تكلمنا في مقالنا السابق “مستدرك البرامج الانتخابية” عما يتوقعه الناس من البرلمان ونواب 2010. هذا البرلمان الذي عانى في 2006 من الاصطفاف الحزبي كما هو حال جميع البرلمانات وحال الديموقراطية حين تتضارب المصالح والانتماءات الحزبية. لننظر لحال البرلمان في بعض القضايا التي نالت الإجماع أو شبه الإجماع. هل أسفرت هذه الحالة التوافقية في الغرفة المنتخبة إلى التغيير. أم أنه توقف عند عتبات لاحقة.
قبل أن نشرع في استعراض الحالات، يجب أن نؤكد شيئا، وهو أن استذكار هذه القضايا لا يتجاوز محاولة دفع العملية التشريعية في 2010 عبر استذكار ملامح من التجربة البحرينية السابقة.
الحالة الأولى
قانون منع الخمور: أجمع المجلس النيابي في جلسة 9 مارس 2010 على قانون حظر الخمور. وربما كان ألطف ما يستذكر في تلك المناسبة المنقول من مقولة الشيخ عادل المعاودة أن الوزير الذي حاول منع الخمور ومعاقبة الفنادق المخالفة قد طار من منصبه لهذا السبب والعهدة على المعاودة في النقل.
لاحقاً تم تعديل الاقتراح بقانون في مجلس الشورى ليكون تداول الكحول مسموحاً لغير المسلمين فقط في الأماكن المخصصة لا الخاصة، وبينهما فرق شاسع. وزبدة القول إن المشروع قد تم تغييره جذرياً ليعود للنواب من جديد في 2010. ومن يدري إن كان سيجد نفس الزخم أو لا يجد.
الحالة الثانية
لجنة التحقيق في أملاك الدولة: في 30 مارس 2010 عاد النواب الحاضرون للإجماع، وكان ذلك على توصيات لجنة التحقيق في أملاك الدولة، التي كان من ضمنها إعادة 65 كيلومتراً إلى أملاك الدولة. وألطف ما يستذكر هنا هو مطالبة وزير شؤون مجلس الشورى والنواب بإلغاء التوصيات من كل الوقائع التي تسبق 2002. الحال أن هذا الكلام قد رد عليه النواب. وكانت توجيهات جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء بتشكيل اللجنة الوزارية للتحقيق في التجاوزات قد أسفرت لاحقاً عن رفع الرقم إلى 70 كيلومتراً كما ورد على لسان لجنة التحقيق البرلمانية!!
الحالة الثالثة
قانون تقاعد النواب: في 27 مايو 2009 تم تمرير هذا القانون بصفة الاستعجال إلى مجلس الشورى، بأغلبية نيابية، على الرغم من المعارضة الشديدة له من القواعد الجماهيرية لبعض الجمعيات المؤيدة للقانون ومعارضة مرجعياتها الدينية. القانون مر من الشورى ومن الحكومة وتم إصداره ملكياً كقانون في 30 يونيو من نفس العام.
تصريح الشيخ عادل المعاودة في هذا الشأن كان أيضاً يمثل شهادة للتاريخ حيث قال إنه “لا يعلم أن نائبا أو كتلة معترضة أو رافضة لتقاعد النواب، خصوصا وأن القاعدة الأساسية هي أن يعيش كل مواطن عيشة كريمة، وذلك ينطبق على النواب، إذ كيف يتم السماح للوزير أو لوكيل الوزارة بالتقاعد حتى ولو بقي أي منهما يومين بالعمل فيما يمنع على النائب الحصول على تقاعد رغم عمله الشاق”. وتكرار إشارتنا لأقوال الشيخ عادل، مرده أن الكلام في هذه الفترة لن يؤثر على حظوظه في الانتخابات لوصوله للمجلس بالتزكية ويضاف إلى ذلك حضوره المميز.
في الحالات التي ذكرناها، استطاع نواب الشعب تجاوز خلافاتهم والوقوف وقفة رجل واحد، إلا أنه يبدو أن العمل داخل مجلس النواب وحده لا يكفي. المتوقع من النواب شأنهم شأن جميع السياسيين أن يعملوا من خارج المجلس أيضاً لإقناع باقي أطراف المعادلة بما في ذلك أعضاء الشورى والوصول لحلول توافقية تمنع خروج مجلس الشورى بصورة المتهم إذا لم ينسق النواب مع الشوريين بخصوص أمر ما. يبقى أن العتب على الشوريين لا يزول بكونهم غير منتخبين، إذ إن الثقة الملكية بالتعيين لا تتعارض مع تمثيلهم لفئات الشعب البحريني التي عبرت عن رأيها في المواضيع محل النقاش عبر مجلس النواب وعن طريق الصحافة. وربما كان شاهداً على ذلك الزيارة التي قام بها وفد من التجار البحرينيين للقاء رئيس مجلس الشورى لبيان وقوفهم مع منع المشروبات الكحولية، على الرغم من أن أكثر التبريرات كانت تنطلق من منطلق اقتصادي.
هذه الملفات استطاعت أن تشق طريقها نحو القنوات الصحيحة عبر الإجماع النيابي الذي يندر أن يحصل، وربما لم تصل كلها لنتائج ترضي الجميع بعد الزخم الذي أخذته نيابيا وشعبياً، فما بالنا بما لا يأخذ من النواب هذا الموقف الموحد والأغلبية الكاسحة؟ وهل يستطيع برلمان 2010 أن يصل لنتائج أفضل في ظل الاصطفاف الحزبي المتواصل؟ ورغم أن التجربة البحرينية الفتية لم تصل فيها المماحكات والنزاعات إلى درجة تقاذف المقاعد كما حصل في دول أخرى، إلا أن القارئ لتصريحات النواب يجد من الخلافات ما يكفل أن نرى هذا المشهد في البرلمان القادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق