الأربعاء 26 ديسمبر 2012
بادئ ذي بدء نبارك لكل محبي السيد المسيح اليوم الذي مر علينا بالأمس وهو ذكرى الاحتفال بمولد السيد المسيح بحسب احتفالات الكنيسة بتاريخ الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) في كل عام. والتاريخ عندنا حول ميلاد المسيح وإن لم نقع على تحديد له إلا أن الاستدلالات على نجمة الميلاد توصلت ببعض الفلكيين إلى تاريخ مختلف يقع في حزيران واستدل بعض العلماء على ذلك بوجود النخلة والرطب عند ولادته، وإن كان ذلك لا يبعد عنه الجانب الإعجازي كما في إعجاز ولادته.
للسيد المسيح في عقيدة المسلم مكانة عظيمة من الاعتزاز بتعاليمه وشخصيته، ومن الإيمان بنبوته ومقامه العالي عند الله كنبي من أصحاب الرسالات والكتب السماوية التي يعتبر الإيمان بها إجمالاً شرطاً في كمال الإيمان يتكلم القرآن عنه.
يؤمن المسلم بالسيد المسيح مولوداً بالإعجاز للسيدة مريم العذراء الطاهرة التي هي عند المسلم سيدة نساء ذلك الزمان، والتي نذرتها والدتها محرراً قبل أن تولد ثم كفلها زكريا زوج خالتها بعد أن تنافس الأحبار على ذلك الشرف العظيم ففاز به النبي زكريا والد النبي يحيى الذي استشهد فيما بعد، والذي مازال ذكره وذكر ما جرى عليه يعتبر من المأثورات عند المسلمين.
السيدة مريم التي اختارها الله لأن تكون أما للسيد المسيح وأكد على طهرها في كل موضع في القرآن وذكر عظم هذا الابتلاء عليها وكيف أن قومها وقفوا منها موقف الاتهام وهي السيدة الطاهرة ولم يغير ذلك إلا ما رأوه من المعاجز على يد السيد المسيح وهو بعد صبي في مهده يتكلم ويبشرهم بنبوته من الله.
ثم إن المسلمين في تاريخهم حين تعرضوا للاضطهاد هاجروا إلى الحبشة لأن فيها ملكاً من محبي السيد المسيح لا يظلم عنده أحد، فأرادت قريش أن تكيد لهم فقالوا للملك إن هؤلاء يقولون في مريم قولاً عظيماً. فاستشهد المسلمون وقيل إنه جعفر الطيار بآيات القرآن على عظمة مريم وطهرها، ومن الآيات التي توضح تعاليم الدين، فتأثر الملك وقال إن ما قرأته وما جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة وأمن المسلمين ورخص لهم البقاء في دياره آمنين مطمئنين.
وهذه الحالة التي اكتنفت الملك النجاشي في الحبشة قد تشبه ما ذكر في القرآن في فضل محبي المسيح على سواهم من أن منهم قسيسين ورهبان تفيض أعينهم من الدمع حين يسمعون الحق لعلمهم به.
وأما الفوارق الأهم بين عقيدة المسلمين وعقيدة النصارى اليوم فهي تقع في ما نهى عنه القرآن وأكد على خطئه وهو لأن المسلمين يثبتون لسيدنا عيسى عليه السلام النبوة وينفون عنه البنوة التي لا يصح نسبتها في حق أي كائن إلى الله عز وجل. ويؤكدون أن الإله واحد بلا تثليث ويؤكدون أن المسيح لم يصلب ولم يقتل بل نجاه الله وألقى شبهه على رجل آخر فأخذ وقتل.
وأما فضله وتعاليمه فمازالت اليوم سارية بين الناس أمثالاً وعبر وقصص وتعاليم دينية مذكورة على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يرويها عنه ويعبر عنه بأخي عيسى.
فالمسلمون يتناقلون كلهم قصة “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” كعبرة على عدم البحث عن أخطاء الآخرين وتجاوز أخطاء النفس ويتناقلون كثيراً من التعاليم الأخرى التي هي في روحها تتشابه مع ما جاء به الإسلام إذ انهما من نفس المشكاة. ففيما يؤثر من التعاليم أنه “إذا صفعك أخوك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر”، أقول إن هذا يشبه ما جاء به الإسلام كتعاليم أخلاقية وليس كشريعة، لأن الأخلاق تذهب دوما إلى تربية النفس على الحلم والعفو والحب والتسامح لتهذب نفس الإنسان السبعية المتوحشة، فيما تذهب الشرائع إلى وضع قوانين ترد الحقوق لأصحابها وتمنع الحيف أن يقع على أحد فيبقى في نفسه فيكون الظلم الهدام للنفس والمجتمع.
إذا صفعك أخوك تشبه ما ورد في الإسلام من أن تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك، وهي مبادئ ومثل وأخلاق موجهة للفرد تجاه أخيه لكنها لا تمثل شرائع تتيح أن يغفر القاضي أو المشرع عن من ظلم سواه. فالإسلام واضح في التشريع أن العين بالعين والسن بالسن، وإن كانت تجعل الجزاء في يد القاضي لا في يد الفرد لكي لا تكون الفوضى ديدن المجتمع. التشريع الإسلامي لا ينظر لمكانة مرتكب الجرم فأمام القضاء كل الناس سواسية لكل حقوقه وعلى كل واجباته. وفي مأثورات قصص القضاء في الإسلام أدلة عملية على ذلك، كقصة الرجل المصري مع ابن حاكم مصر حين مكنه الخليفة من أخذ القصاص لنفسه وقال له “إضرب إبن الأكرمين”.
هذه هي علاقة الإسلام بالسيد المسيح وتعاليم السيد المسيح وكل محبي السيد المسيح، ونبارك للجميع من محبيه بذكرى ميلاده أو أي مناسبة للاحتفاء بهذه الشخصية العظيمة التي لها من الله كل التمجيد والتكريم ومنا كل المحبة.