الأحد، 10 نوفمبر 2013

علمنا الحسين







الأحد 10 نوفمبر 2013

في هذه الأيام والبلاد الإسلامية تعيش ذكرى عاشوراء، تحتفي الشعوب بهذه الذكرى من خلال مظاهر متنوعة، من ضمنها مظهر تعليق اللافتات التي تتضمن أقوالا للإمام الحسين وأخرى حوله وثالثة من وحي المناسبة. ومن العبارات التي صارت تحظى باهتمام خاص عبارات لمشاهير من التاريخ ومفكري الشعوب يبينون من خلالها مدى تأثرهم بالحسين وما تعمق في نفوسهم من القيم من خلال قراءتهم لشخصيته والأحداث التي دارت حوله.
وربما لا يكون من أقل تلك الأقوال شهرة ما ينسب للمهاتما غاندي قوله “تعلمت من الحسين أن أكون مظلوما فأنتصر”، هذه العبارة وإن كانت تبين تأثر الرجل بشخصية الإمام الحسين إلا أنها تضيف له في نفوسنا من الاحترام أكثر مما تعمق في نفوسنا من القيم السمحاء. وفي رأيي أن الحسين وإن كانت مظلوميته ظاهرة بشكل مفجع، إلا أنه لا يختلف في هذه القيمة عن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أو والده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في مجانبة الظلم. فالمرء إذا لم يكن ظالما فالأقرب أن يكون مظلوما. وربما صح لنا بدلا من أن نكتفي باستعارة ما تعلمه الأباعد من شخصية عظيمة كشخصية سيد شباب أهل الجنة، بأن نذكر ما تعلمناه نحن من الإمام الحسين عليه السلام من قيم رائعة ربما لا يلتفت لها من اختلف عنه في العقيدة وهي الأهم بالنسبة لنا. فمن أول الدروس التي نتعلمها منه حرصه على حفظ المقدسات من جعلها عرضة للاستصغار والانتهاك والتعدي. وذلك في موقفه عند خروجه من مكة حين علم بأن دمه قد أهدر وأن الأوامر قد صدرت بقتله ولو متعلقا بأستار الكعبة. ومن ذاك قوله لجماعة فيهم عبدالله بن الزبير “والله لئن أقتل خارجا منها بشبر أحب إلي من أن أقتل فيها. ولئن أقتل خارجا منها بشبرين أحب إلي من أن أقتل خارجا منها بشبر”. فهنا كان حرصه على ألا تستباح حرمة مكة والكعبة بمقتله الشريف الذي يعلم أنه واقع لا محالة. على أن قتله في حد ذاته بغض النظر عن المكان كان تعديا على مقدسات المسلمين، تبعه الكثير من الهوان على الأمة أجمعها، وهذا ما أشار إليه أحد من كلمه على الخروج إذ يقول له “بأبي وأمي أمسك علينا نفسك. فوالله لئن قتلوك ليتخذنا هؤلاء القوم عبيدا” وقال له “ووالله لئن قتلت لا بقيت بعدك حرمة إلا استحلت”. ولعل هذه النظرة البعيدة التي لم تخفَ على الحسين كانت في محلها، ففيما يذكر التاريخ حول سنوات يزيد الثلاث في كرسي الحكم أنه قام من بعد قتل السبط برمي الكعبة بالمنجنيق واستباحة المدينة المنورة. فمن هنا نتعلم درسا مهما وهو الحفاظ على المقدسات وتجنيبها الوقوع في أتون مشتعل من الحروب، سواء كانت أماكن مقدسة أو شعائر محترمة أو شخصيات عظيمة فتنتقص قيمتها ومكانتها.
ولعل درسا ثانيا نتعلمه من شخصية الإمام الحسين، وهو أن تنبع تصرفاتنا من سجايانا وأخلاقنا ولا نخضعها في ذلك لطبيعة من نتعامل معه، فلا نسمح للآخر أن يأخذنا إلى مستنقعها الذي تختفي فيه القيم والأخلاق. فها هو في طريقه إلى كربلاء وقد أمر أصحابه بأن يستسقوا؛ لأنهم مقبلين على طريق طويل لا ماء فيه، إلا أنه يسقي الجيش الذي قدم لمحاربته من الماء الذي يدخره لطريقه. بل إنه لم يكتف بسقي الخيالة والرجالة حتى سقى خيولهم حتى ارتوت. يفعل هذا رغم أنه يعلم بما يجري عليه من القوم وحرمانه من الماء فيما بعد.
وفي درس ثالث له، ينهى أحد أصحابه عن رمي عدوه بالسهام قائلا له إنه يكره أن يبدأ هو القوم بالقتال. هذه بعض الدروس القليلة والتي هي غيض من فيض من دروس الحسين الشهيد، ولكننا بدلا من أن نتعمق في تراثنا وفهمه فهما جيدا نوغل في البحث عن أثره في نفوس الآخرين الذين يأخذون من تراثنا بقدر ما يفيدهم وحسب.
آخر الوحي:
دارت عليه الدائرات ولم يكن    فردا ولا كان الحسين بأعزلِ
كانت حشاشة جده في صدره     ومن اقتدار أبيه كان بجحفلِ
لكنه القدر العظيم أرادها         عصماء لم تتأم ولـــم تتمهــلِ
عبد الرزاق عبدالواحد

الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

من المريخ و الزهرة




الأربعاء 16 أكتوبر 2013


على غرار الكتاب الشهير الذي شغل الدنيا والناس، الكتاب الذي حاول إيصال فكرته عن طريق هذا التشبيه، “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، حاول هذا الكتاب أن يوصل للقراء وتمكن من ذلك بشكل كبير، من أن الرجال والنساء يفكرون بطريقة مختلفة ويعبرون عن أنفسهم بطريقة مختلفة، ويتواصلون في علاقاتهم الإنسانية بطريقة مختلفة. على غرار هذا العنوان، خرج على عالمنا الإسلامي بصورة أكبر في دولنا العربية من يحاول إقناع الناس بأن الطوائف الإسلامية أتت من كواكب مختلفة، وربما ذهب إلى أبعد من الإقناع.
ورغم أنني لا أشك بتاتا أن الاتجاهات المتشددة والمتعصبة والداعية إلى القتال والفرقة بين طوائف المسلمين ومذاهبهم هي بالفعل قد أتتنا إن لم يكن من خارج هذا الكوكب “خارج الإنسانية” فهي على الأقل قد جاءتنا من خارج الإسلام ومبادئه والتراث الأصيل من العيش المشترك. لا شك أن هذه الفرق الدموية قد جاءتنا كنتاج للتأثر بأفكار وقوى غير متصفة بالتدين بل لا أقول التأثر وإنما الارتباط الاستراتيجي في نشأتها واستمراريتها.
هذه الاتجاهات الباغية على الناس عموما وليس على المسلمين أو بعضهم خصوصا، قد حملت معها ثقافة تكفير الآخر أي آخر وتفجير الآخر أيا كان وقتل من يعتبر خصما، سواء كان نداً أو شيخا كبيرا أو طفلا أو امرأة. وهذه الاتجاهات لا يصح عليها لفظ طوائف، بل هي كمجموعات مسلحة يصح عليها لفظ عصابات إجرامية تعيث في الأرض فسادا، لا أقل ولا أكثر.
ولا أعتقد أن أحدا يشتبه عليه أمر أمثال هؤلاء سواء حملوا شعارات ظاهرها الإسلام، أو كانت مجموعات تدعي الدفاع عن المسيحية، أو مجموعات عنصرية ضد أعراق معينة. كل هذه المجموعات التي تتحرك تحت هذه العناوين هي عصابات إجرامية تعمل لأهداف معينة وبارتباطات دولية لتحقيق أهداف معينة عبر ذرائع لا يمكن للجيوش النظامية حملها.
الأمر مفهوم تماما في هذه الصورة، أما غير المفهوم أن يخرج علينا الفكر والإعلام المضلل والسياسة الذي يحاول بعد قرون من نشأة المذاهب الإسلامية وتعايشها الطبيعي أن يخبر طائفة من المسلمين أن طائفة أخرى قد أتت من كوكب آخر، وكأنهم ليسو أناسا من لحم ودم، يأكلون ويشربون ويعيشون ويعمرون. يتكلم الإعلام عن طائفة ما باعتبارها حاضنا للخيانة والعمالة، وبكل صدق إن ما أنقله عن كلام الإعلام المضلل الكاذب لا ينطبق على طائفة دون أخرى، فلكل قوم من يلمزهم ويتهمهم ويتجنى عليهم.
وبكل بساطة فإن الإنسان إذا قبل أن يكون الآخر كل الآخر من المريخ، فبالتأكيد لن يكون هو من الأرض، إذا أنت تعاملت مع الآخر باعتباره مستذئبا تستحل حرمه، فلن يعتبرك إلا مصاص دماء خطر بقاؤه. وبالنتيجة فإن الاثنين يكونان غير أرضيين، لا يجمعهم حتى رحم الانتماء لطين الأرض. وبالتأكيد فإن هذا الكلام وهذه النتيجة هو ما يراد له أن يكون سائغا ومقبولا ليتمسك كل طرف بهويته المريخية والزهرية بعيدا عن النسب الأرضي.
الأمر لا يقتصر على وظيفة واحدة كخطيب، بل يتجاوزه إلى كاتب وإعلامي ونائب واذكر ما شئت من صنوف الوظائف والأدوار ممن حملوا شعار التفرقة الطائفية عن علم أو جهل، مسببين بذلك أن يستنفر العامة ويستقطب العامة ويحصل الهرج والمرج ومقدمات من التوتر كادت أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
اليوم أعتقد أن الجميع يعي خطورة الخطاب الداعي إلى التمييز أو التصارع بين فئات المجتمع تحت عناوين طائفية وعنصرية، ولكن قيل قديما إن ألفا ممن يعمر لا يمكنهم الإنجاز لو وجد واحد ممن يهدم يفسد عملهم.

آخر الوحي:
ذرني وأشجاني وجسمي والضنى
ويدي وأقلامي وطرفي والسهر
أأبيت ألهو والهموم تحيط بي
وأنام عن قومي وقومي في خطر
صوت المصفق موعد مابيننا
ماذا أقول لهم إذا الديك استحر؟
إيليا أبوماضي

الأحد، 13 أكتوبر 2013

ضيوف الرحمن





الأحد 13 أكتوبر 2013


غدا يجتمع الحجيج في ضيافة الرحمن يقرون له بالربوبية، جاءوا مستجيبين لنداء أبيهم إبراهيم، إذ يؤذن فيهم بالحج، فيأتون بالتلبية من كل بقاع الأرض ومن كل فج عميق. جاءوا ليقفوا هذا الموقف العظيم في هذا اليوم العظيم، شعثا، غبرا ، قد نبذوا وراءهم زينة الدنيا والتفاخر والتعالي والجدل والفسوق. لا فرق في اجتماعهم بين يدي الله بين أمير ولا فقير، كلهم جاء مقرا مذعنا طالبا من الله المغفرة.
يتمثلون معاني الحج العظيمة التي ترمز لها شعائره المفروضة، والتي وإن كانت يتعبد بها المسلم بالتسليم، إلا أن العارفين من أهل بيت النبوة قد فصلوا المعاني التي يتمثلها الحاج فيما روي عنهم. ومن ذاك الحديث المروي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام مع الشبلي.
فمن ذلك الحديث، أن الإمام زين العابدين حين قدم من الحج استقبله الشبلي، فسأله الإمام، حججت يا شبلي؟
قال: نعم، يابن رسول الله.  
فقال: (أَنَزلْتَ الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت؟) قال: نعم.  
قال: (فحين نزلت الميقات نويت أنّك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟) قال: لا. 
قال: (فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات ؟) قال: لا.  
قال: (فحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب ؟) قال: لا.  
قال: (فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت!). ثم قال : (تنظّفت وأحرمت وعقدت بالحج؟ ). قال: نعم. 
قال: (فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت الحجّ، نويت أنّك تنظّفت بنور التوبة الخالصة لله تعالى؟) قال: لا. 
قال: (فحين عقدت الحجّ نويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير الله؟) قال: لا. 
قال له: (ما تنظّفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج!). 
قال له: (أدخلت الميقات وصلّيت ركعتي الإحرام  ولبّيت؟) قال: نعم. 
قال: (فحين دخلت الميقات نويت أنّك بنيّة الزيارة؟) قال: لا. 
قال: (فحين صلّيت الركعتين نويت أنّك تقرّبت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟) قال: لا.  
قال: (فحين لبّيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكلّ طاعة، وصمت عن كلّ معصية؟) قال: لا. 
قال: (فحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله عزّ وجلّ؟) قال: لا.  
قال له: (ما دخلت الميقات ولا صلّيت ولا لبّيت!). 
ثم قال: (أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصلّيت؟ ) قال: نعم. 
قال: (فحين دخلت الحرم نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملّة الإِسلام؟) قال: لا.  
قال: (فحين وصلت مكّة نويت بقلبك أنّك قصدت الله؟) قال: لا. 
قال: (فما دخلت الحرم ولا رأيت الكعبة ولا صلّيت!). 
ثم قال: (طفت بالبيت ومسست الأركان وسعيت؟) قال: نعم. 
قال: (فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف منك ذلك علاّم الغيوب؟) قال: لا. 
قال: (فما طفت بالبيت ولا مسست الأركان ولا سعيت!). 
ثم قال له: (صافحت الحجر ووقفت بمقام إبراهيم وصلّيت به ركعتين؟) قال: نعم. 
وهكذا حتى يستوفي الحديث كل أعمال الحج ومعانيها في هذا الحديث المأثور وينتهي بقول الإمام للشبلي، ارجع فإنك لم تحج!
هنيئا للحجيج ضيافة الرحمن، ونسأل الله أن يوفقهم لأداء شعائرهم ويردهم إلى ديارهم سالمين غانمين بحج مبرور وذنب مغفور وأن يرزقنا مغفرته وفضله بحق دعاء إخوتنا هناك، وأن يرزقنا الحج في قابل الأعوام.

الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

جسر الملك فهد..ضرب من العشق





الأربعاء 9 أكتوبر 2013


من أهم المشاريع الحضارية في البحرين هذا الجسر الممتد لمسافة خمسة وعشرين كيلومترا ويربط بين واحات الشرقية ومصائد اللؤلؤ في أوال، جامعاً شمل البحرين القديمة بأرخبيل أوال الذي يمثل البحرين اليوم. هذا المشروع في حينه وحتى اليوم قد تمكن من النهوض بالتواصل بكافة أشكاله بين البحرين وباقي الدول العربية في الخليج العربي، بما يشمل المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وبات مثالا يحتذى ونموذجا من الممكن أن تبنى عليه أفكار مشاريع مماثلة كالمشروع القديم الجديد الذي أعلن عنه في حينه عن جسر يربط بين البحرين والشقيقة قطر. وبالرغم من أن المشروع الآخر لم ير النور بعد، إلا أنه بلا شك سيمثل إضافة ضخمة لاقتصاد البلدين وتعزيز العلاقات بينهما حكومة وشعبا.
وعودا على جسر الملك فهد الذي افتتح في عام 1986 فقد كانت فكرة انشائه تعود إلى العام 1965 وبدأ العمل فيه في أواخر العام 1981 حتى افتتاحه. اليوم يعبر الجسر ملايين المسافرين كل عام في حركة دائبة للسواح والمواد التجارية، وهو يقوم بدوره الفعال ولكن ليس بالكفاءة المطلوبة.
فهذه المسافة القصيرة التي تربط البلدين تتعطل الحركة في جزئها الأصغر وهو منطقة الإجراءات لتبلغ بحافلات المسافرين في أوقات الذروة كموسم الحج إلى ساعات طويلة يقضونها في انتظار اكتمال الإجراءات. ولا يستثني الازدحام بالطبع الإجازات الأسبوعية التي يضيع المسافر فيها على الجسر بضع ساعات هي ربما تساوي الوقت الذي يقضيه في البلد الذي يزوره أو أكثر.
هذا المشروع مع زيادة عدد المركبات من ناحية وتوفر رحلات الطيران من ناحية أخرى، صار أحيانا منزوع الدسم فاقدا لجزء كبير من قيمته حين يفرض عليك ساعات انتظار هي أشبه ما تكون بتلك التي يقضيها مسافرو المطارات دون جدوى. وفيما نحن اليوم نقترب من الذكرى الثلاثين لإنشاء الجسر حيث إن جيلاً يعيش في الخليج اليوم صار يحمل مفهوما حول السفر من وإلى البحرين هو أنه رحلة برية بامتياز لا علاقة لها بالبحر بتاتا. فيما نحن نعيش هذه الفترة، وفيما الحديث حول تطوير العلاقات بين دول الخليج لتكون اتحادا بدلا من مجلس تعاوني، فإن الحدود الخليجية مازالت تتعامل مع المواطنين الخليجيين بصورة تجعل التنقل بينها للسياحة أو العمل أو التسوق أمرا صعبا يحتاج لتذليل عقباته.
وربما كان أبلغ مقارنة تقال في هذا الشأن هي المقارنة بين دول الخليج ودول السوق الأوروبية التي ينتقل الفرد بين حدودها دون أن يشعر بالانتقال ودون أن يتوقف عند معابر ودون أن يشعر بأية صعوبات او ازدحام إلا مع دخوله قلب المدينة التي يقصدها.
ورغم أننا سمعنا التصريحات في سبتمبر المنصرم من جمارك البحرين حول خطة سيتم تنفيذها خلال ثلاث سنوات للقيام بفتح 60 مسارا للسيارات، إلا أن التطوير لا ينبغي أن يكون عملية مربوطة بموعد مستقبلي متوسط أو بعيد المدى بل عملية تدريجية تتماشى مع الزيادة السنوية لأعداد المسافرين، وإلا بقينا نراوح في دائرة مفرغة دون أن يحدث تطور حقيقي.

آخر الوحي:
حتى متى تشتكي من رحلة السأم
يا أيها الكلم المسكون بالألم
ما بال حرفك يشكو كل آونة
أما اكتفيت من التأنيب والندم؟!

محمد هادي الحلواجي

الجمعة، 4 أكتوبر 2013

ألو روحاني





الجمعة 4 أكتوبر 2013



قامت الدنيا ولم تقعد خلال الأيام القليلة الماضية بسبب الأنباء عن اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي أوباما ونظيره اللدود روحاني، وتأتي أهمية هذا الاتصال كونه الأول بين رئيسين أميركي وإيراني منذ عام 1979 حين اندلعت الثورة الإيرانية آنذاك. فالعلاقات لا تحمل شيئا من الودية لدرجة انه لا يوجد اي تمثيل دبلوماسي مباشر بين البلدين، بل يقوم كل بلد منهما بالاستعانة بدبلوماسية دول صديقة كباكستان وسويسرا في متابعة مصالح رعاياه في بلاد الآخر.
البلدان اللذان يقعان على طرفي نقيض تفرقهما العديد من القضايا، من بينها طبيعة العلاقة مع اسرائيل، وطبيعة العلاقة مع دول الجوار العربية، والملف النووي، بالإضافة إلى الخلافات السابقة لذلك التي تتسم بعدائية مباشرة بين البلدين.
دأبت إيران في السنوات الماضية على التمسك بموقفها في القضية المحورية في هذا الخلاف وهو حقها في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، فيما ترفع الولايات المتحدة والدول الأخرى راية الهجوم على مسلك إيران واتهامها بالسعي للحصول على السلاح النووي. وبالطبع هناك قضايا وملفات خلافية كثيرة، إلا أن أهمها هي قضية الملف النووي الإيراني.
يبقى أن خبر هذه المكالمة قد أثر بشكل كبير على مجريات الأخبار بحيث صار العالم ككل يتحدث عن التقارب الأميركي الإيراني وما يمكن أن ينتج عنه. لدرجة أن أحد المقالات في الخليج كان تحت عنوان “المكالمة التي هزت الشرق الأوسط”، فيما تندرت مقالات أخرى ومستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي بالكلمة الوداعية التي قالها أوباما “خودا حافز”.
المقالات تنبأت بحلول مفاجأة لقضايا الخلاف بين إيران وأميركا، وهو أمر لا أراه منطقيا، فالأمر وإن كان ينبئ بانخفاض في حدة التهديدات المتبادلة، وإعطاء مجال أكبر للدبلوماسية لتعمل. إلا أنه في ظل وجود القضايا الخلافية المعلنة والمخفية ذاتها التي تمثل ثوابت للطرفين، فهي لن تتجاوز في نظري مسألة إطالة لأمد الخلاف دون حله بتاتا.
فهل من الممكن أن تتنازل إيران عن تطوير تقنيتها النووية وتوقف عمليات التخصيب؟ وإن لم تفعل، فما الذي يمكنه أن يزيل ما تذكره دول الغرب تحديدا من مخاوف تجاه هذا الملف وإمكانية كونه غطاء لمشروع سلاح نووي آخر في طريقه للمنطقة والعالم؟.
في اعتقادي، إن هذه المكالمة إن لم تتبعها خطوات عملية على الأرض لحلحلة هذا الخلاف، فلن يتجاوز الأمر كونه محاولة للدفع بالمزيد من صفقات التعاون العسكري بين الغرب والدول العربية في المنطقة. أو بمعنى آخر، سيتشابه في تهويله مع تهويل مرض “انفلونزا الخنازير” الذي أسفر عن بيع تحصينات دوائية لكل دول العالم لمرض كان عدوى محدودة ثم انتهت في حينها.
يبقى أن الشرق يحتاج إلى تجاوز خلافاته المستعصية وإيجاد حلول إقليمية لها، ليتمكن من التخلص من هذه التوترات والوضع المتذبذب في علاقاته. أما حين تعتمد العلاقات فيه على علاقات الغرب مع دوله المنفردة، فمعنى ذلك بقاء التوترات التي يمكن أن تفرز لنا حروبا مشابهة للحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت التي دمرت الكثير من مقدرات المنطقة. وسيكون الحل في ذلك هو بالطبع عبر الحوار المباشر بين دول الشرق نفسها، وتكون مكالمة روحاني مع الدول العربية، ثم يختم هو المكالمة معهم مباشرة بنفس الطريقة التي نقل الإعلام لنا حدوثها من أوباما “حفظكم الله”.

آخر الوحي:
ما كان شعري لعبةً عبثيةً
أو نزهةً قمريةً
إني أقول الشعر.. سيدتي
لأعرف من أنا..
نزار قباني
 

الأحد، 29 سبتمبر 2013

الصورة المعكوسة





الأحد 29 سبتمبر 2013


في متابعتك لصحافة اليوم، لم يعد مجديا أن يتصفح المرء مانشيتات الصحف وعناوينها؛ لأن ما يخفيه الإعلام أكثر مما يبديه، وسيان قراءة صحيفة وأخرى، فالأخبار المتشابهة إن لم تكن المتطابقة لم تعد تغني من الحقيقة شيئا، ولا تنقل من الصورة وحيا، بل إن ما تتجاهله الصحف أكثر مما تبديه.
المضحك المبكي أنك حين تتجاوز الصفحات الأولى عن الأخبار وتنتقل إلى أعمدة الرأي، ترى لا أزمات وحسب، بل معارك طاحنة لا تنتهي، وتستغرب بعد هذا كله أنك لا ترى من هذه الأزمات شيئا في العناوين التي تجاوزتها لقلة محتواها، وكل هذا من باب أن العمود أو المقال بين قوسين (يمثل رأي الكاتب ولا يمثل رأي الصحيفة).
أين العمود من الخبر، وأين الخبر مما يحتويه العمود؟ أحدهما يريك الصورة وردية، والآخر يريك إياها سوداء معتمة، والاثنان في الصحيفة نفسها، بل إن العمود إذا قورن بباقي الأعمدة يحمل التوجه والنسق نفسه وربما الموضوع، وقد يصل إلى تشابه العبارات.
ولأن الدخول في تفاصيل السياسة لم يعد محبذا لتقلبها، وتلونها، يمكننا أخذ مثال على موضوع الصورة المعكوسة من جانب مختلف عن السياسة، ويمكن الكلام عن موضوع مختلف، وهو موضوع التسامح الديني الذي ما برحت الصحف تتكلم عنه في الفترة الأخيرة في أخبارها عن فعاليات، وتصريحات وكأنها بالفعل وبكل إخلاص تريد بث روح التسامح، إلا أنه في الوقت نفسه نجد الصحف ذاتها تزخر بكتاب يطعنون التسامح في القلب. لا أقول يطعنون الوحدة، وإنما التسامح الديني.
حين تجد كاتبا في صحيفة، يفصل بين كل عبارة والأخرى في مقالاته بكلمة (قبوريون)، (شركيون)، (مجوس). ولا يوفر من الشتم والسباب والتكفير أحدا من الأوائل أو المعاصرين، ثم يحاول أن يلتحف في مقاله بما يظنه ذريعة تسمح له في آخر المطاف بأن يتبرأ مما كتب من سباب.
ومثل هذا الكاتب لا يكتب هذره وسبابه – الذي نعجب من سكوت الجهات المعنية عنها- في مقال واحد، بل إن نسقه وأسلوبه هو السب والشتم والتكفير، وكأننا لا نفتح صفحة الأعمدة بعد قراءتنا لصفحات تسبقها تتكلم عن الوحدة و التسامح، إلى آخر هذا الكلام الجميل الذي لا يجب أن تناقضه الأفعال.
نعم هذا هو حالنا، صورة معكوسة، مانشيتات وعناوين وردية، وتوجيهات كريمة خيرة سامية، ثم يفتح المجال في صفحة الرأي لكل من يريد أن يحدث، ويثير الفتن والأحقاد، ربما ليس عن دراية، ولكن عن سفه رأي، وأي مصيبة أكبر من تصدر السفهاء.

آخر الوحي:
بني هلال ألا فانهوا سفيهكم***إن السفيه إذا لم ينه مأمور
الأحوص 

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

صحراء الحقيقة






الإثنين 23 سبتمبر 2013


في اللقاء الأول المرتقب بين “نيو” و”مورفيوس” في فيلم ماتريكس، أخبره الأخير أنه سيريه الحقيقة إذا كان مستعدا لمعرفتها، ثم بدا وكأنه لوح له ثم نقله وانتقل معه إلى بقعة جرداء وقال له “أهلا بك في صحراء الحقيقة”. يا للتعبير!! إنه لا يتكلم عن الحقيقة المجردة ويقارنها بالحقيقة المبهرجة، إنه يتكلم عن بساطة الحقيقة، وحشة الحقيقة، وربما قبح الحقيقة مقارنة بكل البهرجة والفوضى والزيف والوهم الذي يغطي العالم الذي نعيشه.
الحقيقة دائما أبسط من المشهد الذي نعيشه، نحتاج أن نفصل المؤثرات الحسية الكثيرة لنستطيع العثور على الجزء المخفي في وسط هذه الفوضى البصرية والسمعية والعاطفية التي تستهلك حواسنا وتقوم بإلهائنا عن الحقيقة. نحتاج إلى أن ندخل صحراء الحقيقة ونعزل كل المفردات التي تشكل عامل إلهاء ونضع معنا فقط ما يشكل فعليا جزءا من الإجابة.
صحراء الحقيقة ربما تشبه الثوب من الداخل، حيث نرى مادة القماش وسير الخيوط ومواقع العقد، بدلا من رؤية كل الرسومات والتطريز والقطع المعدنية المركبة في الثوب. حيث نرى ما سيلامس البدن لا ما سوف يشاهده البصر، حيث ما سيؤثر عليك فعليا، وما هو جزء من الظاهر فقط.
الدخول في صحراء الحقيقة، يشبه رحلة صوفية إلى الحق إلا أنه ليس عزلة دائمة أو طويلة، إنه برهة تفكر، وحالة تجعل للإنسان في كل موقف وموضوع منظرين ينظر إليهما، أحدهما يشبه الصورة الفوتوغرافية وأخرى يشبه صور الأشعة التي تظهر العظام فقط، يتمكن من خلالها من قراءة أفضل لما يحتاج أن يقرأه ويشخص به واقعه. يجعل في المشهد الإنسان والهدف والعائق، العابد والمعبود والشيطان، الحمل والراعي والوحش، يختصر الدخول في هذه الصحراء المشهد كثيرا ويرفع الكثير من الأوهام التي لا تضيف قيمة حقيقية للفكرة ولا للقرار أو الهدف.
حين تدخل صحراء الحقيقة، لا يهمك الكثير من المشهد على مسرح الحياة، ممثلو الحياة هم مثل ممثلي المسرح والسينما، محدودون، أعداء الأمس هم أصدقاء اليوم، وأخيار الأمس هم أشرار اليوم، وسباع الأمس هم حملان اليوم. وبينما تكون هي اليوم زوجة “مكبث” التي تملأ رأسه شرا، تكون غدا “جولييت” التي يقتلها الحب، ثم تكون القديسة في مسرحية أخرى.
شيء واحد يريحني، هو أن الكثير من الناس اليوم صاروا يتوجسون، وينظرون لمسرح الحياة كمسرح، حتى لو أحبوا الممثلين، فإنهم ينتظرون المشهد التالي لأنهم يعرفون أنها مسرحية، وسيظلون ينتظرون ويترقبون نهاية مريحة، إلا أن كثيرا منهم اليوم وغدا وبعده سيدخلون إلى صحراء الحقيقة، وحينها لا رهبة للأسماء، ولا حصانة للوجوه ولا تقديس للأفعال والحركات والسكنات.

آخر الوحي:
رب قبح عند زيد هو حسن عند بكر
فهما ضدان فيه وهو وهم عند عمرو
فمن الصادق فيما يدعيه ليت شعري
و لماذا ليس للحسن قياس؟ لست أدري

إيليا أبوماضي

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

لحظة يا إسكان 2






الأربعاء 18 سبتمبر 2013

يبدو أن مقال الأحد حول وزارة الإسكان قد أثار الشجون عند مواطنين كان موضوع المقال يمس معاناتهم مع وزارة الإسكان ومع الطلبات الإسكانية المحكومة بـ”تأبيدة” داخل أروقة وسجلات الوزارة، مما دفع بمزيد من التفاصيل حول البيروقراطية التي ربما لا تختص بالوزارة دون غيرها من المؤسسات، لكنها تعقد معاملات المواطنين وتوصلها إلى طريق مسدود أو شبه مسدود.
أوراق المعاملات في كثير من الدوائر تحتاج لتركيب عجلات فيها لتتنقل في المكاتب وتنتهي إجراءاتها، والتي تحولت إلى موال طويل أو قصيدة مما سماها شعراء الجاهلية بالحوليات التي يقضي الشاعر أشهرا في نظمها ثم أشهرا أخرى في تنقيحها حتى تكمل عاما كاملا قبل أن ينشدها الشاعر على الملأ.
فبعد ما تم نشره حول تظلمات المواطنين المتقدمين بطلباتهم الإسكانية، أخبرني محدثي عن قضية غاية في العجب، كشفت له ولي من بعده أن تعامل بعض الوزارات مع قضايا المواطن لا يعدو كونه تطييب خواطر أو إسكاتا، بينما الأمور تسير في أعنتها بنفس السير لا تتقدم خطوة.
يقول حصلنا على خطابات من الوزارة في عام 2012 تؤكد لنا إعادة اعتبار طلباتنا لتكون بحسب التواريخ الابتدائية لتقديم الطلبات، ولم يتحقق ذلك إلا بشق الأنفس. وما قاله لا يختلف عما نشر في الصحافة المحلية آنذاك من تشكيل لجنة في وزارة الإسكان للنظر في تظلمات الطلبات الملغاة والنظر في إعادتها لتواريخها الأصلية بحسب كل حالة.
إلا أن ما فاجأني به هو أنه بعد مراجعة الوزارة يتبين أن الرسالة التي تلقاها كما تلقى غيره، لم تكن أكثر من حبر على ورق أو تطييب خاطر لم يغير من الواقع العملي شيئا، ففيما يتم توقيع عقود الوحدات الإسكانية، يكتشف هو وسواه أن طلباتهم في نظام الوزارة مازالت بحسب التواريخ اللاحقة دون أن يتم تفعيل مضمون الرسائل التي أعطيت لهم والتي تحوي توصية اللجنة.
أما متى سيتم عمل التعديل في النظام الآلي للوزارة ليعكس في الواقع قرارات اللجنة فذلك أمر قد يحصل في العام المقبل 2014 بحسب ما فهم عند مراجعته للوزارة. القرار يصدر في 2012 وتعطى رسائل البشرى للمواطن في العام ذاته، ثم لا يتغير الأمر في سجلات الوزارة إلا بعد سنة على الأقل.
ومن المؤسف أن تقول الرسالة بعد بشارتها بإحياء الطلبات أن الطلب سيوضع في أولوية المشاريع المستقبلية وليس في توزيعات المشاريع القائمة حالياً، وكأن المشاريع القائمة قد انتهت وتم تحديد من سيسكنها آنذاك، وكأن انتظار عشرين عاما لم يكن كافيا ليكون للطلب الأولوية، لتصير الرسالة وعدا جديدا لا أكثر، وكأن إعادة إحياء الطلب ووضعه في أولوية الطلبات له معنى إن لم يكن بأثر فوري.
يتساءل متسائل هنا عن الضير في حدوث ذلك، فنقول له، وماذا عن المشاريع التي يتم توزيعها اليوم، ألم يكن هذا المواطن وآخرون ليستفيدوا منها لو كانت الأمور تسير في نصابها الصحيح؟ وهل صار انتظار عام إضافي أو أكثر من عمر المواطن أمرا هينا؟ لماذا يضيع عمر المواطن هدرا؟

آخر الوحي:

سأصنع قهوتي وحدي،
فإني دائما.. رجل وحيد
تغتالني الطرقات.. ترفضني الخرائط والحدود
أما البريد.. فمن قرون ليس يأتيني البريد
نزار قباني

الأحد، 15 سبتمبر 2013

لحظة يا إسكان



الأحد 15 سبتمبر 2013


طالعتنا الصحف الأسبوع الماضي بخبر كان ينتظر مثيله أكثر المواطنين البحرينيين بلهفة عارمة، وهو خبر توزيع الوحدات الإسكانية، أو بتعبير أدق تم توخيه مؤخرا في الكلام في هذا الجانب، وهو توقيع عقود وحدات الإسكان مع المستحقين، وليس توزيع. ذلك أن لفظة التوزيع لا تشير من قريب أو بعيد إلى أن المواطن يدفع قيمة هذا البيت وإن كانت الشروط ميسرة.
لا علينا، المهم أن توقيع العقود خبر يثلج الصدر ويسر القلب، خصوصا بعد انتظار طويل يدوم سنوات وسنوات يشيب فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ويكدح فيها المؤمن حتى يلاقي ربه، وقد سررنا ونحن نرى طلبات عام 1996 والفترات القريبة منه، وهي الطلبات التي انتظرت 17 عاما بالتمام والكمال، كانت كافية لأن يشب أبناء مقدمي الطلبات ويصيروا على أعتاب التخرج والعمل والزواج وتقديم طلبات ترفد طابور الانتظار بالمزيد والمزيد.
ورغم سرورنا بأن يجد إخوتنا عاقبة صبرهم خيرا في تحقيق أملهم بعد هذا الانتظار الطويل، وشكرنا للوزارة على الجهود المبذولة التي نراها تتوج بهذه الأخبار السعيدة إلا أن هناك ما نأمله من الوزارة مما لا يكلفها مثل ذلك المجهود وهما أمران يقع تحقيقهما في دائرة الإمكان، ولا يكلفان الوزارة أعباء إضافية بقدر ما يلفتان عنايتها إلى طلبات منسية.
أول هذين الأمرين، هو عدد من الطلبات التي اضطر اصحابها إلى تغييرها لسبب أو آخر فتم إعطاؤهم أرقام جديدة لسنوات متأخرة عن طلباتهم الأصلية، وقدم هؤلاء تظلمات لاحقا وتمكنوا من استعادة اعتبار طلباتهم إلى تواريخها الأولى، إلا أن ذلك، لم ينتج عنه عمليا أي تغيير. ففي حين كانت طلباتهم الأصلية تحمل تواريخ مثل 1992 إلا أن طلباتهم لم تلحق بمشاريع امتدادات القرى، رغم أسبقيتها بعد التظلم، وإنما تم تحويلها إلى المشاريع الاستراتيجية العامة كالمدينة الشمالية مثلا.
هؤلاء المواطنون يأملون أن يجدوا الإنصاف وأن يحصلوا على وحدات في مشاريع مناطقهم، بدلا من مشاريع تأخذهم بعيدا، خصوصا بعد انتظار يدوم 21 عاما، يجدون أنفسهم بعده وقد اضطروا لإعادة ترتيب أوضاعهم ومدارس أبنائهم وأعمالهم، فتصير هذه الوحدة السكنية الموعودة نقلة أوسع إلى مكان لن يندمجوا فيه بعد هذا العمر وتصير محطة يلقون فيها رحالهم ليلا، ليعودوا صباحا إلى قراهم. فنأمل هنا أن يوجد حل لمثيل هذه الطلبات المعدودة والمحدودة.
ينبغي الإشارة هنا إلى أمر مهم، هو أن كلامنا أعلاه لا يجب أن ينظر إليه بكونه تذمرا من المشاريع الاستراتيجية والمدن الجديدة، بل على العكس، الكلام هنا على مشاريع مناطقية موجودة، وطلبات تحمل أرقاما قديمة تجعل من حق أصحابها على وزارة الإسكان أن تنصت وأن تراعي وأن تفعل ما بوسعها.
وبالطبع بإمكان الوزارة التواصل حول أمثلة الحالات المذكورة، وإن كانت لا تعدم هذه التفاصيل في سجلاتها، ونأمل كذلك أنها لا تعدم الجدية في التعامل مع ما يردها من التماسات وأجراس يقرعها عابرو سبيل.
الموضوع الآخر الذي وددت الإشارة إليه هو موضوع طلبات الأراضي، وهو موضوع قديم جديد، فالوزارة في سعيها لتحقيق طلبات المواطنين، قد أعلنت منذ سنوات عن أسماء الحاصلين على أراض لبناء وحداتهم السكنية، إلا أنهم لم يسمعوا بعدها شيئا عن أراضيهم فيما بعد. ومثل هؤلاء وسواهم أصحاب طلبات الأراضي الذين لم يحصلوا على أي وعود بعد ولم يسمعوا عن طلباتهم أي خبر لا بنفي ولا بإيجاب. في هؤلاء جميعا، إذا كان طموح الوزارة تحويل فترة الانتظار إلى ما لا يزيد عن خمس سنوات، فإن أولى أقسام أصحاب الطلبات بتعجيل طلبه، هم أصحاب طلبات القروض ثم طلبات الأراضي، وأما إذا كانت طلبات الأراضي تتطلب هي الأخرى تعطيلا وانتظارا بالسنوات كما هو الحال مع طلبات البيوت، فأذكر الوزارة بأمر واحد، إن كنتم تقولون للناس: إن الله مع الصابرين، فإن الناس يقولون: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم.
والله من وراء القصد.

الأحد، 1 سبتمبر 2013

حرب الطماطم




الأحد 1 سبتمبر 2013

تعود العالم أجمع أن يرى كل عام صورا لمهرجان «حرب الطماطم» أو «توماتينا» الذي يقام سنويا في الأربعاء الأخير من شهر أغسطس في إحدى القرى الإسبانية. هذا المهرجان قد بدأ الاحتفال منذ قرابة السبعين عاما، وبدأ في أول الأمر بتحول إحدى المشاجرات بين بعض الشبان إلى تقاذف بالبرتقال والطماطم بعد تبعثره من إحدى العربات. هذا الأمر الذي أخذ السكان يحيونه كل عام، رغم معارضة السلطات المحلية له ومحاربتها لاستمراره. إلا أن محاولات الدولة قد ذهبت عبثا لأكثر من عقد من الزمان، ثم تحول هذا البروتوكول إلى مهرجان قانوني يقام كل عام، وتجلب الشاحنات الطماطم إلى القرية ويهرس لكي لا يكون مؤذيا ثم تبدأ هذه الحرب التي صارت اليوم تجتذب آلاف السياح كل عام وتعتبر حدثا تنقله البرامج التلفزيونية وتعلق عليه باعتباره حدثا فريدا.
رأينا لقطات من هذا الحدث مرارا وتكرارا، وكنا كغيرنا نمتعض في حينها ونحن نرى هذا الخرق والتبذير المرفوض، وربما زاد امتعاضنا في هذه الأيام ونحن نرى أسعار الطماطم المتصاعدة، وكنا دائما نعزو هذه الاحتفالات ونلحقها بعمليات إعدام فوائض الإنتاج الزراعي والساعية للحفاظ على مستويات معينة من الأسعار قد يحطمها وجود الفائض في السوق.
وحقيقة لا أدري أين ذهبت نفوسنا المثالية وحميتنا المستثارة اليوم، والتي كانت تثور من أجل «النعمة» المضاعة والتي تثور وهي ترى هذا السلوك الجاهل في تقاذف ثمرة البندورة اليانعة، حتى يصبغ بها الإسفلت فضلا عن ثياب المشاركين وأجسامهم. أين تذهب الحمية المستثارة التي تغضبها البقع الحمراء الناجمة من تقاذف الطماطم؟ أين تذهب وهي ترانا نصبغ الإسفلت في حروب حقيقة تسيل فيها أنهار دماء حقيقية، تجرف معها الترمل واليتم والثكل ودمار الأوطان. حروب، كان ضحاياها في العراق وحده يفوقون الملايين.
غاضبون من أجل الطماطم، ولكن تنكس الفطرة عندنا لنفرح بمنظر رجل يقضم قلب رجل، وبمنظر رجل ينحر طفلا، وبالدفاع عن طاغية يقتل شعبه وبكل من يفجر نفسه ليتغدى في الجنة أو يفجر الأبرياء ليعجل بهم إلى النار بزعمه. ففي يوم الخميس الفائت وحده، وفي أقل من نصف ساعة تم تفجير قرابة خمس عشرة سيارة مفخخة في مناطق بغداد المختلفة.
عندنا اليوم من السفهاء والمجرمين من لا يساوي عنده دم رجل آخر حتى عصير حبة واحدة من الطماطم، فتسفك الدماء عندنا كل يوم في أقطار العرب والمسلمين بأيديهم وبأيدي غيرهم وباتت خبرا عاديا غير جديد ولا مهم ولا مستنكر وأقل أهمية من أخبار الطرافة والغرابة وبلا شك أقل أهمية من أخبار الرياضة.
وهاهي الحرب تطل برأسها من جديد بشكل مضحك مبك، فخلال العامين الماضيين قتل في سوريا ما لا يقل عن مئة ألف بحسب التقديرات الأممية، فكان كل ما فعلته دول العالم الداعمة للمعارضة والنظام سوى دفع المزيد من السلاح ليشتعل أوار المعارك الطاحنة هناك وتسفك المزيد من الدماء، يوما بعد يوم. أما اليوم فهم يتحركون لضرب سوريا حين قتل أقل من هذا العدد بكثير بسبب نوعية السلاح المستخدم، باعتباره محرما دوليا وبحجج مختلفة. ألهذا الحد رخصت دماؤنا حين تواصل القتال بين السوريين وغيرهم من الأجانب ثلاثة أعوام من أجل الحكم والغلبة فدفع الأبرياء الثمن؟ ألم تتحارب الدول العظمى والأكثر ثروة بالوكالة على ميدان أرض سوريا، لماذا؟ هل دماء المسلمين هي الأرخص؟ هل صار الدم بلا قيمة؟.
ما يثير الحزن أكثر ليس أن تختفي الرحمة من قلوب القتلة وتجار السلاح الذين يلعبون بمصائر الشعوب، ولكن ألا تدرك الشعوب أنفسها أنه يُلعب بها وبدمائها وبمصائرها، فيصير الحقد والكراهية واسترخاص الدم أي دم ينتمي لحزب آخر بعد أن صارت الشعوب أحزابا بمسميات عديدة لا يستنكف أحدها ان يسيل دم الآخر!.
يا من لم تسمحوا للإسبان أن يتقاذفوا حبات الطماطم إلا بعد أن تهرس كي لا يتأذوا، أعيروا هؤلاء القتلة الذين يلعبون بدماء الشعوب، وأعيرونا شيئا من قلوبكم التي لم تنس الرحمة.

آخر الوحي:
إني عرفت من الإنسان ما كانا
 فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته وهو مشتد القوى أسدا
صعب المراس وعند الضعف ثعبانا
تعود الشر حتى لو نبت يده
 عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
خفه قديرا وخفه لا اقتدار له
 فالظلم والغدر إما عز أو هانا
القتل ذنب شنيع غير مغتفر
 والقتل يغفره الإنسان أحيانا
إيليا أبوماضي

الأحد، 25 أغسطس 2013

الأهلي و الزمالك







الأحد 25 أغسطس 2013


رغم أني لست مغرما بالكرة كثيرا، إلا أنني وكثير من أبناء هذا الجيل والجيل الذي سبقه ربما، عشنا فترة يكون فيها دوري الكرة محتكرا بين فريقين مصريين هما الأهلي والزمالك. ويكون خاسرا ومملا وغير مجد أن تكون خارج هذه الدائرة، فإما أن تكون مشجعا للأهلي أو للزمالك، وتكون حياتك مختزلة في نتائج فريق مقابل الفريق الآخر. تحزن وتكتئب عند خسارة فريقك الأحمر، وربما طلق رجال زوجاتهم أو خسروا وظائفهم في اليوم التالي لهذه المباراة المهمة، التي لا تختزل الدوري فحسب، بل تختزل الحياة كلها. أما حين يفوز فريقك، فإن السعادة لا تفارق محياك والجذل لا يختفي من عينيك، ولكن النتائج الكارثية لفرحتك هذه قد تشابه تلك التي تتمخض عنها خسارة فريقك، فلا فائز في مباراة إلا بوجود خاسر، وهنا قد تدخل في عراك مع مشجعي الفريق الخاسر قد تكلف أشخاصا حياتهم كما حصل مرارا في حوادث كثيرة عرفناها وقرأناها في السنوات الماضية.
ولنتخيل أنه في يوم من الأيام تم تأجيل لعب هذه المباراة الفاصلة، فإنه ولاشك تتوقف حياة المصري، حتى تحين هذه اللحظة الفاصلة التي تنطلق فيها الصفارة لبدء المباراة، ولنتخيل أن المباراة تؤجل المرة تلو الأخرى، ولا تدري متى ستحصل هذه المباراة حقا. كل شيء في البلد ينتظر لحظة ما، كل شيء مؤجل، الفرح مؤجل، والضحك مؤجل، وكل ما يأمله الناس وينتظرونه مؤجل، وهل للناس أن يؤجلوا كل شيء من أجل هذا الدوري فضلاً عن مباراة واحدة حتى لو كانت مهمة؟.
هل تعلمون ما يحصل حينها، ستكون المباراة المأمولة المرتقبة حديث الجميع، حتى أنا، رجل الشارع العادي، الذي لا يعرف شيئا عن الكرة، أنتظر تلك المباراة لأن الجميع يفكر فيها، وعليها صار يتوقف كل شيء. سيعيش الناس تحليلات المباراة، وكيف ستدور المباراة، وكيف ستكون خطة كل فريق، وما هي التشكيلة الأنسب لخوض المباراة، أين ستقام المباراة، وكم سيبلغ سعر التذكرة. كل زيارة يقوم بها وفد كروي إلى البلاد تفسر أنها متعلقة بالمباراة، وكل وفد إعلامي قادم إلى البلد نظنه قَدِم من أجل المباراة.
هذا وفي الزمان السابق لم يكن هناك تويتر ولا فيسبوك، أما في زماننا هذا، فستجد الجميع يبحث عن المصادر العليمة والمطلعة والمقربة التي تطلب عدم الإفصاح عن أسمائها، ثم متابعتهم ومتابعة حتى أخطائهم الإملائية أملا في معرفة شيء عن المباراة. وعلى الواتساب، تنتشر إشاعات تتكلم عن المباراة لا تحمل اسماً، إلا أن الجمهور المتعطش لا يملك إلا التصديق من أجل المباراة.
أضف إلى هذا الأخبار من هنا وهناك التي يعبر عنها سعد الفرج أنها قادمة من “ديوانية عروقها في الماي” ويتناقلها الناس تناقل المسلمات، دون أن يكون لها أي أساس من الصحة، إلا أن الغريق يظل متعلقا بقشة حين يظنها قادمة من قلب طاولة اتحاد الكرة.
كل تاريخ من تواريخ السنة يتخيله الناس حاسما ليتم الإعلان عن المباراة. إلا أنه يعود كالسراب يحسبه الظمآن ماء ثم لا يجد عنده شيئا، ويبقى يبحث عن تاريخ آخر.
تصوروا أن المواطن يتكبد كل هذا من أجل مباراة كرة، فكيف إذا كان يترقب خبرا أكثر أهمية؟!.

آخــــــر الوحي:
وأقول إني مؤمن بوجودها
فتقول ما أحراك ألا تؤمنا
وأقول سر سوف يعلن في غد
 فتقول لا سر هناك ولا هنا
يا صاحبي هذا حوار باطل
 لا أنت أدركت الصواب ولا أنا

إيليا أبوماضي

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

مرايا الصدق







الأربعاء 21 أغسطس 2013



ربما كان من محاسن الصدف، أن تقوم الفتن في بلاد مختلفة في مواقعها وفي تركيبتها السكانية في نفس الوقت أو في أوقات متقاربة، مبنية على نفس الدعوات والدعاوى مشيرة إلى نفس الأهداف، يحمل راياتها أقوام تختلف بينهم المشارب والاتجاهات الفكرية. وربما كان في ذلك لطف أو رحمة بعقول الناس حين يقارنون بين ما يحصل في بلد أو آخر. فالفتن التي أخذت تلبس بطابع طائفي في بلاد، صارت تماثلها أخرى في بلاد يصعب فيها تلبيسها بهذا اللباس، فصارت مرايا للصدق، ومعينة للمتحذر أن يتحذر من الوقوع في الحيف إذا نظر إليها في مجموعها لا منفردة.
فهي إن سمحت لك بتبني رأي في إحدى هذه البلاد فستمنعك من تبني رأي مناقض في بلد آخر، وإلا وقعت في فخ طائفي هنا أو في محاكمة النوايا هناك حين تكون الدعاوى واحدة في كلتيهما. يحين لك اليوم أن ترفع من وتيرة صوتك حول ما يجري في هذه البلاد مؤكدا أمرين مهمين مترابطين واقعيا وهما حرمة الدماء وضرورة الاستقرار، وهما أمران سيقودان بالضرورة إلى تبني خطاب واقعي جامع بعيد عن الغلو في أي من الاتجاهات.
لا يمكن اليوم لمن تهمه حرمة الدماء في مصر أن ينادي بأن تسفك الدماء في سوريا أو في اليمن أو أي قطر آخر، ولا يمكن لكل من يؤمن بأهمية الاستقرار أن يدعو للتغيير من خلال الفوضى، ولا يمكن لأحد يريد أن يبعد بلاده عن نائرة الفتن أن يرضى باشتعالها في بلاد أخرى.
الطريف في كل هذا هو غياب العدو، إسرائيل في كل هذه المعادلات هي الغائب الحاضر، وقوى الشرق والغرب المعادية أو المتمصلحة هي الغائب الحاضر، فكل أطراف ما يسمى بالربيع العربي تتقاذف تهمة التواطؤ مع إسرائيل أو الشيطان نفسه حتى، دون أن يكون للشيطان حضور على الأرض سوى ما يفعله أصحابنا ببعضهم البعض.
وفيما الولايات المتحدة هي اللاعب الأهم في مجريات الأمور في هذا الشرق الأوسط المسكين، وهي التي تريده جديدا بعلم العدو والصديق، إلا أن الحلفاء يتهمونها والأعداء يستغيثون بها، فلا تدري هل كان الحليف حرياً بأن يتحالف معها وهو يتهمها بالغدر، أم كان العدو محقاً في عداوتها وهو يطلب اليوم العون منها.
اليوم صار الكلام في كل هذا العالم العربي حول حقوق الإنسان، والشرعية والديمقراطية والعدالة وكل هذه دعاوى يناقضها المرء ويكيل بمكيالين حين يتكلم عن بلدين وكأن لأهل أحدهما حقوقا ليست للآخرين. وبدا واضحا للعيان أن كثيرا من المتكلمين بها إنما هم من أهل الكذب ينطلقون من منطلق عبر عنه أهل البحرين قديما بعبارة “حب وقول، وابغض وقول” لا اكثر ولا أقل.
“لقد نبهت الفتن بعد أن شبهت”، ولقد سلبت الدنيا اليوم محاسن من أعارتهم محاسن سواهم بالأمس وبدا لكل ذي عينين ضرورة الصدق مع النفس قبل الآخرين، لأن دولاب هذه الدنيا يدور والبلاء لا شماتة فيه ينتقل كعدوى المرض وهنا سيكون التمحيص.
من أفضل ما حصل في هذه الفتن هو رؤيتنا للاستثمارات العربية التي ضلت طريقها بالأمس تعود إلى الدول العربية الأخرى اليوم. ويبدو أنه بات من الواضح أن الاستثمار هنا هو أمر استراتيجي يحتاج أن نفكر في ضرورته مرة واثنتين وعشرا، حتى لو كانت الفاس قد وقعت في الرأس، عادت والعود أحمد، ولحديثه بقية.
آخر الوحي:
في عزلة الذئبِ العميقَةِ
لَمْ أجِدْ
ما يُشبِهُ الأصحَابَ في الأصحَابِ
صادقْتُ ظِلِّي
واتَّكأتُ على دَمِي
وأكلتُ جُوعِي
واحتمَيْتُ بِنَابِي

أحمد بخيت

الأربعاء، 24 يوليو 2013

التصوير..أسئلة تبحث عن إجابة





الأربعاء 24 يوليو 2013

المشهد الأول: التصوير عملية مكلفة، هواية غالية، يكتنفها الحذر من الناس، والتحريم من بعض العلماء. يقتصر فيها الناس على حد الضرورة، لا يقتني أدواتها إلا المحترف أو الهاوي المغرم بهذه الهواية.
المشهد الثاني: انفتاح على التصوير، انتشار الاستوديوهات، الكاميرات الفورية والملونة ومن ثم كاميرات الفيديو، مقتنيات لا يخلو منها أي بيت.
المشهد الثالث: الكاميرات جزء من الهواتف النقالة التي بدأ انتشارها قبل بضع سنوات، وها هي تغزو كل يد وتذهب مع صاحبها في كل مكان، جودة تصويرها عالية، الناس تحافظ على نسبة من الحذر في التعامل معها وفي وجودها خاصة في المناسبات الخاصة.
المشهد الرابع: عصر الإنستجرام والواتساب، الكاميرا من أهم أجزاء الهاتف النقال الذي صار بحق نافذة على العالم يمكن من خلالها تداول ونشر المعلومات والصور على أوسع نطاق وبضغطة زر. التصوير التقليدي والطباعة من الصور السلبية تنقرض بلا رجعة ويحل محلها النسخ الإلكترونية التي يسهل تداولها ونقلها وتخزينها وحتى قرصنتها.
وفيما صارت العملية أمراً غير مكلف، وصارت جودة الصور على أعلى مستوى، صار التصوير وتناقل الصور الشغل الشاغل للجميع، لي ولك وله ولها. التصوير بجميع أنواعه، فن، توثيق، تغطية إلى ما شاء الله من أغراض التصوير صار همنا جميعا، فهل رفع من قيمة الصور أم قلل منها؟ هل صارت الخصوصية بنفس القيمة أم صارت أمرا صعبا؟ أو حتى أمرا غير مهم؟ لقد أدركنا منذ سنوات قليلة صالات الأفراح، وهي تمنع دخول الهواتف ذات الكاميرا، فهل مازال الإجراء موجوداً نفسه ولو في بعضها؟ وهل صار الناس وفي المناسبات النسائية يتعاملون ولو بشيء من الغضاضة مع استخدام هذه الهواتف ذات الإمكانات العالية في تصوير مناسبات غيرهم؟!
الاستوديوهات بدورها، وهي التي صارت تحصل اليوم على نسخة كاملة من الصور الفوتوغرافية للزبائن، كيف تتصرف مع النسخة الإلكترونية لهذه الصور بعد طبعها؟ وما هي إجراءات الحماية من الاختراق التي تتخذها، علما بأن الجميع يعلم أن كل ملف يحفظ، يمكن استرجاعه حتى بعد محوه من الجهاز؟
تداول الصور في برامج التواصل عبر حسابات خاصة، وعبر الواتساب للمعارف والأقارب وفي أضيق الحدود، هل هو عملية آمنة، ألا يسبب توفر هذه الصور على الفضاء الإلكتروني إذاعة لما لا نريد أن نذيعه؟
برامج الاتصال عبر مكالمات الفيديو، هل هي قنوات آمنة تحافظ على الخصوصية فعليا أم إنها ليست كذلك؟ ومن يمكنه أن يتناولها أو يتداولها عبر الشبكة العنكبوتية؟
كل هذه التساؤلات ليست محاولة للتشكيك أو بث الرعب أو الوعظ، كل ما في الأمر أن نسق تطور الأمور والتقنيات صار أسرع بكثير من تفكيرنا، هذا التفكير الذي صار هو الآخر يفكر جمعياً. نحتاج للتوقف لحظة وتثقيف أنفسنا حول سبل الأمان والخصوصية إذا كان لهما أهمية بعد الفيسبوك وباقي الربع. أتمنى أن أجد تواصلاً من المختصين يجيب على هذه التساؤلات المشروعة.

آخر الوحي:

فيا فتية الصحف صبرا إذا
نبا الرزق فيها بكم واختلف
فإن السعادة غير الظهور
وغير الثراء وغير الترف
ولكنها في نواحي الضمير
إذا هو باللوم لم يكتنف

أحمد شوقي

الأحد، 21 يوليو 2013

التوجيهات و ديوان السبيل

 
 
 
الأحد 21 يوليو 2013
 
 في زماننا هذا صارت الكتابة سواء في وسائل التواصل أو على مواقع الإنترنت ملجأ لكل من يريد أن يلقي قولاً على الملأ من وراء الستار ويثير ما يشاء من جدل بلا مسؤولية ولا حسيب ولا رقيب، يستخدم من صنوف السباب وأنواع الشتيمة ما لا يتصوره عقل، ولا يتحمله حياء أي وجه، وكل ذلك بفضل القناع الذي يرتديه، ولا شك أنه لا يملك الشجاعة ولا أقول الجرأة ليقول شطر ذلك بوجه مكشوف. وذلك لسبب بسيط، هو ان علم أن الفتنة شر مقيم، إلا أنه يخشى من ألسنة هذه النار أن تصيبه أيضا حين يكشف اسمه. هذا ما يسمى بالكلمة غير المسؤولة.
الفتنة أشد من القتل، لماذا؟ لعل ذلك أن الفتنة ستبيح الدماء وأكثر من الدماء. ستجعل الناس يقتلون بعضهم البعض، فيما القاتل الحقيقي بعيد عن المشهد، وفيما أفكار الناس ومفاهيمهم وأخلاقهم قد اختلت بفضل الفتنة التي أثيرت وأحرقت الأخضر واليابس.
وفي بعض الأحيان فإن الفتنة التي تثار، لا تثار باسم مستعار، بل باسم حقيقي. ويخرج صحافي متحملا تبعة كلامه، لا يفترض حتى بصحيفة أن تتحمل تبعاته، ذلك أنه يتناقض وأبجديات الذوق والأخلاق والإنسانية، فضلا عن أن يصدر من منبر للكلمة المسؤولة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للكلمة المسؤولة. وفي وقت نجد الدعوة إلى نبذ الطائفية، والحذر من منزلقاتها تتصدر الصحف على رأس تعليمات وتوجيهات القيادة في مانشيتات الصفحة الأولى، بينما تزخر أعمدة الصحيفة بين طياتها باللمز والشتم والسباب، فيا ترى أين محررو الصحف؟ بل أين الجهة الرقابية التي تتابعهم؟ بل أين ذوق القارئ من هذه الخطايا وهل بقي منه شيء؟.
هنا تكمن أزمة بلادنا العربية والإسلامية، بالبون الشاسع بين التعليمات والتوجيهات في المستويات العليا، وبين ترجمة الجهات الوسطى والدنيا لها إلى واقع عملي. هذا البون يشبه ذلك الذي كان في قصة سلطان ولاية “خندريس” وسبيل الماء. فالسلطان الذي كان في زيارة ميدانية لأرض الصيادين حين أصابه العطش، علم بالجهد الجهيد الذي ينال مرتادي الساحل للحصول على الماء، فأمر المسؤولين من فوره بتخصيص سبيل للماء. وبينما كانت كلماته البسيطة تشير إلى مشروع متواضع الكلفة يؤدي غرض سقاية الصيادين، صنع المسؤولون من الموضوع مشروعاً خرافي الحجم والتكلفة وصل تقديرهم لكلفته إلى ما يربو على المئة وعشرين مليون درهم، ثم وصل بفضل خططهم الجبارة لاستحلاب المشروع إلى كارثة أفلست ولاية خندريس، والسبب مشروع بتخصيص كوز ماء يملأ كل يوم ليسقي الصيادين.
وهذا هو الحاصل في بلاد العرب وبكل اسف، المشروعات والتوجيهات المهمة التي تغير الأوضاع جذريا، يتم التعامل معها بوضع علامة N/A أي غير قابل للتنفيذ، لا علاقة لنا به. فيما يسهب ذات المسؤولين في تنفيذ الإجراءات القديمة، التي لا تواكب المتغيرات بل ربما كانت سببا في كثير من المشكلات.
وعودا على بدء، فبربكم حين تكون توجيهات القيادة تتكلم عن نبذ خطاب طائفي وعن تحذير من منزلقاته وبالتأكيد على الوحدة الوطنية والخطاب الجامع، أليست الصحافة معنية بذلك بالدرجة الأولى؟.
حفظ الله البحرين، وأدام عليها الأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان وأبعد عنها الشرور والعدوان.
 
آخر الوحي:
فقل للساخطين على الليالي 
 ومن سكنوا على يأس وناموا
سينحسر الضباب عن الروابي 
 ويبدو الورد فيها والخزام
ويصفو جونا بعد انكدار 
 ويسقي أرضنا المطر الرهام
إيليا أبوماضي
 
 
 

الأربعاء، 17 يوليو 2013

الإقتصاد.. المأزق و الحل




الأربعاء 17 يوليو 2013


مما لا يخفى على المتابع للشأن البحريني بين عامي 2011 و2013 التراجع الذي حصل للوضع الاقتصادي، والذي يمكن الاستدلال عليه من خلال مؤشرات عدة من ضمنها تخفيض التصنيف الائتماني والحركة في مؤشر البطالة وإغلاق عدد من الشركات أو تخفيض تمثيلها عبر عمليات إعادة هيكلة أو الانسحاب إلى أسواق خليجية أخرى. وها نحن نسمع بين يوم وآخر أخبار دفعات جديدة من التسريحات العمالية للشركات والبنوك.
الاقتصاد لم يكن بعد قد تعافى من الإصابات التي لحقت به في عامي 2007 و2008، والتي كانت انعكاسات للأزمات المالية العالمية في الائتمان والرهن العقاري وأزمات سببتها بعض المؤسسات الإقليمية إن صح التعبير. و كان المحللون آنذاك يشيرون إلى ضرورة حصول تحالفات واندماجات واستحواذات بين شركات القطاع المالي وقطاعات التطوير العقاري؛ لتحقيق مزيد من القدرة على تجاوز الوضع الصعب في ذلك الحين، إلا أن هذه التغييرات الهيكلية المذكورة قد بدأت فعلياً في الظهور بحرينيا بعد العام 2011 حين وصلت الأزمة الثالثة (أحداث 2011) للعظم بعد أن أذابت الأولى الشحم وأكلت الثانية اللحم (الأزمات المالية).
الاقتصاد المتأزم يزداد وضعه تعقيدا مع كل خبر ينشر وتتمخض عنه الأزمة مبشرة باستمرارها. فالخبر حول الوضع السياسي أو الأمني تختلف قراءته تماماً بالنسبة للمتابعين من خارج البلاد بصورة لا نتخيلها نحن الذين نعيش في البلد متعايشين مع الأزمة ومتابعين للتغييرات الرتيبة فيها. ولكي لا يكون القول على عواهنه، فإنني أذكر ذات يوم كنت مسافراً فيه في رحلة عمل، وسمعت خبرا عن حادثين أمنيين بينما أنتظر إقلاع رحلتي. وريثما وصلت إلى وجهتي والتقيت الزملاء هناك، كانت تساؤلاتهم والمخاوف المرسومة على وجوههم موجهة لي وكأنني قادم من لبنان أو من وسط معارك دمشق. وبالطبع كأي بحريني يرى في نفسه حينها سفيرا لبلده، تجدك تطمئنهم عن البحرين التي تتوالى فيها الفعاليات الرياضية والثقافية، وتؤكد لهم أن التصور المأخوذ من الأخبار لا تجانبه المبالغة أبداً. يسقط في يدك حينها أن يرد عليك محدثك بثقة أنه يستقي ذات الأخبار التي تحمل طابعاً متأزما من قنوات مختلفة في مقدمتها تلفزيونك الرسمي ووسائل إعلامك المحلية. تعجز حينها أن تنقل له عدوى الاطمئنان الذي تحمله، ومن أنك تمارس حياتك اليومية بشكل طبيعي.
ودون إسهاب في عرض المشكلة ونحن نعيش علاماتها وأعراضها كل يوم، وكذلك دون أن أتذاكى في طرح حلول فضائية لأزماتنا عبر حزمة محفزات اقتصادية، أقول إن الحلقة مفرغة يتصل رأسها بذيلها وذيلها برأسها، تعيدنا إلى التساؤل مرارا وتكرارا، هل الوضع الاقتصادي هو سبب لعمق ما نعيشه من أزمة سياسية، أم إن الأزمة السياسية هي من ألقت بظلالها على الاقتصاد؟ هل سنبقى نحاول تعديل شاربنا اليمين مع اليسار، واليسار مع اليمين حتى يختفيا؟ وأيهما جاء أولا وسبب الآخر: البيضة أم الدجاجة؟!
 
آخر الوحي:
 
 
إلام أعاند هذا الزمان
عناد السفينة للزاخر؟
وأدعو وما ثم من سامع
وأشكو ولكن إلى ساخر؟
إيليا أبو ماضي
 
 
 

الأحد، 14 يوليو 2013

شهر الأخوة




الأحد 14 يوليو 2013

لا أدري لماذا طرأ في ذهني أن تكون المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قد حصلت في شهر رمضان، ربما لأنه الشهر الذي تسمو فيه جميع النفوس وترنو إلى رضا الرحمن وثوابه، ويحدث ذلك عبر تحسس معاناة الآخرين، فيحس الغني بلسعة الجوع التي يحس بها الفقير، ويحيي ذلك الشعور فيه الطمع في مساعدة أخيه ومد يد العون بعدما شاطره ذلك الشعور الذي تفرضه الحاجة.
وبالفعل حين أخذت أقرأ حول هذه الحادثة والمنقبة العظيمة وجدتها بالفعل يؤرخ لها الرواة بشهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي يقدسه المسلمون وترتبط به حوادث عظيمة ومهمة تضيف إلى أهميته النابعة من فرض الصيام. فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وهو شهر ليلة القدر، وهو أيضا شهر الرحمة والمغفرة. حصلت فيه غزوة بدر، وفتح مكة، ووفاة أبي طالب في عام الحزن، وولادة الحسن السبط.
وحين نقول إن هذا الشهر هو الشهر الذي أراد الله له أن يكون شهر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهم أصحاب الأصول المختلفة والقبائل المتباعدة، فلا يكون عجيبا أن نأمل في هذا الشهر أن يجمع شمل الأخ وأخيه والذين قد قسمتهم أحداث الزمان ومشاكل السياسة، فندعو إلى تصافي القلوب وتقارب النفوس وغسلها من الفتن والخلافات والمشاكل، ليكون شهر المؤاخاة لنا كما كان لمن سبقونا بالإيمان.
في هذا الشهر الكريم تفتح مجالس الذكر الحكيم، ويتزاور الناس بين بعضهم البعض، ويفتح المجال لتجاوز كل ما لا تتمكن من حله نفوس مشحونة بالكراهية، وقلوب مليئة بالشحناء والعصبية، وصدور لا تخجل أن تحمل أحقادا جاهلية.
شهر يكون أفضل أعماله الورع عن محارم الله، لا يمكن أن يكون محلا لتأجيج النفوس وقطيعة الأرحام والخلافات المستمرة بلا طائل.
نعم، الجميع يتأمل الخير من هذا الشهر الكريم؛ ليكون معبرا لحلول تحفظ الأخوة بين المسلمين وتعززها، ويتحقق الاستقرار والرخاء في كل بلاد الإسلام، ليس بهدف المصالح الفردية والفئوية والحزبية، وإنما لأن أهل الإسلام لا يستحقون ما يحصل لهم من ذبح وتشريد ومطاردة، من بني جلدتهم، فتحصل بذلك المؤاخاة التي تذكرنا بوقوف المسلمين وانصهارهم في نسيجهم الاجتماعي الجديد، حين وضع كل رجل من الأنصار ماله وما يملك تحت تصرف أخيه الذي جمعه وإياه الإسلام.
يا ترى هل كبرت نفوسنا عما لم تتكبر عليه أنفس أوائل العصور القديمة، هل عجزنا أن ننبذ الطائفية والفرقة وراء ظهورنا؟ أقول إن هذه الروح غائبة اليوم عنا، رغم أننا معنيون بأمر التآخي كما كان أسلافنا معنيين به في حينها. ذلك أن تجار الفرقة والتمزق، لا يمكن أن يقر لهم قرار وهم يرون آية “واعتصموا بحبل الله جميعا”، ولا يمكن أن يهدأوا حين يجدوننا نتحسس آلام بعضنا البعض ومعاناتنا، بل سيجتهدون لدق أسفين العداوة حتى لو لم يكن موجودا؛ لأنهم لا يستطيعون أن يجمعوا إلا على أساس العداوة، والعداوة فقط.
أحب أن أبشر الطائفيين والمصابين بفوبيا الآخر جميعا، أن شهر رمضان الذي هو شهر الإحسان، يتسابق فيه جميع المؤمنين على اختلاف مللهم للمساعدة في مد يد العون للآخرين. ويمكنكم سؤال كل من لديه أي إلمام بالمجال الخيري ليعرفوا أن المساعدات الخيرية وأعمال البر في بلادنا لا تعرف مكانا للطائفية؛ لأن الزبد يذهب جفاء، والله من وراء القصد.

الأحد، 30 يونيو 2013

أمر على الديار





الأحد 30 يونيو 2013


كان من جميل أشعار العرب في الحب قول الشاعر قيس بن الملوح:
أمر على الديار ديار ليلى
 أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
 ولكن حب من سكن الديارا
ولعمري، فإن الإنسان إذا أحب امرئا أحب كل متعلقاته من بيوت وبنين وأخبار وكل شيء يتصل به أو يذكره به. فهل ترى كان تقبيل قيس للجدار جنونا منه؟ أم كان إظهارا لما لا يخفى من حبه؟ هل اعترض عليه أحد؟ هل استنكر أحد شأنه؟ أم قيل إن قوله قول شاعر لا يقاس عليه والشعراء شأنهم المبالغة؟.
وقال آخر:
أحب الأرض تسكنها سليمى
 وإن كانت توارثها الجدوب
وما دهري بحب تراب أرض
 ولكن من يحل بها حبيب
والغريب أن الإنسان لا يحب الأرض ما لم تكن ذات ماء وخضرة، حتى قيل إن الجمال في ثلاثة، الماء والخضرة والوجه الحسن، إلا أن صاحبنا آثر وجه سليمى فتعشق أرضها الجدباء، لحبه إياها، فهام حبا بتلك الديار القاحلة لا لشيء إلا لأنها تقل على ظهرها سليمى.
وربما كان الأغرب منه تحذيرهم لجميل بن معمر حين رأوا أخا بثينة مقبلا كما يبدو من بيت الشاعر، إلا أن الرجل كان رابط الجأش كما يبدو من رده في أبياته:
وقالوا: يا جميل أتى أخوها
 فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب
وكان الأدعى أن يعتبر جميل هذا الأخ عذولا، رقيبا، شديد الأذى عليه، لتلازم الأخ والأب مع الغيرة، والحمية، كيف لا وهو يتنفس الشعر في حب بثينة صباحا ومساء، إلا أن ما يفيض به قلبه من محبة لم يترك مجالاً لخوف أو بغض تجاه هذا الأخ.
ومما يشابه ذلك من حب المتعلقات من الأهل والأقارب قول الشاعر:
ومن بينات الحب أن كان أهلها
 أحب إلى قلبي وعيني من أهلي
ويبدو أن صاحبنا هذا قد أفاق من حب الأرض الجدباء، فهو قد مالت نفسه إلى أهل من يحب فصاروا عنده أعز من أهله وأحب، ليس أحب لعينه فقط بل أحب لقلبه أيضا.
بل تجاوز غيره ذلك إلى تعلق متعلقات المحبين ببعضها البعض فقال:
وأحبها، وتحبني
 ويحب ناقتها بعيري
ورغم أني قد بدأت السطور بالعجب، فلا أدري إن كان تظافر كل هذه الأبيات في تعشق جدران وديار المحبوب، علامة على كونه معنى فطريا حقيقيا، أم أن له لذة في مبالغة الشاعر فحسب؟ أنا أميل للرأي الأول من فطرية المعنى، ومستعد لتقبيل الجدران والاحتفاظ بكل ما هو “من ريحة” من نحب.

الأربعاء، 26 يونيو 2013

و انطلق الشيطان من عقاله






الأربعاء 26 يونيو 2013

حين كنت جالساً في ذلك المقهى المصري منذ حوالي 13 عاماً، لم أكن أرى أي شيء مما تعيشه الأمة اليوم ولا ما يراه المصريون. لم يكن حدسي ليرى شيئاً من المستقبل القريب ولا البعيد، كنت أرى فقط شاي العم حسن المطيب بالنعناع وأستمتع بأجواء القاهرة القديمة حول مسجد الحسين. كنت أستلطف أي حديث عابر أو صداقة سريعة مع أهل مصر، أهل الطيبة والتسامح وهم من عرفتهم في المدارس طالباً، وفي المستشفيات مريضاً، ولأدبهم وفنهم قارئاً نهماً ومشاهداً شغوفا.
صادف أنه يعمل في هذا المقهى أخوان، أحدهما قادم من سنوات عمل في الخليج، بينما الآخر الذي يدعى أبا الخير قد عاش عمره كله في مصر. وكان هذا الأخير أطيبهما قلباً وأكثرهما تلقائية وبساطة. أخوه كانت نظراته مختلفة، وحين علم ببلدي أخذ يسأل أسئلة لا يسألها المصري ذو القلب الرحب والحس المتسامح، إلا أنني كنت أبادله أطراف الحديث بكل أريحية، وأتيقن مع كل كلام نقوله بأنه لا ينظر إلى إنسانية البشر بل كانت نظرته تدخل في ضمائرهم وأفكارهم وعقائدهم، ربما كان ذلك تأثير الحياة في الغربة وما تورثه للمرء من حذر وطباع وأفكار.
كان بعض الكلام يسترعي انتباه أبي الخير، فينصت، وكنت أنقل بعض أسئلة أخيه إليه، لكن أبا الخير لم يكن متمذهباً كأخيه، فأجاب عن أحد الأسئلة بصدق تام بأنه مسلم. الله يا أبا الخير، كم أود أن أشرب معك الشاي وأنت بهذه الأريحية والطيبة لا تحمل من نفاق مجتمعاتنا اليوم وذوبان إنسانيتها في نظرة ضيقة ما أنزل الله بها من سلطان. فلعلك تدري يا أبا الخير بأنك وسواك من مسلمي هذا الزمان مقبلون على عهد يكاد يكتب فيه مذهب الإنسان على بطاقة تعريفه وربما على ملصقات كتب الأطفال وعلى باب البيت وربما لوحة السيارة.
يا أبا الخير، كان الشيطان يقيم في التفاصيل، إلا أنه انطلق من عقاله، وأخذ يسرح ويمرح، ويدلي بلسانه في وجوهنا جميعاً. لقد بات يخبرنا بكل صراحة وبمباركة منا، أن أي فلتان يحصل في أي بلد من بلادنا سيجعلنا نتسابق إلى دماء بعضنا بعضا لنسفكها، بالضبط كما يتسابق مواطنو البلاد التي لا تؤمن بالله إلى سرقة ما يمكنهم حين ينقطع تيار الكهرباء. هل من المعقول أن بداخلنا وحوشاً تنتظر الانطلاق لتهاجم كل من تستطيع؟؟
هل هذه الوحوش الخبيئة التي تقتل جماعيا وتسفك الدماء جماعيا كما في أفلام مصاصي الدماء والمستذئبين هي نحن؟ هل من يقفون على أعواد المنابر للتحريض على الأموال والدماء والأعراض هم نحن؟ ألهذه الدرجة بلغ بنا الجوع إلى نهش لحوم بعضنا دون أي غضاضة؟ وكيف يمكننا التحول إلى هذا النمط البربري الهمجي إن كانت نفوسنا نظيفة فعلاً؟
إنطلق الشيطان من عقاله وصارت البوصلة تجعل قبلة كل منا تجاه دم أخيه، فهل بالفعل أتت الأديان بهذا النهج والنمط؟ أم إننا جعلنا من ديننا الوسيلة لاستباحة المحظورات، وهل هذه هي السماحة التي جاء بها هذا الدين؟
وها هي مصر التي طالما كانت بلد التسامح والطيبة تتأثر بهكذا أحداث، كان الفضل الأكبر فيها لدعاة التكفير بخطبهم التحريضية على المنابر، وللانفلات الأمني، حتى وصلت إلى مرحلة أن يسفك المصري دم أخيه، ولنحذر ولنتعظ، لأن ما يبدأ في مصر ينتقل إلينا حتما، من خير أو شر، والله من وراء القصد.

آخر الوحي:

لم يعد لي في الهوى لحن سواك
فأنا عود وحيد الوتر
نامت الأعين إلاي هناك
ساهرا أرقب ضوء القمر
فمتى أكحل عيني من لقاك
ما سوى ذكرك أمسى سمري...

الأربعاء، 19 يونيو 2013

و تستمر حرب الوكالة






الأربعاء 19 يونيو 2013


فيما يجلس الإمبراطور الروماني وسط مسرح الكولوسيوم، مرحباً بضيوفه من ملوك وأباطرة قدموا من دول الشرق والغرب، ويتبادل معهم أطراف الحديث الودي، كان الصراع مستعراً في وسط الحلبة بين مصارعيه ومصارعي ضيوفه. مساكين هؤلاء المصارعون، تتسايل دماء أحدهم هنا، وتفقأ عين الآخر هناك، ويكسر ذراع الآخر هنا. ومع صدى كل ضربة حاسمة، يتبادل الإمبراطور وضيوفه نظرات جذلة وضحكات منتشية، وتكشيرات امتعاض. كل هذه الملامح تدل على ما يدور في ذهن كل منهم، يتخيل كل منهم نفسه المصارع الذي يمثله في الحلبة، ويرى نفسه في انتصاره وخسارته، فيتألم معه قليلاً وينتشي بانتصاره ملياً.
إنها المصارعة يا سادة، تذكير للأباطرة بالأيام الخوالي، أيام الصراعات المستعرة والحروب الدامية، فيما هم اليوم يجلسون جلسة الأصدقاء ويقومون باستعراضات القوة عبر مصارعيهم الأشاوس في مسابقة وحشية لا تدوم كثيراً، ولكنها تحفظ لكل منهم بقاءه وجزءا من هيبته. وبعض هذه المنافسات تحمل في طياتها اتفاقاً مسبقاً، رهاناً معقوداً، يعطي للمنتصر امتيازات وحقوق، ويملي على المهزوم واجبات، إلا انها رهانات وحروب محدودة التأثير تحقن الكثير من الدماء، وتبعد ساحة الحرب عن ممالكهم وتحاصرها في حلبة الكولوسيوم.
هذه الحرب لا تقتصر متعتها على الإمبراطور، فعامة الشعب مدعوون للاستمتاع بجولات المصارعة بين هؤلاء الأشاوس المقنعين الموشومين بأوشام تدل على انتماءاتهم. يجلس الروماني في المدرج وهو ينظر بكل فخر إلى بطل مفتول من نفس عنصره وهو يقطع رجلاً آخر من انتماء آخر، ويختتم الجولة بكسر ظهره وإلقائه أرضاً، وهنا يسترحمه المهزوم طالباً منه إنهاء حياته.
الشعبي ينظر دوماً إلى الصراع من منظور الفخر بالعنصر، فوز المجموعة، من وجهة نظر إثنية محدودة البعد أو هكذا يراد له أن ينظر، فيما الرسمي ينظر له من منظور مصالح إستراتيجية قد لا تمت للمنظور الشعبي بصلة، إلا أنه يحافظ على النظرة تلك عند العامة؛ للمحافظة على تماسك جبهته الداخلية، وانشغال العامة بمكاسب معنوية يحسبونها.
هذا الأسلوب لم يتغير منذ عصر الرومان كثيراً، وتحولت مباريات المصارعة الرومانية إلى نمط يستخدمه الكبار في إدارة المشهد عبر ما يسمى الحرب بالوكالة، تنتقل فيه ساحة المعركة والمصارعون إلى بقعة مختلفة لا يهتمون بحصول الدمار فيها ولا ما ينتهي إليه الصراع ولا يكلف خسائر في الأرواح من العناصر (النبيلة).
في تحليل نشرته وكالة رويترز عام 2012، أكدت فيه أنه لا نهاية سعيدة تلوح في تحول الصراع الداخلي إلى “حرب إقليمية بالوكالة” بين طائفتي الإسلام، وينتهي التحليل إلى أنه حتى بعد سقوط الأسد لن تكون هناك قيادة متماسكة تجمع القوى المختلفة ذات الأولويات والولاءات والأحلاف المختلفة.
و أقول إنه من البراءة المفرطة بمكان النظر إلى الصورة كما يراد لها أن تكون بدلا من النظر إلى الصورة الحقيقية خلف مشهد حرب الوكالة المذكور. فنحن وإن كنا لا نختلف على وجود حرب بالوكالة، إلا أن هذه الحرب هل هي فعلاً بين الطوائف الإسلامية، أم أنها بين مجموعات ذات تسمية مختلفة أو قوى سياسية لا علاقة لها بالتقسيم المذهبي؟
نعم، لا شك أن الوضع اليوم يبين دخول قوى دينية / سياسية بكل ثقلها في المعركة، إلا أنها من حيث لا تدري أو من حيث تدري تقوم بالوكالة عن أطراف أكبر منها بكثير. وهذه الأطراف صدقنا أم لم نصدق، تنتهي في هرميتها إلى القوى الكبرى التي كانت تتنافس على حكم العالم أو الأقطاب، والتي كانت تخوض حرباً باردة في النصف الثاني من القرن العشرين. نعم، الصراع اليوم في حقيقته صراع بين الأمريكان والروس، تسيل بسببه دماء المسلمين الرخيصة في منظورهم وتستباح ديارهم وتستهلك مقدراتهم. وفي هذا الصراع يقوم المسلمون من خارج المعركة باستهلاك كل حماسهم وعزيمتهم، ويكتسبون مفاخرهم الظاهرية عبر انتصار من يمثلهم إثنياً أو عقيدياً.
و على أفضل الأحوال، يتحول المسلمان إلى مصارع أميركي وآخر روسي، يهزم أحدهما فيبقى الآخر في حال مستنزفة، وحيداً يحاصره حقد الأخ وعدم اكتراث الصديق، فيؤكل يوم أكل الثور الأبيض.
آخر الوحي:

لو أننا لم ندفن الوحدة في التراب
لو لم نمزق جسمها الطري بالحراب
لو بقيت في داخل العيون والأهداب
لما استباحت لحمنا الكلاب..
نزار قباني

الأحد، 16 يونيو 2013

إملأ الفراغ





الأحد 16 يونيو 2013

ربما كانت من أجمل الروائح التي تحب أن تداعب خلايا أنفك بالإضافة إلى رائحة القهوة ورائحة الصباح الممطر، رائحة أحبار الطباعة وورق الروايات القديمة، ولا أدري إن كان هذا الانطباع قد ولد عندي من محتوى الروايات نفسها وتعلقي بها في حين من الأحيان، أم بسبب تولعي بالقراءة الذي جعلني أتعشق كل ما يلامس حواسي منها. وجعلني أراوح خطواتي بين القراءة والكتابة ربما من باب ذائقة القارئ وأمنياته، الذي يقول وهو يقرأ لو كان كتب كذا لكان أحسن ولو ترك كذا لكان يستحسن.
ولا أدري أهي نعمة أم نقمة حين يبتليك زمانك بمساحة عليك أن تملأها، أتراه يكرهك على كتابة الجيد والردئ والغث والسمين، أم أنه يجعلك أمام التزام يفرض عليك بث لواعجك للورق بشكل مستمر بحيث لا توفر فكرة إلا وتفكرها بصوت مسموع. أو لعل ذلك الاستمرار يجعلك أمام ما عبر عنه العرب وهم يتكلمون عن الشعر، فقالوا إنه كعين الماء “إن استهتنتها انهتنت وإن تركتها اندفنت”.
ليس عيباً ملء الفراغ في حد ذاته إن كان مسؤولية، وصدق أن سطوري هذه ليست من هذا المنطلق. على أني أحترم من يلتزم بملء الفراغ ما دام ملتزما بأن يكون الفراغ بعد أن امتلأ أكثر نفعاً منه قبل امتلائه. البستاني يملأ الفراغ الكبير بزهور تحيل المكان من مساحة صفراء إلى بقعة يانعة تضج بالجمال، والبناء يملأها ببيت يبث في هذه البقعة الحياة، والآخر يشق طريقاً يقترب بهذه البقعة إلى التواصل، وكل هذا ليس عيباً في ملء الفراغ.
العيب في ملء الفراغ أن تتحول الزاوية التي يكتبها المرء محولة معها هذه الصفحة وربما الصحيفة إلى بقعة قاتمة يفوح منها السباب، فتنقلب الصورة الجميلة إلى أخرى كريهة. حين يتحول الفراغ إلى ذم أشخاص، إلى قدح في فئات، إلى كلام بذيء، فلاشك أنه تحويل للمساحة البيضاء إلى مكب نفايات. تتحول الكتابة إلى فعل استفراغ وبصق في طريق عام. وتصير بالضرورة تلك المساحة بسبب رائحة الكلام المكتوب فيها إلى حاجز نفسي يمنع كل صاحب فطرة سليمة من مواصلة القراءة.
وبدون أية مواربة أقول إنه في الفترة الأخيرة تحولت أجزاء كبيرة من مساحات الكتابة إلى هذا النوع، ولم يعد من قبيل المفاجئ أو العجيب أن نرى لغة تبعث على الغثيان في بعض السطور، ولكنه من المزعج أن ترى مقالاً كاملاً من أول سطوره إلى آخرها يملأ الفراغ بكل ما هو قبيح، فيعطيك تصوراً عن نفسية الكاتب وعن كل من يسمح بهذا الانحدار والسقوط أو يدفع باتجاهه.
حينها تتحول رائحة أحبار الطباعة التي تكلمت عنها إلى عدم لا يشم له عطر، إلا أن ما كتبته تلك الأحبار يحمل رائحة نفاذة، لا يشمها الأنف ولكن تشمها كل نفس تترفع عن الساقط من القول، وكل نفس تبتعد عن صغار الأمور، وتربأ عن الدخول في ما لا يجمل. وتصير قراءة تلك السطور من المستقبح غير المحبب.
إذا كانت هذه هي الصحافة التي يتخيلها الكاتب، وإذا كانت هذه المستويات هي طموح من ينتقي المقالات انتقاء البستاني للزهور، فإن صحافة اليوم لا تغادر في سياق نفسية القارئ وفي سياق مساحة الورق وفي مساحة الفضاء الإلكتروني وفي سياق الوصف الذي يليق بها، صحافة “املأ الفراغ”.

آخر الوحي:
والذي أطمع اللئيم وأغراه
بسب الكرام حلم الكرام
والذي صير الكريم حليما
كره أن يعد صنو الطغام
منع البوم أن يصاد ويرمى
كونه غير صالح للطعام
إيليا أبوماضي

الأربعاء، 12 يونيو 2013

القرد بيتنطط










الأربعاء 12 يونيو 2013

في فيلمه الرائع جري الوحوش، قبل محمود عبدالعزيز أن يبيع جزءا صغيرا من دماغه سماه “الترلب” لشريكه في البطولة نور الشريف بعد أن أقنعهما الطبيب أن هذا الجزء سيساعد الأخير على الإنجاب الذي حرم منه. محمود عبد العزيز الذي ضاق بكثرة العيال وقلة المال وافق بكل سهولة على بيع الترلب حتى ولو تسبب ذلك بمنعه من الإنجاب، رغم تأكيدات الطبيب أنه لن يكون هناك تأثير على أي جانب من جوانب صحته. وقبيل حدوث الإتفاق، قام الطبيب حسين فهمي بعرض حالة تجريبية عليهما، حيث أراهما قردين أجرى لأحدهما عملية النقل وللآخر عملية الزراعة، وكان يكرر للطرفين أنظروا للقرد كيف يقفز بنشاط وكأن شيئاً لم يكن.
حال الطبيب وهو يقنع البطلين بالعملية عبر عرض ما وصلت إليه التجربة المسبقة يذكرنا إلى حد كبير بسباق الربيع العربي، ففيما تسارعت الأحداث بدءا من حريق البوعزيزي وهروب بن علي، إلى مقتل خالد سعيد وسقوط مبارك، إلى هتاف الجرذان ومقتل القذافي، وإلى اليمن واحتراق وجه علي صالح، ثم تصاعد الأحداث السورية، إلى كل الأحداث في الدول التي شهدت أحداثا في العامين الفائتين، فإن كل حراك كان يقيس نجاحه وفشله بما وصل إليه سابقه، ويتابع بشغف وصول الآخر وعدم وصوله إلى ضفة مستقرة.
وفي أعراض تشبه تلك التي رأيناها في دول الربيع العربي، ها نحن نرى الأتراك يخرجون في الميدان وتتم مواجهتهم من قبل قوات الأمن أولا، ثم يقومون بمواصلة المشوار، فيما الحكومة ينفد صبرها وتقف ضد المطالبات التي تنادي باستقالة رئيس الوزراء الذي وصف المتظاهرين بالجبن والتخريب وشتى الأوصاف؛ لوقوفهم ومطالبتهم برحيله.
الوضع التركي مختلف عما رأيناه في دول الربيع العربي، فأردوغان الذي تسارع العرب إلى وصفه بالطيب؛ اشتقاقا من اسمه الأوسط واعتمادا على مواقف معينة تجاه إسرائيل، قد وصل إلى منصبه عبر الانتخابات بخلاف كل زعماء ما قبل ما سمي بالربيع العربي، والذي أؤكد على تسميته بالفوضى الخلاقة، وهو بخلافهم أيضا من قاد بلاده إلى نهضة اقتصادية وسياسية رفعت من اسم تركيا في خريطة العالم، إلا أن الحراك الذي بدأ في ميدان تقسيم يصر على تنحيه من منصبه، وفتح هذا المنصب لانتخابات مبكرة.
ولا شك أن الوضع في تركيا ما قبل الاحتجاجات هو مثال كان يتمنى ثوار الدول الأخرى الوصول إليه، إلا أن الحراك القائم اليوم يقف ضد ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع يوما ما، ولا ندري إذا وقف ثوار الدول الأخرى مؤيدين لهذا الحراك إن كانوا يطمحون إلى دول مستقرة عبر آلية محددة للحكم، أم أن نشوة الاحتجاج والإثارة الناجمة من التغيير هي بحد ذاتها هدف.
وفيما صارت نماذج ليبيا وتونس ومصر تطرح تصورا للمرحلة الانتقالية بين عهود موصوفة بالاستبداد وعهد حكم الشعب لنفسه، فإن النموذج التركي يطرح تصورا لما بعد هذه المرحلة، بغض النظر عن حق الأتراك من عدمه في تنحية أردوغان. وهذه النماذج جميعها اليوم تقف أمامنا كمثال حي وتجربة تصور الطريق وتبدي للجميع كل التحديات والعقبات والنتائج التي مرت بها.
ونعود لبطل فيلمنا محمود عبدالعزيز الذي جنى الأموال بعد قيامه بالعملية من جيب الثري نور الشريف الذي لم يستطع الإنجاب حتى بعدها، إلا أن محمود عبدالعزيز بدأ يشعر بصداع مستمر لا يمكنه من الجلوس مستقرا، ويحس أن رأسه ستنفجر، فيفهم سر قفز القرد المتواصل قبلها، فيهتف في وجه الطبيب مرارا وتكرارا ليريه ما حل بسابقه في التجربة قائلا “عايز أشوف القرد، بيتنطط ولا بطل تنطيط”.

آخر الوحي:
فيالك أمةً قُسمت ثلاثاً
وعشريناً وتسألُ هل مزيدُ؟
تُعد لكل واحدةٍ طبولٌ
وحراسٌ وترتفعُ البنودُ
وعند الهندِ ربعُ الكون عدَّاً
وفي شطرين تنقسمُ الهنودُ

محمد مهدي الجواهري

الأحد، 9 يونيو 2013

إشكال البوعزيزي








الأحد 9 يونيو 2013

منذ ما يزيد على العامين حرق الرجل نفسه، بعد أن أهينت كرامته وسد باب رزقه وقامت موظفة حكومية من نظام بن علي بصفعه على وجهه. وحين لم يبق أمامه شيء سوى اليأس والشعور بالمهانة والذل، اختار لنفسه الموت على ما تعرض له ويتعرض، فكانت قطرات البنزين التي صبها على نفسه وكانت النار التي أضرمها، لكنها لم تكن في جسده البائس فحسب، بل أشعل النار في عدد من الدول العربية لم ينطفئ لظاها إلى اليوم، بل ربما كان ما نراه في تركيا اليوم أو ما سنراه في سواها غدا جزء من نفس المسلسل الذي بدأه البوعزيزي.
ومن الطبيعي والمنطقي أن يتجه العالم أجمع للكلام عن الأسباب التي تدفع بالمواطن لليأس وإحراق نفسه بدلاً من أن يعلقوا على فعله ذاته، ربما لأنه ضحية، وربما بفعل النشوة بالتوابع التي حصلت بعد الفعل وكم الإثارة، وربما لأن الحركة المقدسة في أي بلد لم يتقبل المعجبون بها أن تكون شرارتها فعلا غير مقدس.
ونقاش هذا التصرف اليوم لا يستهدف إرجاع الرجل، ولا منع الحالات التي من الممكن أن تسعى لتقليده في ثقافة باتت تنتشر في الشرق العربي فوق ما كانت منتشرة في الشرق الهندي، فالإنسان الذي يصل إلى هذه الحالة من اليأس لا يمكن استهدافه بوعظ أو نصح، ولكن الموضوع يظل موضوع ثقافة يجب مراجعتها لئلا تأخذنا في عجالتها شرقا أو غربا. ومراجعتها على شقين ربما يوصلنا إلى المطلب، الأول منهما، هو حول وسائل الاحتجاج، ففي سؤال إلى أحد المشايخ حول فعل البوعزيزي، قال إن الرجل لا يبعد أن يكون مثابا رغم أنه قتل نفسه، لأن الظلم الكبير كان يحتاج احتجاجاً بليغاً. والكلام هنا على قتل نفس أو انتحار بالمفهوم الشرعي الذي يفترض أن ينطلق منه ذلك الشيخ في جوابه، إلا أنه فضل كما يبدو أن ينتشي بتوابع الفعل عن النظر إلى أصل الفعل. فهناك ثمة سؤال يطرح نفسه، أنه إذا كان إهلاك النفس ممكن أن يثاب عليه المرء بوصفه احتجاجاً على الظلم، فإن ما دون ذلك من الأفعال التي هي دون الانتحار تكون باباً للثواب بالعنوان الثانوي الذي تفضل به هذا الشيخ، فهناك من لا يقتلون أنفسهم ويحتجون بالتعري مثلاً، فهل سيتجمد ضمير الشيخ ليقبل بهلاك النفس ولن يقبل بالتعري؟. وهناك الكثير من وسائل الاحتجاج التي هي دون قتل النفس، فهل بالعنوان الذي ينطلق منه الشيخ أن أي أذى للنفس أو للآخرين دون مستوى إهلاك النفس يصير فعلا يثاب عليه المرء؟ هي ثقافة تنتشر بإمضاء البعض، ولكن هي ليست الأخطر في الموضوع.
النقطة الأخطر التي ندخل لها عند مراجعة أية ظاهرة دخيلة هي نقطة ثقافة الغاية تبرر الوسيلة، التي لا تنفك أن تخرج لنا من كل ملف وكل قضية، فبعيدا عن الوسائل البديلة التي ستكون بشكل أوتوماتيكي جائزة ومقبولة وربما محبذة، فإن التركيبة الذهنية في النظر إلى مثل هذه القضية بفعل التبرير لها، تعزز عند المجتمع ككل، ناشئة وشبانا وشيبانا، مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة. وهو مبدأ ذاتي التدمير لكل شيء، هو قمة الوصولية، غاية البراغماتية، لا يبقي شيئاً من مبدأ غير قابل للكسر، ولا قانون غير قابل للتجاوز، والحال أن ما تعيشه مجتمعاتنا من الفوضى بحد ذاته كاف، فكيف إذا وجدنا الأذهان تتحول بهذه التركيبة، فعندها يصير تجاوز كل إنسان مبررا، وخطأ كل شخص مقبولاً، سواء قتل نفسه أو قتل غيره، والتدليل على هذا لا يستغرق أكثر من مطالعة تغريدات بعض البحرينيين لتجد التباين الواضح تجاه أوضح الواضحات، والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
وإذا سمعت حكاية عن عاشق
عرضا حسبتني الفتى المقصودا
مستيقظ ويظن أني نائم
يا هند، قد صار الذهول جمودا
ولقد يكون لي السلو عن الهوى
لكنما خلق المحب ودودا
إيليا أبوماضي

الأحد، 2 يونيو 2013

لصوص التقسيط



الأحد 2 يونيو 2013



لا يخفى على أحد أن اللصوص يتفاوتون في أساليبهم وطرقهم وفي مدى إجرامهم وفي جرأتهم ووقاحتهم. واللصوص اليوم لا يبدون كما نتخيلهم من خلال مجلة ميكي ماوس يلبسون ثياب السجن المخططة ويغطون أعينهم بعصابات مثقوبة، وإنما كثيرا ما يرتدون الثياب الأنيقة ويركبون السيارات الفارهة، وينفقون ضمن شعار أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب وشعار “كل يا كمي”. وبينما لا تعدو هذه الملابس كونها جزءا من عدة العمل، فإن لهجتهم الواثقة وكلامهم المنمق يعد الجزء الأكبر من هذه العدة التي تخفي وراءها القناع والثياب المخططة والضمير المتعفن. وفي غالب الأحيان، ما عاد اللص اليوم يدخل إليك خلسة أو حاملا على عاتقه سلاحا يهددك به، إنما تجده عبر إعلاناته المغرية وعروضه الآسرة يجرك إلى الدخول في شركه جراً والاستسلام لكل طلباته.
وبعيداً عن التاجر الشريف الذي يقوم بالعروض التي يربح منها الطرفان عبر تخفيض السعر أو تأجيل الدفع أو زيادة المميزات، فإن هناك لصوصاً يقومون بعروض تتبعها التزامات لا تنتهي إلا بعد مص دماء الضحية وجعله أسيرا بسبب تصديقه لمحتال لا يملك اسم الضمير ولا يحمل معه ذرة من الإحساس.
الموضوع قديم حديث يتعلق ببعض المحلات التي توفر بعض السلع والخدمات عبر عروض التقسيط المريح ويستفيد منها أصحاب المداخيل المحدودة. ورغم أن العرض المبدئي في حد ذاته إجحاف بحق المشتري حين يقبل أن يشتري هاتفا أو جهاز كمبيوتر لا تتجاوز قيمته المئتين أو الثلاثمئة بقرابة ضعف الثمن فقط بسبب تقسيط قيمته لمدة عامين أو ثلاثة أعوام، فإن ما ينتظر هذا الزبون من التاجر الجشع هو أكبر بكثير مما يتوقعه. فبعد أن يوقع عقوداً لتقسيط القيمة، لا يلاحظ أن هذه العقود المبرمة تحمل في طياتها شروطاً تحمل غرامات جزائية في حال التأخير في السداد لأي قسط، وتكون هذه الغرامات من الثقل بحيث تتحول القيمة المدفوعة للجهاز إلى عشرة أضعاف قيمته الحقيقية.
ورغم أن شركات الاتصالات اليوم قد أراحتنا من شر هؤلاء حين صارت تقدم عروضا لتقسيط أجهزة الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر، إلا أنهم اقتحموا مجالات أخرى وربما نجدهم في الغد في مجال المفروشات أو السياحة والسفر أو أي مجال يستغلون فيه أمنية بسيطة لإنسان عادي، فيقع في شباكهم غير عارف بما ينتظره من الويلات التي تبدأ بالمنع من السفر وقد تنتهي بدخوله السجن رغم الغبن الواقع عليه، وكل ذلك بسبب أن ذلك المحتال أحكم صياغة شروط عقده من الناحية القانونية وأغفل الناحية الإنسانية والأخلاقية.
وبالرغم من أن هذه القضايا قد مرت عليها عدة سنوات إلا أنه أثارت الشجن نحوها بعض الحالات التي رأيتها والتي لا تزال تراوح في مخالب بعض هؤلاء الأشقياء، ومن هنا أردت التنبيه لمصاصي الدماء الذين لم يكفهم الربح الجيد المتوفر عبر تجارتهم ليتجاوزوه إلى اقتطاع قطع من لحم زبائنهم يأكلونها بلا أدنى شفقة ولا رحمة.
رسالة أولى أوجهها في هذا الصدد إلى قسم حماية المستهلك بوزارة التجارة وأناشدهم فيها اتخاذ كل الإجراءات القانونية الممكنة تجاه هذه الحالات التي أجزم أنها لا تخفى عليهم، وإن خفيت فإن ضغطة زر في محرك جوجل ستجعلهم يتصفحون معاناة الكثيرين مع أسماء معينة من المحلات.
الرسالة الثانية أوجهها إلى البنوك وشركات التمويل طالبا منهم توسعة مجالات عملهم لتطال الاحتياجات المتناهية الصغر عبر التعاون مع مختلف الشركات وألا يقصروا قروض الشراء على العقارات والمركبات، وتوسعة مجال تعاملهم مع الأفراد وتسهيل اشتراطاتهم في المبالغ الصغيرة ليسدوا الباب أمام هؤلاء المحتالين.
الرسالة الثالثة موجهة إلى صاحبة الجلالة، السلطة الرابعة، صحافتنا، لتسليط الضوء عبر التحقيقات والملفات على ضحايا هذا النوع من السرقة والابتزاز مما سيسهم مؤكداّ وبشكل فعال في تنبيه الناس والسلطات المختصة إلى ما يتعرض له المواطن فيتخذوا احتياطاتهم وتجنب وقوع مثل هذه المديونيات التي لا فكاك منها كما في حكاية تاجر البندقية، والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
يدك التي حطت على كتفي
كحمامة..نزلت لكي تشرب
عندي تساوي ألف مملكة
ياليتها تبقى ولا تذهب
تلك السبيكة كيف ارفضها؟
من يرفض السكنى على كوكب

نزار قباني

الأربعاء، 29 مايو 2013

الخطاب الجامع و الخصيم



الأربعاء 29 مايو 2013


حين كنا صغارا، كانت تحصل مشادات وخلافات تنتهي أحيانا بالخصام الذي كان عادة ما ينتهي خلال فترة إما تدريجياً أو بأن يستذكر أحدنا الأحاديث المأثورة في الصلح كقول أحدنا لنفسه “وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” وما يلبث أن يبادر ليريح نفسه من عناء الجفاء والخصام وأنه سيكون أحسن من الآخر، وهنا تنتهي المشكلة. أما في الفترة التي تسبق الصلح فعادة ما يرمز كلا الطرفين للآخر بلفظ “الخصيم” تلافياً حتى لذكر اسم صاحبه الذي يصبح حينها ثقيلاً على اللسان مزعجاً للنفس و منغصاً و مذكراً بموقف سيء.
ما كان ينطبق علينا آنذاك ينطبق اليوم على فئة أكبر تمثل جزءاً لا بأس به من إعلامنا و مؤسساتنا و على الناس من عوام ونخب، صار خطابهم دائماً يحمل في ثناياه كلمة “الخصيم” بشكل أو آخر و مثبتاً المرة تلو المرة أن الخصام و الجفاء لا يختص به الأطفال أو الجهلة أو متعصبو الرياضة، و إنما يشمل حتى الشخصيات و الجماعات و الأمم، والمؤسسات والإعلام و رجال الدين فضلاً عن الأحزاب و رجال السياسة.
نجد ذلك واضحاً جلياً في خطاب يظل متمحوراً على وجود الآخر، و مساوئ هذا الآخر، أو حتى التوجس و التحذير كأن الآخر “شيطان له ذيل” كما يعبر الشاعر هشام الجخ. و يظل الخطاب يتصاعد في خلق هذا الآخر وجعله مصباً للعنات و مرمى للكراهية في أسلوب لا ينم عن الإنحدار الأخلاقي و حسب وإنما عن قصر النظر والجهل أيضاً.
اليوم تبحث عن الخطاب الجامع تحت منابر الدين و في معاهد العلم و في وسائل التواصل و غيرها، فلا تجد أيا منها تحمل شيئاُ من الخطاب الجامع أبدا وإنما يحمل أصوات النشاز الفئوية التي تجد منفعتها حيثما كانت الفرقة.
عراك بين شرائح و شخصيات المجتمع، فحين تنظر إلى حال الصحافة مثلاً فإنك قبل ان تفتح الصحيفة تعرف أنك ستقرأ عن الخصيم في هذه الصحيفة وتعرف من هو و ما سيقال عنه، و كأن مهمة الإعلام صارت زرع الفئوية و تعزيز التفرقة وزيادة النفرة بين شرائح المجتمع. بل أن بعض الأقلام قد تكون من الوقاحة بحيث تكون كلماتها و عناوينها ماسة بمكونات المجتمع بأسمائها، غير عابئين بأن الصحافة ديوان يثبت كل ما يكتب فيه من بياض أو سواد و غير عابئين بأن الشحن و الشحن المقابل يلهب الفتنة أكثر وأكثر و قد ينتج منه مما لا تحمد عقباه من الأمور التي يتحملون نتائجها الأخلاقية وربما القانونية أيضاً. إن كانوا لا يخافون مما يجرونه على الآخرين فهي مسألة ضمير، وربما مسألة علم بأنهم “مواعين إبليس” التي لا تتكسر.
منابر الدين في بعض الأحيان لم تكن أحسن حالاً فكانت لا تبدأ خطابها بمناداة “عباد الله”، بل توجه خطابها لشارع معين، و تعمل تأليباً و تفريقاً و كأن المسلمين قد باتوا خوارج، فإما أن يكون المرء معك في كل مسألة أو صار لك خصماً و عدواً تخرجه من الملة و تخصه بالوعيد و ربما في بعض الحالات بالشتم و السباب المقذع.
الخطاب الجامع الذي نبحث عنه هو الذي ينظر لكل الناس و يخاطب همومهم جميعاً و يبعد مخاوفهم، يجعلهم يتعاطون مع بعضهم البعض في كل شؤونهم بأريحية، خطاباً لا يطلب الرحمة لواحدهم والعذاب للآخر، خطاباً يدفع نحو الحلحلة لا التصلب، ينطلق من شؤون الوطن وشجونه وينتج بدائل تحل بعض العالق وتوجد بعض الإيجابية. والأهم من هذا كله أن يكون الخطاب الجامع هذا خطاب الشعبيين والأهليين وقبلهم الرسميين، والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
وعندما يحاول الشاعر أن يجعل من أشعاره
أرغفةً.. يأكلها الجياع للخبز وللحرية
فلن يكون الموت أمراً طارئاً..
لأن من يكتب يا حبيبتي..
يحمل في أوراقه ذبحته القلبيه..

نزار قباني

الأحد، 19 مايو 2013

عودة أبي صابر 2






الأحد 19 مايو 2013


بينما أبوصابر يتكلم عن نذر الحرب التي يراها تلوح أمامه كان ممتعضاً ومتوتراً، وبدا ذلك واضحاً في ملامح وجهه. قلت له ولماذا تضيق ذرعاً أن تكون الحرب مذهبية طائفية، فالمذهب فكرة وصراع البشر دائماً يكون له قاعدة فكرية، فماذا يختلف إن كانت هذه القاعدة عقيدة أو نظرية فلسفية صاغها فيلسوف شرقي أو غربي، ما الفرق إن كان تعصبنا للشيوعية أو الرأسمالية كما في أيام المعسكرات والحرب الباردة أو كان تعصبا لعقائد؟.
نظر إلى قائمتيه الخلفيتين وكأنما يهم برفس أحد ما ثم قال: الفرق يا صديقي أن الصراع حين يكون مذهبيا، فإن للسفهاء الذين يقودونه القدرة على جعلك تصدق أن كل فعل خسيس تفعله له هدف نبيل، يستطيعون جعلك تتجرد من إنسانيتك حين ترى كل أغيارك مجردين من الحقوق الإنسانية، ترى نفسك وحدك إنسانا فيما الآخرون إما أنهم سباع أو.. تلكأ هنا أبوصابر فقلت له: لا تخجل منها وأكمل. تنحنح صديقنا ثم قال: إما سباع أو مطايا، تخشى صولة هذا وتستخدم ذاك ولا يحكم أفعالك شيء من الأخلاق وإنما تحكمها القدرة، ولعل ذلك من مصاديق مقولة “أن من كفّر مؤمنا فقد كفر”. إنك حين تقوم بالتكفير وتنزع حقوق الأخوة عن أخيك فإنك في الأغلب ستنزع عنه حتى الحقوق الإنسانية وستظهر له من نفسك ما لا تعرفه في نفسك.
قلت له: لعلنا رأينا بعض ما تقول في البلاد التي استعر فيها أوار هذه المعارك الطائفية. ابتسم قائلاً: إن ما رأيتموه على فظاعته من قطع للرؤوس وشوي للآدميين وتفجير الجموع سيتضاعف مع اشتعالها إقليميا وشحنها خارجياً، وبقدر ما ظننتم من شر الجمهوريين أصحاب الفيل الذين أطلقوا دبابير القاعدة في المنطقة، فستعلمون أن أصحاب الحمار لا يقلون خبثاً عنهم، بل ربما زادوا عنهم في إشعال الفتنة بين الأخ وأخيه بصورة سيكون فيها الغريب هو عراب الصلح دوماً بينهما وبائع السلاح خفية لكل منهما.
سألته: ومن أصحاب الحمار؟ نظر إلي باستغراب ثم قال: ومن يكونون غير الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يستخدم شعار الحمار والذي يحمل اليوم أجندة التغيير ومعه أجندة التدمير، ولكنه لن يكتفي بتدمير الدول كما حصل مع العراق عبر الحروب لكن سيدمر البلدان داخلياً في مكوناتها وخارجياً مع جيرانها، ولعل أخبث طريقة لفعل ذلك هو عبر استخدام المحاور الطائفية.
قلت له: ولكن إشعال الطائفية هو حماقة استخدمناها نحن ولم يبتدعوها هم. نهق صاحبنا ضاحكاً: أنتم ساعدتموهم، ولكن خطتهم الأساسية كانت هكذا منذ أعلنت تدشينها عام 2006 وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، لكن يبدو أن جل خطوات هذه الخطة تحصل في أيامنا هذه وما يليها. الخطة تبدأ من بلد الطوائف لبنان، وستشمل العراق الذي سيجري تقسيمه لاحقا ثم تليهما باقي دول المنطقة، بين دول تخسر من مساحاتها ودول تكتسب أراض جديدة أو تبرز إلى الوجود. ستحمل التقسيمات صبغة طائفية. صدقني إنكم أضعف من أن تبتدعوا شيئاً جديداً، واستخدام الطائفية لن يزيد عن دخول في قواعد اللعبة الجديدة، التي وضعت قواعدها الدول الثلاث صاحبة المشروع وهي إسرائيل والدولة التي منحتها وعد الوجود (بريطانيا) والدولة التي تمنحها الحماية الأكبر (الولايات المتحدة).
لا أخفيكم أن الأمر يحمل في ثناياه أموراً مخيفة خصوصاً مع اللامبالاة بمصائر أمم في سبيل تحقيق الشكل الجديد للشرق الأوسط ولكن يبدو أن الأيام القادمة حبلى بمخاض سيخرج لنا فعلياً بالمزيد من ملامح ما نراه يبرز تدريجيا وهو الشرق الأوسط الجديد.