الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

عندما تسرق الروح














الأربعاء 29 ديسمبر 2010

في مقال رائع وصادم للغاية تتكلم الدكتورة سحر الموجي عن حالة قد تكون أصابت الجميع. وبنفس عنوان مقالي هذا، قرأته بذهول وأحسست بكل كلمة منه تلامس عمق الروح وتصيب ما قد يكون كبد الحقيقة، إن كان لأحد في علم النفس أن يصيب هذه الكبد.
من منا لم يشعر يوماً أن بهجة الحياة تخفت وتبهت وتتحول ألوانها إلى الرمادي، هذه الحالة التي سنعرف مع التجربة أنها تصيب الكثير من الناس، ولكن هل صحيح أنها تصيبهم عند بدايات حياتهم بالذات؟ تقول الموجي “معظمنا نصحوا ذات يوم وأدركنا أن روحنا ضاعت، يحدث هذا في بدايات حياتنا، في سنوات الصبا والشباب. كلنا نبدأ من النقطة نفسها، رغبتنا في الحصول على الرضا والقبول”. تقول الدكتورة اننا في هذا الخضم ننسى أنفسنا وما نريد وانتماءاتنا الحقيقية وما يرضينا نحن وما يشبع أرواحنا ونتعلم أن المجتمع وما يتوقعه أهم بكثير مما نريده.
ثم تسهب الدكتورة في الكلام عن أشكال سرقة الروح وتركز على دور العلاقات السيئة في سرقة الروح وخفوت حيويتها. هذه العلاقات غير المتكافئة التي تمنحنا النقد والانتقاص والتجاهل، فيما تفرض العطاء من طرف واحد.
وتجزم الموجي أن الوضع في علاقات الحب والصداقة أسهل من علاقات الدم، إذ يمكن فيها قطع الأواصر التي يصعب إصلاحها واعتبارها ماضياً ننساه.
ثم تختم هذا المقال الصادم بقولها “المهم هوالسؤال: هل أرواحنا في حوزتنا، أم انها سرقت في غفلة منا؟ ولماذا سرقت؟ وكيف يمكننا استرجاعها؟ إن العلامة الأكيدة على حضور الروح هي (الحضور) في كل ما نفعل. أن نحب وأن نبكي ونتألم. أن ننفعل ونحلم، ونسعى وراء الحلم... كلها امارات لحضور الروح”.
في نفس الخصوص فإن إحدى نظريات علم الأخلاق تقسم مراحل تكوين الوعي الأخلاقي عند الإنسان إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى تتمثل في النظر إلى الثواب والعقاب كحوافز تجعل الإنسان يسعى ليقوم بالتصرف الصحيح طمعاً في الجائزة أو خوفاً من العصا.
أما المرحلة الثانية فتتمثل في تصرف الإنسان وفقاً للعرف المجتمعي ولتعريف المجتمع للأخلاق القويمة. المرحلة الثالثة قد لا يبلغها الجميع بنفس المقدار، بل قد لا يبلغها البعض أبداً، وتتمثل في تكوين الإنسان لقيمه الأخلاقية الخاصة به عن طريقة قناعاته المكتسبة وخبراته وما ينطبع في نفسه من المرحلتين الأوليين.
ومن حيث التوقيت، فإن المرحلة الثانية قد تكون هي نفسها التي يتكلم عنها المقال المذكور، حين ننظر لذواتنا من منظور المجتمع قبل أن نبدأ بتلمسها تلمساً جديداً يتيح لنا الاستمتاع بحياتنا والشعور بالشغف في كل الأوقات.
أما من حيث مسببات خطف الروح كما أحببت أن أسميه، فربما كان ما ذكر في مجال العلاقات كافياً، إلا انني أحب أن أذكر مسببين آخرين، الأول هو تعرض الإنسان للظلم ممن حوله.
هذا الشعور بالرفض من الأقربين يفرض على الإنسان أن يسعى بكل ما أوتي من قوة ليثبت نفسه، هذا الشعور بالتهام الذات يفرض على الإنسان استخدام آلياته الدفاعية فيبدأ بالنظر لنفسه من منظور المجتمع مكرهاً على ذلك، فتخطف روحه منه بأبشع ما يكون من خطف. وقد يسلمه ذلك لليأس الأكثر توحشاً، وقديماً قيل أن الدنيا إذا أقبلت على شخص أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
وأما المسبب الآخر، فقد يكون تعرض الإنسان لصدمة يشعر معها بقفدان الحياة رونقها، فيحس بكونه جسداً هامداً بين الأحياء، قد يكون ذلك عند فقد أحد أهم مقومات الحياة، فقد عزيز على الإنسان قد يكون من المصاديق المهمة لذلك، بالذات مع كبر المساحة التي يشغلها هذا المفقود من فكر الإنسان وعاطفته وكبريائه وثقته بنفسه.
ومع هذا الإحساس، لا بد من المبادرة إلى قفل باب الهجرة نحو الداخل، إلغاء حالة الكمون، تقطيع خيوط الشرنقة التي قد بدأت بالتكون، إرجاع الروح المكبلة عبر النظر إلى الأمام حيث المحبة المتوهجة في قلوب المحيطين، والتذكر أن العيب ليس دوماً في الفلاح الذي يزرع المحبة بل كثيراً ما يكون في أرض جدباء تحتاج الكثير من قطرات ماء السماء لتنتعش من جديد.

الأحد، 26 ديسمبر 2010

والله حالة















الأحد 26 ديسمبر 2010

مؤخراً ومع الانفتاح الإعلامي والفكري وكثرة الصحف صار تعريف الشأن العام فضفاضاً عند الناس من كتاب وخطباء وعوام. صار كل إنسان لسانه لحمة بين فكيه وقلمه حديدة بين إصبعيه يتكلم في الشأن العام والشأن الخاص دون تفريق، على أنه قيل قديماً “من تدخل فيما لا يعنيه، لقي ما لا يرضيه”.
من أمثال ذلك ما تطالعنا به الصحف من تدخل في شؤون طائفية محضة بعناوين تشبه النقد الأريحي والدردشة الصريحة، ولكن الكاتب ينسى أو يتناسى أنه ليس مقبولاً منه هذا النقد ولا هذه الدردشة، بل غالباً ما يصنف كلامه بأنه من قبيل التشويه والنبز وأحياناً التخوين. وينسى قبل ذلك أن لقلمه الحر حدوداً بعدها يكون قد تجاوز حدود الأدب إن كان كلامه صحيحاً، ويتجاوز حدود الأدب والإنصاف إن كان كلامه بلا أساس.
طالعتنا إحدى الصحف المحلية بمقال لكاتبة تناقش فيه شأن المرجعية الشيعية، وتتساءل إن كان آن لهذه المرجعية أن تصبح عربية خالصة أم لم يحن ذلك بعد.
أولاً، نقول إن جنسية الفقيه أو العالم وأصله العرقي ليسا محكاً ولا مقياساً لأخذ الرأي الفقهي من عدمه، بل ليس لذلك قيمة عند الله ولا عند أهل العلم من الخلق.
ثم نقول إنه حين يصير هناك تقاطع للمنصب السياسي والديني في شخصية واحدة لا تنتمي إلى البلد نفسه، بغض النظر عن العرق إن كان عربياً أو فارسياً أو أفغانياً، فالتبعية السياسية لكل مواطن تكون مع حكامه لا مع حكام غيره. وهنا أقول إنه ليس من الأدب في شيء أن نضع الشيعة أو غيرهم في دائرة الخيانة والتبعية والعمالة الخارجية إن كان علماؤهم من خارج بلادهم، وما ينطبق على الشيعة في ذلك ينطبق على غيرهم. وهنا ينتهي الكلام عن المرجعية.
أما من حيث الكلام عن إيران خصوصاً وطبيعة العلاقة المطلوبة معها، فهذا شأن آخر، لا علاقة له بشيعة الدول العربية من قريب أو بعيد. فبالرغم من كونها دولة ذات أغلبية شيعية، ويحكمها نظام يعتنق المذهب الشيعي، إلا أنها كنظام سياسي لا تمثل لأي مواطن عربي – مسلم أو نصراني- أكثر من كونها جارة مسلمة. ولا أكثر من الجيرة والأخوة الإسلامية اللتين نعرف حقوقهما كمسلمين.
أما عند الكلام عن مسألة الأطماع التوسعية، وإنصافاً، فهذه ليست طبيعة فارسية صرفة، بل هي شأن لكثير من الثقافات حتى التي كانت منها ذات تنظير عربي. أضرب هنا مثالاً بشخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين وحزب البعث الذي تمت مناصرته ضد جارته إيران بوصفه عربياً. ألم يبادر أول ما بادر إلى ضرب جيرانه، وعض الأيدي التي امتدت إليه. ولي أن أسأل هنا، هل لو نجح مشروع صدام - لا سمح الله - ولم توقفه قوات التحالف آنذاك هل ستشفى الصدور العربية فضلاً عن المسلمة؟ ألم يكن صدام مشروعاً توسعياً مذموماً؟
هل كانت النظرة للمواطن العربي البعثي ذاك الوقت وبعين ضيقة شزراء كما ينظر بعض كتابنا الآن إلى شيعة الخليج بسبب الخوف من إيران.
نحن ضد أي مشروع توسعي سواء كان عربياً أو فارسياً أو غير ذلك، ولن أتهم شعوب المنطقة كما فعلت الكاتبة بالعمالة الخارجية، ولن أخلط بين ورقة الفقه ومرجعياته وورقة ما تم كشفه من أحزاب وخلايا سواء كانت إيرانية أو قاعدية. على أن موضوع المرجعية وولاية الفقيه نظريات لا تهم كل الشيعة ليضع الكاتب المنصف غير المتطفل كل الشيعة في هذه السلة.
وبعيداً عن موضوع تخوين الشيعة، وكلام الكاتبة، فإنني أقول إن كلاً يجر النار إلى قرصه، وإن توازن القوى في المنطقة يلزمه سياسة خارجية منسقة ومنسجمة، وتقارب ومصارحة بين دول المنطقة يتناسب مع التقارب الجغرافي والفكري والديني. وإنه سواء على مقياس المواطنة أو العروبة أو الدين التي أدعي أنها لا تختلف في ضرورة أن نواجه العالم الخارجي بجبهة موحدة خلف قيادة وطنية ومشروع وحدة إسلامية وعربية مع حفظ حقوق الشعوب والدول من دون تعد على سيادة أي دولة.

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

فيلم رعب بحريني













الأربعاء 22 ديسمبر 2010


هناك مشكلة كبرى في تعطل الموظفين، الأزمة المالية التي بين قوسين لم تؤثر على البحرين، سببت وجود تعطل للبحرينيين، من سيحل المشكلة؟
لا شك ان البحرينيين الأصيلين لن يتركوا إخوانهم يشتكون من البطالة وذل السؤال، وواحد في المئة لا تضرك لكنها تحيي أسرة بأكملها وتنتشلها من العوز، انتهت المشكلة بإيجاد صندوق التعطل، شكراً يا مواطن.
الحقوا عجزا إكتواريا في صناديق التقاعد؟ لن يكون الآن ربما بعد 15 عاماً، لكن لا بد من تدارك الوضع الآن، العمل ملح الرجال، ما يصنع الرجل بالجلوس في المنزل، والدنيا ليس فيها راحة، والراحة في القبر. ما رأيكم برفع سن التقاعد إلى 65؟
ادركونا، المواد الغذائية المدعومة تتعرض للاستغلال من قبل المطاعم والشركات، لا بد من رفع الدعم لئلا يستغله من لا يستحقه. لا تخافوا، لا تأثير على المواطن الفقير، الفقير لن يموت، سيظل فقيراً لا أكثر.
النجدة، المحروقات المدعومة صارت عبئاً على كاهل الدولة، لا يستفيد منها إلا الأجنبي والثري، الفقير لا يملك سيارة ليستفيد من الدعم، بل ان سياسة أرباب العمل تقضي دوماً بارتفاع مدخول الأجنبي لا البحريني، لذا لن يتأثر البحريني لأنه سيظل طول عمره ضمن الشريحة المستهدفة بالدعم.
الإسكان معضلة يرثها كل وزير ممن سبقه وتكبر كما تكبر الإشاعة، ما رأيكم بالبناء العمودي؟ لا يناسب البحريني؟ ما رأيكم بالبناء الذكي؟ لا يحبذه الناس؟ على العموم المشكلة لن تظل معلقة أبد الدهر، فهناك حل ما ستجده الدولة يوماً ما بعد استثناء كل أسرة يصل مدخولها إلى 1200 دينار. لأن الإسكان للفقراء الذين يتحملون انتظار عشرين سنة، أما من نعلم أنه من الممكن أن لا يصبر فقد استثنيناه من القائمة. والقائمة تطول من 47 إلى 54 ألف طلب.
صندوق العمل، توظيف الأجنبي في محلك الصغير يستلزم أن تدفع لتدريب البحريني، لكن محلي أصغر من أن يكون فرصة لتوظيف البحرينيين أو ليدفع ضرائب لتدريبهم. لا يهم، فالقانون يسري على الجميع، والفائض الاكتواري للصندوق لن يكون مشكلة فلا تخشوا شيئاً.
الشركة الفلانية على شفير الإفلاس للمرة الألف، يجب أن تستدين الحكومة لإنقاذها، فخطة الإنقاذ الأخيرة لم تفلح معها، حتماً ستفلح الخطة المقبلة، المهم أن يقر النواب الميزانية التي ستجيئهم بصفة الاستعجال لنتمكن من إنقاذ الشركة هذه المرة.
البيوت الآيلة للسقوط لم تعد آيلة للسقوط، لأنه لا توجد ميزانية، عندما تتوفر الميزانية سنتدارك الوضع ونقوم بإنقاذ الأسر التي ستكون مهددة آنذاك، أما الآن فكل شيء تحت السيطرة والحالات كلها من الممكن أن تنتظر.
هذه بعض أحداث فيلم رعب بحريني يعرض كل يوم على صفحات الجرائد، ونهاية كل مشهد من الفيلم تقول للبحريني إن الحل دوماً يتمثل في استقطاع جديد من الراتب أو توقف خدمة معينة إلى اجل مسمى أو غير مسمى. أرجو أن الرسالة وصلت للنواب حيث يكتفون بالمحافظة على المكتسبات الموجودة عند البحريني، أما الكلام عن خطط رفع مستوى المعيشة فنحن لسنا على بداية الدرب أساساً.
في الختام:
حين تعرض الحكومة خططها المستقبلية على المجلس الوطني، كلنا أمل بأن يكون كل الكلام أعلاه أخذ في الاعتبار، فالبحرينيون آمالهم كبيرة، وهم يستحقون كل خير، والحكومة لن تنساهم.

الأحد، 19 ديسمبر 2010

نديم الباذنجان








الأحد 19 ديسمبر 2010

من روائع شعر أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي مجموعته المتمثلة في قصص الحيوان وقصص الحكمة التي يكتبها على شكل أرجوزات خفيفة الوزن والقافية، إلا أن معانيها غاية في الروعة والجمال. من ضمن هذه القصائد قصيدة تشرح سلوك أحد ندماء السلطان والذي يفرط في النفاق والمجاملة للسلطان؛ ليحوز رضاه بأي شكل أو طريقة بغض النظر إن كان لكلامه وتصرفاته معنى أو لم يكن.
تسهب القصة في أن السلطان كان يعلم بنفاق هذا، إلا أنه يغض الطرف عنه؛ ترفعاً سلطانياً جبل عليه عن كل صغير من الصغائر. حتى وقع ذلك النديم في زاوية حرجة لا يستطيع الخروج منها، حيث جيء على الطعام بباذنجان، فذكر السلطان حبه للباذنجان، فتبرع النديم بمدح الباذنجان مدحاً مفرطاً لا مثيل له وقطع على نفسه كل خط للرجعة. هنا قال السلطان أن عيب الباذنجان بعض المرارة التي تشوبه أحياناً، وكعادته أفرط صاحبنا في ذم الباذنجان وعيوبه، وكأنه قد نسي ما قاله هو نفسه للتو من مديح.
فالتفت السلطان فيمن حوله *** وقال كيف تجدون قوله
قال النديم يا مليك الناس *** عُذرا فما في فعلتي من باس
جُعلت كي أنادم السلطانا *** ولم أنادم قط باذنجانا
وحال نديم الباذنجان هنا يشبه حال الأقلام الراقصة التي لا تحمل فكراً وعقلاً ومنطقاً، بل هي مجرد أصابع في النوتة الموسيقية توظف كل مرة في لحن وإن تناقضت الألحان أو كانت نشازاً. وكما أشرنا من ذي قبل في أكثر من مقال أنه لا ينبغي للمثقف أن يلغي عقله، بل قدر الإمكان يجب ألا يكون إمعة ويقوم بالتنظير لمجرد أنه يحسب أنه بذلك ينال الرضا. وقديماً قيل “أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما”.
بعض مثقفينا ونخبنا حالهم لا يختلف كثيراً عن حال نديم الباذنجان، يرتج عليهم بسبب التطرف في المواقف، ناسين بذلك أن السياسة هي أم كل المتغيرات ولا يكاد يكون فيها ثابت، وهناك أمثلة عديدة تحضرني، ولكن سأكتفي ببيت القصيد؛ لأن من طبائع الأمثلة أنها كما تقرب، فهي تبعد.
ومن يتابع الحراك السياسي والتغييرات التي تطرأ عليه لا يستطيع الجزم بما سيكون غداً؛ ولذلك  يجب ألا يندفع الإنسان في حماسته، بل يجب أن يمشي وهو ينظر أمامه؛ لئلا يقع في أحد المطبات الكبيرة والكثيرة الموجودة في الشارع. ويجب أن يحترم عقله في تحيزه لموقف دون آخر، وألا يتفوه بما يلقمه حجراً في المستقبل حين يصير ملكياً أكثر من أصحاب الفخامة.
مؤخراً وبعد وضع النقاط على الحروف في موضوع التجنيس، هل سيظل أحد يزايد على توجيهات القيادة، أم سلتزم الجميع بسكاته بعدما استوعب أن باب القيادة المفتوح ومواقفها المنفتحة عصية على المزايدة ولا تطلب من أحد الغزل الصريح المبتذل. الأمانة في النقد هي المطلوبة؛ لأنه لا القيادة ولا التاريخ ولا الشعب البحريني يرحبون بأصدقاء الباذنجان الذين سنسمع منهم في المقبل من الأيام الكثير مما يتناقض ومواقفهم السابقة التي سيتبدى خورها وتجوفها لكل ذي عينين.

“إن خير من استأجرت القوي الأمين”

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

الحزن على الحسين من سنة نبينا









الأربعاء 15 ديسمبر 2010

المتأمل لحال الجموع والحشود التي باتت تحيي ذكرى الإمام الحسين عليه السلام يتساءل عن جذور هذه الشعائر وأين ومتى بدأت، وهل ابتدعتها فرقة من فرق المسلمين، أو إحدى الأمم المسلمة، أم ان لها جذوراً تشبه في عمقها وفي تلقائيتها ما يحصل في المناسبات الأخرى ذات الطابع الديني.
الأصل بالطبع في كل حكم إسلامي أن يكون وارداً في كتاب الله العزيز أو سنة نبيه المطهرة، وربما كان من التكرار النافع أن نعرف السنة النبوية بأنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره. من هذه السنة عرفنا إحياء أعياد المسلمين وعرفنا إحياء ليلة القدر وعرفنا أعمال رمضان والحج وعرفنا تعظيمها بمختلف المظاهر التي تعبر عن الفرح تارة والخشوع أخرى والتسليم تارة أخرى. ولا استغراب أن تدخل وسائل مستحدثة أو مظاهر شعبية لكل أمة في التعبير عن هذه المشاعر وتتداخل ويتم تناقلها، إلا أن المهم أن يكون الأصل ثابتاً ليمكن تنقيح ما دخل عليه من زيادة إن وجد فيها ما يتعارض مع أحكام الشريعة.
ومن الثابت في السنة بلا ريب ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ومقتله مع ثلة من أصحابه وأسرته في كربلاء في العراق ومن الثابت إبداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإبداء أهل بيته وأصحابه الحزن والأسى لما يحدث من تجرؤ على المقام النبوي بذبح السبط الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب دون ذنب أو جرم اقترفه إلا امتناعه عن بيعة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب. حفيد رسول الله يقتله حفيد من كان حرباً لرسول الله، ووالد السبط يحاربه والد يزيد، والقرآن الكريم يصرح بأنه لا مقارنة بين مؤمني ما قبل الفتح ومؤمني ما بعد الفتح ولا المؤلفة قلوبهم ولا من قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. فما بالنا والمقتول ريحانة الرسول وسيد شباب الجنة.
وقولي انه من الثابت، هو ادعاء يلزمه أدلة لمن لا يراه ثابتاً، ولا أكتفي بثبوته بكلام العلماء من أهل المذاهب ولا الأئمة فما كل المسلمين يقولون بالإمامة، ولكن كلهم يأخذون عن أشرف الخلق صاحب السنة المطهرة وساكن المدينة المنورة.
وبين يدي مجموعة من الأحاديث الواردة عند عموم المسلمين وفي كتبهم المعتبرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتكلم عن مواقف تزيد عن خمسة عشر موقفاً يقص النبي فيها إجمالاً ما يحدث للإمام الحسين عليه السلام ثم يبكي لذلك تأثراً ويبكي في بعضها الحاضرون من الصحابة، ولنا في رسول الله أسوة حسنة. أختار من هذه المواقف ما يلي:
- قالت أسماء بنت عميس: “... فلما ولد الحسين فجاءني النبي (ص) فقال يا أسماء هاتي ابني فدفعته اليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم وضعه في حجره وبكى، قالت أسماء: فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟ قال: على ابني هذا قلت: إنه ولد الساعة، قال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبة عهد بولادته.
- وفي بيت أم المؤمنين أم سلمة: قالت: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي في بيتي فنزل جبريل فقال: يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله وضمه إلى صدره، ثم قال رسول الله: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله وقال: ريح كرب وبلا. قالت: وقال رسول الله: يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل. قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم.
- وفي بيت أم المؤمنين عائشة: قالت: ان الحسين بن علي دخل على رسول الله فقال النبي: يا عائشة ألا أعجبك لقد دخل علي ملك آنفاً ما دخل علي قط فقال: إن ابني هذا مقتول وقال إن شئت أريتك تربة يقتل فيها، فتناول الملك بيده فأراني تربة حمراء.
والأحاديث المذكورة وغيرها مذكورة بأسانيدها وتوثيق رجالها عند علماء الحديث ومصادرها المعتبرة عند المسلمين مثل ابن عساكر والطبراني والبيهقي والحاكم وابن حنبل، وللقارئ الاطلاع عليها جميعاً من كتاب سيرتنا وسنتنا المشتمل على محاضرة الشيخ الأميني في نفس الموضوع وبشكل موسع.
الحسين عليه السلام ليس لطائفة دون أخرى ولا لمذهب دون آخر، ولذلك نجد الشيخ عبدالحميد الكشك أو الشيخ نبيل العوضي وغيرهم ينعون الحسين بحرقة، ونرى كيف وضح الشيخ محمد العوضي أن الصورة المرسومة لتبرئة يزيد بن معاوية مزيفة، ككثير من الزيف الموجود في تاريخنا وتاريخ العالم.
والله من واء القصد...
قال الله في محكم كتابه العزيز “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً”.

الأحد، 12 ديسمبر 2010

و من مثل الشيخ باقر؟









الأحد 12 ديسمبر 2010

منذ حداثة سننا ونحن نسمع اسم الشيخ باقر عندما يذكر الحزم في الأمور وعدم المواربة في إظهار القناعات. وهو الشيخ باقر بن الشيخ أحمد آل عصفور المتوفى في عام 1979 عن عمر يناهز السادسة والتسعين عاماً، حياة قضاها بين طلب العلم الديني، والقضاء الشرعي، وإعداد المؤلفات، وتبليغ الأحكام. والشيخ الذي لم ندركه، ولكن سيرته العطرة تكون حاضرة دوماً خصوصاً في شهر المحرم حين يكون الكلام عن موضوع تنزيه الشعائر الذي يتلازم مع اسم الشيخ باقر.
فقد تصدى الشيخ في حياته لمحاربة البدع ولتنزيه الشعائر مما يشوبها من أعمال خارجة عنها وأفعال مفسدة لها.
ومن أهم ذلك ما انتشر في زمان الشيخ من استعمال الموسيقى في مواكب العزاء. وفي ذلك ينقل عنه الأخ العزيز محمود طرادة في كتابه “العقد الزاهر في ترجمة الشيخ باقر” في إحدى خطب العيد قوله: “حقرتم هذا الشعار بالمزمار ولم تعظموه لو كنتم تعقلون، وقادتكم الأهواء إلى الأسواء باسم العزاء، فصرتم تتفكهون بالمحرم على حساب المأتم، وتحسبون أنكم تحسنون بهذا المأثم، وهذا تدليس وإغواء من إبليس، وجرم عظيم وطلاء تموهون به على الأغبياء وضعيفي العقول، ومعاذ الله جل علاه، وحاشا أبا عبدالله روحي فداه، أن يرضى بهذه السفاسف، واللهو بالملاعب والمعازف”.
وقال في خطبة أخرى: “ولكن يا للأسف إن الشيعة الخلف، خالفوا السلف، وأدخلوا في العمل الفضول، واستعملوا المزامير والطبول، فأفسدوا على أنفسهم العمل والقبول، وعملوا بغير المأمور والمأثور، وفي كل عام تزداد الزمور والطبول وألوان الألحان؛ لاستهواء النساء والصبيان”.
إن هذا التصدي الحازم هو ما يجعلنا نستذكر الشيخ دوماً في مثل هذا الموضوع الشائك، وهو تنزيه الأعمال والمناسبات الدينية من كل ما يخرج عن أهدافها ومضمونها المشرع إلى ما يفسد مشروعيتها ويضيع ثوابها.
 الموسيقى والمؤثرات:
رغم عدم عودة الموسيقى للعزاء بالزخم الذي عاصره الشيخ رحمه الله، إلا أن استعمالها موجود حالياً حتى في البحرين بشكل منفرد في موكب موسيقي. والنغمات ليست حاضرة في الموكب وحسب وإنما هي موجودة بشكل أقوى وأبلغ في الإصدارات والأشرطة الفردية للرواديد، والتي تستخدم مؤثرات صوتية قد لا تكون صادرة من آلات ولا أدوات موسيقية، إلا أنها تعطي الأثر نفسه في النفس وإن كانت أصواتاً بشرية أو صادرة من الكمبيوتر.
ما يزعج في استخدام المؤثرات بهذا الشكل القوي والفاقع، ليس فقط وجود إشكالية شرعية مرتبطة بأحكام الموسيقى فقط. إلا أن لها أثراً آخر في تفريغ الشعار والشعيرة من مضمونهما بشكل كبير. فإلى جانب الفيديو كليب الذي ظهر في السنوات الأخيرة، تحولت الإنتاجات إلى لون آخر من ألوان العمل الفني، يتشابه في المؤثرات والأدوات والألحان والاختلاف الموجود يكون أكثر ما يكون في الكلمات.
ورغم التأصيل الحاصل في النتاجات العزائية واستخدام النصوص القديمة والأشعار المتميزة، إلا أن الزخم الموجود يجعل المستمع لا يعيش المعنى بقدر ما يتوجه إلى الألحان التي تواكب الموضات وأحدث إصدارات الموسيقى التي قد تكون ألحاناً غنائية.
المشاركة النسائية:
رغم وجود مآتم للنساء، إلا أن الحضور اللافت للنساء في جوانب بعض مواكب العزاء في كثير من المناسبات للفرجة على العزاء في الشوارع من الأمور التي قلَّ من يتصدى لها للإرشاد لعدم جوازها أو إظهار ما تحمله من تناقض مع القيمة الروحية والدينية للعزاء. إذا كان من مصداق للاختلاط الفاسد والفاقع، فهذا من مصاديقه التي تخاذل أهل زماننا من علماء وعوام للتصدي لها.
المنبر السياسي:
في هذا الجانب، رغم عودة الناس لرفض استغلال منبر الإمام الحسين عليه السلام للقضايا السياسية، إلا أن المعنى يجب تركيزه بقوة عند أذهان الناشئة والناس عموماً. وهو أن شأن الإمام الحسين شأن أعظم بكثير من القضايا الوقتية، وإحياء ذكراه بالشكل الذي يرى المسلمون مشروعيته من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مرتبطاً بقضية وقتية أو بجانب سياسي أو توجيه معاصر. فمقتله عليه السلام هو ظهور لعدم اكتراث الجناة بمكانته الدينية من كونه سيد شباب الجنة وسبط الرسول الأعظم في المقام الأول وهذا في حد ذاته مصيبة، إضافة للتفصيلات الأخرى في الموضوع التي لا يتسع المقام لذكرها.
رحم الله الشيخ باقر آل عصفور، فالحديث في تنزيه الشعائر، وإن كان يمثل نقداً ذاتياً قد لا يكون محبباً للناس، إلا أن قيمته تكمن في التذكير بالمفاهيم العظيمة والمثل العليا والأخلاق النبوية التي هي نفسها الأساس للمبادئ التي دعا إليها الإمام الحسين عليه السلام، والله من وراء القصد.

الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

هل المحرم...شكراً جلالة الملك










الأربعاء 8 ديسمبر 2010

ها هو هلال شهر محرم الحرام يهل علينا من جديد، معلناً بدء عام هجري جديد بحسب التقويم القمري الإسلامي. لهذا الشهر طابع خاص في البحرين، حيث تعود أهلها منذ غابر الأيام على إحياء ذكر أهل البيت والتفجع لمصيبة سيد شباب أهل الجنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.
هذه النكبة التي مرت بالأمة الإسلامية حين وقع فعلها مصداقاً للمأثور عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: “لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، فلو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”. فقد وقعت الأمة حينها في ما وقعت فيه سالف الأمم من قتل أبناء الأنبياء وخيرة الخلق والتآمر عليهم وطلب محو ذكرهم.
وأبى الله إلا أن يقيض من خلقه من يحيون ذكر آل بيت نبيهم ويبينون فضائلهم ومظالمهم التي ربما كان أعظمها الرزء الذي جرى للإمام الحسين وأهل بيته. فقد طوردوا ولوحقوا للخروج من مكة والمدينة في موسم الحج ثم حوصروا في العراق. حينها طالبهم أتباع يزيد بن معاوية بالنزول على حكمه أو القتل وأبوا أن يخلوا بينهم وبينه، وأبوا أن يسمحوا لهم بالمضي وأبوا أن يسمحوا لهم بالرجوع كما أبوا أن يسمحوا لهم بالتوجه إلى أحد ثغور المسلمين يبقون فيه ويدافعون عن حمى الإسلام.
واضح لكل ذي عينين ممن قرأ التاريخ جيداً أن من حاصر الإمام الحسين كان يطلب دمه، ولا يطلب شيئاً آخر، وان كل المؤشرات السياسية تشير إلى ما تنبأ به الحسين نفسه وهو في مكة فقال “كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا”. فكان أن قتل مظلوماً بأبي وأمي، وجرى عليه وعلى أهل بيته ما جرى.
بل ان مقتله كان من خبر جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول والحسين عليه السلام في حجره: “إنَّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره”. وروي في أحاديث كثيرة أن النبي بكى عليه وعلى قتله وهو طفل صغير.
وجرياً على عادته السنوية الحميدة، قام عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك المفدى بتخصيص مكرمته السنوية لعاشوراء الإمام الحسين، التي يفتخر كل بحريني بإحياء شعائرها، وان هذا الإحياء يتم برعاية ملكية وحكومية كل عام، فبين تخصيص إجازة سنوية ليومي تاسوعاء وعاشوراء وهي العادة التي لم تنقطع من عهد الآباء والأجداد، وبين دعم احتياجات الحسينيات في كل عام في عاشوراء، إلى توفير الخدمات الأمنية والصحية، إلى غير ذلك من انواع الرعاية لشعائر عاشوراء وإحياء ذكر آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا بد لي هنا أن أتقدم بوافر الشكر الجزيل لمليكنا المفدى على كل ما قدمه ويقدمه بشكل مستمر لأبناء شعبه وفي خدمة دينه ووطنه وأسأل الله العلي القدير أن يجعل كل ذلك في ميزان أعماله الخيرة، ويسدده لكل ما فيه خير وصلاح الأمة.
كبيرة هي البحرين بمليكها وبشعبها وبتمسكها بقيمها ودينها وبرسالة نبيها وبمحبة أهل بيته الطيبين الطاهرين. يقول الله جل وعلا في محكم كتابه الكريم “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”.

الأحد، 5 ديسمبر 2010

قولة الحمد لله وموضوع الكتلة الأكبر




















الأحد 05 ديسمبر 2010

الكلام مؤخراً عن إعادة هيكلة الدعم للمحروقات والمواد الغذائية، كان كفيلاً بجعل المواطنين بشرائحهم كافةً يحسون بنعمة موجودة، كادوا ينسون قيمتها وينسون أن يحمدوا الله عليها لأنها موجودة منذ عقود. ولا شك أن زوال هذه النعمة سيكون خسارة كبيرة لكل المواطنين، إذ سيتحول الوضع إلى شبيه بما هو موجود في دول أخرى غير نفطية.
هذا الكلام لا يعني بتاتاً أننا مع رفع الدعم، على العكس، فالدعم كما قلنا في مقال سابق هو الساتر الوحيد الموجود لكثير من عورات التنمية الموجودة عندنا. كما أنه هو المصداق الوحيد لتقسيم الثروات في البحرين. ولذلك نتمنى أن يتم دعم البحريني بصورة أكبر وأكبر.
المواطن في عهد الانفتاح والإصلاح صار مستحقّاً لعلاوات تغطي الغلاء، وأخرى بدلاً للإسكان، وثالثة للإعاقة، ورابعة لمحدودي الدخل. والنظر في الأعداد الهائلة التي تتلقى هذه الأنواع من الدعم كفيل بتوضيح صورة الوضع الحالي للبحرينيين ومدى احتياجهم لأساسيات الحياة.
كل هذه العلاوات تدخلنا في معضلة وضع تعريفات للحاجة والفقر والإعاقة والمسكن اللائق، ولا أود التذكير بالأمثلة والشواهد. ورفع الدعم سيدخلنا في المتاهة ذاتها من جديد، لأن الغلاء سيزداد، والحاجة ستتضاعف.
في ظل هذه الأوضاع، نجد الكثير من فئات المجتمع من مواطنين وكتاب وجمعيات يضعون ثقل تمنياتهم على كاهل النواب، والنواب فقط. وأنا ضد هذا التوجيه جملةً وتفصيلاً. فشأن الخدمات والمستوى المعيشي والرفاه الاجتماعي يجب أن يكون شأناً حكوميّاً بالدرجة الأولى وذلك لأكثر من سبب.
السبب الأول هو أن الحكومة هي الجهة التنفيذية وهي التي عليها وضع البرامج لتسيير هذه الشؤون ذات الطبيعة التنفيذية، وللنواب حق الرقابة والتشريع جنباً إلى جنب مع باقي المؤسسات المختصة مثل مجلس الشورى وديوان الرقابة.
السبب الثاني، أننا لا نتمنى أن تكون هذه الملفات والاستحقاقات محل تنافس بين النواب، بحيث يصير أحدهم هو صاحب الفضل والآخر لا فضل له في تنافس محموم تدخل فيه حسابات الترشح للأدوار المقبلة فقط ويتحول الهم مناطقيّاً.

السبب الثالث أنه من الإجحاف أن يكون الخلل حكوميّاً والإنجاز نيابيّاً. فتقييمنا لأداء مؤسسات الدولة لا يعني أن نبخسها حقها من الثناء عند الإنجاز وننسبه إلى الآخرين. فالحكومة عملت وتعمل جنباً إلى جنب مع باقي المؤسسات الدستورية، لها إنجازاتها الكثيرة، إلا أن الطموح دائماً أكبر من الواقع، وهذا هو ما يدفع فعليّاً عجلة التنمية.
نقطة بخصوص تطلعات الشعب البحريني، فأولويات البحرينيين الحالية أكثرها تستقر في المستويين الأول والثاني، وهما الحاجات الأساسية. ولا شك عندي أن تحقيق الإنجازات على هذين المستويين يكفل للحكومة أن تكون الكتلة الأكبر. ومعنى ذلك أن اهتمام الناس عندنا بالسياسة والجمعيات مرده بحثهم عن أمل، وأينما وجد هذا الأمل فسيظل الناس وراءه. وإذا كانت طلبات الإسكان جاوزت 47 ألف طلب فمعنى ذلك أن 47 ألف عائلة دخلت السياسة من نافذة الإسكان، وسيكون بطلها السياسي من يُسكِنُها في منزل العمر.
إن الجمعيات واللاعبين السياسيين يخلقون التطرف عبر استغلال الحاجة، والمتاجرة بآلام الناس، وكما تجفف الدولة منابع الإرهاب عبر محاربة غسل الأموال ومراقبة التبرعات للجهات المشبوهة، كذلك عليها أن تسعى جاهدة لحلحلة الملفات المعيشية لتقطع الطريق على المشككين والمتاجرين والمزايدين إن وجدوا.
هل تعتقدون أنه إذا تم حل ملف الإسكان سيظل لأي جمعية سياسية مؤيد؟ لا أعتقد.


الأحد، 7 نوفمبر 2010

شر البلية ما يضحك... جمعية المستقلين











أتمنى على قرائي الأعزاء ألا يعاتبوني على تهلهل الكلمات أو السطور، أو على تبعثر العبارات بدون رابط في هذه المرة بالذات. والسبب في طلبي للعذر هو أن هذا المقال بالذات قد كتبته مستلقياً على قفاي من الضحك منذ منتصف الأسبوع وحتى لحظة نشر هذا المقال.
وأما عن سبب الضحك والقهقهة فإنني وعلى خلاف العادة استبشرت خيراً ببداية الموسم البرلماني الذي أيتمنا بتوقفه للإجازة ورفع جلساته للمرة الأخيرة في 11 مايو 2010. ولكم أن تتخيلوا أزيد من خمسة أشهر كئيبة اكتنفتها أحداث متلاحقة لا تبعث كثيراً على السرور. الشاهد أنني استبشرت خيراً بقرب بداية الأكشن، ولم يخيب نوابنا الكرام ظني أبداً. فقبل أن تنعقد أول جلسة، بل وقبل أن يتم تعيين أعضاء مجلس الشورى بدأ “الأكشن القوي”.
استبشرت خيراً أيضاً حين رأيت حظوظ المستقلين قد تصاعدت بشكل يبشر ببرلمان يحمل سمات جديدة بعيدة عن الاصطفافات السيئة الصيت والتي حصلت في برلمان 2006، فالمستقلون بلا شك أبعد عن الاصطفاف. صحيح، أن تأثير التكتل داخل البرلمان أقوى في صناعة القرار من الصوت المنفرد، إلا أن الاستقلالية في الأفكار لا تمنع من التوافق في المواقف، فيصير لكل مقام مقال، بعيداً عن احتساب أي نائب على أي جهة أو جمعية.
الناس أو الناخبون استبشروا معي أيضاً، فالمتأمل لردود الأفعال التي نشرت في الصحف سواء من الكتاب الصحفيين أو النخب أو عموم الناس، يجد الكل متهللاً بتحرر الشارع من قبضة الجمعيات، الكل يشيد بما فعله الناس بمن يخدعهم أو يتاجر بهم، وتم تقسيم المشهد من قبل الصحافة إلى مفارقة بين شارع شيعي متحزب وشارع سني متحرر، وإليكم أمثلة من عناوين صحيفتنا “البلاد” مثالاً. القوة السنية الصاعدة، تحولات الوعي السني والحراك الانتخابي، فاجعة الإخوان، مفاجآت 23 أكتوبر، الأصالة والمنبر دور ثانٍ بطعم الهزيمة، شعب البحرين يلقن التيارات الدرس، أصوات البحرينيين ليست قطعاً خشبية.
ولكن يبدو أن المستقلين الذين رغب فيهم الناس قد قرروا استراتيجيّاً لا أن يتكتلوا داخل المجلس وحسب، بل قرروا -وهنا سأستلقي ضاحكاً مرة أخرى- أن يكونوا جمعية للمستقلين، لا أفهم معنى أن تكون جمعية للمستقلين، ولا تلوموني في ذلك، فربما كان تصور النواب المستقلين يحمل شيئاً من الوجاهة إذا شرح بلغة أخرى لا أفهمها، إلا أنني -ورأيي لا يلزم أحداً- لا أؤمن بأن جمعية ما يكون تحت لوائها مستقلون. نعم جمعية محايدة، جمعية غير حزبية المواقف نعم، ولكن أنا مستقل من الجمعية الفلانية؟ هذا ما لا يكون أبداً.
وأسترسل في القراءة بعد أن ضحكت، لأجد أن الاسم المقترح هو اسم جمعية الوحدة الوطنية، وهنا لي أن أقف وقفة إجلال واحترام لهذا التوجه على أنني أتمنى أن يكون اسماً على مسمى، وأن أتمنى لنواب هذه الجمعية الجديدة التوفيق. يبقى لي بعض الملاحظات أتمنى أخذها بعين الاعتبار:
1) في حال كتب للجمعية أن ترى النور، فإن الناخبين لن ينسوا للجمعية العتيدة أن أعضاءها قد استغلوا صفة الاستقلالية ليقنعوا الناس باختيارهم، ثم انقلبوا على هذا الفهم واصطفوا في جمعية جديدة، قد تطولها اتهامات السرية التأسيسية في البداية، وقد تعتبر فصلاً من فصول المطبخ. لذا يتعين على كل نائب أن يستشير قواعده في الدخول إلى الجمعية، لأنهم لم يكونوا قد صوتوا إلا لمرشح مستقل.
2) أحد أبرز نواب هذه الجمعية العتيدة “جمعية الوحدة”، والذي يحترمه الجميع لمواقفه المشرفة في الجانب الخدماتي لدائرته بصورة خاصة، ينبغي أن يراجع نفسه في موضوع إعلاناته التي تتصدر وتدعم أحد أبرز المواقع المنتدياتية الطائفية السيئة الصيت، والذي كان موقف هيئة الإعلام منه مؤشراً على تحيز محير، رغم مخاطبتهم أكثر من مرة في مقالات سابقة، ورغم تلقينا تطمينات من إدارة النشر والتوثيق الإعلامي بالهيئة منذ أكثر من شهر. على هذا النائب وعلى كل من يثمن الوحدة الوطنية أن تتطابق مواقفه مع تصريحاته. فالوحدة الوطنية ليست كلمة جوفاء تقال حشواً، والوحدة الوطنية يجب أن تدعم خطاباً وحدويّاً لا خطاب السباب والشتم والتكفير.
3) كما تمنينا على جميع نواب 2006، فإننا نتمنى للأمل القادم وهو كتلة المستقلين، ألا يُجَرُّوا جرّاً إلى اصطفاف طائفي يعيد لنا صورة البرلمان السابق وسنواته العجاف على المواطن، فأمام النواب ميزانية جيدة من أكثر من ناحية، يجب أن يعملوا على الاستفادة منها في خدمة المواطنين وتوفير سبل حياة كريمة على أكثر من صعيد قد يكون أهمها الإسكان، الذي صار همَّ الحكومة وشغلها الشاغل كما هو همُّ كل مواطن على هذه الأرض الطيبة.

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

الخبرة المفقودة











محاذير ومحاذير ومحاذير، حقول ألغام مزروعة في طريق ذلك الغض الذي يبدأ للتو مشوار التجربة العملية، بعد أن وصل إلى حد التشبع في تزوده بالمعارف والعلوم التي يحتاج إليها ليصل إلى مرحلة الجهوزية، وآن له أن يبدأ العمل. متعجل هو بل مفرط في استعجاله، نزق شباب تجربته يدفعه إلى الاستعداء، وإلى التشبث - دون حتى أن يستمع للآخرين - بآرائه، ودون أن يدرك أن الآخر لا يحاول كبح جماحه، ولا أن يوقف عمله، ولا أن يصادره. إن هذا الآخر الذي هو واقعاً يقبع معه في نفس البيت، يريد فقط أن يوصل له بعض نتاج خبرته ليجعله يجني أفضل ثمار عمله، وقديما قيل أن السير على غير هدى لا يزيد صاحبه إلا بعدا.
ربما علمته التجارب كما علمتني وغيري ان التفكير وإمعان النظر قبل بدء العمل يختصر وقت إنجاز العمل كثيراً، إذ ان تنظيم العمل وتحديد هدفه المنشود ووضع الضوابط قبل البدء يقي العامل من التخبط ومن ممارسة ما يسميه العقلاء “التجربة والخطأ”. دقائق قليلة قبل الشروع، ستوفر ساعات ثمينة بعد أن يدخل المرء في دوامة لم يكن مستعداً لها البتة. مشكلة الخبرة المفقودة تحصل كثيراً عند غياب من شهدوا تأسيس مؤسسة أو منظومة ما، إذ ان الخيارات المتبقية لمن يخلفهم كثيرا ما تكون محدودة، ويظل تحديد المساحة التي يستخدم فيها مفهوم “التجربة والخطأ” وهامش الخطأ المسموح به رهناً بما تركه السابقون من توثيق لتجربتهم العملية، فيكون الاجتهاد غالباً في منطقة الفراغ. ولعل غياب هذه الخبرة بشكل تام يدفع إلى ما نسميه إعادة اختراع العجلة من جديد.
أضرب مثلاً بالعمل الذي يقوم به الكهربائي عند تسليك بناية، فما لم يقم هذا الكهربائي بترك خارطة مفصلة يوضح فيها ما قام به، فإن أي عامل صيانة يأتي فيما بعد سيواجه صعوبات كبيرة في إصلاح الأعطال أو إضافة التمديدات للملحقات الجديدة. هنا سيتوجب على هذا العامل أن يمارس “التجربة والخطأ” ليفلح بعد جهد جهيد في عمل ربما كان يستلزم دقائق معدودة لو كان يحمل معه الخرائط اللازمة.
ولا شك عندي أن التصدي لأي عمل كان يتطلب شجاعة أدبية، لتقبل النقد، وتقبل الفشل، وتقبل إعادة الكرة مع تصحيح الأخطاء. الحماس الشديد والمتلازم دوماً مع الشباب، يجعل كل من يريد المنافسة مع الموجود يفكر من خارج الصندوق كما يقول الإنجليز، والتفكير من خارج الصندوق هو السعي لإيجاد حلول غير تقليدية لمشكلات موجودة دون الخضوع بسلبية للإطار الفكري الذي يحاصر ذهن الإنسان والنابع من تجاربه السابقة وقناعاته ومحيطه. ونجد اننا بطبيعة الحال نتفاوت في طريقة تقبلنا للتجديد والتغيير وذلك بسبب اختلاف التركيبة النفسية بين أفراد المجتمع من محافظين ومجددين، هذان التصنيفان اللذان يسميهما علماء الاجتماع ساقي المجتمع، حيث لا يتحرك إلا بقدم راسخة في الثوابت وأخرى ساعية إلى الإبداع والمجاراة للمتغيرات العصرية.
تأتي هنا جملة من النقاط المهمة التي أود التركيز عليها:
 - ان الانفتاح في التفكير على جميع الخيارات لا يجب بحال من الأحوال أن يصطدم بالقيم والثوابت الدينية والاجتماعية بل وحتى التنافسية، لأن ذلك إما يجعل الخيار غير أخلاقي في الحالة الأولى، أو خيارا عديم الجدوى في الحالة الثانية.
 - ان اللاعب الخبير ليس بالضرورة هو الأكثر حركة، وإنما اللاعب الذي يجيد التمركز في المكان الصحيح لاستقبال الكرة.
 - ان فهم أسباب وضع أي قاعدة أو إجراء والخلفية التاريخية لوجوده يجعل من السهل تقييم استمرارية الحاجة لها من عدمها.
في هذا السياق، هناك طرفة منتشرة هذه الأيام بعنوان نظرية القرود الخمسة، وتتمثل في أن أحدهم وضع خمسة قرود في غرفة وجعل في وسطها سلماً. وعلى قمة هذا السلم وضع بعض ثمار الموز. وبطبيعة الحال ان سعى أحد القرود ليقطف الموز، ستنطلقت رشاشات الماء البارد لترش القرود الأخرى. وكلما تكررت المحاولة من أحد القرود، تكرر انطلاق الماء كعقاب جماعي للآخرين.
وبعد فترة صارت القرود تنهال ضرباً على أي فرد منها يحاول قطف الموز لئلا تصاب بهذا العقاب الجماعي.
ثم تم تبديل القرود واحدا واحدا وهي تتناقل هذا الموروث، حتى صارت المجموعة الخماسية جديدة بالكامل، ولم يشاهد أي منها عملية رش الماء إلا أنها احتفظت بعادة منع قطف الموز.
هكذا تنتقل الخبرات الإيجابية منها والسلبية، ويبقى قليل من الناس يعرفون ظروف نشأتها ونتائجها، ويبقى أكثرنا لا يتعرف على حرارة النار إلا بحرق أصابعه.

الأحد، 31 أكتوبر 2010

حيص بيص التنمية







بينما كانت ليلى تستعد للذهاب لعملها وتحمل حقيبتها بيد، كانت باليد الأخرى تحضر حقيبة ابنها ذي السنوات الثلاث لتأخذه لحاضنته أم محمد، فتضع له شطيرة وكيس رقائق البطاطا وعلبتين من العصير الذي يحبه. هذا بالطبع بعد أن وضعت له كل ما يحتاج من ملابس وألعاب تكفيه مدة ست ساعات يقضيها كل يوم عند الحاضنة. كان من تمام التوفيق أن تجد هذه الحاضنة التي ترضى بالقليل ومع ذلك تعتني بطفلها والأطفال الآخرين أفضل عناية. وكعادة ليلى أسرعت في الخروج المبكر قبل دوامها بساعة لتوصل صغيرها في زحام طريقها إلى العمل. لم تكن تتمنى أن تعمل ووحيدها في هذه السن المبكرة، ولا كانت تأمل أن ترسله لحاضنة غريبة لولا أن شظف العيش وخشونته والذي فرض عليها أن تكون أماً عاملة قد فرض عليها أن توجد حلاً لمشكلة ابنها عن طريق أخذه لـ «بيبي سيتر».
وعند باب أم محمد، كانت توصي المرأة الأربعينية بابنها قبل أن تنصرف، إلا أن أم محمد بادرتها بإخبارها أن تجد لابنها مكاناً آخر منذ الشهر المقبل، وهنا كانت الصدمة. ظنت أن السيدة تريد زيادة الأجرة، إلا أنها كانت مخطئة، فما تحصل عليه يكفيها ولله الحمد، إلا أن قوانين الدولة صارت تفرض عليها أن تفتح روضة نموذجية في فيلا، وتأخذ كل التراخيص والسجلات المطلوبة من أكثر من جهة ووزارة؛ لتتمكن من مواصلة العمل. وهنا وقعت ربة المنزل في دوامة من الأسئلة:
· لو كنت أملك مؤهلاً تعليمياً ربما لم أكن ربة بيت أساساً.
· لو كنت أملك فيلا لما سكنت في هذه الشقة الصغيرة من الأساس.
· لو كنت أملك ما أؤسس به روضة نموذجية لما فكرت أساساً في المشروع، فانتفاء الحاجة ربما جعلني أتوقف عن العمل من الأساس.
· لو كانت الظروف تسمح لعملت مؤقتاً عند إحدى الروضات بدلاً من تولي مسؤولية الأطفال وحدي.
في الوقت نفسه كانت ليلى تفكر في الموضوع من زاويتها:
· إذا لم يكن بإمكاني إرسال طفلي إلى حاضنة، فلن أتمكن من العمل أساساً.
· إذا أرسلته إلى حضانة أطفال، فسيكلفني ذلك ضعف ما أدفعه الآن.
· ماذا أفعل في الإجازة الصيفية، هل هناك حضانة متوافرة في هذه الفترة؟ الموضوع قد يبدو غير حري بالبحث والمناقشة، إلا أنه موضوع حيوي من جهات عدة، فلو حللناه من الزوايا المنطقية له، لوجدنا أن من الضرورة إيجاد حل له لأسباب عدة، ليس لخاطر ربات المنازل أو الأمهات العاملات وحسب، وإنما من نواحي اقتصادية واجتماعية للجميع. فالوضع الحالي لهذه المهنة على جميع مستوياتها يجعلها في مهب الريح. نأخذ مثلاً موضوع رواتب العاملات في رياض الأطفال
والحضانات التي تحوم في حدود الثمانين والمئة دينار والتي تتوقف مع الإجازات. هذا بالطبع أدنى من الحد الأدنى للرواتب الذي استقر عند المئتي دينار للقطاع الخاص. والحد الأدنى للرواتب أقل أيضاً من خط الفقر الذي تم تقديره في فترة ما بــ 337 ديناراً.
ولقد صدر قرار في مايو من العام الجاري من مجلس الوزراء يلزم تمكين بدعم رواتب رياض الأطفال بـ 30 دينارا شهريا لمدة معينة، إلا أن ذلك يبقى دون ما يحتاجه الوضع بكثير. كما أن تحميل رياض الأطفال نفسها عبء رفع الرواتب لن يكون حلاً، إذ سيؤدي مباشرة لإفلاس الكثير منها ورفع أسعار الباقين، بما يجعل الطاقة الاستيعابية دون حاجة السوق بمراحل، ويجعل الكثير من الأهالي غير قادرين على إرسال أطفالهم لرياض الأطفال والحضانات.
الوضع الآن كما نقول ماشي بالبركة، وتعديله ضرورة ماسة؛ لأن البركة سترتفع طالما هناك أطراف مظلومة في الموضوع.
وهنا يسألني سائل عن سبب حشري لوزارة التنمية في هذا الحيص بيص، فأقول إن وزارة التنمية مسؤولة عن مفهوم جميل، إلا أنه غير مكتمل المعالم، فهي الجهة المسؤولة حسب علمي عن مشاريع الأسر المنتجة، والتي تمكنت من فتح العديد من البيوت عبر ما تنتجه الأسر المنتجة من مأكولات ومقتنيات يدوية تعرض للبيع في معارض ومحلات، بالإضافة إلى مطار البحرين. هذا المفهوم واضح وجلي في المنتجات، إلا أنه لا يذهب لتفصيلات الإنتاج الخدماتي على الأقل بحسب معلوماتي. فالكثير من ربات البيوت يعملن في منازلهن كحاضنات أو مصففات شعر وخبيرات تجميل أو كصاحبات مطبخ يتلقين الطلبات. ونجد الكثيرين ممن يشهد لكل هؤلاء بأنهن يقدمن خدمات تتفوق على الكثير من النظائر في المحلات التجارية، إلا أنهم لا يتمكنون من تحويلها لمشاريع تجارية بسبب ضيق ذات اليد، أو لأسباب مشابهة. ومن ثم نتوقع من وزارة التنمية أن تكون الجهة الداعمة لهم في هذا الوضع الحالي حتى يتطور.
مفهوم «جليسة الأطفال» موجود في الدول الأخرى أيضاً عربية وغربية، إلا أن التشريعات عندنا قد تكون لا تتفهم وضعه بسبب جمودها وعدم منطقيتها في بعض الزوايا. التشريع يجب أن لا يلغي الحقوق الطبيعية ولا أن يعقد الأوضاع القائمة. القانون وجد لتنظيم حياة الناس، و لكن، أليست الحاجة من المقاييس الواقعية لضرورة وجود التشريع. يمكن لوزارة التنمية أن تخلق مفهوم «رخصة مهنة منزلية» بحيث تتجنب تعقيدات قانون الشركات التجارية وقانون العمل، وتوجد وضعاً يمكنه إدخال هذه الفئات إلى ساحة الإنتاج، بصلاحيات محدودة تفي بحاجاتهم وحاجات المجتمع وتضمن الاستفادة من كثير من مواردنا البشرية المهدورة، و الله من وراء القصد...

الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

انتخابات جامعية (2)











في الوقت الذي بدأت أنتبه لدخول الأحزاب واحداً واحداً إلى انتخابات الجامعة للمرة الأولى، علمت أن الصراع النيابي والبلدي مستقبلاً سيكون كأشرس ما يكون. فهذه إحدى المترشحات يربطها نسب برئيس إحدى الجمعيات اليسارية آنذاك، وهذا المرشح مدعوم من جمعية إسلامية معروفة، وبين هذا وذاك كان حضور مستقل على استحياء. الجانب اللطيف أن الإدارة لم تحتج إلى موضوع المراكز العامة أو تعرض موضوع التصويت الإلكتروني. كذلك كان هناك تقدم من ناحية ديناميكية هيكل الدائرة الانتخابية. حيث كان عدد المقاعد المخصصة لبعض الكليات يتغير من سنة لسنة بسب طلاب الكلية، حيث كان المقياس آنذاك أن كل ألف طالب يمثلهم ممثل منتخب واحد، لذا وصل عدد مقاعد كلية الإدارة من 3 إلى 4 في بعض السنوات اللاحقة.
في طور الإعداد للانتخابات، تلقيت دعوة من هيئة الإعلام في الجامعة على ما أذكر، للمشاركة في برنامج تلفزيوني حواري يتعلق بانتخابات الجامعة. وأذكر ان من ضمن الأسئلة وقتها سؤال عن سلاح الإشاعة، وهل تم استخدامه في الانتخابات أو لم يحدث بعد. هنا أجبت مقدم البرنامج الذي كان بالمناسبة الأخ محمد درويش، لا بد انه حتى ولو استخدم فأن لا نقوم بإسداء خدمة لصاحب الإشاعة بالكلام عنها في برنامج تلفزيوني بما قد يضر بكل المترشحين بما فيهم أنا. وكانت الإشاعة السارية آنذاك هي إشاعة دخول الجمعية على خط الانتخابات، وهذا ما حدث بالفعل وإن لم يكن واضحاً كالسنوات التالية.
نجد أن سلاح الإشاعة كثير الاستخدام، كما حدث في الانتخابات النيابية المنصرمة 2010، فالكلام عن المطبخ السري والتأكيد عليه، لم يكن أكثر من استخدام تكنيك “أنتم مستهدفون” للتحكم في العقل والذي تكلمنا عنه في مقال “التحكم بالعقل”. فلا أظن من تكلم عن المطابخ السرية يشكك اليوم في نزاهة انتخابات أسفرت عن فوزه الكاسح حسب تعبير بعض الصحف.
في اليوم الموعود بدت الصورة بوضوح، كانت ماكينتنا الانتخابية تعمل بجد للتأكيد على تحميس الناخبين للإدلاء بأصواتهم. عادة في هذا اليوم تبدو النتيجة للعيان قبل أن تظهر، لكن يوم الانتخابات كان استثنائيا فهو باعتباره يوم ثلاثاء، فقد استقطب حضوراً أقل من أيام السبت والإثنين والأربعاء آنذاك، رغم أن هناك من تجشم عناء الذهاب للصخير في ذلك اليوم للتصويت لنا وحسب. وفي ظهر ذلك اليوم، أخذت أتجاذب أطراف الحديث مع أقرب المنافسين خبرة واستقلالية وعلاقة، وظللنا نمشي حتى استقر بنا المقام في بهو التسجيل. أكدت حينها على أمر، انني وإياه لم نكن حزبيين وان هذا ما سوف يمنعنا من الوصول بكل تأكيد للمجلس. وصارحته أنني رأيت من الوقائع واستلمت من الإشارات ما يؤكد دخول أحزاب في الانتخابات الطلابية.
مساء يوم الانتخابات انسحبت وفريقي بهدوء بعد تهنئة الفائزين، وقمنا بإزالة كل إعلاناتنا في نفس الوقت، التي حرصنا منذ أول يوم أن تكون في أماكن مأهولة دائماً وطرقا مسلوكة دوماً ليصعب تمزيقها كما يحدث عادة في الانتخابات.
أحسبنا استفدنا الكثير من هذه التجربة وإسقاطاتها على المستوى العملي، ورغم عدم واقعية العمل بهذه الطريقة، إلا ان العمل في السياسة بأسلوب حزبي وفئوي ضيق يأتي بأسوأ النتائج على المستوى الأخلاقي للفرد والمجتمع، وأول ما ينساه الإنسان حينها أن “يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه” وأن “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” وكثيراً من المبادئ التي ينساها طلاب الدنيا وعشاق الكراسي.
آخر الوحي:
بالنظر إلى التظلم من وجود المراكز العامة، نجد بعض الماكينات الانتخابية تستخدم مراكز خاصة خارج المراكز الفرعية لتسجيل اصوات الناخبين قبل دخولهم. هذا الأسلوب لا يرصد الأصوات وحسب، وإنما يخلق بالإضافة إلى تكنيكات أخرى ضغطاً على الناخبين في اختيار مرشح محدد ويحد من حريتهم بشكل واضح، وهذا ما لا يحصل في المراكز العامة. ودون دفاع عن هذه المراكز ولا تشكيك فيها، أقول أن من يرفض وجود باب للهواجس التي تخالج الناخب، يجب عليه أن يكون أول مدافع عن حرية رأي الناخب ونزاهة العملية الانتخابية بشكل تام.

الأحد، 24 أكتوبر 2010

التحكم بالعقل










في سلسلة القادمون الشهيرة والتي تتكلم عن العولمة بكثير من التشكيك والربط الدقيق تارة والمستغرب تارة أخرى، يطرح مفهوم مهم للغاية، هو في اعتقادي الأهم في هذه السلسلة. وهذا المفهوم كما تركز عليه الحلقات هو مفهوم التحكم بالعقل. وتأخذ الحلقات بالكلام عن هذا المفهوم والذي يرتبط بعدد من التكتيكات التي تستخدمها الجهات الحزبية السرية للتعمية على حقيقتها الشريرة من ناحية، وخلق ظواهر للتعمية على البواطن الحقيقية ووضع هياكل إدارية ظاهرة تختلف عن موازين القوى الحقيقية وتبدأ في بث أفكارها وتلقين هذه الأفكار للصغار حتى يكبروا وللكبار حتى يشيخوا.
التحكم بالعقل عن طريق صنع بروباغندات وأحداث مفتعلة، التحكم بالعقل عبر تسويق عادات معينة، التحكم بالعقل عبر عدة ممارسات تعمي الجمهور عن حقيقة الدور الذي يؤدونه في اللعبة من دون أن يشعروا. من ضمن هذه التكتيكات التي يستخدمها الحزبيون والذي سنتكلم عنه هو تكتيك خلق «ثيم» يفكر الناس من خلاله، فيكونوا أقرب للمنومين مغناطيسياً ومستعدين للطاعة بلا نقاش، ومستعدين للوقوف صفاً مع أي مشروع تطرحه هذه الجهة أو تلك. وسأذكر أمثلة على بعض الأوهام المشهورة التي استخدمت بخبث في كثير من أصقاع الأرض. كما أنني أفكر بإيجاد سلسلة مواضيع تحت عنوان «استيقظ» تبحث في موضوع التحكم بالعقل.
المثال الأول: أنتم شعب واعٍ: بعد أن يقوم الخطيب بمدح ذكائك، فله أن يسوق للجمهور ما يشتهيه من أفكار ساذجة للاطمئنان من استسلامهم لكل ما سيقوله، فهم ولله الحمد كلهم أذكياء. وتذكر هنا قصة مشهورة باسم رداء الأمير، حيث خدعه نصابان وقالا له إنهما سيصنعان له ثوباً لا يراه إلا الأذكياء، وحين شاع خبر هذا الرداء الغالي اصطف الناس لمشاهدته وطبعاً كل الجمهور رأى الرداء الفاخر لمدة، حتى صرخ طفل ببراءة الأطفال المعهودة التي لا تنطوي عليها الحيل: إن أميركم عارٍ من الثياب. هنا ضحك الجميع على سذاجتهم، ولكن بعد أن فر النصابان بالأموال التي ابتزاها مقابل تصميم الثوب المزعوم.
المثال الثاني: أنتم مستضعفون: بعد أن يقوم الساحر بالتأوه لحالك و إشعال مشاعر الغضب، فأعلم أنه سيركب بك لجج المخاطر وأهوال البحار لينقذك مما أنت فيه، بعد أن يشعرك أنه لم يبق لديك شيء تخسره، فأنت إن لم تحقق ما يصبو إليه نيابة عنك، فإنك خسرت كل شيء وصار لا بد من بذل النفس والنفيس لإنقاذك. استخدم الصهاينة هذه الطريقة في جعل اليهود يعتبرون إسرائيل هي الحلم والملاذ والسبيل لإنقاذهم من استضعاف الناس لهم، فأسسوا بهم دولة جعلوهم في محارقها وتحت مرامي النيران فيها، وقسموا أنفسهم عرقياً، فبقيت الأعراق المستضعفة مستضعفة، وأسسوا بهم دولة جمعت الضعفاء ليكونوا عبيداً لأطماع الصهاينة الخبثاء.
المثال الثالث: أنتم منتصرون: بعد أن يقوم المحتال بتهنئتك بالنصر ومنحك وساماً لا تستحقه، فأعلم أنه ينوي مواصلة استغفالك وتسويق قيادته على أنها قيادة لا تخسر وشوكة لا تكسر، لتواصل تسليم عنان نفسك له لمواصلة امتطائك الذي صار هدفاً في حد ذاته مع الأهداف الأخرى التي يسعى إليها. وبالطبع يسكر الأتباع مع نشوة النصر الموهوم هذه، رغم أنه ليست هناك معركة من الأساس، ولا توجد إنجازات للتشدق بها، ولكن عطش الناس للنصر يجعل مهمة إقناعهم به غير عسيرة.
المثال الرابع: أنتم مستهدفون: إن استغلال النصاب غريزة البقاء وإشعار الشخص الذي أمامه بالخطر الذي يحوطه، يجعله مستعداً لتنفيذ الأوامر كالأبله، والسير في الاتجاه المطلوب منه لدفع هذا الخطر عن نفسه، وهذا ما استخدمه الاستعمار في التفرقة بين مكونات المجتمع العربي والمسلم وزرع بينها الخوف من بعضها البعض.
المثال الخامس: العرب متخلفون: إن استغلال الأجنبي لهذا الوهم هو تكريس دائم لعقدة النقص والتي تجعل الشعوب العربية دائما تنظر بانبهار لكل ذي بشرة حمراء أو بيضاء، وتصير في اضطرار دائم للاستعانة بخبرات أجنبية قد تكون في مجالات لا تتطلب أي خبرة أو مهارة. ولو أنك عايشتهم وناقشتهم، فلن تجد تفوقاً في أي جانب يجعله غير عادي وسوبرمان. نعم ربما كانت البنية التحتية العلمية أكثر تطوراً فنعم، إلا أن ظاهرة العقول المهاجرة تبرهن أن التخلف ليس في العقول بقدر ما هو نقص في الاستثمار في البنى التحتية والبنى التحتية العلمية والصناعية.
والأمثلة كثيرة، إلا أن المهم هو أن ننتبه فلا نأخذ الأفكار على عواهنها؛ لأن من خلق الله له عقلاً لا عذر له في وضعه إياه على الرف.

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

انتخابات جامعية









في عام 2001 على ما أذكر نظمت جامعة البحرين أول انتخابات طلابية، وكان لي بعض الذكريات والتجارب الجميلة والمفيدة، خصوصاً أني ترشحت وقتها عن كلية إدارة الأعمال. الطريف في الأمر انني الآن بعد عشر سنوات تقريبا من التجربة أكاد أرى كل ما مررت به في انتخابات الجامعة يحصل عى ساحة الانتخابات البرلمانية والساحة السياسية بشكل عام. ويتهيأ لي أن معظم الأطراف السياسية قد اتخذت للأسف من انتخابات الجامعة وقتها ساحة تدريب لنزالات 2002 وما بعدها.
كان في هذه السنة دخول الجمعيات السياسية على الخط الطلابي غير ظاهر بهذا الأسلوب الفج والواضح الحاصل في أيامنا هذه، إلا أن التجربة التي كانت في بدايتها بدا فيها دخول الأطراف المذكورة على الخط بشكل حذر يراه المتأمل عن قرب.
للوهلة الأولى، بعد ترشحي، جاءني أحد الزملاء الأعزاء، ولي به صلة نسب وطلب مني أن أكتم مشاعري تجاه أي شيء أراه وألا أغضب أو أتسرع. ثم مشى معي لأحد الصفوف. في هذا الصف كان يعقد مؤتمر صحفي أو ماشابه، يديره الطلبة الذين كانوا على رأس مشروع الاتحاد الطلابي والذي تمخض عن استجابة الجامعة بتشكيل مجلس الطلبة أو الصيغة التمثيلية التي أساسها الانتخاب كما عبر عنها آنذاك.
وبدأ المؤتمر بالكلام عن المشروع القادم من إدارة الجامعة والذي جاء “مشوهاً، جنيناً ميتاً، معوقاً” ودون كل الطموحات، فمن عيوبه الكثيرة وجود أعضاء بالتعيين بحكم مواقعهم كرؤساء للنوادي وجمعيات الكليات.
وهنا تكلم المتحدث عن الموقف المرتقب والسيناريوهات المحتملة، فيقول بالمعنى: صرنا بين ثلاثة خيارات، إما أن نقاطع، فنفسح المجال للمتسلقين ليواصلوا تشويه المشروع. وإما أن نداهن ونساير، وهذا ما تأباه أنفسنا. وإما أن ندخل للتغيير من الداخل وللحفاظ على التجربة والمشروع. وقد اخترنا الخيار الثالث مع احتفاظنا بحقنا في الانسحاب عندما لا نجد التعاطي في المستوى الذي يبعث الأمل بالتغيير.
هنا قام أحد الطلبة وقال لهم، إن هذا الخيار هو نوع من الخنوع والتنازل. فأجابوه أنهم ماضون في المشروع، وإن كانوا يتوقعون أن يضطروا لإسقاط المجلس بالانسحاب الجماعي منه في وقت من الأوقات.
انتهى المؤتمر وخرجت، حادثت قريبي وقلت له بالمعنى، إن هذا العبث لا يمكنني التعاطي معه، والسير في سياق تحزيب الطلبة.
وبعد أن تقدمت للترشح، وكان ترشحي مبكراً بالنسبة للبعض الذين آثروا حينها تأخير الترشح حتى تتضح الحسابات على أرض الواقع. أقول للوهلة الأولى جاءني اثنان من الزملاء الاعزاء أحدهما صديق عزيز وأخ كريم، وعرضا علي الدعم، فلما سألتهما عن الجهة، فكانت الإجابة أن الجمعية تعرض دعمها عليك.
أجبتهما حينها أنني أفضل أن أدخل مستقلاً لئلا أكون مسؤولاً عن أجندة قد أختلف معها، ابتسم الأخوان وقال أحدهما لي “الجمعية لا تريد منك شيئاً، الجمعية ستعطيك أصواتاً” وهنا كررت جوابي أنني سأدخل مستقلاً وشكرتهما على العرض السخي.
الحال ان هذا الكلام كان قبل إجازة نهاية الأسبوع، وفي أول يوم بعد الإجازة رأيت نفس المجموعة وهي تحمل ملصقات المرشح الذي وقع عليه الاختيار بعد جس نبضي الذي لم يكن حزبياً بما يكفي.
بعد هذه الحوادث والكواليس، أيقنت أن جزءاً مما أخشاه قد شهدته بعيني، وأن هناك ولا شك كواليس مقابلة، تجلت بعض أجزائها فيما بعد. وصرت في موقع مكنني من التنبؤ بما سيحدث على الساحة المناظرة لها خارج الجامعة، حيث لعب الكبار، رغم عدم فوزي في الانتخابات حينها. وكما يقول الجواهري:
كشفت بأمس وجه غد تليد     تمطت عنه قافية شرود
كزرقاء اليمامة حين جلى      مصائر قومها بصر حديد
واستذكرت كلام أحد دكاترة الجامعة الأجانب، حين سأل عما يحدث، فأجبته أنها الانتخابات الطلابية، فقال بما يشبه الحوقلة، إنها بداية المشاكل. تعجبت منه وسألته عن أي مشاكل يتحدث بسبب مجلس محدود الصلاحيات وقد يكون شكلياً في مراحل ما. أجابني حينها وكم كان صادقاً: إنه يبدأ شكلياً ويتمخض عن مشاكل لا تنتهي.
اليوم أستذكر كل ذلك وأمقت الحزبية والتحزب أكثر وأكثر، وأتمنى للبحرين وأهلها كل الخير والتوفيق في انتخاباتها القادمة، ودورتها البرلمانية الجديدة.

الأحد، 17 أكتوبر 2010

عشاق الفجر







للإطلالات الأولى من نور الصباح إحساس غريب ينطبع على نفوس الساهرين والمستيقظين في هذا الوقت الساحر الأخاذ. فجوه يجمع ما بين برودة الشتاء ولطفه، وحرارة النهار ونشاطه. وقد كنت دائماً أعتقد أن الفجر مخلوق مختلف، خلقه الله بطابع يبعث على الذهول يمكن تلخيص وصفه بكلمة «التفتح». كل شيء يتفتح ويبدأ، ابتداءً من الزهور والأوراق، مروراً بأصوات الطيور المغردة المستبشرة، وانتهاءً بأبواب البيوت.
كل ما يختص بهذا الوقت من اليوم آسر للمشاعر، الخروج من صلاة الفجر مع الخيوط الأولى للضوء، الوقوف عند خباز المنطقة وتلقي هبات الدفء من التنور الملتهب، الوقوف في الدور لشراء «النخج» و»الباقلة»، وربما الانتظار عند محل الحاج جعفر في انتظار «الجباتي» و»الكباب» الذي يعده ويتقاطر أهل الحي لشرائه.
من أجمل ما يرتبط بالفجر النظر إلى الحياة وهي تدب في كل شيء، ولعل ذلك النشاط الذي يفسره العلماء بنزول غاز الأوزون إلى الطبقات الدنيا من الغلاف الجوي هو مصداق لما أجاب به الإمام ذلك النصراني عن الساعة التي ليست من الليل ولا النهار. هنا أجابه أنها الساعة بين طلوع الفجر وشروق الشمس. فعاوده بقوله مم هذه الساعة إذن، فأخبره أنها من ساعات الجنة. ولا عجب في ذلك، فلا أظن اللغو والنصب والتعب يخفى في ساعة صحو غيرها. ولا أظن ساعة تعج بالتسبيح والتقديس الصادق مثلها، ولا أظن سعياً للنهل من فضل الله يكون أحسن من هذه الساعة، التي يغني فيها الجلوس في المسجد عن الضرب في أقطار الأرض.
ومابين الطريق بين عين الدار إلى منطقة الجامع والسوق قلب جدحفص النابض، تدير بصرك إلى الأفراد الماشين والممتطين صهوة دراجاتهم الهوائية متنقلين بين البيت وأماكن العمل والكد، فتعرف أنك بين أناس ككثير من أهل البحرين يقنعون من نصيب دنياهم بالقليل والأقل، ولا يعتمدون على غيرهم ويكتفون بما يمكنهم هم تحقيقه بجهودهم الذاتية.
هؤلاء سمعوا الكثير من الوعود، ورأوا القليل من الإنجازات، ربما لأن هناك فواتير وتراكمات سياسية كان على هؤلاء البسطاء أن يدفعوا ثمنها بما يتعرضون له من الإهمال من الجميع. ورغم جمال منظر الفجر، أمكنني النظر إلى شوارع تحتاج الكثير من التعديل، وإلى بيوت كثيرة تستصرخ الإنقاذ، وإنارة منطفئة قبل أن تتعرض خلاياها الضوئية لنور الصباح. وأما المدارس فهي تختفي تباعاً ولا تعود، فهاهي مدرسة سارة وقد مضت أعوام على انقراضها، وقبالتها مدرسة الإمام الصادق التي تحولت لمركز ثقافي وشبابي مهترئ البنيان وربما أزيل عن الوجود فيما بعد من غير عودة ترتجى.
نصيب هذه المنطقة من الظلام لا يقتصر على وقت الليل، فهي تعيش أمداً طويلاً من العتمة وكأنه عقاب لها أنها كانت تشع وغيرها مظلم، وكانت آمنة وغيرها مضطرب، وكانت متيقظة وغيرها نائم. تعج الدائرة الأولى من المحافظة الشمالية التي تمثل عمق المنطقة بأكبر عدد من السكان من كل دوائر البحرين، والغريب عنها يرى احتياجاتها قبل القريب، ولكن لا بصيص أمل يطل على أحوالها.
تجاهلها الممثلون البلديون، واعتمدت لسوء طالعها أكثر من مرة على ممثلين لها من خارجها، ولا أدري إن كانوا جاهلين لحالها أو متجاهلين، فالحال هي الحال كما يقول اللغويون، منصوبة أو في محل نصب. خصوصاً وأن أي إنجاز في ظل هذا الوضع لا يحتاج للعين المسلحة لملاحظته إن حدث.
وكانت الزيارة الميمونة لصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء لها، فاصدر جملة من التوجيهات للتطوير والنهوض بأحوال المنطقة، إلا أن تقاعس المعنيين من مسؤولين حكوميين لم يكن بمستوى همة صاحب السمو في هذا الأمر.
وهذا مثار العجب، فإذا كانت القرارات تصدر بهذا المستوى، فيما يحبو مشروع سوق جدحفص، ويزحف مشروع تطوير الشوارع، وتموت المنشآت المدرسية المرتجاة، وتقبع المؤسسات الخدمية كالصندوق الخيري في مقر مؤقت بلا أرض ولا مبنى مملوك. بعد هذا كله، من بإمكانه أن يعيد الأمور إلى نصابها؟
عدت أتأمل المنطقة مرة أخرى على ضوء الفجر الخلاب، فأيقنت أن لا أحد يستطيع فهم ما تأمله هذه المنطقة إلا شخصا ملأ عينيه من منظر الفجر الصادق فيها كل يوم. وأيقنت أن من كان همه فقط الاستحكام على كرسي هذه المنطقة لا يهمه إن طلع فجرها أو لم يطلع، لكنه بلا شك أمر يهم عشاق الفجر من أهلها فرداً فرداً.

السبت، 16 أكتوبر 2010

الورقة بدلاً من الرصاصة







الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن قال كلمة سجلها التاريخ وأرسلها مثلاً وهي “الورقة أقوى من الرصاصة”. ولكن هل يعقل أن تكون الورقة أبلغ أثراً وأقوى من الرصاصة، خصوصاً وأن عندنا مثلاً عربياً في صورة أبيات شعر قد يناقض هذا المعنى، فأبوتمام يقول:

السيف أصدق إنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف * في متونهن جلاء الشك والريب

هل هذا هو الفرق ما بين المنطق العربي والمنطق الديموقراطي؟ أم هل هو الفرق بين المنطق القديم والمنطق الحديث؟ وكيف تكون الورقة أقوى من الرصاصة في المنطق الديموقراطي؟ المثل بصورته الحرفية “the ballot stronger than bullet” وكلمة ballot لا يعني الورقة وإنما يعني ورقة التصويت في الانتخابات. والحال أن ورقة التصويت في الغرب صارت بلا شك أقوى من الرصاصة ومن شتى الأسلحة. فالمجتمع الأوروبي والغربي في تطوره كسائر الشعوب قرر وضع آلية لتغيير صورة الصراع على الحكم من القتال بين فئات الشعب بالبندقية. واستقر رأيه على آلية الاختيار بالتصويت كبديل، حقناً للدماء والأموال وحفاظاً على الدولة من الزوال بفعل الحروب والمعارك فصارت الورقة أقوى.

ولا شك أن طريقة الاختيار للحاكم بالتصويت هي أفضل من الاختيار بالقتال وسفك الدماء وانتزاع الأرواح، ولكن هل الأوراق الانتخابية في الانتخابات البحرينية المقبلة أو السابقة تمثل بديلاً للرصاص؟

نجيب على عدة محاور:

المحور الأول:

نظرية الحكم في الثقافة الإسلامية ليست مبنية على الصراع، وإنما هي مبنية على المحبة والتعاون والتراحم والتكافل. معنى هذا أن الصراع غير موجود أساساً، فليس من مكان للرصاصة ابتداءً لتستبدل بالورقة.

المحور الثاني:

نظام الانتخابات في البحرين لا يؤهل الفائز بالكتلة الأكبر لتكوين الحكومة والخاسر ليصير معارضة. وإنما يؤهل الفائز للحصول على دور في العملية التشريعية ضمن منظومة تتكون من مجلس منتخب ومجلس معين ومحكمة دستورية بالإضافة إلى الدور الحكومي في وضع القوانين قبل إقرارها أو تعديلها من المجلسين. من جديد، لا مكان للرصاصة الغربية هنا، حيث نظام الحكم ليس على المحك هنا أيضاً.

المحور الثالث:

المصالح ومكتسبات الدخول في البرلمان، هل الداخل إلى البرلمان يمكنه الاستئثار بالمنافع من تشريع وخدمات له ولناخبيه دون غيرهم؟ إذا كان بالإمكان ذلك فإن الانتخابات تتحول إلى صراع بالفعل وتتحول الأصوات إلى رصاصات موجهة إلى المنافسين. هنا يقول ميثاق العمل الوطني في فصله الأول ومادته الأولى والثانية، كما ينص الدستور المعدل 2002 في بابه الثالث ومادته الثامنة عشر أنه “يتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. وهذا مؤداه أن لا تفاوت في هذه المنافع ولا استئثار لفئة على فئة”.

المحور الرابع:

الدفاع عن الثوابت الوطنية التي تم الاتفاق عليها في ميثاق العمل الوطني على صورة قيم ومقومات ثابتة لا يجوز الخروج عليها وتجاوزها وهي منطلقات العقيدة الإسلامية السمحاء والانتماء العربي الأصيل والمقومات التالية:

·     أهداف الحكم من صيانة البلاد، ورفعة شأن الدولة، والحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها والعدل والمساواة وسيادة القانون والحرية والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين.

·     كفالة الحريات الشخصية.

·     حرية العقيدة

·     حرية التعبير والنشر

·     نشاط المجتمع المدني وحريته

·     الأسرة أساس المجتمع

·     العمل واجب وحق

·     التعليم والثقافة والعلوم

حين تصير الثوابت على المحك، هل تتحول ورقة التصويت إلى رصاصة، أقول نعم، تصير الورقة أقوى من الرصاصة لحماية مقدسات وثوابت الوطن، لإبعاد كل ما يهدد مقومات هذا الوطن. من هذا المنطلق، قد تصير هذه الورقة سلاحاً موجهاً للدفاع ودرء المفاسد رغم أن النظرية في المجتمع الإسلامي لا تقوم على الصراع.

التوجهات اللادينية التي تهدف لضرب العقيدة، الأفكار الهدامة، الظواهر المنحرفة، التمييز بين المواطنين، تجهيل المجتمع، استعباد وتجارة البشر، استغلال الناشئة، الفقر المدقع. كل هذه المفاهيم الفاسدة وغيرها، تجعل الورقة رصاصة، والصوت أمانة، والمشاركة حقاً وواجباً أصيلاً لم ولن يتغير.

المد و الجزر










حين يخرج البحارة من ديارهم في عتمة الليل قاصدين المصائد لجلب الرزق لعوائلهم، وبعد التوكل على الرحمن، فإنهم يتأكدون دوماً من توخيهم إرشادات السلامة، ويتأكدون أن إبحارهم سيكون في أجواء مناسبة للصيد، لكي لا يصيبهم بعض بطش البحر الذي لا تؤمن غائلته إذا غضب.
وكعادته كان الحاج يعقوب قد أعد للخروج عدته في تلك الليلة، وانطلق يمخر عباب البحر بالأذكار والتسبيح حتى وصوله إلى مقصده. وهنا ألقى مرساته وابتدأ في ملأ ثلاجته من الصيد الوفير. وبعد دقائق من السكون الذي لا يعكر صفوه إلا صوت همهمة الحاج وعمله الدؤوب، سمع صوت محرك هادر يشق الأمواج مسرعاً بمحاذاته منطلقاً إلى الشرق. كان الحاج متعوداً على رؤية منظر زملائه الذين يمرون بين الفينة والأخرى ويحيونه وهم متجهون إلى اماكن صيدهم المعهودة. وفجأة قطع سكون الليل صوت طلقات نارية وأضواء وإشارات. لزم يعقوب مكانه وأخذ يترقب، وإذا نفس القارب الأول قد عاد وتوقف على مقربة منه.
سأله عن ما حدث فأجابه أن حرس الحدود البحرية قد قاموا بملاحقته للخروج من حدودهم، التي دخلها عن طريق الخطأ. وتعجب يعقوب لذلك، فقد كان تعود حين تجاوزه للحدود بالخطأ أن يجد كل المساعدة والتحذير الودي من حرس الحدود الذين يتأكدون من سلامته ويدلونه على طريقه إذا ضله.
واصل عمله بهدوء ثم عاد أدراجه مودعاً زميله ومتمنياً له صيداً وافراً وليلة سعيدة. يعقوب ورغم خبرته في الحياة، وحذره من مخاطر البحر لم يستطع أن يميز بين شيئين مهمين وهما إرشادات السلامة وقوانينها من ناحية، وحالة الأجواء من ناحية أخرى. ولذلك كان يرى من التناقض في واقعه وما حوله شواهد كثيرة.
إن الأجواء الملبدة بالغيوم تمنعه من الإبحار، والرياح العاصفة تمنعه من الإقلاع، وجزر البحر يجعل مهمة عودته عسيرة إلى مرساه. وقوانين السلامة عنده مرتبطة بالأجواء المتغيرة فحسب، أما في الجو الهادئ، فلم يكن هناك خوف ليكون هناك حذر ولا استعداد ولا التزام بتلك القوانين.
ولعل الكثيرين من الناس غير الحاج يعقوب لا يفرقون بين هذين الأمرين. فأجواء الانفتاح والتسامح لا تعني أبداً أنه لا يوجد قانون يضبط الحالة السياسية والاجتماعية. وأجواء الأزمات لا تعني أن الحريات الشخصية والحقوق الفردية والجماعية قد سقطت من بين دفتي القانون وصار بالإمكان انتهاكها دون حساب. هذا الخلط صار موجوداً وحاضراً بقوة، فترى بعض الناس يستغلون أجواء الانفتاح للمغالاة في استغلال هذه الحالة بما يفوق الوصف من خرق للقوانين دون حسيب أو رقيب، سواء كانت خروقات تستهدف الأمن، أو استغلال سلطة، أو تعدٍ على الأموال العامة وكأن القانون غير موجود أساسا، ويظلون كذلك حتى تتأزم الأمور. فيما نرى آخرين يستغلون أجواء الأزمات لفعل ما يريدون من تشهير وسب وتجريح متناسين أي قانون أو عرف أو خلق، وكأنها فرصة لمن في نفسه شيء أن ينفس عنه.
وحين يتغير الجو وتنقطع شعرة معاوية، يصير هؤلاء أو أولئك تحت طائلة القانون ويروحون أكباش فداء لنزوات وسقطات عابرة، لا يخرجون منها إلا بشق الأنفس.
يقال أن عمرو بن العاص حين أراد أن ينافس معاوية في الدهاء ويبدي تفوقه قال له: “أنا لا أدخل في أمر إلا وأعرف كيف أخرج منه” فضحك معاوية منه وقال له: “لكنني لا أدخل في شيء أريد الخروج منه”. فهل لا كان المتجاوزون للقوانين، قد أعدوا إحدى هاتين العدتين لأنفسهم وقديماً قال المصريون “امش عدل، يحتارعدوك فيك”.
وأنا لا أستغرب وقوع النخب في هذا الخلط وهم الذين يعول عليهم في إرشاد الناس من خطباء وكتاب ورجال دين ودولة واقتصاد، مع أن ذلك للأسف يدل على أن ثقافة الاختلاف والتسامح واحترام الرأي آخذة في الاضمحلال حتى على مستوى النخب، لأن احترام القانون ينبع من كونه حاضراً دائماً ومع الجميع، فإذا غاب أو ضعف ولو لفترة، فإن الأجواء السائدة تخلق حالة الفوضى واللامبالاة. ولست أساوي بين الخطاب المحرض والخطاب المفند بهذا الكلام كما يقول بعض الكتاب. إذ أن تجاوز القانون مرفوض من أي طرف يصدر منه، ولا أعتقد أننا نعمل خيراً حين نغضي عن توجهات السب والتسقيط والتشهير، لأننا بذلك نؤسس أمرين كلاهما أخطر من الآخر، الأول أننا نلغي لغة الحوار ونبدلها بالغوغاء والفوضى، والثاني أننا نخلق بذلك بيئة لنمو التشدد والكراهية بين الناس.
يقول علي حين سمع قوماً يسبون آخرين “إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكن لو وصفتم أفعالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر”.

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

الإجماع قد لا يكفي











تكلمنا في مقالنا السابق “مستدرك البرامج الانتخابية” عما يتوقعه الناس من البرلمان ونواب 2010. هذا البرلمان الذي عانى في 2006 من الاصطفاف الحزبي كما هو حال جميع البرلمانات وحال الديموقراطية حين تتضارب المصالح والانتماءات الحزبية. لننظر لحال البرلمان في بعض القضايا التي نالت الإجماع أو شبه الإجماع. هل أسفرت هذه الحالة التوافقية في الغرفة المنتخبة إلى التغيير. أم أنه توقف عند عتبات لاحقة.
قبل أن نشرع في استعراض الحالات، يجب أن نؤكد شيئا، وهو أن استذكار هذه القضايا لا يتجاوز محاولة دفع العملية التشريعية في 2010 عبر استذكار ملامح من التجربة البحرينية السابقة.
الحالة الأولى
قانون منع الخمور: أجمع المجلس النيابي في جلسة 9 مارس 2010 على قانون حظر الخمور. وربما كان ألطف ما يستذكر في تلك المناسبة المنقول من مقولة الشيخ عادل المعاودة أن الوزير الذي حاول منع الخمور ومعاقبة الفنادق المخالفة قد طار من منصبه لهذا السبب والعهدة على المعاودة في النقل.
لاحقاً تم تعديل الاقتراح بقانون في مجلس الشورى ليكون تداول الكحول مسموحاً لغير المسلمين فقط في الأماكن المخصصة لا الخاصة، وبينهما فرق شاسع. وزبدة القول إن المشروع قد تم تغييره جذرياً ليعود للنواب من جديد في 2010. ومن يدري إن كان سيجد نفس الزخم أو لا يجد.
الحالة الثانية
لجنة التحقيق في أملاك الدولة: في 30 مارس 2010 عاد النواب الحاضرون للإجماع، وكان ذلك على توصيات لجنة التحقيق في أملاك الدولة، التي كان من ضمنها إعادة 65 كيلومتراً إلى أملاك الدولة. وألطف ما يستذكر هنا هو مطالبة وزير شؤون مجلس الشورى والنواب بإلغاء التوصيات من كل الوقائع التي تسبق 2002. الحال أن هذا الكلام قد رد عليه النواب. وكانت توجيهات جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء بتشكيل اللجنة الوزارية للتحقيق في التجاوزات قد أسفرت لاحقاً عن رفع الرقم إلى 70 كيلومتراً كما ورد على لسان لجنة التحقيق البرلمانية!!
الحالة الثالثة
قانون تقاعد النواب: في 27 مايو 2009 تم تمرير هذا القانون بصفة الاستعجال إلى مجلس الشورى، بأغلبية نيابية، على الرغم من المعارضة الشديدة له من القواعد الجماهيرية لبعض الجمعيات المؤيدة للقانون ومعارضة مرجعياتها الدينية. القانون مر من الشورى ومن الحكومة وتم إصداره ملكياً كقانون في 30 يونيو من نفس العام.
تصريح الشيخ عادل المعاودة في هذا الشأن كان أيضاً يمثل شهادة للتاريخ حيث قال إنه “لا يعلم أن نائبا أو كتلة معترضة أو رافضة لتقاعد النواب، خصوصا وأن القاعدة الأساسية هي أن يعيش كل مواطن عيشة كريمة، وذلك ينطبق على النواب، إذ كيف يتم السماح للوزير أو لوكيل الوزارة بالتقاعد حتى ولو بقي أي منهما يومين بالعمل فيما يمنع على النائب الحصول على تقاعد رغم عمله الشاق”. وتكرار إشارتنا لأقوال الشيخ عادل، مرده أن الكلام في هذه الفترة لن يؤثر على حظوظه في الانتخابات لوصوله للمجلس بالتزكية ويضاف إلى ذلك حضوره المميز.
في الحالات التي ذكرناها، استطاع نواب الشعب تجاوز خلافاتهم والوقوف وقفة رجل واحد، إلا أنه يبدو أن العمل داخل مجلس النواب وحده لا يكفي. المتوقع من النواب شأنهم شأن جميع السياسيين أن يعملوا من خارج المجلس أيضاً لإقناع باقي أطراف المعادلة بما في ذلك أعضاء الشورى والوصول لحلول توافقية تمنع خروج مجلس الشورى بصورة المتهم إذا لم ينسق النواب مع الشوريين بخصوص أمر ما. يبقى أن العتب على الشوريين لا يزول بكونهم غير منتخبين، إذ إن الثقة الملكية بالتعيين لا تتعارض مع تمثيلهم لفئات الشعب البحريني التي عبرت عن رأيها في المواضيع محل النقاش عبر مجلس النواب وعن طريق الصحافة. وربما كان شاهداً على ذلك الزيارة التي قام بها وفد من التجار البحرينيين للقاء رئيس مجلس الشورى لبيان وقوفهم مع منع المشروبات الكحولية، على الرغم من أن أكثر التبريرات كانت تنطلق من منطلق اقتصادي.
هذه الملفات استطاعت أن تشق طريقها نحو القنوات الصحيحة عبر الإجماع النيابي الذي يندر أن يحصل، وربما لم تصل كلها لنتائج ترضي الجميع بعد الزخم الذي أخذته نيابيا وشعبياً، فما بالنا بما لا يأخذ من النواب هذا الموقف الموحد والأغلبية الكاسحة؟ وهل يستطيع برلمان 2010 أن يصل لنتائج أفضل في ظل الاصطفاف الحزبي المتواصل؟ ورغم أن التجربة البحرينية الفتية لم تصل فيها المماحكات والنزاعات إلى درجة تقاذف المقاعد كما حصل في دول أخرى، إلا أن القارئ لتصريحات النواب يجد من الخلافات ما يكفل أن نرى هذا المشهد في البرلمان القادم.

الأحد، 3 أكتوبر 2010

مستدرك البرامج الانتخابية











على غرار كتب المستدركات التي تكتب إكمالاً لمجهود المؤلف، والتزاماً بنفس المنهج البحثي وموضوع الكتاب الأصلي، رأيت أن أكتب لمترشحينا النيابيين البواسل، ولا مزاح في كلمة بواسل، لأن الترشح للبرلمان صار موضوعاً صعباً من الناحية النفسية لعدة أسباب. فأما صعوبته للمترشحين المستقلين فوضوحها لا يحتاج للشرح، وأما للمترشحين الحزبيين، فإن أسباب ذلك ما يتوقع لهم من السلق بألسن الصحافة والناس من جهة، وعدم قدرتهم على تلبية الآمال العريضة التي تصير معلقة عليهم. كذلك فهم يواجهون في أحيان عدم تعاون بعض الأطراف الحكومية معهم، إضافة إلى حالة الاصطفاف الحزبي والهجمات المتبادلة بين النواب في المجلس.
وربما كان من الملائم الإشارة إلى أن بعض مترشحينا يطرحون في كثير من الأحيان أهدافا لا إمكانية لهم ولا لغيرهم لتحقيقها، لا نقول بسبب الاستحالة ولا لكوننا واقعيين، لأن الواقعية في السياسة وفي مجالات أخرى إذا تكرست في العقل تصير صنماً يعبد من دون الله، تتحول لصندوق ضيق يحبس الكثير من الأفكار النيرة، ويمنعها من الخروج حتى مع إمكانية تحقيقها. وأما سبب عدم إمكانية التحقيق لتلك الأهداف التي يضعها المرشحون هو كونها أفكاراً نيئة لا آلية لها ولا برنامج ولا خطة موازنة. وأرجو أن تكون عبارة أحد المترشحين كما نقلت لي “راتب لكل طفل بحريني” تحمل برنامجاً وآلية وخطة تمويل، لأن الفكرة موجودة في بعض الدول الخليجية الأخرى كعلاوة في الراتب لكل طفل. وأما إذا قسنا ما تحقق بشأن علاوة الغلاء والمخاض العنيف لتحصل كل عائلة محتاجة على خمسين دينارا شهرياً، فأنا أكاد أجزم أن للعبارة المذكورة تأويلاً. وربما كان تأويلها ما سيحصل عليه الطفل من منافع كالعلاج والتعليم والخدمات الأخرى التي لو كانت عن طريق القطاع الخاص لكلفته أموالاً طائلة. في البحرين الصورة ليست سوداء ولكنها حتماً ليست وردية.
أقول إنني أكتب هنا رسالة مستدرك لبرامج المترشحين لكي أحملهم من هذه الزاوية المفهومة بعض ما تتطلع إليه شرائح من المواطنين وأضيف إلى هذا عبء أفكاري وتصوراتي المتواضعة.
بعد الاستعانة بالله، نشرع في إدراج قائمة مختصرة للبرنامج الانتخابي كمستدرك لبرامج المترشحين:
- إن نظرة المواطن المتفائل للمجلس الموقر هي أنه وسيلة لتشريع حياة كريمة، وهذا ما سيسعى له المترشح ضمن قائمة “المستدرك”.
- الخدمات الإسكانية حق لجميع المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، السكن لا يمثل إعانة بل حقاً ثابتاً كالتعليم والصحة والغذاء والأمن، لذا تسعى القائمة لإلغاء القانون الإسكاني المرتبط بدخل المواطن.
- الخدمات الإسكانية في البلد هي في أزمة، سنسعى لحل هذه الأزمة عبر الدفع بقوانين استملاك الأراضي، وقوانين تخصيص المنطقة الجنوبية للحياة الفطرية وقانون الموازنة العامة لمناقشة جادة ومفتوحة، ولننهي قصة الأمم.
- السعي الحثيث للتطوير وإيقاف التدهور المستمر في الخدمات الصحية والضغط الشديد الواقع على البنية التحتية لوزارة الصحة، عن طريق وضع حد أدنى قانوني من الأطباء لكل مواطن، وحد أدنى قانوني من الأسرة الشاغرة سواء الطوارئ أو أسرة المرضى الداخليين (الترقيد).
- الدفع بمشروع قانون لعمل تغيير في هيكل وزارة الصحة المتعلق بالخدمات التخصصية.
- السعي لدعم وزارة الصحة عن طريق السعي لإيجاد آلية شراكة مع خدمات العيادات والمستشفيات الخاصة لتقليل مدد انتظار الدور للعمليات ولطب الأسنان.
- السعي لإيجاد هيئة لمراقبة الجودة ولحل مشكلات القطاع الصحي قد تكون بنفس اتجاه هيئة مراقبة جودة التعليم.
- إيجاد آلية لدعم المنتجات الغذائية ومواد المستهلك عبر البطاقة الشخصية للمواطن وبأسلوب عصري متطور لتحقيق أقصى استفادة ممكنة للمواطن من الدعم الحكومي ومنع استغلاله.
- وضع قانون بجهاز رقابي لمراقبة أسعار سلع المستهلك يقوم بنشر الأسعار بصورة أسبوعية ويلزم المحلات التجارية بحد أقصى للسعر. 
- إلزام الشركات الصناعية الكبرى بتوفير البيئة المناسبة للمواطنين القاطنين في المناطق المجاورة من باب “لا ضرر ولا ضرار”، وإيجاد مسكن بديل لكل إنسان لا يريد العيش في هذه البيئة.
- السعي لإيجاد قانون لتخصيص سواحل للتنزه والصيد وأحزمة خضراء لعامة شعب البحرين تحت ملكية ملك مملكة البحرين كما هي الحال بالنسبة لبعض الممالك الأخرى لتكون مفتوحة للمواطنين ومحمية من الزحف العمراني.
- وضع قانون يكفل حماية البيئة البحرية والثروة السمكية وتحديد آليات إعادة بناء هذه الثروة من جديد.
- العمل على إيجاد قانون باتفاقية تفاهم بين دول الخليج بخصوص معاملة الخليجي كمواطن في جميع الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك الصيد والزراعة.
- وضع قانون بتخصيص منطقة زراعية، لمشاريع الزراعة والثروة الحيوانية بما يكفل تحقيق نسبة من الأمن الغذائي للمنتجات الاساسية.
- السعي لإيجاد هيئة للتخطيط، لوضع التصورات العملية المتوافقة مع الاستراتيجيات التنموية مثل استراتيجية البحرين 2030 وغيرها.
هذا هو الجزء الأول من مستدرك البرنامج الانتخابي، وسنقوم بإطلاع إخوتنا المترشحين ببقية المستدركات في المستقبل القريب. ونتمنى من الإخوة القراء تزويدنا بمقترحاتهم وتطلعاتهم لإدراجها في مستدرك المستدرك.

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

هل انقشعت الغبرة ؟






بعيداً عن “لغة الحمقى”
الحمد لله الذي برأ العقول بحكمته، وجعلها دليلاً على بديع صنعته، وجعل اللسان مرآة للقلب، وجعل منهاجه من العقل وفلتاته من القلب، فبان جلياً بذلك ما يخبئ المرء في سريرته، إذ إن الإنسان مخبوء تحت لسانه.
سرتنا مجموعة من المقالات لحشد من كتاب البحرين، في إدانتهم لكل عنف على هذه الأرض الطيبة، كما سرني تصريحهم اللاحق بعدم تقصدهم لطائفة معينة في كلامهم وانتقادهم، حتى أن أحدهم عبر عن التعميم بلغة الحمقى، وقد أصاب بهذا كبد الحقيقة إذ إن من يفرز طائفة كاملة في تهمة واحدة بلاشك أحمق، والشمس لا يحجبها الغربال، ولا نحتجب عن الناس حين نغمض نحن أعيننا.
لا نملك قبالة هذه المشاعر الطيبة إزاء البحرين وأهلها إلا التقدير والثناء، ولكن يبقى ثمة سؤال: هل من يتكلم عن التوالد السياسي في البحرين، بمعنى أن أهل البحرين يتوالدون وفق أجندة سياسية، هل يكون المتكلم ابتعد عن التعميم؟ حقيقة، كان من العيب أن يتكلم بحريني بهذه الطريقة، ولا أدري إلى أين تصل محاكمة النوايا وجلد الفقراء بدلاً من المناداة بحل مشاكلهم. بل إنني أستعيب حتى ذكر هذا النكتة. قد قالها بادئ ذي بدء أحدهم في 2009 تحت عنوان “ملف مسكوت عنه”، وكان يتهم فيها الأعراس الجماعية أنها تمثل تسابقاً وحرباً طائفية، وصار هذا المترف بدل أن يطالب بتفعيل صندوق الزواج كحال باقي دول الخليج يتهم من يقومون عليها بالتآمر الحزبي. ثم ذهبت الكلمة حتى صارت نسياً منسياً. فجاء كتاب مبجلون ضد التعميم واتهام الأبرياء فقاموا بإحيائها لكون نيتهم حسنة جداً وعقولهم رصينة وألسنتهم تتعفف عن “لغة الحمقى”، ولكن لا مانع لديهم من تجريم كل الناس حتى على محاولة التنفس.
المنتدى شغال
شاهدنا بشغف البرنامج الخاص الذي أذيع في تلفزيون البحرين حول المواقع المحظورة، وتمنينا أن نجد في كلام الدكتور عبدالله يتيم إشارة لما تناولناه في مقال “هذا الموقع محظور” ولكن الموضوع كان متركزاً حول المواقع التي أغلقت بالفعل ولم يأت ذكر الموقع الذي أشرنا إليه، ولا أدري حقيقة ما السبب. ولنتكلم بلغة الأرقام ولا يكون الكلام على عواهنه فإن محرك جوجل يفيد بوجود 6,750 نتيجة لكلمة “مجوس” في هذا الموقع، 4,020 نتيجة لكلمة “روافض”، 7,910 نتائج لكلمة “خونة”، ثلاث نتائج “شيعة كلاب”، 31 نتيجة “شبر ومرهون”. ولن أذكر أمثلة أخرى، ومادام الموضوع لا يأخذ مساحته من الرد والاهتمام كموضوع وطني عام، فإنني أكتب عنه بشكل شخصي و”كل واحد ياخذ عن نفسه”.
إن هيئة الإعلام تظل مطالبة بوضع حد لهذه المهازل الحاصلة في هذا الموقع الذي يحمل للأسف اسم مملكتنا العزيزة وغيره من المواقع التي تثير النعرات العنصرية وإلا سيساء فهم خطوات الإغلاق للمواقع الأخرى، فقد استبشرنا خيراً بالتصريح الأخير حول غلق موقعين لذات الأسباب التي ذكرناها ويجدان زخماً أقل من الحضور والمشاركة.
لا تسييساً ولا تجييراً ولا اتهاماً، كل ما نقوله وبكل مهنية في هذا الموضوع: واحد + واحد = اثنين، تسيرون في طريق صحيح، والجميع ينتظر الاستمرارية. مع فائق الاحترام لكل من يعمل لوحدة الوطن.
ترشيد الخطاب الإعلامي مسؤولية الجميع
بعد سلسلة مقالات تكلمت عن هذا الموضوع، أجد الوقت قد حان للتركيز على أمور أخرى، لا لأنه “لا حياة لمن تنادي”، ولا لأنه يجبرك في الدخول في مستنقعات لا تتمنى دخولها وحسب، ولكن لأن هناك الكثير من المواضيع التي تتساوى في الأولوية مع هذا الموضوع أو تزيد عنه أهمية ومازالت تنتظر أخذ فرصتها.
لا حرج للكاتب أن يضطر لمواجهة مواضيع مثل العنف اللفظي، وزرع الكراهية، والابتزاز والتشهير في لغة الصحافة؛ لأنه كما من رسالة الجراح أن ينظف القذى عن الجروح قبل علاجها، فإن من رسالة الكاتب أن يخاطب أخلاقيات المجتمع إعلامية كانت أو اجتماعية أو سياسية. فالمتتبع لبعض صحفنا وللأسف، يحس أن البحرين “لا يمسهم فيها نصب” إلا قضية فلان وفلان معارض سياسي ومحرض، ولا أقول في الشهر الفائت وحسب وإنما في السنوات الفائتة وبأسلوب يؤسف له لا يقل سوءاً عن ممارسات محرضي الشوارع، أسلوب يخلق كراهية في الاتجاهين. لا أحد يطلب السكوت عن علاج المفاهيم الخاطئة، ولكن هل لكل كاتب أن يراجع عناوين مقالاته لأشهر وسنوات بسرعة شديدة، وسيستطيع تقييم ما قام به من خدمات للوطن.
ويبقى الخطاب الإعلامي أمانة في عنق الجميع لارتباط رشده بالوحدة الوطنية وبصورتنا الحضارية في عيون الأمم، والله من وراء القصد.

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

الأخوة الحزبية








في معرض قراءتي لإحدى الخطب للشيخ سليمان المدني رحمه الله، وجدته يشير إلى أن كثيراً من العلماء يذهبون إلى القول بتحريم تكوين الأحزاب. وهذا بالطبع موضوع لا جديد فيه، ولكن ما أود الإشارة والتركيز عليه هو السبب الذي ذكره، الذي ينبغي عدم إغفاله أو التغافل عنه، ونحن نعيش في مجتمع اقتضت ظروف تجربته التشريعية والرقابية تشكيل الأحزاب وإن كانت تمارس العمل تحت مسمى جمعيات.
والسبب المذكور هو أن تكوين هذه الأحزاب يقوم بإحلال الأخوة الحزبية مكان الأخوة الإيمانية. هل هذه النقطة واضحة؟ قطعاً هي ليست واضحة للكثير من إسلاميي السياسيين، والدليل على ذلك، هو الحاصل من تقديم المصالح الفئوية والحزبية بل والعلاقات المنبعثة من التحالف بين حزبين على الأخوة الإيمانية فضلاً عن تقديم الأخوة الحزبية التي بلا شك أكثر قرباً من التحالفات والتنسيقات الوقتية. وعلى هذا فإن الأحزاب السياسية التي يعرف الواحد منها بأنه مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون أهدافا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام، ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية بغض النظر عن انضواء هذا الحزب تحت مظلة جمعية من عدمه. وعلى النقيض فمن الممكن لجمعيات أن لا ينضوي تحتها تنظيم حزبي.
وبعيداً عن الأحزاب، فإن للأخوة الإيمانية –كما للأخوة النسبية- في الأديان وفي الإسلام خصوصاً مصاديق مثل التكافل والتعاون والتراحم بين الإخوة، وكذلك عدم قطع الرحم بالغيبة والنميمة والبهتان، بل وعدم إيصال أي أذى بأي شكل من الأشكال للآخر، وكل هذا يتجلى في تعريف المسلم فضلاً عن المؤمن “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” ، ثم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”، ويتلوه “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه”. ثم “يا مالك إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
وعلى عكس ذلك ما تفرزه الأخوة الحزبية التي تجعل باقي المجتمع خصماً بل عدواً بل شراً مستطيراً لا بد من الخلاص منه بشتى الطرق والوسائل، وسنضرب الأمثال على ذلك بتنظيمات حزبية متعددة سواء من الشرق أو الغرب لبيان الصورة الحقيقية للأخوة الحزبية. يقول هتلر “إنْ أنا إلاّ عاشق ينقل خطوة في ثرى الأمة الألمانية مستخرجا منها الصلابة. ولطالما قلت إنّ يوماً ما سيأتي يكون فيه كل الألمان ذوي الشأن في معسكري. على أي حال، فإنّ الذين لا يشاؤون الانضمام إلى معسكري يكونون عديمي القيمة”. ولنا أن نضع عشرات الخطوط تحت كلمة “عديمي القيمة”، فما ينتج عن كون الآخرين عديمي القيمة من تصرف يكون خاضعاً للاجتهادات والظروف، وقد روى لنا التاريخ الفظائع التي ارتكبها الفوهلر كما يسميه أصدقاؤه ومنها إعدام المعاقين والمرضى العقليين لتنقية الجنس الألماني من الشوائب!!
وهتلر ليس بدعاً من الحزبيين الذين يعدون أتباعهم بجنة الدارين في الدنيا وفي الآخرة إن وجدت في عقيدته، لنر ما يقوله البعثي صدام بالحرف الواحد “قسماً بالله، اللي اسمعه همساً يحكي ويه مواطن عراقي أو بعثي إلا أطره بيدي أربع وصل (قطع)”، والفيديو منقول على اليوتيوب وهو أشهر من أن يجهل. وبيت القصيد لا يكمن في شخصية صدام المعروفة بالقسوة والإجرام ولا يكمن في تهديده الرهيب، ولكنه يكمن في اعتباره للحزبية البعثية رابطة تسمو على جميع الروابط.
وصدام كذلك ليس بدعاً من الدكتاتوريات الحزبية، وكونه قد وصل للحكم لا يمنع من وجود آخرين يمثلون مشروع دكتاتور لا يقيم وزناً للآخر، بفروق نظرية قد تختفي بعد الوصول لسدة الحكم. إن هذه النظرة الحزبية التي تحتقر كل الآخرين، موجودة لدى كل من يؤمن بالحزبية، فيقسم للإخلاص للحزب وجعله فوق كل الاعتبارات الأخرى. فالحزب هو أمه وأبوه، أما إخوانه فهم من آخاهم الحزب والباقون إما أعداء أو مسكوت عنهم. ويتجلى ذلك أيضاً في مثال آخر، فالقانون الداخلي لحزب الوفاق الوطني لتحرير الأحواز مثلاً يضع في قانونه الداخلي أن مصلحة الحزب فوق كل اعتبار، وفي مادة أخرى ينص أن على كل منتم للحزب أن يستمد أفكاره من عقيدة ومبادئ الحزب وهي الرافد الاساسي لنشاطه الفكري وتحركاته في كافة المجالات.
ولست أبرئ الأحزاب الإسلامية عندنا، في السابق وحالياً فهي لا تختلف كثيراً عن الأحزاب الأخرى في طريقتها في العمل ونظرتها للآخرين وحملها لأجنداتها السرية. ولنا وقفة عنها في المستقبل القريب.
 

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

حفلة الأقلام













بمناسبة قدوم المدارس، يتوجه الناس هذه الأيام مع أبنائهم وبناتهم لشراء اللوازم المدرسية، من دفاتر ومساطر وأقلام لتلبية احتياجات العام الدراسي المقبل. ينظر الأب لقائمة الاحتياجات التي أعدها سلفاً، ابنته قد طلبت منه أنواعا متعددة من الاقلام بمواصفات دقيقة. الابنة تريد أقلاماً جافة بكل الألوان. وحين سألها عن السبب كانت الإجابة أن الأحمر تستخدمه في العناوين الرئيسة للمواضيع، فيما تستخدم الأسود للعناوين الفرعية، وتستخدم الأزرق لكتابة ملخصات المواضيع. ويبقى الأخضر لتكتب المراجع ورقم الصفحة ورقم الرسم التوضيحي المتعلق بعبارة ما.
تعجب الأب من هذه الطريقة، فلقد درج مدرسوه من قبل على احتكار اللون الأحمر فيما يذكر، فاللون الأحمر مختص بالمدرس للتصحيح والتعليق وإعطاء الدرجة.
يبدو أن الزمان تغير، وصار المتاح لطلاب المعرفة من آفاق وأدوات أكثر مما كان متاحاً لنظرائهم في الزمن السابق. في السابق كان (الطالب) الأب يعد واجباته وأبحاثه من مراجع المكتبة العامة، وطبعاً ينتظر دوره لأن الكتاب الذي يحتاجه قد اصطف لانتظاره كل المجتهدين من نفس السنة الدراسية حول البحرين. اليوم ابنته ترجع إلى جوجل وتكون انتقائية في المراجع التي تختارها من آلاف الخيارات المتوافرة، ولعلها حين تجد الأفضل في نظرها تطرحه للمشاركة مع الباقيات في الفيس بوك بلا صفوف انتظار ولا مذاكرة عبر الهاتف.
واستغرب الأب من أن القائمة التي أخذها معه لم يكن من ضمنها إلا عدد محدود من أقلام الرصاص. وتساءل مع ابنته وقت إعداد القائمة عن السبب، فأجابته أنها تستخدم قلم الرصاص للرسم أحياناً لا أكثر. عجيب هذا الجيل، صار الطالب جازماً وحازماً في كل شيء، فبالأمس كان هذا الاب لا يستغني عن الثلاثي المرح (الرصاص والممحاة والمبراة)، كان يكتب أكثر الأشياء بقلم الرصاص في مسودة قبل تبييضها فيما بعد، فقد كانت الكتابة فيما مضى مسؤولية، وكان لكل كلمة تكتب أهميتها وقدسيتها.
ويبتعد بفكره عن رف الأقلام، ليغوص في افكار أخرى حول أقلام الصحافة اليوم، وما تطرحه من فكر، وأسلوب وأخلاق صحافية، ليس في ألوانها فقط تعددت أنواع الأقلام، وليس في حزمها فقط تغير نمط استخدام الأقلام، لقد صار بإمكان القارئ بسبب التنوع الكبير أن يفرز الأقلام في هذه المحافل الصحافية الكثيرة، إلى أقلام رصينة، وأقلام سعيدة وأخرى راقصة.
أن تكتب بقلم رصين، فصعب أن تستقطب قرّاءً، فالناس تبحث عن الجديد، وإن كان كل ما تطرحه من الهموم قديماً، فما الداعي لقراءتك. صحيح أن القلم الرصين كثيراً ما يكون قلماً حراً، يؤثر في الساحة أكثر مما يتأثر، يحمل أجندة نابعة من البحث عن الحقيقة، من النظر إلى ما قيل أكثر من النظر إلى من قال، من البحث عن موارد الخطأ لتصويبها، وموارد الصواب لتعزيزها، لكن قدر هذه الأقلام أن تجلس على هامش الحفل، وتتحدث جانبياً إن كان في الحضور من يملك مزاج الاستماع وحس التقدير وقابلية مواجهة القناعات.
في طرفٍ آخرَ من الحفل يتجمع حشد من الأقلام الراقصة، يمسك كل قلمٍ جيداً بكف صاحبه الذي يملكه، ويرقصون جميعاً على الإيقاع العام، هؤلاء لا يرقصون دوماً، لكن اللحن يحدد إن كانوا يتمكنون من ذلك، أو أن يتنحوا جانباً، فلكل لحن راقصوه، ولكل راقص استراحته لاستجماع الحماس حتى صدور لحن جديد. ويبقى أن هناك من الراقصين، من لا يسأم ويحاول مجاراة جميع الألحان حتى وإن لم يكن أمهر الأقلام، إلا أن الأهم ألا يغادر الساحة ولو لثوانٍ معدودة.
أما أولئك السعداء فهم بين استراحة المحارب، وبين حماس المتابع، حتى ينضموا مؤقتاً إلى أحد طرفي الحفل، يستمعون قليلاً لقلم رصين، أو يدخلون لهنيهة ساحة الراقصين.
عن نفسه، كان الأب غير مستمتع بهذه المحافل، فرغم ما تطرحه من إثارة ونمط جديد لم يعتد عليه القارئ، إلا أنها تنقل دور الصحافة من ساحة للنقد والتغيير إلى ساحة للانتقاد والتفريق أو المجاراة والتزويق. الصحافي يجب أن يتمكن من تغيير واقعنا، من مخاطبة النفوس فرادى، فالتفكير الجمعي مؤطر بالجماعة والحزب الذي يحجب أطر العقل والمنطق والصواب. القلم الرصين يبقى حراً، لا يستعبد، وبعيداً فلا يستبعد.
وهنا أخذ الأب قلم رصاص إضافيا ومبراة وممحاة، لأن من حسنات قلم الرصاص على رغم مساوئه، أنه كلما اضطررت أن تبريه، سيخرج بخط قد يختلف عما توقعته، وستتمكن من أن تمحو عثراته إذا ما أخطأ، إن قلم الرصاص يعترف أن كل البشر خطاؤون ويعترف أن كل خطأ يمكن إصلاحه.