرف، إلا أن أم محمد بادرتها بإخبارها أن تجد لابنها مكاناً آخر منذ الشهر المقبل، وهنا كانت الصدمة. ظنت أن السيدة تريد زيادة الأجرة، إلا أنها كانت مخطئة، فما تحصل عليه يكفيها ولله الحمد، إلا أن قوانين الدولة صارت تفرض عليها أن تفتح روضة نموذجية في فيلا، وتأخذ كل التراخيص والسجلات المطلوبة من أكثر من جهة ووزارة؛ لتتمكن من مواصلة العمل. وهنا وقعت ربة المنزل في دوامة من الأسئلة: · لو كنت أملك مؤهلاً تعليمياً ربما لم أكن ربة بيت أساساً. · لو كنت أملك فيلا لما سكنت في هذه الشقة الصغيرة من الأساس. · لو كنت أملك ما أؤسس به روضة نموذجية لما فكرت أساساً في المشروع، فانتفاء الحاجة ربما جعلني أتوقف عن العمل من الأساس. · لو كانت الظروف تسمح لعملت مؤقتاً عند إحدى الروضات بدلاً من تولي مسؤولية الأطفال وحدي. في الوقت نفسه كانت ليلى تفكر في الموضوع من زاويتها: · إذا لم يكن بإمكاني إرسال طفلي إلى حاضنة، فلن أتمكن من العمل أساساً. · إذا أرسلته إلى حضانة أطفال، فسيكلفني ذلك ضعف ما أدفعه الآن. · ماذا أفعل في الإجازة الصيفية، هل هناك حضانة متوافرة في هذه الفترة؟ الموضوع قد يبدو غير حري بالبحث والمناقشة، إلا أنه موضوع حيوي من جهات عدة، فلو حللناه من الزوايا المنطقية له، لوجدنا أن من الضرورة إيجاد حل له لأسباب عدة، ليس لخاطر ربات المنازل أو الأمهات العاملات وحسب، وإنما من نواحي اقتصادية واجتماعية للجميع. فالوضع الحالي لهذه المهنة على جميع مستوياتها يجعلها في مهب الريح. نأخذ مثلاً موضوع رواتب العاملات في رياض الأطفال والحضانات التي تحوم في حدود الثمانين والمئة دينار والتي تتوقف مع الإجازات. هذا بالطبع أدنى من الحد الأدنى للرواتب الذي استقر عند المئتي دينار للقطاع الخاص. والحد الأدنى للرواتب أقل أيضاً من خط الفقر الذي تم تقديره في فترة ما بــ 337 ديناراً. ولقد صدر قرار في مايو من العام الجاري من مجلس الوزراء يلزم تمكين بدعم رواتب رياض الأطفال بـ 30 دينارا شهريا لمدة معينة، إلا أن ذلك يبقى دون ما يحتاجه الوضع بكثير. كما أن تحميل رياض الأطفال نفسها عبء رفع الرواتب لن يكون حلاً، إذ سيؤدي مباشرة لإفلاس الكثير منها ورفع أسعار الباقين، بما يجعل الطاقة الاستيعابية دون حاجة السوق بمراحل، ويجعل الكثير من الأهالي غير قادرين على إرسال أطفالهم لرياض الأطفال والحضانات. الوضع الآن كما نقول ماشي بالبركة، وتعديله ضرورة ماسة؛ لأن البركة سترتفع طالما هناك أطراف مظلومة في الموضوع. وهنا يسألني سائل عن سبب حشري لوزارة التنمية في هذا الحيص بيص، فأقول إن وزارة التنمية مسؤولة عن مفهوم جميل، إلا أنه غير مكتمل المعالم، فهي الجهة المسؤولة حسب علمي عن مشاريع الأسر المنتجة، والتي تمكنت من فتح العديد من البيوت عبر ما تنتجه الأسر المنتجة من مأكولات ومقتنيات يدوية تعرض للبيع في معارض ومحلات، بالإضافة إلى مطار البحرين. هذا المفهوم واضح وجلي في المنتجات، إلا أنه لا يذهب لتفصيلات الإنتاج الخدماتي على الأقل بحسب معلوماتي. فالكثير من ربات البيوت يعملن في منازلهن كحاضنات أو مصففات شعر وخبيرات تجميل أو كصاحبات مطبخ يتلقين الطلبات. ونجد الكثيرين ممن يشهد لكل هؤلاء بأنهن يقدمن خدمات تتفوق على الكثير من النظائر في المحلات التجارية، إلا أنهم لا يتمكنون من تحويلها لمشاريع تجارية بسبب ضيق ذات اليد، أو لأسباب مشابهة. ومن ثم نتوقع من وزارة التنمية أن تكون الجهة الداعمة لهم في هذا الوضع الحالي حتى يتطور. مفهوم «جليسة الأطفال» موجود في الدول الأخرى أيضاً عربية وغربية، إلا أن التشريعات عندنا قد تكون لا تتفهم وضعه بسبب جمودها وعدم منطقيتها في بعض الزوايا. التشريع يجب أن لا يلغي الحقوق الطبيعية ولا أن يعقد الأوضاع القائمة. القانون وجد لتنظيم حياة الناس، و لكن، أليست الحاجة من المقاييس الواقعية لضرورة وجود التشريع. يمكن لوزارة التنمية أن تخلق مفهوم «رخصة مهنة منزلية» بحيث تتجنب تعقيدات قانون الشركات التجارية وقانون العمل، وتوجد وضعاً يمكنه إدخال هذه الفئات إلى ساحة الإنتاج، بصلاحيات محدودة تفي بحاجاتهم وحاجات المجتمع وتضمن الاستفادة من كثير من مواردنا البشرية المهدورة، و الله من وراء القصد... |
الأحد، 31 أكتوبر 2010
حيص بيص التنمية
الأربعاء، 27 أكتوبر 2010
انتخابات جامعية (2)
في الوقت الذي بدأت أنتبه لدخول الأحزاب واحداً واحداً إلى انتخابات الجامعة للمرة الأولى، علمت أن الصراع النيابي والبلدي مستقبلاً سيكون كأشرس ما يكون. فهذه إحدى المترشحات يربطها نسب برئيس إحدى الجمعيات اليسارية آنذاك، وهذا المرشح مدعوم من جمعية إسلامية معروفة، وبين هذا وذاك كان حضور مستقل على استحياء. الجانب اللطيف أن الإدارة لم تحتج إلى موضوع المراكز العامة أو تعرض موضوع التصويت الإلكتروني. كذلك كان هناك تقدم من ناحية ديناميكية هيكل الدائرة الانتخابية. حيث كان عدد المقاعد المخصصة لبعض الكليات يتغير من سنة لسنة بسب طلاب الكلية، حيث كان المقياس آنذاك أن كل ألف طالب يمثلهم ممثل منتخب واحد، لذا وصل عدد مقاعد كلية الإدارة من 3 إلى 4 في بعض السنوات اللاحقة.
في طور الإعداد للانتخابات، تلقيت دعوة من هيئة الإعلام في الجامعة على ما أذكر، للمشاركة في برنامج تلفزيوني حواري يتعلق بانتخابات الجامعة. وأذكر ان من ضمن الأسئلة وقتها سؤال عن سلاح الإشاعة، وهل تم استخدامه في الانتخابات أو لم يحدث بعد. هنا أجبت مقدم البرنامج الذي كان بالمناسبة الأخ محمد درويش، لا بد انه حتى ولو استخدم فأن لا نقوم بإسداء خدمة لصاحب الإشاعة بالكلام عنها في برنامج تلفزيوني بما قد يضر بكل المترشحين بما فيهم أنا. وكانت الإشاعة السارية آنذاك هي إشاعة دخول الجمعية على خط الانتخابات، وهذا ما حدث بالفعل وإن لم يكن واضحاً كالسنوات التالية.
نجد أن سلاح الإشاعة كثير الاستخدام، كما حدث في الانتخابات النيابية المنصرمة 2010، فالكلام عن المطبخ السري والتأكيد عليه، لم يكن أكثر من استخدام تكنيك “أنتم مستهدفون” للتحكم في العقل والذي تكلمنا عنه في مقال “التحكم بالعقل”. فلا أظن من تكلم عن المطابخ السرية يشكك اليوم في نزاهة انتخابات أسفرت عن فوزه الكاسح حسب تعبير بعض الصحف.
في اليوم الموعود بدت الصورة بوضوح، كانت ماكينتنا الانتخابية تعمل بجد للتأكيد على تحميس الناخبين للإدلاء بأصواتهم. عادة في هذا اليوم تبدو النتيجة للعيان قبل أن تظهر، لكن يوم الانتخابات كان استثنائيا فهو باعتباره يوم ثلاثاء، فقد استقطب حضوراً أقل من أيام السبت والإثنين والأربعاء آنذاك، رغم أن هناك من تجشم عناء الذهاب للصخير في ذلك اليوم للتصويت لنا وحسب. وفي ظهر ذلك اليوم، أخذت أتجاذب أطراف الحديث مع أقرب المنافسين خبرة واستقلالية وعلاقة، وظللنا نمشي حتى استقر بنا المقام في بهو التسجيل. أكدت حينها على أمر، انني وإياه لم نكن حزبيين وان هذا ما سوف يمنعنا من الوصول بكل تأكيد للمجلس. وصارحته أنني رأيت من الوقائع واستلمت من الإشارات ما يؤكد دخول أحزاب في الانتخابات الطلابية.
مساء يوم الانتخابات انسحبت وفريقي بهدوء بعد تهنئة الفائزين، وقمنا بإزالة كل إعلاناتنا في نفس الوقت، التي حرصنا منذ أول يوم أن تكون في أماكن مأهولة دائماً وطرقا مسلوكة دوماً ليصعب تمزيقها كما يحدث عادة في الانتخابات.
أحسبنا استفدنا الكثير من هذه التجربة وإسقاطاتها على المستوى العملي، ورغم عدم واقعية العمل بهذه الطريقة، إلا ان العمل في السياسة بأسلوب حزبي وفئوي ضيق يأتي بأسوأ النتائج على المستوى الأخلاقي للفرد والمجتمع، وأول ما ينساه الإنسان حينها أن “يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه” وأن “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” وكثيراً من المبادئ التي ينساها طلاب الدنيا وعشاق الكراسي.
آخر الوحي:
بالنظر إلى التظلم من وجود المراكز العامة، نجد بعض الماكينات الانتخابية تستخدم مراكز خاصة خارج المراكز الفرعية لتسجيل اصوات الناخبين قبل دخولهم. هذا الأسلوب لا يرصد الأصوات وحسب، وإنما يخلق بالإضافة إلى تكنيكات أخرى ضغطاً على الناخبين في اختيار مرشح محدد ويحد من حريتهم بشكل واضح، وهذا ما لا يحصل في المراكز العامة. ودون دفاع عن هذه المراكز ولا تشكيك فيها، أقول أن من يرفض وجود باب للهواجس التي تخالج الناخب، يجب عليه أن يكون أول مدافع عن حرية رأي الناخب ونزاهة العملية الانتخابية بشكل تام.
الأحد، 24 أكتوبر 2010
التحكم بالعقل
في سلسلة القادمون الشهيرة والتي تتكلم عن العولمة بكثير من التشكيك والربط الدقيق تارة والمستغرب تارة أخرى، يطرح مفهوم مهم للغاية، هو في اعتقادي الأهم في هذه السلسلة. وهذا المفهوم كما تركز عليه الحلقات هو مفهوم التحكم بالعقل. وتأخذ الحلقات بالكلام عن هذا المفهوم والذي يرتبط بعدد من التكتيكات التي تستخدمها الجهات الحزبية السرية للتعمية على حقيقتها الشريرة من ناحية، وخلق ظواهر للتعمية على البواطن الحقيقية ووضع هياكل إدارية ظاهرة تختلف عن موازين القوى الحقيقية وتبدأ في بث أفكارها وتلقين هذه الأفكار للصغار حتى يكبروا وللكبار حتى يشيخوا.
التحكم بالعقل عن طريق صنع بروباغندات وأحداث مفتعلة، التحكم بالعقل عبر تسويق عادات معينة، التحكم بالعقل عبر عدة ممارسات تعمي الجمهور عن حقيقة الدور الذي يؤدونه في اللعبة من دون أن يشعروا. من ضمن هذه التكتيكات التي يستخدمها الحزبيون والذي سنتكلم عنه هو تكتيك خلق «ثيم» يفكر الناس من خلاله، فيكونوا أقرب للمنومين مغناطيسياً ومستعدين للطاعة بلا نقاش، ومستعدين للوقوف صفاً مع أي مشروع تطرحه هذه الجهة أو تلك. وسأذكر أمثلة على بعض الأوهام المشهورة التي استخدمت بخبث في كثير من أصقاع الأرض. كما أنني أفكر بإيجاد سلسلة مواضيع تحت عنوان «استيقظ» تبحث في موضوع التحكم بالعقل.
المثال الأول: أنتم شعب واعٍ: بعد أن يقوم الخطيب بمدح ذكائك، فله أن يسوق للجمهور ما يشتهيه من أفكار ساذجة للاطمئنان من استسلامهم لكل ما سيقوله، فهم ولله الحمد كلهم أذكياء. وتذكر هنا قصة مشهورة باسم رداء الأمير، حيث خدعه نصابان وقالا له إنهما سيصنعان له ثوباً لا يراه إلا الأذكياء، وحين شاع خبر هذا الرداء الغالي اصطف الناس لمشاهدته وطبعاً كل الجمهور رأى الرداء الفاخر لمدة، حتى صرخ طفل ببراءة الأطفال المعهودة التي لا تنطوي عليها الحيل: إن أميركم عارٍ من الثياب. هنا ضحك الجميع على سذاجتهم، ولكن بعد أن فر النصابان بالأموال التي ابتزاها مقابل تصميم الثوب المزعوم.
المثال الثاني: أنتم مستضعفون: بعد أن يقوم الساحر بالتأوه لحالك و إشعال مشاعر الغضب، فأعلم أنه سيركب بك لجج المخاطر وأهوال البحار لينقذك مما أنت فيه، بعد أن يشعرك أنه لم يبق لديك شيء تخسره، فأنت إن لم تحقق ما يصبو إليه نيابة عنك، فإنك خسرت كل شيء وصار لا بد من بذل النفس والنفيس لإنقاذك. استخدم الصهاينة هذه الطريقة في جعل اليهود يعتبرون إسرائيل هي الحلم والملاذ والسبيل لإنقاذهم من استضعاف الناس لهم، فأسسوا بهم دولة جعلوهم في محارقها وتحت مرامي النيران فيها، وقسموا أنفسهم عرقياً، فبقيت الأعراق المستضعفة مستضعفة، وأسسوا بهم دولة جمعت الضعفاء ليكونوا عبيداً لأطماع الصهاينة الخبثاء.
المثال الثالث: أنتم منتصرون: بعد أن يقوم المحتال بتهنئتك بالنصر ومنحك وساماً لا تستحقه، فأعلم أنه ينوي مواصلة استغفالك وتسويق قيادته على أنها قيادة لا تخسر وشوكة لا تكسر، لتواصل تسليم عنان نفسك له لمواصلة امتطائك الذي صار هدفاً في حد ذاته مع الأهداف الأخرى التي يسعى إليها. وبالطبع يسكر الأتباع مع نشوة النصر الموهوم هذه، رغم أنه ليست هناك معركة من الأساس، ولا توجد إنجازات للتشدق بها، ولكن عطش الناس للنصر يجعل مهمة إقناعهم به غير عسيرة.
المثال الرابع: أنتم مستهدفون: إن استغلال النصاب غريزة البقاء وإشعار الشخص الذي أمامه بالخطر الذي يحوطه، يجعله مستعداً لتنفيذ الأوامر كالأبله، والسير في الاتجاه المطلوب منه لدفع هذا الخطر عن نفسه، وهذا ما استخدمه الاستعمار في التفرقة بين مكونات المجتمع العربي والمسلم وزرع بينها الخوف من بعضها البعض.
المثال الخامس: العرب متخلفون: إن استغلال الأجنبي لهذا الوهم هو تكريس دائم لعقدة النقص والتي تجعل الشعوب العربية دائما تنظر بانبهار لكل ذي بشرة حمراء أو بيضاء، وتصير في اضطرار دائم للاستعانة بخبرات أجنبية قد تكون في مجالات لا تتطلب أي خبرة أو مهارة. ولو أنك عايشتهم وناقشتهم، فلن تجد تفوقاً في أي جانب يجعله غير عادي وسوبرمان. نعم ربما كانت البنية التحتية العلمية أكثر تطوراً فنعم، إلا أن ظاهرة العقول المهاجرة تبرهن أن التخلف ليس في العقول بقدر ما هو نقص في الاستثمار في البنى التحتية والبنى التحتية العلمية والصناعية.
والأمثلة كثيرة، إلا أن المهم هو أن ننتبه فلا نأخذ الأفكار على عواهنها؛ لأن من خلق الله له عقلاً لا عذر له في وضعه إياه على الرف.
الأربعاء، 20 أكتوبر 2010
انتخابات جامعية
في عام 2001 على ما أذكر نظمت جامعة البحرين أول انتخابات طلابية، وكان لي بعض الذكريات والتجارب الجميلة والمفيدة، خصوصاً أني ترشحت وقتها عن كلية إدارة الأعمال. الطريف في الأمر انني الآن بعد عشر سنوات تقريبا من التجربة أكاد أرى كل ما مررت به في انتخابات الجامعة يحصل عى ساحة الانتخابات البرلمانية والساحة السياسية بشكل عام. ويتهيأ لي أن معظم الأطراف السياسية قد اتخذت للأسف من انتخابات الجامعة وقتها ساحة تدريب لنزالات 2002 وما بعدها.
كان في هذه السنة دخول الجمعيات السياسية على الخط الطلابي غير ظاهر بهذا الأسلوب الفج والواضح الحاصل في أيامنا هذه، إلا أن التجربة التي كانت في بدايتها بدا فيها دخول الأطراف المذكورة على الخط بشكل حذر يراه المتأمل عن قرب.
للوهلة الأولى، بعد ترشحي، جاءني أحد الزملاء الأعزاء، ولي به صلة نسب وطلب مني أن أكتم مشاعري تجاه أي شيء أراه وألا أغضب أو أتسرع. ثم مشى معي لأحد الصفوف. في هذا الصف كان يعقد مؤتمر صحفي أو ماشابه، يديره الطلبة الذين كانوا على رأس مشروع الاتحاد الطلابي والذي تمخض عن استجابة الجامعة بتشكيل مجلس الطلبة أو الصيغة التمثيلية التي أساسها الانتخاب كما عبر عنها آنذاك.
وبدأ المؤتمر بالكلام عن المشروع القادم من إدارة الجامعة والذي جاء “مشوهاً، جنيناً ميتاً، معوقاً” ودون كل الطموحات، فمن عيوبه الكثيرة وجود أعضاء بالتعيين بحكم مواقعهم كرؤساء للنوادي وجمعيات الكليات.
وهنا تكلم المتحدث عن الموقف المرتقب والسيناريوهات المحتملة، فيقول بالمعنى: صرنا بين ثلاثة خيارات، إما أن نقاطع، فنفسح المجال للمتسلقين ليواصلوا تشويه المشروع. وإما أن نداهن ونساير، وهذا ما تأباه أنفسنا. وإما أن ندخل للتغيير من الداخل وللحفاظ على التجربة والمشروع. وقد اخترنا الخيار الثالث مع احتفاظنا بحقنا في الانسحاب عندما لا نجد التعاطي في المستوى الذي يبعث الأمل بالتغيير.
هنا قام أحد الطلبة وقال لهم، إن هذا الخيار هو نوع من الخنوع والتنازل. فأجابوه أنهم ماضون في المشروع، وإن كانوا يتوقعون أن يضطروا لإسقاط المجلس بالانسحاب الجماعي منه في وقت من الأوقات.
انتهى المؤتمر وخرجت، حادثت قريبي وقلت له بالمعنى، إن هذا العبث لا يمكنني التعاطي معه، والسير في سياق تحزيب الطلبة.
وبعد أن تقدمت للترشح، وكان ترشحي مبكراً بالنسبة للبعض الذين آثروا حينها تأخير الترشح حتى تتضح الحسابات على أرض الواقع. أقول للوهلة الأولى جاءني اثنان من الزملاء الاعزاء أحدهما صديق عزيز وأخ كريم، وعرضا علي الدعم، فلما سألتهما عن الجهة، فكانت الإجابة أن الجمعية تعرض دعمها عليك.
أجبتهما حينها أنني أفضل أن أدخل مستقلاً لئلا أكون مسؤولاً عن أجندة قد أختلف معها، ابتسم الأخوان وقال أحدهما لي “الجمعية لا تريد منك شيئاً، الجمعية ستعطيك أصواتاً” وهنا كررت جوابي أنني سأدخل مستقلاً وشكرتهما على العرض السخي.
الحال ان هذا الكلام كان قبل إجازة نهاية الأسبوع، وفي أول يوم بعد الإجازة رأيت نفس المجموعة وهي تحمل ملصقات المرشح الذي وقع عليه الاختيار بعد جس نبضي الذي لم يكن حزبياً بما يكفي.
بعد هذه الحوادث والكواليس، أيقنت أن جزءاً مما أخشاه قد شهدته بعيني، وأن هناك ولا شك كواليس مقابلة، تجلت بعض أجزائها فيما بعد. وصرت في موقع مكنني من التنبؤ بما سيحدث على الساحة المناظرة لها خارج الجامعة، حيث لعب الكبار، رغم عدم فوزي في الانتخابات حينها. وكما يقول الجواهري:
كشفت بأمس وجه غد تليد تمطت عنه قافية شرود
كزرقاء اليمامة حين جلى مصائر قومها بصر حديد
واستذكرت كلام أحد دكاترة الجامعة الأجانب، حين سأل عما يحدث، فأجبته أنها الانتخابات الطلابية، فقال بما يشبه الحوقلة، إنها بداية المشاكل. تعجبت منه وسألته عن أي مشاكل يتحدث بسبب مجلس محدود الصلاحيات وقد يكون شكلياً في مراحل ما. أجابني حينها وكم كان صادقاً: إنه يبدأ شكلياً ويتمخض عن مشاكل لا تنتهي.
اليوم أستذكر كل ذلك وأمقت الحزبية والتحزب أكثر وأكثر، وأتمنى للبحرين وأهلها كل الخير والتوفيق في انتخاباتها القادمة، ودورتها البرلمانية الجديدة.
الأحد، 17 أكتوبر 2010
عشاق الفجر
للإطلالات الأولى من نور الصباح إحساس غريب ينطبع على نفوس الساهرين والمستيقظين في هذا الوقت الساحر الأخاذ. فجوه يجمع ما بين برودة الشتاء ولطفه، وحرارة النهار ونشاطه. وقد كنت دائماً أعتقد أن الفجر مخلوق مختلف، خلقه الله بطابع يبعث على الذهول يمكن تلخيص وصفه بكلمة «التفتح». كل شيء يتفتح ويبدأ، ابتداءً من الزهور والأوراق، مروراً بأصوات الطيور المغردة المستبشرة، وانتهاءً بأبواب البيوت.
كل ما يختص بهذا الوقت من اليوم آسر للمشاعر، الخروج من صلاة الفجر مع الخيوط الأولى للضوء، الوقوف عند خباز المنطقة وتلقي هبات الدفء من التنور الملتهب، الوقوف في الدور لشراء «النخج» و»الباقلة»، وربما الانتظار عند محل الحاج جعفر في انتظار «الجباتي» و»الكباب» الذي يعده ويتقاطر أهل الحي لشرائه.
من أجمل ما يرتبط بالفجر النظر إلى الحياة وهي تدب في كل شيء، ولعل ذلك النشاط الذي يفسره العلماء بنزول غاز الأوزون إلى الطبقات الدنيا من الغلاف الجوي هو مصداق لما أجاب به الإمام ذلك النصراني عن الساعة التي ليست من الليل ولا النهار. هنا أجابه أنها الساعة بين طلوع الفجر وشروق الشمس. فعاوده بقوله مم هذه الساعة إذن، فأخبره أنها من ساعات الجنة. ولا عجب في ذلك، فلا أظن اللغو والنصب والتعب يخفى في ساعة صحو غيرها. ولا أظن ساعة تعج بالتسبيح والتقديس الصادق مثلها، ولا أظن سعياً للنهل من فضل الله يكون أحسن من هذه الساعة، التي يغني فيها الجلوس في المسجد عن الضرب في أقطار الأرض.
ومابين الطريق بين عين الدار إلى منطقة الجامع والسوق قلب جدحفص النابض، تدير بصرك إلى الأفراد الماشين والممتطين صهوة دراجاتهم الهوائية متنقلين بين البيت وأماكن العمل والكد، فتعرف أنك بين أناس ككثير من أهل البحرين يقنعون من نصيب دنياهم بالقليل والأقل، ولا يعتمدون على غيرهم ويكتفون بما يمكنهم هم تحقيقه بجهودهم الذاتية.
هؤلاء سمعوا الكثير من الوعود، ورأوا القليل من الإنجازات، ربما لأن هناك فواتير وتراكمات سياسية كان على هؤلاء البسطاء أن يدفعوا ثمنها بما يتعرضون له من الإهمال من الجميع. ورغم جمال منظر الفجر، أمكنني النظر إلى شوارع تحتاج الكثير من التعديل، وإلى بيوت كثيرة تستصرخ الإنقاذ، وإنارة منطفئة قبل أن تتعرض خلاياها الضوئية لنور الصباح. وأما المدارس فهي تختفي تباعاً ولا تعود، فهاهي مدرسة سارة وقد مضت أعوام على انقراضها، وقبالتها مدرسة الإمام الصادق التي تحولت لمركز ثقافي وشبابي مهترئ البنيان وربما أزيل عن الوجود فيما بعد من غير عودة ترتجى.
نصيب هذه المنطقة من الظلام لا يقتصر على وقت الليل، فهي تعيش أمداً طويلاً من العتمة وكأنه عقاب لها أنها كانت تشع وغيرها مظلم، وكانت آمنة وغيرها مضطرب، وكانت متيقظة وغيرها نائم. تعج الدائرة الأولى من المحافظة الشمالية التي تمثل عمق المنطقة بأكبر عدد من السكان من كل دوائر البحرين، والغريب عنها يرى احتياجاتها قبل القريب، ولكن لا بصيص أمل يطل على أحوالها.
تجاهلها الممثلون البلديون، واعتمدت لسوء طالعها أكثر من مرة على ممثلين لها من خارجها، ولا أدري إن كانوا جاهلين لحالها أو متجاهلين، فالحال هي الحال كما يقول اللغويون، منصوبة أو في محل نصب. خصوصاً وأن أي إنجاز في ظل هذا الوضع لا يحتاج للعين المسلحة لملاحظته إن حدث.
وكانت الزيارة الميمونة لصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء لها، فاصدر جملة من التوجيهات للتطوير والنهوض بأحوال المنطقة، إلا أن تقاعس المعنيين من مسؤولين حكوميين لم يكن بمستوى همة صاحب السمو في هذا الأمر.
وهذا مثار العجب، فإذا كانت القرارات تصدر بهذا المستوى، فيما يحبو مشروع سوق جدحفص، ويزحف مشروع تطوير الشوارع، وتموت المنشآت المدرسية المرتجاة، وتقبع المؤسسات الخدمية كالصندوق الخيري في مقر مؤقت بلا أرض ولا مبنى مملوك. بعد هذا كله، من بإمكانه أن يعيد الأمور إلى نصابها؟
عدت أتأمل المنطقة مرة أخرى على ضوء الفجر الخلاب، فأيقنت أن لا أحد يستطيع فهم ما تأمله هذه المنطقة إلا شخصا ملأ عينيه من منظر الفجر الصادق فيها كل يوم. وأيقنت أن من كان همه فقط الاستحكام على كرسي هذه المنطقة لا يهمه إن طلع فجرها أو لم يطلع، لكنه بلا شك أمر يهم عشاق الفجر من أهلها فرداً فرداً.
السبت، 16 أكتوبر 2010
الورقة بدلاً من الرصاصة
الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن قال كلمة سجلها التاريخ وأرسلها مثلاً وهي “الورقة أقوى من الرصاصة”. ولكن هل يعقل أن تكون الورقة أبلغ أثراً وأقوى من الرصاصة، خصوصاً وأن عندنا مثلاً عربياً في صورة أبيات شعر قد يناقض هذا المعنى، فأبوتمام يقول: السيف أصدق إنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف * في متونهن جلاء الشك والريب هل هذا هو الفرق ما بين المنطق العربي والمنطق الديموقراطي؟ أم هل هو الفرق بين المنطق القديم والمنطق الحديث؟ وكيف تكون الورقة أقوى من الرصاصة في المنطق الديموقراطي؟ المثل بصورته الحرفية “the ballot stronger than bullet” وكلمة ballot لا يعني الورقة وإنما يعني ورقة التصويت في الانتخابات. والحال أن ورقة التصويت في الغرب صارت بلا شك أقوى من الرصاصة ومن شتى الأسلحة. فالمجتمع الأوروبي والغربي في تطوره كسائر الشعوب قرر وضع آلية لتغيير صورة الصراع على الحكم من القتال بين فئات الشعب بالبندقية. واستقر رأيه على آلية الاختيار بالتصويت كبديل، حقناً للدماء والأموال وحفاظاً على الدولة من الزوال بفعل الحروب والمعارك فصارت الورقة أقوى. ولا شك أن طريقة الاختيار للحاكم بالتصويت هي أفضل من الاختيار بالقتال وسفك الدماء وانتزاع الأرواح، ولكن هل الأوراق الانتخابية في الانتخابات البحرينية المقبلة أو السابقة تمثل بديلاً للرصاص؟ نجيب على عدة محاور: المحور الأول: نظرية الحكم في الثقافة الإسلامية ليست مبنية على الصراع، وإنما هي مبنية على المحبة والتعاون والتراحم والتكافل. معنى هذا أن الصراع غير موجود أساساً، فليس من مكان للرصاصة ابتداءً لتستبدل بالورقة. المحور الثاني: نظام الانتخابات في البحرين لا يؤهل الفائز بالكتلة الأكبر لتكوين الحكومة والخاسر ليصير معارضة. وإنما يؤهل الفائز للحصول على دور في العملية التشريعية ضمن منظومة تتكون من مجلس منتخب ومجلس معين ومحكمة دستورية بالإضافة إلى الدور الحكومي في وضع القوانين قبل إقرارها أو تعديلها من المجلسين. من جديد، لا مكان للرصاصة الغربية هنا، حيث نظام الحكم ليس على المحك هنا أيضاً. المحور الثالث: المصالح ومكتسبات الدخول في البرلمان، هل الداخل إلى البرلمان يمكنه الاستئثار بالمنافع من تشريع وخدمات له ولناخبيه دون غيرهم؟ إذا كان بالإمكان ذلك فإن الانتخابات تتحول إلى صراع بالفعل وتتحول الأصوات إلى رصاصات موجهة إلى المنافسين. هنا يقول ميثاق العمل الوطني في فصله الأول ومادته الأولى والثانية، كما ينص الدستور المعدل 2002 في بابه الثالث ومادته الثامنة عشر أنه “يتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. وهذا مؤداه أن لا تفاوت في هذه المنافع ولا استئثار لفئة على فئة”. المحور الرابع: الدفاع عن الثوابت الوطنية التي تم الاتفاق عليها في ميثاق العمل الوطني على صورة قيم ومقومات ثابتة لا يجوز الخروج عليها وتجاوزها وهي منطلقات العقيدة الإسلامية السمحاء والانتماء العربي الأصيل والمقومات التالية: · أهداف الحكم من صيانة البلاد، ورفعة شأن الدولة، والحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها والعدل والمساواة وسيادة القانون والحرية والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين. · كفالة الحريات الشخصية. · حرية العقيدة · حرية التعبير والنشر · نشاط المجتمع المدني وحريته · الأسرة أساس المجتمع · العمل واجب وحق · التعليم والثقافة والعلوم حين تصير الثوابت على المحك، هل تتحول ورقة التصويت إلى رصاصة، أقول نعم، تصير الورقة أقوى من الرصاصة لحماية مقدسات وثوابت الوطن، لإبعاد كل ما يهدد مقومات هذا الوطن. من هذا المنطلق، قد تصير هذه الورقة سلاحاً موجهاً للدفاع ودرء المفاسد رغم أن النظرية في المجتمع الإسلامي لا تقوم على الصراع. التوجهات اللادينية التي تهدف لضرب العقيدة، الأفكار الهدامة، الظواهر المنحرفة، التمييز بين المواطنين، تجهيل المجتمع، استعباد وتجارة البشر، استغلال الناشئة، الفقر المدقع. كل هذه المفاهيم الفاسدة وغيرها، تجعل الورقة رصاصة، والصوت أمانة، والمشاركة حقاً وواجباً أصيلاً لم ولن يتغير. |
المد و الجزر
حين يخرج البحارة من ديارهم في عتمة الليل قاصدين المصائد لجلب الرزق لعوائلهم، وبعد التوكل على الرحمن، فإنهم يتأكدون دوماً من توخيهم إرشادات السلامة، ويتأكدون أن إبحارهم سيكون في أجواء مناسبة للصيد، لكي لا يصيبهم بعض بطش البحر الذي لا تؤمن غائلته إذا غضب.
وكعادته كان الحاج يعقوب قد أعد للخروج عدته في تلك الليلة، وانطلق يمخر عباب البحر بالأذكار والتسبيح حتى وصوله إلى مقصده. وهنا ألقى مرساته وابتدأ في ملأ ثلاجته من الصيد الوفير. وبعد دقائق من السكون الذي لا يعكر صفوه إلا صوت همهمة الحاج وعمله الدؤوب، سمع صوت محرك هادر يشق الأمواج مسرعاً بمحاذاته منطلقاً إلى الشرق. كان الحاج متعوداً على رؤية منظر زملائه الذين يمرون بين الفينة والأخرى ويحيونه وهم متجهون إلى اماكن صيدهم المعهودة. وفجأة قطع سكون الليل صوت طلقات نارية وأضواء وإشارات. لزم يعقوب مكانه وأخذ يترقب، وإذا نفس القارب الأول قد عاد وتوقف على مقربة منه.
سأله عن ما حدث فأجابه أن حرس الحدود البحرية قد قاموا بملاحقته للخروج من حدودهم، التي دخلها عن طريق الخطأ. وتعجب يعقوب لذلك، فقد كان تعود حين تجاوزه للحدود بالخطأ أن يجد كل المساعدة والتحذير الودي من حرس الحدود الذين يتأكدون من سلامته ويدلونه على طريقه إذا ضله.
واصل عمله بهدوء ثم عاد أدراجه مودعاً زميله ومتمنياً له صيداً وافراً وليلة سعيدة. يعقوب ورغم خبرته في الحياة، وحذره من مخاطر البحر لم يستطع أن يميز بين شيئين مهمين وهما إرشادات السلامة وقوانينها من ناحية، وحالة الأجواء من ناحية أخرى. ولذلك كان يرى من التناقض في واقعه وما حوله شواهد كثيرة.
إن الأجواء الملبدة بالغيوم تمنعه من الإبحار، والرياح العاصفة تمنعه من الإقلاع، وجزر البحر يجعل مهمة عودته عسيرة إلى مرساه. وقوانين السلامة عنده مرتبطة بالأجواء المتغيرة فحسب، أما في الجو الهادئ، فلم يكن هناك خوف ليكون هناك حذر ولا استعداد ولا التزام بتلك القوانين.
ولعل الكثيرين من الناس غير الحاج يعقوب لا يفرقون بين هذين الأمرين. فأجواء الانفتاح والتسامح لا تعني أبداً أنه لا يوجد قانون يضبط الحالة السياسية والاجتماعية. وأجواء الأزمات لا تعني أن الحريات الشخصية والحقوق الفردية والجماعية قد سقطت من بين دفتي القانون وصار بالإمكان انتهاكها دون حساب. هذا الخلط صار موجوداً وحاضراً بقوة، فترى بعض الناس يستغلون أجواء الانفتاح للمغالاة في استغلال هذه الحالة بما يفوق الوصف من خرق للقوانين دون حسيب أو رقيب، سواء كانت خروقات تستهدف الأمن، أو استغلال سلطة، أو تعدٍ على الأموال العامة وكأن القانون غير موجود أساسا، ويظلون كذلك حتى تتأزم الأمور. فيما نرى آخرين يستغلون أجواء الأزمات لفعل ما يريدون من تشهير وسب وتجريح متناسين أي قانون أو عرف أو خلق، وكأنها فرصة لمن في نفسه شيء أن ينفس عنه.
وحين يتغير الجو وتنقطع شعرة معاوية، يصير هؤلاء أو أولئك تحت طائلة القانون ويروحون أكباش فداء لنزوات وسقطات عابرة، لا يخرجون منها إلا بشق الأنفس.
يقال أن عمرو بن العاص حين أراد أن ينافس معاوية في الدهاء ويبدي تفوقه قال له: “أنا لا أدخل في أمر إلا وأعرف كيف أخرج منه” فضحك معاوية منه وقال له: “لكنني لا أدخل في شيء أريد الخروج منه”. فهل لا كان المتجاوزون للقوانين، قد أعدوا إحدى هاتين العدتين لأنفسهم وقديماً قال المصريون “امش عدل، يحتارعدوك فيك”.
وأنا لا أستغرب وقوع النخب في هذا الخلط وهم الذين يعول عليهم في إرشاد الناس من خطباء وكتاب ورجال دين ودولة واقتصاد، مع أن ذلك للأسف يدل على أن ثقافة الاختلاف والتسامح واحترام الرأي آخذة في الاضمحلال حتى على مستوى النخب، لأن احترام القانون ينبع من كونه حاضراً دائماً ومع الجميع، فإذا غاب أو ضعف ولو لفترة، فإن الأجواء السائدة تخلق حالة الفوضى واللامبالاة. ولست أساوي بين الخطاب المحرض والخطاب المفند بهذا الكلام كما يقول بعض الكتاب. إذ أن تجاوز القانون مرفوض من أي طرف يصدر منه، ولا أعتقد أننا نعمل خيراً حين نغضي عن توجهات السب والتسقيط والتشهير، لأننا بذلك نؤسس أمرين كلاهما أخطر من الآخر، الأول أننا نلغي لغة الحوار ونبدلها بالغوغاء والفوضى، والثاني أننا نخلق بذلك بيئة لنمو التشدد والكراهية بين الناس.
يقول علي حين سمع قوماً يسبون آخرين “إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكن لو وصفتم أفعالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر”.
الأربعاء، 6 أكتوبر 2010
الإجماع قد لا يكفي
تكلمنا في مقالنا السابق “مستدرك البرامج الانتخابية” عما يتوقعه الناس من البرلمان ونواب 2010. هذا البرلمان الذي عانى في 2006 من الاصطفاف الحزبي كما هو حال جميع البرلمانات وحال الديموقراطية حين تتضارب المصالح والانتماءات الحزبية. لننظر لحال البرلمان في بعض القضايا التي نالت الإجماع أو شبه الإجماع. هل أسفرت هذه الحالة التوافقية في الغرفة المنتخبة إلى التغيير. أم أنه توقف عند عتبات لاحقة.
قبل أن نشرع في استعراض الحالات، يجب أن نؤكد شيئا، وهو أن استذكار هذه القضايا لا يتجاوز محاولة دفع العملية التشريعية في 2010 عبر استذكار ملامح من التجربة البحرينية السابقة.
الحالة الأولى
قانون منع الخمور: أجمع المجلس النيابي في جلسة 9 مارس 2010 على قانون حظر الخمور. وربما كان ألطف ما يستذكر في تلك المناسبة المنقول من مقولة الشيخ عادل المعاودة أن الوزير الذي حاول منع الخمور ومعاقبة الفنادق المخالفة قد طار من منصبه لهذا السبب والعهدة على المعاودة في النقل.
لاحقاً تم تعديل الاقتراح بقانون في مجلس الشورى ليكون تداول الكحول مسموحاً لغير المسلمين فقط في الأماكن المخصصة لا الخاصة، وبينهما فرق شاسع. وزبدة القول إن المشروع قد تم تغييره جذرياً ليعود للنواب من جديد في 2010. ومن يدري إن كان سيجد نفس الزخم أو لا يجد.
الحالة الثانية
لجنة التحقيق في أملاك الدولة: في 30 مارس 2010 عاد النواب الحاضرون للإجماع، وكان ذلك على توصيات لجنة التحقيق في أملاك الدولة، التي كان من ضمنها إعادة 65 كيلومتراً إلى أملاك الدولة. وألطف ما يستذكر هنا هو مطالبة وزير شؤون مجلس الشورى والنواب بإلغاء التوصيات من كل الوقائع التي تسبق 2002. الحال أن هذا الكلام قد رد عليه النواب. وكانت توجيهات جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء بتشكيل اللجنة الوزارية للتحقيق في التجاوزات قد أسفرت لاحقاً عن رفع الرقم إلى 70 كيلومتراً كما ورد على لسان لجنة التحقيق البرلمانية!!
الحالة الثالثة
قانون تقاعد النواب: في 27 مايو 2009 تم تمرير هذا القانون بصفة الاستعجال إلى مجلس الشورى، بأغلبية نيابية، على الرغم من المعارضة الشديدة له من القواعد الجماهيرية لبعض الجمعيات المؤيدة للقانون ومعارضة مرجعياتها الدينية. القانون مر من الشورى ومن الحكومة وتم إصداره ملكياً كقانون في 30 يونيو من نفس العام.
تصريح الشيخ عادل المعاودة في هذا الشأن كان أيضاً يمثل شهادة للتاريخ حيث قال إنه “لا يعلم أن نائبا أو كتلة معترضة أو رافضة لتقاعد النواب، خصوصا وأن القاعدة الأساسية هي أن يعيش كل مواطن عيشة كريمة، وذلك ينطبق على النواب، إذ كيف يتم السماح للوزير أو لوكيل الوزارة بالتقاعد حتى ولو بقي أي منهما يومين بالعمل فيما يمنع على النائب الحصول على تقاعد رغم عمله الشاق”. وتكرار إشارتنا لأقوال الشيخ عادل، مرده أن الكلام في هذه الفترة لن يؤثر على حظوظه في الانتخابات لوصوله للمجلس بالتزكية ويضاف إلى ذلك حضوره المميز.
في الحالات التي ذكرناها، استطاع نواب الشعب تجاوز خلافاتهم والوقوف وقفة رجل واحد، إلا أنه يبدو أن العمل داخل مجلس النواب وحده لا يكفي. المتوقع من النواب شأنهم شأن جميع السياسيين أن يعملوا من خارج المجلس أيضاً لإقناع باقي أطراف المعادلة بما في ذلك أعضاء الشورى والوصول لحلول توافقية تمنع خروج مجلس الشورى بصورة المتهم إذا لم ينسق النواب مع الشوريين بخصوص أمر ما. يبقى أن العتب على الشوريين لا يزول بكونهم غير منتخبين، إذ إن الثقة الملكية بالتعيين لا تتعارض مع تمثيلهم لفئات الشعب البحريني التي عبرت عن رأيها في المواضيع محل النقاش عبر مجلس النواب وعن طريق الصحافة. وربما كان شاهداً على ذلك الزيارة التي قام بها وفد من التجار البحرينيين للقاء رئيس مجلس الشورى لبيان وقوفهم مع منع المشروبات الكحولية، على الرغم من أن أكثر التبريرات كانت تنطلق من منطلق اقتصادي.
هذه الملفات استطاعت أن تشق طريقها نحو القنوات الصحيحة عبر الإجماع النيابي الذي يندر أن يحصل، وربما لم تصل كلها لنتائج ترضي الجميع بعد الزخم الذي أخذته نيابيا وشعبياً، فما بالنا بما لا يأخذ من النواب هذا الموقف الموحد والأغلبية الكاسحة؟ وهل يستطيع برلمان 2010 أن يصل لنتائج أفضل في ظل الاصطفاف الحزبي المتواصل؟ ورغم أن التجربة البحرينية الفتية لم تصل فيها المماحكات والنزاعات إلى درجة تقاذف المقاعد كما حصل في دول أخرى، إلا أن القارئ لتصريحات النواب يجد من الخلافات ما يكفل أن نرى هذا المشهد في البرلمان القادم.
الأحد، 3 أكتوبر 2010
مستدرك البرامج الانتخابية
على غرار كتب المستدركات التي تكتب إكمالاً لمجهود المؤلف، والتزاماً بنفس المنهج البحثي وموضوع الكتاب الأصلي، رأيت أن أكتب لمترشحينا النيابيين البواسل، ولا مزاح في كلمة بواسل، لأن الترشح للبرلمان صار موضوعاً صعباً من الناحية النفسية لعدة أسباب. فأما صعوبته للمترشحين المستقلين فوضوحها لا يحتاج للشرح، وأما للمترشحين الحزبيين، فإن أسباب ذلك ما يتوقع لهم من السلق بألسن الصحافة والناس من جهة، وعدم قدرتهم على تلبية الآمال العريضة التي تصير معلقة عليهم. كذلك فهم يواجهون في أحيان عدم تعاون بعض الأطراف الحكومية معهم، إضافة إلى حالة الاصطفاف الحزبي والهجمات المتبادلة بين النواب في المجلس.
وربما كان من الملائم الإشارة إلى أن بعض مترشحينا يطرحون في كثير من الأحيان أهدافا لا إمكانية لهم ولا لغيرهم لتحقيقها، لا نقول بسبب الاستحالة ولا لكوننا واقعيين، لأن الواقعية في السياسة وفي مجالات أخرى إذا تكرست في العقل تصير صنماً يعبد من دون الله، تتحول لصندوق ضيق يحبس الكثير من الأفكار النيرة، ويمنعها من الخروج حتى مع إمكانية تحقيقها. وأما سبب عدم إمكانية التحقيق لتلك الأهداف التي يضعها المرشحون هو كونها أفكاراً نيئة لا آلية لها ولا برنامج ولا خطة موازنة. وأرجو أن تكون عبارة أحد المترشحين كما نقلت لي “راتب لكل طفل بحريني” تحمل برنامجاً وآلية وخطة تمويل، لأن الفكرة موجودة في بعض الدول الخليجية الأخرى كعلاوة في الراتب لكل طفل. وأما إذا قسنا ما تحقق بشأن علاوة الغلاء والمخاض العنيف لتحصل كل عائلة محتاجة على خمسين دينارا شهرياً، فأنا أكاد أجزم أن للعبارة المذكورة تأويلاً. وربما كان تأويلها ما سيحصل عليه الطفل من منافع كالعلاج والتعليم والخدمات الأخرى التي لو كانت عن طريق القطاع الخاص لكلفته أموالاً طائلة. في البحرين الصورة ليست سوداء ولكنها حتماً ليست وردية.
أقول إنني أكتب هنا رسالة مستدرك لبرامج المترشحين لكي أحملهم من هذه الزاوية المفهومة بعض ما تتطلع إليه شرائح من المواطنين وأضيف إلى هذا عبء أفكاري وتصوراتي المتواضعة.
بعد الاستعانة بالله، نشرع في إدراج قائمة مختصرة للبرنامج الانتخابي كمستدرك لبرامج المترشحين:
- إن نظرة المواطن المتفائل للمجلس الموقر هي أنه وسيلة لتشريع حياة كريمة، وهذا ما سيسعى له المترشح ضمن قائمة “المستدرك”.
- الخدمات الإسكانية حق لجميع المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، السكن لا يمثل إعانة بل حقاً ثابتاً كالتعليم والصحة والغذاء والأمن، لذا تسعى القائمة لإلغاء القانون الإسكاني المرتبط بدخل المواطن.
- الخدمات الإسكانية في البلد هي في أزمة، سنسعى لحل هذه الأزمة عبر الدفع بقوانين استملاك الأراضي، وقوانين تخصيص المنطقة الجنوبية للحياة الفطرية وقانون الموازنة العامة لمناقشة جادة ومفتوحة، ولننهي قصة الأمم.
- السعي الحثيث للتطوير وإيقاف التدهور المستمر في الخدمات الصحية والضغط الشديد الواقع على البنية التحتية لوزارة الصحة، عن طريق وضع حد أدنى قانوني من الأطباء لكل مواطن، وحد أدنى قانوني من الأسرة الشاغرة سواء الطوارئ أو أسرة المرضى الداخليين (الترقيد).
- الدفع بمشروع قانون لعمل تغيير في هيكل وزارة الصحة المتعلق بالخدمات التخصصية.
- السعي لدعم وزارة الصحة عن طريق السعي لإيجاد آلية شراكة مع خدمات العيادات والمستشفيات الخاصة لتقليل مدد انتظار الدور للعمليات ولطب الأسنان.
- السعي لإيجاد هيئة لمراقبة الجودة ولحل مشكلات القطاع الصحي قد تكون بنفس اتجاه هيئة مراقبة جودة التعليم.
- إيجاد آلية لدعم المنتجات الغذائية ومواد المستهلك عبر البطاقة الشخصية للمواطن وبأسلوب عصري متطور لتحقيق أقصى استفادة ممكنة للمواطن من الدعم الحكومي ومنع استغلاله.
- وضع قانون بجهاز رقابي لمراقبة أسعار سلع المستهلك يقوم بنشر الأسعار بصورة أسبوعية ويلزم المحلات التجارية بحد أقصى للسعر.
- إلزام الشركات الصناعية الكبرى بتوفير البيئة المناسبة للمواطنين القاطنين في المناطق المجاورة من باب “لا ضرر ولا ضرار”، وإيجاد مسكن بديل لكل إنسان لا يريد العيش في هذه البيئة.
- السعي لإيجاد قانون لتخصيص سواحل للتنزه والصيد وأحزمة خضراء لعامة شعب البحرين تحت ملكية ملك مملكة البحرين كما هي الحال بالنسبة لبعض الممالك الأخرى لتكون مفتوحة للمواطنين ومحمية من الزحف العمراني.
- وضع قانون يكفل حماية البيئة البحرية والثروة السمكية وتحديد آليات إعادة بناء هذه الثروة من جديد.
- العمل على إيجاد قانون باتفاقية تفاهم بين دول الخليج بخصوص معاملة الخليجي كمواطن في جميع الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك الصيد والزراعة.
- وضع قانون بتخصيص منطقة زراعية، لمشاريع الزراعة والثروة الحيوانية بما يكفل تحقيق نسبة من الأمن الغذائي للمنتجات الاساسية.
- السعي لإيجاد هيئة للتخطيط، لوضع التصورات العملية المتوافقة مع الاستراتيجيات التنموية مثل استراتيجية البحرين 2030 وغيرها.
هذا هو الجزء الأول من مستدرك البرنامج الانتخابي، وسنقوم بإطلاع إخوتنا المترشحين ببقية المستدركات في المستقبل القريب. ونتمنى من الإخوة القراء تزويدنا بمقترحاتهم وتطلعاتهم لإدراجها في مستدرك المستدرك.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)