الأحد، 24 أكتوبر 2010

التحكم بالعقل










في سلسلة القادمون الشهيرة والتي تتكلم عن العولمة بكثير من التشكيك والربط الدقيق تارة والمستغرب تارة أخرى، يطرح مفهوم مهم للغاية، هو في اعتقادي الأهم في هذه السلسلة. وهذا المفهوم كما تركز عليه الحلقات هو مفهوم التحكم بالعقل. وتأخذ الحلقات بالكلام عن هذا المفهوم والذي يرتبط بعدد من التكتيكات التي تستخدمها الجهات الحزبية السرية للتعمية على حقيقتها الشريرة من ناحية، وخلق ظواهر للتعمية على البواطن الحقيقية ووضع هياكل إدارية ظاهرة تختلف عن موازين القوى الحقيقية وتبدأ في بث أفكارها وتلقين هذه الأفكار للصغار حتى يكبروا وللكبار حتى يشيخوا.
التحكم بالعقل عن طريق صنع بروباغندات وأحداث مفتعلة، التحكم بالعقل عبر تسويق عادات معينة، التحكم بالعقل عبر عدة ممارسات تعمي الجمهور عن حقيقة الدور الذي يؤدونه في اللعبة من دون أن يشعروا. من ضمن هذه التكتيكات التي يستخدمها الحزبيون والذي سنتكلم عنه هو تكتيك خلق «ثيم» يفكر الناس من خلاله، فيكونوا أقرب للمنومين مغناطيسياً ومستعدين للطاعة بلا نقاش، ومستعدين للوقوف صفاً مع أي مشروع تطرحه هذه الجهة أو تلك. وسأذكر أمثلة على بعض الأوهام المشهورة التي استخدمت بخبث في كثير من أصقاع الأرض. كما أنني أفكر بإيجاد سلسلة مواضيع تحت عنوان «استيقظ» تبحث في موضوع التحكم بالعقل.
المثال الأول: أنتم شعب واعٍ: بعد أن يقوم الخطيب بمدح ذكائك، فله أن يسوق للجمهور ما يشتهيه من أفكار ساذجة للاطمئنان من استسلامهم لكل ما سيقوله، فهم ولله الحمد كلهم أذكياء. وتذكر هنا قصة مشهورة باسم رداء الأمير، حيث خدعه نصابان وقالا له إنهما سيصنعان له ثوباً لا يراه إلا الأذكياء، وحين شاع خبر هذا الرداء الغالي اصطف الناس لمشاهدته وطبعاً كل الجمهور رأى الرداء الفاخر لمدة، حتى صرخ طفل ببراءة الأطفال المعهودة التي لا تنطوي عليها الحيل: إن أميركم عارٍ من الثياب. هنا ضحك الجميع على سذاجتهم، ولكن بعد أن فر النصابان بالأموال التي ابتزاها مقابل تصميم الثوب المزعوم.
المثال الثاني: أنتم مستضعفون: بعد أن يقوم الساحر بالتأوه لحالك و إشعال مشاعر الغضب، فأعلم أنه سيركب بك لجج المخاطر وأهوال البحار لينقذك مما أنت فيه، بعد أن يشعرك أنه لم يبق لديك شيء تخسره، فأنت إن لم تحقق ما يصبو إليه نيابة عنك، فإنك خسرت كل شيء وصار لا بد من بذل النفس والنفيس لإنقاذك. استخدم الصهاينة هذه الطريقة في جعل اليهود يعتبرون إسرائيل هي الحلم والملاذ والسبيل لإنقاذهم من استضعاف الناس لهم، فأسسوا بهم دولة جعلوهم في محارقها وتحت مرامي النيران فيها، وقسموا أنفسهم عرقياً، فبقيت الأعراق المستضعفة مستضعفة، وأسسوا بهم دولة جمعت الضعفاء ليكونوا عبيداً لأطماع الصهاينة الخبثاء.
المثال الثالث: أنتم منتصرون: بعد أن يقوم المحتال بتهنئتك بالنصر ومنحك وساماً لا تستحقه، فأعلم أنه ينوي مواصلة استغفالك وتسويق قيادته على أنها قيادة لا تخسر وشوكة لا تكسر، لتواصل تسليم عنان نفسك له لمواصلة امتطائك الذي صار هدفاً في حد ذاته مع الأهداف الأخرى التي يسعى إليها. وبالطبع يسكر الأتباع مع نشوة النصر الموهوم هذه، رغم أنه ليست هناك معركة من الأساس، ولا توجد إنجازات للتشدق بها، ولكن عطش الناس للنصر يجعل مهمة إقناعهم به غير عسيرة.
المثال الرابع: أنتم مستهدفون: إن استغلال النصاب غريزة البقاء وإشعار الشخص الذي أمامه بالخطر الذي يحوطه، يجعله مستعداً لتنفيذ الأوامر كالأبله، والسير في الاتجاه المطلوب منه لدفع هذا الخطر عن نفسه، وهذا ما استخدمه الاستعمار في التفرقة بين مكونات المجتمع العربي والمسلم وزرع بينها الخوف من بعضها البعض.
المثال الخامس: العرب متخلفون: إن استغلال الأجنبي لهذا الوهم هو تكريس دائم لعقدة النقص والتي تجعل الشعوب العربية دائما تنظر بانبهار لكل ذي بشرة حمراء أو بيضاء، وتصير في اضطرار دائم للاستعانة بخبرات أجنبية قد تكون في مجالات لا تتطلب أي خبرة أو مهارة. ولو أنك عايشتهم وناقشتهم، فلن تجد تفوقاً في أي جانب يجعله غير عادي وسوبرمان. نعم ربما كانت البنية التحتية العلمية أكثر تطوراً فنعم، إلا أن ظاهرة العقول المهاجرة تبرهن أن التخلف ليس في العقول بقدر ما هو نقص في الاستثمار في البنى التحتية والبنى التحتية العلمية والصناعية.
والأمثلة كثيرة، إلا أن المهم هو أن ننتبه فلا نأخذ الأفكار على عواهنها؛ لأن من خلق الله له عقلاً لا عذر له في وضعه إياه على الرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق