الأحد، 31 أكتوبر 2010

حيص بيص التنمية







بينما كانت ليلى تستعد للذهاب لعملها وتحمل حقيبتها بيد، كانت باليد الأخرى تحضر حقيبة ابنها ذي السنوات الثلاث لتأخذه لحاضنته أم محمد، فتضع له شطيرة وكيس رقائق البطاطا وعلبتين من العصير الذي يحبه. هذا بالطبع بعد أن وضعت له كل ما يحتاج من ملابس وألعاب تكفيه مدة ست ساعات يقضيها كل يوم عند الحاضنة. كان من تمام التوفيق أن تجد هذه الحاضنة التي ترضى بالقليل ومع ذلك تعتني بطفلها والأطفال الآخرين أفضل عناية. وكعادة ليلى أسرعت في الخروج المبكر قبل دوامها بساعة لتوصل صغيرها في زحام طريقها إلى العمل. لم تكن تتمنى أن تعمل ووحيدها في هذه السن المبكرة، ولا كانت تأمل أن ترسله لحاضنة غريبة لولا أن شظف العيش وخشونته والذي فرض عليها أن تكون أماً عاملة قد فرض عليها أن توجد حلاً لمشكلة ابنها عن طريق أخذه لـ «بيبي سيتر».
وعند باب أم محمد، كانت توصي المرأة الأربعينية بابنها قبل أن تنصرف، إلا أن أم محمد بادرتها بإخبارها أن تجد لابنها مكاناً آخر منذ الشهر المقبل، وهنا كانت الصدمة. ظنت أن السيدة تريد زيادة الأجرة، إلا أنها كانت مخطئة، فما تحصل عليه يكفيها ولله الحمد، إلا أن قوانين الدولة صارت تفرض عليها أن تفتح روضة نموذجية في فيلا، وتأخذ كل التراخيص والسجلات المطلوبة من أكثر من جهة ووزارة؛ لتتمكن من مواصلة العمل. وهنا وقعت ربة المنزل في دوامة من الأسئلة:
· لو كنت أملك مؤهلاً تعليمياً ربما لم أكن ربة بيت أساساً.
· لو كنت أملك فيلا لما سكنت في هذه الشقة الصغيرة من الأساس.
· لو كنت أملك ما أؤسس به روضة نموذجية لما فكرت أساساً في المشروع، فانتفاء الحاجة ربما جعلني أتوقف عن العمل من الأساس.
· لو كانت الظروف تسمح لعملت مؤقتاً عند إحدى الروضات بدلاً من تولي مسؤولية الأطفال وحدي.
في الوقت نفسه كانت ليلى تفكر في الموضوع من زاويتها:
· إذا لم يكن بإمكاني إرسال طفلي إلى حاضنة، فلن أتمكن من العمل أساساً.
· إذا أرسلته إلى حضانة أطفال، فسيكلفني ذلك ضعف ما أدفعه الآن.
· ماذا أفعل في الإجازة الصيفية، هل هناك حضانة متوافرة في هذه الفترة؟ الموضوع قد يبدو غير حري بالبحث والمناقشة، إلا أنه موضوع حيوي من جهات عدة، فلو حللناه من الزوايا المنطقية له، لوجدنا أن من الضرورة إيجاد حل له لأسباب عدة، ليس لخاطر ربات المنازل أو الأمهات العاملات وحسب، وإنما من نواحي اقتصادية واجتماعية للجميع. فالوضع الحالي لهذه المهنة على جميع مستوياتها يجعلها في مهب الريح. نأخذ مثلاً موضوع رواتب العاملات في رياض الأطفال
والحضانات التي تحوم في حدود الثمانين والمئة دينار والتي تتوقف مع الإجازات. هذا بالطبع أدنى من الحد الأدنى للرواتب الذي استقر عند المئتي دينار للقطاع الخاص. والحد الأدنى للرواتب أقل أيضاً من خط الفقر الذي تم تقديره في فترة ما بــ 337 ديناراً.
ولقد صدر قرار في مايو من العام الجاري من مجلس الوزراء يلزم تمكين بدعم رواتب رياض الأطفال بـ 30 دينارا شهريا لمدة معينة، إلا أن ذلك يبقى دون ما يحتاجه الوضع بكثير. كما أن تحميل رياض الأطفال نفسها عبء رفع الرواتب لن يكون حلاً، إذ سيؤدي مباشرة لإفلاس الكثير منها ورفع أسعار الباقين، بما يجعل الطاقة الاستيعابية دون حاجة السوق بمراحل، ويجعل الكثير من الأهالي غير قادرين على إرسال أطفالهم لرياض الأطفال والحضانات.
الوضع الآن كما نقول ماشي بالبركة، وتعديله ضرورة ماسة؛ لأن البركة سترتفع طالما هناك أطراف مظلومة في الموضوع.
وهنا يسألني سائل عن سبب حشري لوزارة التنمية في هذا الحيص بيص، فأقول إن وزارة التنمية مسؤولة عن مفهوم جميل، إلا أنه غير مكتمل المعالم، فهي الجهة المسؤولة حسب علمي عن مشاريع الأسر المنتجة، والتي تمكنت من فتح العديد من البيوت عبر ما تنتجه الأسر المنتجة من مأكولات ومقتنيات يدوية تعرض للبيع في معارض ومحلات، بالإضافة إلى مطار البحرين. هذا المفهوم واضح وجلي في المنتجات، إلا أنه لا يذهب لتفصيلات الإنتاج الخدماتي على الأقل بحسب معلوماتي. فالكثير من ربات البيوت يعملن في منازلهن كحاضنات أو مصففات شعر وخبيرات تجميل أو كصاحبات مطبخ يتلقين الطلبات. ونجد الكثيرين ممن يشهد لكل هؤلاء بأنهن يقدمن خدمات تتفوق على الكثير من النظائر في المحلات التجارية، إلا أنهم لا يتمكنون من تحويلها لمشاريع تجارية بسبب ضيق ذات اليد، أو لأسباب مشابهة. ومن ثم نتوقع من وزارة التنمية أن تكون الجهة الداعمة لهم في هذا الوضع الحالي حتى يتطور.
مفهوم «جليسة الأطفال» موجود في الدول الأخرى أيضاً عربية وغربية، إلا أن التشريعات عندنا قد تكون لا تتفهم وضعه بسبب جمودها وعدم منطقيتها في بعض الزوايا. التشريع يجب أن لا يلغي الحقوق الطبيعية ولا أن يعقد الأوضاع القائمة. القانون وجد لتنظيم حياة الناس، و لكن، أليست الحاجة من المقاييس الواقعية لضرورة وجود التشريع. يمكن لوزارة التنمية أن تخلق مفهوم «رخصة مهنة منزلية» بحيث تتجنب تعقيدات قانون الشركات التجارية وقانون العمل، وتوجد وضعاً يمكنه إدخال هذه الفئات إلى ساحة الإنتاج، بصلاحيات محدودة تفي بحاجاتهم وحاجات المجتمع وتضمن الاستفادة من كثير من مواردنا البشرية المهدورة، و الله من وراء القصد...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق