الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

على خدك الأيمن








الأربعاء 26 ديسمبر 2012


بادئ ذي بدء نبارك لكل محبي السيد المسيح اليوم الذي مر علينا بالأمس وهو ذكرى الاحتفال بمولد السيد المسيح بحسب احتفالات الكنيسة بتاريخ الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) في كل عام. والتاريخ عندنا حول ميلاد المسيح وإن لم نقع على تحديد له إلا أن الاستدلالات على نجمة الميلاد توصلت ببعض الفلكيين إلى تاريخ مختلف يقع في حزيران واستدل بعض العلماء على ذلك بوجود النخلة والرطب عند ولادته، وإن كان ذلك لا يبعد عنه الجانب الإعجازي كما في إعجاز ولادته.
للسيد المسيح في عقيدة المسلم مكانة عظيمة من الاعتزاز بتعاليمه وشخصيته، ومن الإيمان بنبوته ومقامه العالي عند الله كنبي من أصحاب الرسالات والكتب السماوية التي يعتبر الإيمان بها إجمالاً شرطاً في كمال الإيمان يتكلم القرآن عنه.
يؤمن المسلم بالسيد المسيح مولوداً بالإعجاز للسيدة مريم العذراء الطاهرة التي هي عند المسلم سيدة نساء ذلك الزمان، والتي نذرتها والدتها محرراً قبل أن تولد ثم كفلها زكريا زوج خالتها بعد أن تنافس الأحبار على ذلك الشرف العظيم ففاز به النبي زكريا والد النبي يحيى الذي استشهد فيما بعد، والذي مازال ذكره وذكر ما جرى عليه يعتبر من المأثورات عند المسلمين.
السيدة مريم التي اختارها الله لأن تكون أما للسيد المسيح وأكد على طهرها في كل موضع في القرآن وذكر عظم هذا الابتلاء عليها وكيف أن قومها وقفوا منها موقف الاتهام وهي السيدة الطاهرة ولم يغير ذلك إلا ما رأوه من المعاجز على يد السيد المسيح وهو بعد صبي في مهده يتكلم ويبشرهم بنبوته من الله.
ثم إن المسلمين في تاريخهم حين تعرضوا للاضطهاد هاجروا إلى الحبشة لأن فيها ملكاً من محبي السيد المسيح لا يظلم عنده أحد، فأرادت قريش أن تكيد لهم فقالوا للملك إن هؤلاء يقولون في مريم قولاً عظيماً. فاستشهد المسلمون وقيل إنه جعفر الطيار بآيات القرآن على عظمة مريم وطهرها، ومن الآيات التي توضح تعاليم الدين، فتأثر الملك وقال إن ما قرأته وما جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة وأمن المسلمين ورخص لهم البقاء في دياره آمنين مطمئنين.
وهذه الحالة التي اكتنفت الملك النجاشي في الحبشة قد تشبه ما ذكر في القرآن في فضل محبي المسيح على سواهم من أن منهم قسيسين ورهبان تفيض أعينهم من الدمع حين يسمعون الحق لعلمهم به.
وأما الفوارق الأهم بين عقيدة المسلمين وعقيدة النصارى اليوم فهي تقع في ما نهى عنه القرآن وأكد على خطئه وهو لأن المسلمين يثبتون لسيدنا عيسى عليه السلام النبوة وينفون عنه البنوة التي لا يصح نسبتها في حق أي كائن إلى الله عز وجل. ويؤكدون أن الإله واحد بلا تثليث ويؤكدون أن المسيح لم يصلب ولم يقتل بل نجاه الله وألقى شبهه على رجل آخر فأخذ وقتل.
وأما فضله وتعاليمه فمازالت اليوم سارية بين الناس أمثالاً وعبر وقصص وتعاليم دينية مذكورة على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يرويها عنه ويعبر عنه بأخي عيسى.
فالمسلمون يتناقلون كلهم قصة “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” كعبرة على عدم البحث عن أخطاء الآخرين وتجاوز أخطاء النفس ويتناقلون كثيراً من التعاليم الأخرى التي هي في روحها تتشابه مع ما جاء به الإسلام إذ انهما من نفس المشكاة. ففيما يؤثر من التعاليم أنه “إذا صفعك أخوك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر”، أقول إن هذا يشبه ما جاء به الإسلام كتعاليم أخلاقية وليس كشريعة، لأن الأخلاق تذهب دوما إلى تربية النفس على الحلم والعفو والحب والتسامح لتهذب نفس الإنسان السبعية المتوحشة، فيما تذهب الشرائع إلى وضع قوانين ترد الحقوق لأصحابها وتمنع الحيف أن يقع على أحد فيبقى في نفسه فيكون الظلم الهدام للنفس والمجتمع.
إذا صفعك أخوك تشبه ما ورد في الإسلام من أن تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك، وهي مبادئ ومثل وأخلاق موجهة للفرد تجاه أخيه لكنها لا تمثل شرائع تتيح أن يغفر القاضي أو المشرع عن من ظلم سواه. فالإسلام واضح في التشريع أن العين بالعين والسن بالسن، وإن كانت تجعل الجزاء في يد القاضي لا في يد الفرد لكي لا تكون الفوضى ديدن المجتمع. التشريع الإسلامي لا ينظر لمكانة مرتكب الجرم فأمام القضاء كل الناس سواسية لكل حقوقه وعلى كل واجباته. وفي مأثورات قصص القضاء في الإسلام أدلة عملية على ذلك، كقصة الرجل المصري مع ابن حاكم مصر حين مكنه الخليفة من أخذ القصاص لنفسه وقال له “إضرب إبن الأكرمين”.
هذه هي علاقة الإسلام بالسيد المسيح وتعاليم السيد المسيح وكل محبي السيد المسيح، ونبارك للجميع من محبيه بذكرى ميلاده أو أي مناسبة للاحتفاء بهذه الشخصية العظيمة التي لها من الله كل التمجيد والتكريم ومنا كل المحبة.

الأحد، 23 ديسمبر 2012

النهاية






الأحد 23 ديسمبر 2012


في ذلك الجانب المختص بالتخيل في عقل الإنسان يكمن مخرج محترف يكرر تخيل أفكار مجنونة تبني نفسها على أساس من ظلال الواقع، وتحليل الواقع وما فيه من وهن، يصورها الشاعر والخطيب باستعارات وتشبيهات ويصوغها الرسام على شكل خطوط وألوان ويغرق المخرج في فكرة توصل المفارقة التي يراها في الواقع عبر مفارقة شبيهة يجدها في أفكاره المجنونة.
كثيرا ما يمر بفكره التشبيه الذي يقول إن الحياة مسرحية هزلية، وان الأشخاص الذين يمثلون فيها هم نحن، ورغم أنه يؤمن أن الحياة لو قدر لها أن تكون مسرحية، فهي إن لم تكن دراما سوداء، فهي كوميديا سوداء من النوع المضحك المبكي. وحين يمر هذا التشبيه بخياله، يتخيل في كل مرة أن الممثلين على هذه الخشبة يمثلون مسرحيات عدة وأدوارا مختلفة، ولا يستبعد أبداً أن يلتقي مرة بأحد من رآهم يمثلون دوراً ليجدهم يقومون بدور آخر.
ربما ليس من قبيل أن يمثل أحدهم شخصيتين مختلفتين بالخير والشر، فذلك أسهل بكثير من أن يكون أمراً يتخيله المرء وينتشي بتصوره في خياله. هذا التعارض أقرب ما يكون إلى انفصام الشخصية أو ازدواجها وهو مرض قل اليوم أن يخلو أحدنا من نسبة منه، وربما حتى في الأمس والغد.
ما يتخيله هذا المخرج أن يلتقي يوماً بشخص يعرفه تمام المعرفة وقد كان يعرفه معلماً للأجيال أو خبيراً اقتصاديا معروفا أو شاعرا بليغاً أو خطيباً مفوها، ليجده باسم آخر ويحمل دوراً مغايراً في المجتمع. وبالطبع سيصر عليه أنه يعرفه فيما ينكر ذلك الممثل معرفته به ويخبره أنه يخلق من الشبه أربعين، ويظل كل منهما متمسكا برأيه محملقا بالآخر بينما أفكاره تتسارع وهي تعيد شريط ذكريات يؤكد بلا جدوى سابق المعرفة.
أما حين نبتعد عن البعد التصويري إلى البعد الفكري، وإلى التحولات الفكرية التي تطرأ على الإنسان، وكيف ينتقل من معاداة فكرة إلى تقمصها ومن الهجوم على عقيدة إلى اليقين بها ومن الاستهزاء بموقف إلى الإغراق في الوقوع فيه. كل هذا يؤكد نقلة في الدور الذي يمثله المرء إلى دور آخر دون أن يتغير الاسم ولا الوظيفة الظاهرية في الحياة، إلا أنك ولا شك تكون أمام إنسان مختلف ليس الذي تعرفه فكراً.
وبغض النظر عن مشروعية التحول في التفكير عند المرء، فلا شك أن الإنسان يستطيع أن يتبنى أي فكرة ثم ينتقل إلى نقيضها، والعيب الوحيد هو أن يعتقد فكرة ونقيضها في آن واحد، فهو حين ذاك يكون قد تخلى عن جزء كبير من قدراته العقلية.
كما لم يتخيل مخرجنا أبداً دورا لعادل أدهم يكون فيه رجلاً خيراً، فهو لا يتخيل لرجل القانون أن يعمل لانتهاك القانون أو رجل الدين وهو يحارب الدين أو مدرب الكرة وهو يعامل الكرة بقلة احترام وأنها لهو مجرد. لم يتخيل أن يكون المدافع عن حرية الرأي داعيا لقمع أي رأي مختلف، ولم يتخيل أن يجد أمامه جنبلاطيين أكثر من جنبلاط.
يبقى أن المخرج حين يخرج علينا بمفارقة فهو يدخر لنهاية الفيلم مفارقة أخرى تحل اللبس القائم وتجعل الدور الآخر منطقيا، ترى هل هناك من منطق يقنعنا بما نراه كل يوم من العجائب والتقلبات التي تشبه جو البحرين في شدتها. لننتظر ونرى، فللزمان دورته الدائرة.

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الأستاذ سامي










الأربعاء 19 ديسمبر 2012


ليس وحده هذا الأستاذ المخلص في عمله، ولكن لأن اسمه معبر جداً عن المكانة والمرتبة التي يحتلها المعلم في وجدان المجتمع ككل وفي تربية الأجيال وصناعة نشء يحب العلم والمعرفة ويتسلح بهما في مواجهة مشكلات الحياة وخلق الوعي بما يحمله المستقبل من مسؤولية سيحملها هؤلاء الطلاب على عواتقهم لخدمة أممهم وأوطانهم.
من ينظر إلى حال المعلم ويقارن بين الأمس واليوم، يميز الغبن الواقع عليه من التغير في المكانة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع. فبعد أن كان أسمى ما يتمناه المرء أن يلتحق بهذا القطاع، صارت هذه الأمنية بعيدة المنال، صعبة التحقيق، وإذا تحققت فهي تحمل معها كماً من الجهد لا يتناسب مع المردود، فصارت في كثير من الحالات مهنة لمن وجدها وليس لمن تمناها وسعى إليها.
المردود المادي لهذه المهنة لا يتناسب والرسالة المرتبطة بها، ولا بالعبء الملقى على كاهل العاملين بها، ولو كان الحال كما يجب لوجدنا رغبات الطلاب المتفوقين الأولى لا تقع حكراً على تخصصات الطب والإدارة والهندسة وتبتعد عن التخصصات النظرية والتعليمية. فالإنسان الطموح والمجتهد في دراسته، حين يبحث عن فرصة للدراسة، تجده يبحث عن مجال يمكنه التميز فيه ومن ثم تحقيق نجاح يكفل له حياة كريمة أولاً، ومكانة اجتماعية لائقة مرموقة ثانياً، ويتمكن من خدمة مجتمعه ثالثاً بصورة تتناسب وما يعتقده في نفسه من إمكانيات ذهنية وتحصيلية.
ثم إن سياسة إحلال المواطن في هذه المهنة، يجب أن تكون مرتبطة بسياسة أبعد في إحلال الكفاءات والقيادات الوطنية، بحيث تتجاوز مرحلة استيراد هذه الكفاءات والاعتماد على أبناء هذه الأرض في تعمير بلادهم وخدمة مجتمعهم. ورغم أننا تعلمنا على أيدي معلمين مواطنين وأجانب، إلا أننا وجدنا كفاءات متماثلة في الحالين، لا يزيد فيها غير المواطن عن المواطن في شيء، مع توافر مزيد من الإخلاص لهذه المهنة في ذلك الجيل من المعلمين وهو الأمر الذي ينبغي تعزيزه في الأجيال التالية بدلاً من إضعافه بالمزيد من كم المجهود وكفاف المردود.
بالأمس البعيد كانت الشركات الصناعية ترسل ممثليها إلى القرى والمدن البحرينية للبحث عن خامات بشرية لتدريبها وإلحاقها بالعمل في أقسامها المختلفة، أم اليوم فإن مهنة التعليم وغيرها من المهن تنشر إعلاناتها بين الفينة والأخرى في بلاد أخرى. وكان حرياً بها أن تجوب جامعات وثانويات البلد بحثاً عن خامات مؤهلة وإلحاقها ببرامج المنح والبعثات لتوفر لها نخبة العقول قبل أن تتفرق بهؤلاء السبل بين مختلف التخصصات.
إن أكثر الدول تقدما والتحاقاً بركب الحضارة هي الدول التي تجعل لمعلميها مكانة مميزة، فينتج هؤلاء أجيالاً طموحة واثقة في المستقبل المشرق، وليس تلك التي تجعل ممن يعد الأجيال إنساناً محطماً أو يائساً ينتظر سنوات التقاعد ويقصرها بانتظار جرس نهاية الدوام.
هناك من دول الخليج من يهتم بهذا الجانب وهذا القطاع، فهل انتبهنا نحن لذلك، أم أننا نكتفي بشعار الريادة في الأيام الأولى ثم التخلف فيما بعد لضعف الإمكانات المرصودة. رفقاً بالمعلمين، فهم عماد هذا المجتمع وهم ثروة الوطن الحقيقية.

آخر الوحي:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أحمد شوقي

الأحد، 9 ديسمبر 2012

بين حانا و مانا





الأحد 9 ديسمبر 2012

مثل عربي يقول “بين حانا ومانا ضاعت لحانا” وقصته تتلخص أن رجلاً في شيبته تزوج بأخرى وكانت إحداهما تدعى حانا والأخرى تدعى مانا. ولرغبة صغراهما في تشبيبه فقد كانت تنتف شيبات لحيته. فتراه الأخرى وقد قل شيبه فتبدأ في نتف سواد لحيته. وهكذا دواليك حتى قال الرجل “بين حانا ومانا، ضاعت لحانا”.
هذا المثل ينطبق على مقال قرأته في إحدى جرائدنا في البحرين فيه من الحماس لحكم مرسي أكثر مما لبعض الإخوان في مصر أنفسهم. فالرئيس المصري الذي جاء على خلفية أول انتخابات تقام بعد سقوط نظام مبارك حاملاً معه دعوى التغيير كأول رئيس منتخب، قد لاقى موجة ضخمة من الاعتراضات على قراراته خلفت عدداً من الضحايا، وكان المعارضون لقراراته الأخيرة بحسب ما يظهر في وسائل التواصل من اتجاهات مختلفة. إلا أن المقال المتحمس المذكور كان يتكلم بكل شدة على من يعارضون مرسي أو يتظاهرون ضده واصفاً إياهم بأقذع الألفاظ ثم يؤكد أنهم كلهم من الفلول وأنهم وأنهم.
يفتتح المقال بمقارنة حال مصر بحال البحرين من زاوية “فكل ما يقوم به الرئيس مرسي هو مشكوك فيه ولا يمكن القبول به في نظر فلول النظام الفاسد، بينما كل تحرك تقوم به المعارضة هو من باب الوطنية والحرص على مصر وعلى مصلحة المواطنين”.
كفانا مثالية وتقديس فارغ بحيث يصير الكل إما أنهم إخوان أو فلول وكأنه لا يوجد مصري إلا وهو من مسرح عرائس كبير تلعب بخيوطه فلول نظام مبارك. مثالية تجعلنا نقول إن مرسي دون سلفه فلا يحق الاعتراض عليه ولا انتقاده وإلا عد ذلك من باب “فش الخلق” بسبب الهزيمة في الانتخابات الرئاسية.
كفانا كلاما عن حملات علاقات عامة ظالمة ضد مرسي يقودها “معسكر عربي لعرقلة أي استقرار سياسي أو اقتصادي لمصر يقوده الرئيس مرسي”. وكأن الحراك ضد مبارك لم يكن مدعوماً إعلامياً عبر قنوات عربية، وتلميع اتجاهات سياسية ما في الانتخابات لم يكن يوماً عبر نفس القنوات.
ويعود المقال ليختتم سطوره بمقارنة وضع مصر بوضع البحرين من حيث إن “صوت المعارضة الإعلامي فيها كان أكثر ضجيجاً وإزعاجا، ولكنه لم يصمد طويلاً أمام حقائق الواقع”.
أقول إن النظرة الحزبية الضيقة لأي حدث على وجه البسيطة تقلل من إمكانية استقراء الواقع على حقيقته وقد تقلل من حس احترامنا لإنسانية أي مختلف وحقه في التعبير عن رأيه، فهل هو الحماس الذي يصم أذن الدعوتجي عند وصول حزبه في العراق هو نفسه حماس الإخواني عند وصول مرسي الحكم المشابه لتعصب البعثي لصدام والقومي لجمال عبدالناصر. حقيقة، لا أدري!!

آخر الوحي:
سيزول ما كنا نقول مشرق ومغرب
ستكون رابطة الشعوب مبغض ومحبب
الجواهري

الأحد، 2 ديسمبر 2012

جماعة "انشر تؤجر"




الأحد 2 ديسمبر 2012


كنت ذلك الطفل الصغير ذو الأعوام التسعة المحب للقراءة الذي أخذه الفضول ليلتقط ورقة ملقاة على مدخل المنزل، وفتحتها فإذا هي تروي قصة عن معجزة حصلت لفتاة شفيت من مرضها العضال ثم كتبت قصتها وارسلتها إلى عشرة أشخاص طالبة من كل منهم أن يعيد النسخ حتى تنتشر القصة وتصل إلى الناس جميعاً، ثم تحذر الرسالة من يتهاون في النسخ بمصائب قد تلحقه كما حصل لتاجر تجاهلها وخسر تجارته. وتبشر من يعيد نشرها كما حصل لذلك الفقير الذي تجاوب معها فعلا نجمه وسعد طالعه وصار من علية القوم بفضل الرسالة الإعجازية واليقين بها واحترام محتواها ونسخه.
وبالطبع كوني أكره النسخ فقد أخذت الرسالة معي إلى صديقي أشكو ما سيطالني من النسخ وأطلعه على ما تحتويه من موضوع مثير، وكطفل أحسست حينها أن الرسالة نداء من القدر وحظية عظيمة. وقبل أن نباشر في نسخ أي كلمة من كلمات الرسالة جاءنا جواب تساؤلنا من ثقة، أن هذه الرسائل وأمثالها كلام فارغ ومضيعة وقت وجهد. ارتحت حينها وبقيت القصة عالقة في ذهني منذ ذاك الحين وما فكرت بعدها أبداً في التعاطي مع هذه الترهات.
يمر الزمان وتظهر رسائل الإيميل بنفس المضمون، ولكن النسخ أسهل بالتأكيد، ثم الواتس اب وغيره من وسائل التواصل، ومازالت الأسطورة مستمرة، ومازلت أضحك على كل رسالة من هذا النوع دون أن أكلف نفسي عناء مسحها فضلاً عن إرسالها.
عدة أمور طريفة في هذا النوع من الرسائل، أولها أنها كمعجزة افتقرت للانتشار عبر ألسن الناس فأخذت تستجدي النشر عبر وسائل التواصل. ثم انها تفترض لنفسها أثراً غيبياً على مصائر من يتعاملون معها بالنشر أو بالتجاهل. والأروع أنها تفترض لنفسها القدرة على منح الثواب للناس مع عبارة “انشر تؤجر” وكأن أحد أعمال البر والسنن صار نسخ الرسائل وتوزيعها.
فكرت في غرض هذا النوع من الرسائل فوجدت أنها تخدم الأغراض التالية، فمن ذلك تنمية العقلية الخرافية عند الناس ومنه تهيئة قنوات لبث الإشاعات وتوسعتها وإبقائها دوماً مستعدة لنشر المزيد من الرسائل والإشاعات. حتى صرنا والحمد للذي لا يحمد على مكروه سواه مجتمع إشاعة من الدرجة الأولى، بحيث تنتشر رسائل تحتوي شائعات ينقض مطلعها خاتمتها ولكننا لا نجد غضاضة في الإيمان بها وتصديقها. وبالرغم من أننا نعيش زمنا تكاد تجد فيه كل مصادر الأخبار لها حضور عبر مواقع معتمدة للتصفح وفي وسائل التواصل إلا أننا نتجاهلها لنأخذ بإشاعة عبر الواتس اب لا يعرف لها مصدر ولا أساس. لا نتفكر في تعقل الخبر والتفكر فيه إنما نسارع بإرساله لنكون سباقين في الحماقة.
أكتب هذه الكلمات وشائعات طريفة بعينها تمر بذهني، لا أدري كيف تناقلها الناس حتى كادت في حينها تكون عند متناقليها يقيناً رغم سخفها واستهزاء من ألفها بعقول الناس وكأنه يكتبها وهو يدلي لسانه هازئاً في خبث.
ويدليه بخبث أكبر وهو يكتب عبارة “انشر تؤجر”.

آخر الوحي:
يصير من تيس الصخل تحلب حليب
يصير هندي بالبدو يرهم خطيب؟

يصير هرفي من لحم يفترس ذيب
يصير تكسب من عدو أمنية؟!

يصير بالمنخل تسد عين الشمس
يصير لحم الكلب طاهر مو نجس؟

يصير عالم من غبي ياخذ درس
يصير تعرف داخل الرقية؟!
عبود الكرخي

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

شباب جاد







الأربعاء 28 نوفمبر 2012

نقارب اليوم و خلال الأشهر القادمة إكمال سنتين على اشتعال فتيل الأزمة التي عصفت بالبحرين و أحرقت الكثير من الأخضر و اليابس في مساحات الذاكرة و التفكير و روابط المجتمع. نعم، فقدنا الكثير مما كنا نملكه و اتضح لنا ضحالة الكثير مما كنا نفاخر به و هي عبارة جامعة ولله الحمد، فلن أحتاج بعد أن أقولها لأدافع عنها لأن كل طرف سينظر للعبارة من زاويته و هذا هو بالضبط محور الأزمة و سبب استمرارها اليوم و إلى أن يشاء الله أن تنتهي.
و يبدو لي أن الكثيرين قد تبين لهم أن الكلام حول الأسباب و المسببات و من الذي يملك أن يبدأ مقاربة الحلول، صار كلاماً مستهلكاً من ناحية و غير ذي جدوى من ناحية أخرى، و لكن أرجو أن يكون أمرا أكثر أهمية قد توضح لهؤلاء الكثيرين الذين ملوا الكلام و ملوا تصفح وسائل التواصل انتظاراً لنهاية القصة المتعبة. و هذا الأمر هو أن الأزمة في مجملها منذ بدايتها لنهايتها هي سلسلة من المناكفات التي لا تنتهي ولا تمثل سوى مضيعة بل محرقة للطاقات في جميع الإتجاهات.
لقد تم استهلاك و لا أقول استثمار، استهلاك طاقات و جهود بلا نهاية للجميع بدءاً من رجل الشارع وصولاً إلى كل درجات المسئولية و أعلاها في كل المؤسسات التي تشكل هذا المجتمع من قطاع عام و خاص و مؤسسات مجتمعية. و لو تساءلنا فيم استهلكت هذه الطاقات، و إلى أين وصلت، فربما لا نجد جواباً مقنعاً لأحد و السبب كما قلنا عن المسببات و كما قلنا عن الصورة الإجمالية، سيأتي الرد بتمسك كل الإتجاهات بنفس المنطلق الذي ينافح من أجله.
الكلام يقودنا إلى أمر ما إذا كنا نحمل شيئاً من الجدية لخدمة مجتمعنا و بلادنا، و هو أن نوجه الجهود و الطاقات إلى ما يمكن أن يحمل النفع سواء باستثمار الجهد في مزيد من طلب العلم و مزيد من العمل البناء سواء في المجال الإقتصادي أو في مجال خدمة المجتمع أوكان في مجال الثقافة أو الخدمات أو التعليم أو اي مجال آخر يمكن أن يجلب مردوداً نافعاً للفرد و المجتمع. أقول هذا الكلام و أنا متأكد أن هذا الطرح لن يسلم من الإتهام بالسطحية أو الهروب من الواقع، و لكني أقول أن الواقع هو صنيعة جهود إيجابية أو سلبية بحسب تقييم كل جهة و هو ما اتفقنا أن كل طرف سيتمسك به.
أما المعادلة السياسية، فحين يكون هناك حل جاد، فلا شك أن الكفاءات سيكون لها مكانها و ستكون في أتم جهوزيتها. أما ما يحصل الآن فيحمل الكثير من التشطير للمجتمع و الإستخدام الخاطئ لطاقاته و منا هنا، أرى أن الجاد يجب أن ينأى بنفسه عنه إلى ما هو أنفع لمجتمعه و له. و الله من وراء القصد.

آخر الوحي:

إذا القومُ قالوا مَنْ فتى؟ خلتُ أنّـني
 عُــــــنيتُ فلمْ أكســـــلْ ولمْ أتبلّــــــد ِ
ولستُ بحلاّل التــلاع مخــــافــــة ً
ولكن متـى يسترفـــــد القومُ أرفــدِ

طرفة بن العبد

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

مودة أهل البحرين






الأحد 25 نوفمبر 2012

كنت قد ذكرت في مقال سابق نشر تحت عنوان “حزننا على الحسين من سنة نبينا” جملة من الأخبار المروية عند عموم المسلمين عن بكاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما يجري على سبطه الحسين الشهيد، وكيف أن البكاء على مصيبة الحسين الذي تقام لأجله مجالس التعزية له ما يسنده من السنة النبوية المطهرة، وإن كان الحزن والبكاء أمراً وجدانياً مرتبطاً بالمودة للمحزون وبتلك الصلة العاطفية بين المحب والمحبوب. ولاشك أن مودة أهل البيت وبالذات ذرية النبي الأكرم ثابتة الوجوب عند عموم المسلمين بنص القرآن الكريم وقد ألفت حولها مؤلفات عديدة منها الحديث ومنها القديم والموغل في القدم.
واهتم أهل البحرين بواجب المودة اهتماماً خاصاً ومميزاً خلدته القرون والأيام وورثه الأبناء عن الآباء والأحفاد عن الأجداد. فمنذ قديم الزمان كانت البحرين تعطل فيها الأسواق وتقام فيها مجالس التعزية وتسخر الإمكانات خدمة لهذا المظهر من مظاهر إحياء الواجب، ويشارك فيها الجميع ومن كل الطوائف والدرجات الإجتماعية. وهو أمر محمود البداية ومحمود الاستمرار ولا حرمنا الله من إحيائه وإحياء كل معالم الدين والمودة التي لا تورث إلا المودة بين الناس.
يقول المرحوم الشيخ سليمان المدني حول هذه الشعائر في البحرين “فالبحرين كلها تلبس ثياب عاشوراء، وتحتفل بها حكومة وشعباً على اختلاف طوائف الشعب، فإذا قضية عاشوراء ليست قضية شيعية خاصة، إنما هي قضية البلد كله”.
وفي مقام آخر يدل على ذلك، نجد هذه القضية محط الاهتمام على كل المستويات وأعلاها، ففي مقدمتها الدعم الذي يقدم كل عام من جلالة عاهل البلاد في صورة مكرمة سنوية تقدم إلى المآتم والحسينيات، ومنها اللفتة الكريمة قبل عامين لرفع أي تزاحم بين إحياء ذكرى عاشوراء وبين احتفالات العيد الوطني، وهي لفتة استحقت وتستحق كل الشكر والتقدير، بالإضافة إلى وضع الإمكانات اللازمة من قبل الدولة والمجتمع ليكون الموسم في كل عام موسماً مميزاً.
عند أهل البحرين، تجد كلاً منهم بمختلف مشاربهم يعيش مودة أهل البيت ويتسابقون في ميادينها الخيرة، ولذلك شواهد كثيرة لابد أن يأتي ذكرها في سلسلة مقالات مفصلة.

آخر الوحي:
فمن مبلـغ عنـي الحسيـن رسالــة
وإن كرِهَتهـا أنفـــس وقلـــوب
ذبــيـح بـلا جـرم، كـأن قــميصــه
صبيغ بمـاء الأرجـوان خضـيب
فللــسيــف إعـوال وللرمــح رنــة
وللخيل من بعد الصهيل نحـيب
تـزلـزلـت الــدنيـا لآل مـحــمــد
وكادت لهم صم الجبــال تـذوب
الشافعي

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

سنوات يزيد الثلاث





الأربعاء 21 نوفمبر 2012

رغم أنه من أقصر الحكام عهداً، إلا أن يزيد بن معاوية استطاع خلال ثلاث سنوات أن يصير الحاكم الذي لا ينساه الناس ولو بالسيء من السيرة. فقد كانت كل سنة من سنوات حكمه مذكورة بحدث خطير ليس له سابقة في تاريخ الإسلام. ففي أولها قام بقتل السبط الشهيد في كربلاء و سبي من بقي من ذريته و نسائه إلى الكوفة و من ثم الشام، و من ثم أمر بإعادتهم إلى المدينة المنورة. سار ركب السبايا من آل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على نوق عجفاء بلا هوادج، و القيود تحيط بأطرافهم حتى أدمت الجامعة (قيد الرقبة) عنق زين العابدين، و يقدم الركب حملة الرؤوس يحملون الرؤوس المقطوعة على أسنة الرماح و أولها رأس الحسين بن فاطمة بضعة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
في تلك الرحلة الطويلة رأت قافلة الحسين مناظر لم تكن لتجري على أسرى الفرس أو الروم أو الترك، ففي أمة “إرحموا عزيز قوم ذل” و في أمة “المثلة حرام” و في أمة “الناس اثنان، أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق” لا تقطع الجيوش شجراً و لا تقتل أسيراً. في أمة يهتف داعيها يوم فتح مكة و تطهيرها من دنس الأصنام يدعو الداعي “اليوم يوم المرحمة”، و يدعو الداعي لأعتى طغاة الكفر و العدوان “إذهبوا فانتم الطلقاء”.
رأت هذه القافلة الحرمان من الماء حتى يهلك الطفل و الطفلة من العطش، و يقضي ابن بنت رسول الله و لسانه كالخشبة من شدة العطش، رأت كيف يذبح الرضيع بسهم في أوداج عنقه، رأت كيف يذبح الحسين من القفا إمعاناً في الأذى و التشفي من اللعين شمر بن ذي الجوشن. رأت كيف يرض جسده بالخيل و يلقى مع أهله و أصحابه بلا دفن و لا تجهيز. ثم ما تلا هذه الفواجع من حرق الخيام و تشريد النساء و الأطفال في الفلوات في ليلة فقدهم لأحبتهم، ثم هجوم الجيش لسلب الأطفال و النساء و الأجساد المرملة على صعيد كربلاء، حتى قطع أحدهم خنصر سيد شباب أهل الجنة طلباً لخاتم في يده.
في سنة أخرى يحاصر الجيش الأموي المدينة و تستباح ثلاثة أيام يعيث فيها هذا الجيش الجرار فساداً، من قتل و سلب و تنكيل و انتهاك للحرمات في واقعة اشتهرت في تاريخ الإسلام بواقعة الحرة. هذه الواقعة التي انتهت بمقتلة عظيمة من أهل المدينة فيهم الصحابي وفيهم التابعي حتى فاق القتلى يومها عشرة آلاف، سبعمائة منهم من وجوه المهاجرين و الأنصار. ثم أخذت البيعة على من بقي من الناس على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية.
و كفى بهذه البيعة فجوراً على أناس بايعوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه لا إله إلا الله و أنه عبده و رسوله، و أن يكفوا عن محارم الله، فيصيرهم مملوكين له ببيعة فاجرة لا يقرها دين ولا خلق و لا أصل شريف.
في سنته الثالثة حاصر جيش يزيد مكة طلباً لمناوئيه من الزبيريين و نصبت المنجنيق لضربهم بها فتحصنوا بالكعبة. و هنا رمى الجيش الكعبة بالمنجنيق فأحرقت، و دام حصار مكة عدة شهور، حتى بلغ الجيش خبر موت يزيد، فانفكوا عن الحصار عائدين إلى ديارهم مخذولين.
هذه السنوات الثلاث بأحداثها المفجعة، التي يكفي أي منها لتسويد وجه التاريخ فضلاً عن تاريخ يزيد الذي قال فيه أصحاب التاريخ من كافة المشارب ما قالوا من تجاهره بالفسوق و قول كلمة الكفر في محافل عديدة ليس أيسرها تمثله  أمام رأس الحسين المقطوع بأبيات ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشلّ
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ثم زاد فيها من قوله كما يروي الشعبي:
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل

الأحد، 18 نوفمبر 2012

مقاتل الطالبيين





الأحد 18 نوفمبر 2012

أذكر أن أحد العلماء ذكر مرة و هو يتحدث عن هذا العنوان أن هذا الكتاب و المصنف التأريخي يعد من أغرب المصنفات، فهو يذكر مقاتل آل أبي طالب، و وجه الغرابة أن آل أبي طالب هم قرابة النبي و منهم ذريته و هم من ناصروا الإسلام ابتداء من عميدهم إلى بنيه و حفدته. فالكتاب الذي يضم في جنباته ذكراً لهذه المقاتل يصنف مائتي شخصية من هذه العائلة الشريفة و يذكر نسب كل منهم و بعض سيرته ثم ظروف مقتله. و للقارئ أن يتأمل كيف أن يصنف كتاب ينقل مقاتل عائلة يبدأ بذكر مقتل جعفر بن أبي طالب في مؤتة، مروراً بمقتل خليفة المسلمين و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم يسترسل فيمن قتل من بنيه، فيصل العدد بالمؤلف و هو يصنف الكتاب عام 313 إلى ما يفوق المائتي قتيل من هذه العائلة.
 أقول و هذا العدد الذي ذكرته هو من عدي المتعجل لأبواب هذا الكتاب، فكيف بما فاتني، ثم كيف بما تركه مصنف الكتاب أو أعوزته تفاصيله فأحجم عنه كما ذكر أبوالفرج الأصفهاني في خطبة مقدمته إذ يقول “و على أننا لا ننتفي من أن يكون الشيء من أخبار المتأخرين منهم فاتنا ولم يقع إلينا، لتفرقهم في أقاصي المشرق و المغرب، و حلولهم في نائي الأطراف و شاسع المحال”. ثم أن الغرابة التي يحملها العدد و تطاول الزمان في مقاتل هذه العائلة يبلغ أوجه في ذكر الأسماء الأولى في السياق التاريخي و في الفضل و هي التي عاصرت صدر الإسلام قبل أن يتباعد العهد من عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و عهد الخلفاء الراشدين.
 إذ تبقى قضية مقتل الإمام الحسين عليه السلام مثار تفكير عميق و تساؤلات لا تنتهي، كيف لا و هو ريحانة المصطفى و سيد شباب أهل الجنة و ابن فاطمة الزهراء وابن أمير المؤمنين و أخو الخليفة الإمام الحسن عليه السلام. وبسبب تفرد هذه الشخصية و عظم مكانتها من النبي صلى الله عليه و آله و سلم و بسبب الطريقة المفجعة التي قتل بها هو و جماعة أهل بيته و أصحابه، أفرد كاتب الكتاب فصلاً مطولاً يضم مقتل الحسين و من معه، إلا أنه و لا شك يقصر عما ذكرته الكتب التي تخصصت في ذكر سيرة الحسين مفردة.
 فكان مما ذكره الكتاب و هو من المعروف عند المتقدمين و المتأخرين هو أن الحسين قد قضى بأبي و أمي  عطشاناً حتى أنه حين طلب الماء “فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات كأنه بطون الحيات، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً”. و مما ذكره الكتاب أيضاً في هذا الجانب أن الحسين أرسل فيما بعد الفرسان و الرجالة ليستقوا له فعرف أحد الواقفين على الماء أحد رسل الحسين و عرض عليه أن يشرب الماء بلا قتال، فاعتذر الرجل بأنه لا يشرب و الحسين عطشان. و هنا رد الرجل”لا سبيل إلى ما أردتم، إنما وضعونا بهذا المكان لنمنعكم من الماء”.
 و من المشهور الذي يذكره الكتاب أيضاً، أن رضيعاً للحسين قد ذبح بسهم في رقبته، فيقول صاحب الكتاب “وكان عبدالله بن الحسين يوم قتل صغيراً، جاءته نشابة و هو في حجر أبيه فذبحته”.
 و مما يذكره الكتاب أن الحسين قد احتز رأسه و حمل من العراق إلى قصر الإمارة في الشام، و حملت أهله من حفدة النبي نساء و أطفالاً أسرى، و أن ابن زياد أمر أن يوطأ صدر الحسين وظهره و جنبه و وجهه بالخيل فأجريت عليه.
 و رغم ما عرف عن العرب من الرثاء عند فقد العظماء فإن أبو الفرج الأصفهاني يقول “ و قد رثى الحسين بن علي، جماعة من متأخري الشعراء،...، و أما من تقدم فما وقع إلينا شيء رثى به، و كانت الشعراء لا تقدم على ذلك، مخافة من بني أمية و خشية منهم”.
أقول و يظل مقتل الإمام الحسين إجمالاً و تفصيلاً أمراً يتألم لفظاعته كل مسلم لأنه يؤمن بحق النبي صلى الله عليه وآله و سلم في مودة قرابته، و يتعجب لوقوعه و يستعظم وقعه على نفسه. السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين.

آخر الوحي:
مررت على أبيات آل محمد
فلم أرها أمثالها يوم حلت

ألم تر أن الشمس أضحت مريضة
لفقد حسين و البلاد اقشعرت
سليمان بن قتة

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

السؤال و ردود الأفعال





الأربعاء 14 نوفمبر 2012


الأعصاب مشدودة و العيون مترقبة والأنفاس ثقيلة في استماع سؤال ربما كان بريئاً، وهو أقل حق للعقل على الإنسان. ليس هناك من غضاضة أن يتساءل الإنسان عند موقف ما، و ليس هناك من غضاضة أن ينتقد، و ليس هناك من مبرر لأن يتم مواجهة أسئلته بالإنفعال. هكذا تولد الحكمة و هكذا يستقر البناء صلباً وهكذا يبقى طول الآذان في الحد الإنساني ولا يتجاوزه إلى حد يجعله إمعة.
ليس هناك من مبرر أن تكون كل العقول عقلاً واحداً يتوصل إلى نفس النتيجة، حتى ولو كان الموضوع في دائرة التقدير و التقييم الفردي للمواقف والذي قد يختلف من فرد إلى آخر، مع المحافظة على الإحترام المتبادل، و يبقى إلى حد ما للزمان تقييم  جدوى كل من الإختيارين عبر النتائج و خواتيم الأمور بشرط عدم تعارض أي منهما مع ثوابت مبدئية.
التنازع الذي لخشيته توئد كثير من الأسئلة، لا يلبث أن يرمي بذوره في هيئة رؤوس أسئلة تبرز من تحت الرمال كأنها كوابيس تزعزع طمأنينة الإنسان و تهز ثوابته، فتتحول إلى نباتات غير مفيدة، ثمارها لم تجد ما تستحقه من الري والإهتمام، فلا يكون لها نتيجة إلا أرض تتحول مع الزمن إلى أرض  بور لا تنتج، لأنها لم تستطع احتواء تلك التساؤلات التي كان من المفترض أن تنشطها وتحافظ على حيويتها.
دفن التساؤلات بالإضافة إلى كونه زرعاً لقنابل موقوتة في ذهنية الفرد وتسطيحاً للعقل و خلقاً لتبعية مرفوضة، فإنه يحصر حق التفكير في نخبة تضيق مع الوقت، و بدلاً من أن يساهم الوقت والتفكير في زيادة الخصب فإنه قد يجعل المساحة المجدبة أكثر اتساعاً.
العقل و هو يسبح بكل حرية ويستكشف مرتفعاً هنا و وادياً هناك يشبه إلى حد ما ذلك الغزال الذي يتجول في المراعي، فتجفله الخطوات من خلفه أو الأشخاص من أمامه، لذا ينبغي التعامل معه بجدية و اهتمام و لطف يليقان بمعاملة الأسئلة التي هي رسل الحكمة و التي تجعل الأقدام أكثر رسوخاً في طريقها إن كان صواباً، أو تغيير اتجاهها إن تبين خطأ في الطريق.
آخر الوحي:
هم هدّدوني حين صحت بهم
صيحاتي الشّعواء منتقدا
ورأيت في أحداقهم شررا
و رأيت في أشداقهم زبدا
وسمعت صائحهم يقول لهم
أن أقتلوه حيثما وجدا
إيليا أبو ماضي

الأحد، 11 نوفمبر 2012

تكرم عين الصحافة





الأحد 11 نوفمبر 2012

حادث نفسه و قال، هل يصدق من ينعت النواب بنعت ما؟ لا، حاشا و كلا، ففي النواب من لا يصدق عليه نعت قد يحط منه، حبذا لو كان النعت ينتقي ليفرز من يصدق عليه ممن لا يصدق عليه. ثم تساءل: هل يصدق من ينعت الصحافة بنعت ما؟ أبداً، فربما كان في الصحافة صحف بيضاء و أخرى صفراء، و أقلام محترمة و أخرى أضاعت رسالتها. ثم يتمتم، هل سيقبل النواب و الصحافيون و كل صاحب مكانة أن يكون لهم الحق في التعدي على الغير بسبب حصانة أدبية أو قانونية؟ دارت به الأفكار يميناً و شمالاً دون نتيجة.
فبالأمس القريب، و بحسب ما نشرته الصحافة المحلية، يعتذر أحد النواب للصحافة المحلية عما فهم من كلامه، خصوصاً ورئيس المجلس يذكره أنه “ لا يجوز تعميم الكلام على الجميع” ، ثم يكرر أنه يعتذر 3 مرات إذا كان قد قال كلاماً مسيئاً للصحفيين. نعم هناك من النواب من يمتلك الشجاعة الأدبية للإعتذار عن الخطأ، و هناك منهم من يربأ بنفسه عن الإساءة للناس، و يربأ بنفسه عن التعميم والتجني. و لكن هل كل النواب كذلك؟
 ثم تساءل، هل تكرم عيني لو كنت صحفياً فيقف من يقف ليمنع عني الوقوع تحت طائلة التعميم، و لا تكرم عيني كإنسان على هذه الأرض فأقع تحت طائلة تعميم نائب أو صاحب لسان أو قلم، يحق له من التجريح و التعدي ما لا يحق لغيره، رغم أن موقعه يفترض على كل محترم أن يحترم حقوق كل إنسان على هذه الأرض و يدافع عنها؟
ثم هل على من يشاركونه في موقعه أن يتنادوا للدفاع عنه، فيسمحوا بتعميمه الذي يطلقه على غيره، فيحق للناس أن يعمموا عليهم كل عبارة أو لفظة؟
هناك من النواب أو الصحافيين من قد يشتم شريحة أو فئة أو مكوناً دون أن يرف له جفن، لأنه يعرف أنه لن يقع تحت طائلة القانون، فهل يقف هنا المجلس بأكمله على أطراف أصابعه للدفاع عنه و يواجه المجتمع و الحق و العدالة والضمير من أجله؟ قلب صاحبنا كفيه ثم قال: تكرم عين الصحافة.

آخر الوحي:
 ألم أختصصك بما قد علمت *** من الود و المقلة المكملة
و أسأل فيك أبا صالحٍ***و ما كان حقك أن أسأله
 البحتري

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

أكبر من الفشل







الأربعاء 24 أكتوبر 2012


كنت في حوار مع أحد الأصدقاء حول التنافسية في الأسواق فذكر مفهوماً في غاية الأهمية. قال إن بعض الدول التي نحن منها للأسف لا يوجد فيها تشريع يسيطر على أحجام شركات القطاع المالي، وربما قطاعات أخرى أيضاً ولهذا فهي تتضخم في الحجم بشكل يجعل حمايتها من الفشل وإنقاذها واجباً مؤلماً وشراً لابد منه. فحين تفشل فهي ستخلف أضراراً كبيرة للاقتصاد بشكل عام ويكون إنقاذها أيضاً مؤلماً. ركز هو على القطاع المالي لكون البنك المركزي مسؤولاً عن حماية الإيداعات، ولكن الشركات الحكومية بلا شك تكون في نفس الوارد لأنها في النهاية كشركة حكومية ستترقب الدعم من الحكومة لضخ الأموال فيها وإنقاذها.
خذ عندك مثلاً شركة كطيران الخليج تكاد تكون الوحيدة في مجالها في البحرين وتسيطر على نسبة عظمى في القطاع من بين الشركات البحرينية العاملة في القطاع وتعيل في نفس الوقت عدداً كبيراً من الموظفين المواطنين، والذين سيكون مصيرهم البطالة في حال إغلاق الشركة. تضطر البحرين لمساعدة الشركة بين الفينة والأخرى لضمان بقائها واستمرارها، حتى لو كانت الجدوى الاقتصادية لها غير مبشرة إلا بالمزيد من النزيف من ميزانية الدولة.
لماذا؟ لأن الشركة أكبر من أن تفشل مما يجعلها دوماً في حاجة للدعم الحكومي لئلا تخرج من السوق، بعكس لو كانت السوق تتكون من مجموعة من الوحدات الاقتصادية الصغيرة التي تتنافس في الأداء ولا يكون تعثر أحدها مشكلة تتطلب الدعم وإرهاق الميزانية وقس على ذلك غيرها من الشركات في شتى القطاعات.
قال لي هل تعتقد أن أحداً من بنوكنا الوطنية لو تعرض للتعثر، هل سيكون بالإمكان فعلاً إنقاذه دون أن يترك أثراً مدمراً على الاقتصاد؟ هل تظن أننا نملك تشريعات لمعايير حد أقصى معقولة للحجم النسبي للقروض داخل المحفظة الائتمانية بحيث لا يكون أحد هذه القروض كفيلاً عند تعثره بأخذ البنك إلى حافة الإفلاس؟
الخلاصة أنه لا يجب ترك أحد القطاعات محتكرة من قلة من الشركات بحيث يصير فشل أحدها كارثة على الاقتصاد يصعب التعافي من آثارها.
أقول إنه لا أحد أكبر من الفشل، وكل الأعمال من الممكن أن تنجح أو تفشل، وفي تاريخ الاقتصاد العالمي والمحلي شواهد كثيرة، فهل من خطوات في هذا الاتجاه ترغم الأنشطة الاقتصادية على التنافس وتكسر الاحتكار وتريح الميزانية من عبء أن يصلح العطار ما أفسد الدهر؟

الأحد، 7 أكتوبر 2012

شبكات التدابر الإجتماعي











الأحد 7 أكتوبر 2012


فيما يطلق على مجموعة من المواقع العالمية عنوان شبكات التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك و التويتر و غيرها، إلا أنها باتت تستخدم لأغراض غاية في السوء بشكل غير مسبوق في سواها من برامج التواصل. ففيما استخدمت شبكة الإنترنت عندنا للترفيه بشكل عام و ليس توسعة المدارك و زيادة المعرفة، وجدنا أن مواقع التواصل التي تمكننا من مد الجسور مع الآخرين قد صارت وسائل لبث الفرقة و إشاعة الفتن و المهاجمة الغارقة في الشخصنة مع كل من نختلف معهم في الرأي.
 و بالطبع فإن بث الشائعات و غسيل الأدمغة و توجيه المجاميع و إبراز الخلافات و تعزيزها هي من أهم الأغراض التي استخدمت فيها هذه المواقع، حتى صارت أسماء مستعارة معينة أو شخوص حقيقيون رموزاً للفتن بين الأفراد و الجماعات يزيد رصيدهم الشخصي مع اشتعال الفتن و تفرق المجتمع و استمرار الأزمات.
 نعم، وفرت هذه المواقع بيئة خصبة و مسرحاً مناسباً لظهور الجانب الأسوأ من كل شخص و وضحت لنا  كيف يتحول أشخاص محترمون إلى جهلة لا يحملون أي شئ من حس المسئولية ولا النضج أو الواقعية في مواجهة المواقف و الفترات المصيرية. هذه الفترات التي كنا نأمل أن نجد مجتمعنا يبرز فيها جوانب قوته ووعيه وقدرته على التعايش و التسامح بين الآراء المختلفة، وهو المجتمع الذي كان سابقاً لسواه في التعليم و رائداً في مجالات العمل الأهلي و المسئولية الإجتماعية و النشاطات الثقافية إلا أن كل ذلك بدا أنه لم يبلغ المستوى الكافي لينتج حراكاً يقوم بوأد الفتن و يمنع أن يمتد لهيبها من الأفكار و الآراء ليأتي على الأواصر و العلاقات الإنسانية.
 من الأمور التي تبعث على الأسف وجود حسابات محلية تقوم ببث الكراهية، يحوز الكثير منها على أعداد خيالية من المتابعين من مختلف المستويات الثقافية. و من المؤسف أكثر أن تجد و أنت تتصفح متابعيها العديد من الشخصيات المعروفة و التي كنت تتوسم فيها العقلانية و الإحترام والإعتدال، فتصدم أكثر حين تجد هذه الشخصيات تتواصل مع هذه الحسابات و بلهجة ودية و ربما أخذت تثني على تلك الجهود أو تشد على أيدي هؤلاء الجهلة الذين يقسمون المجتمع و يزرعون في جوانبه وأوساطه البغضاء.
 مما كان يتمناه المرء أن تسهم هذه الشبكات و حضور المسئولين فيها في التواصل مع المواطنين و فتح كوة من التفاهم و بث هموم المواطن بحيث تسهم مشكلة مواطن واحد تصل إلى مسئول في فتح ملف جميع الحالات المشابهة، في أن يكون الإعلام الجديد وسيلة لخلق باب مفتوح يوجه الجهود إلى حل المشكلات المعلقة، أن يوجد قفزة حضارية في مجال الشفافية بحضور المسئول و استعداده للتواصل المباشر مع الناس.
 هل سيأتي يوم تخرج فيه هذه الشبكات بأشخاص و أفكار و مواقف يحملون لنا الأمل بأننا مازلنا بخير، أم ستبقى مكبراً للصوت الذي لا يعلوه صوت و هو صوت المعركة؟

آخر الوحي:
وإنْ دَحَسوا بالشَّرِّ، فاعْفُ تَكَرُّماً
وإنْ غَيَّبوا عنْكَ الحَديثَ ، فلا تَسَلْ
فإنّ الذي يُؤذيكَ مِنْهُ سَماعُهُ
وإنّ الذي قالوا وراءَكَ لَمْ يُقَلْ
 العلاء الحضرمي

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

ميكيافيلية الخير








الأربعاء 3 أكتوبر 2012

في أحد أفلامه المميزة و هو فيلم “أرض الخوف” قام أحمد زكي بدور تاجر مخدرات مصنوع من قبل الدولة، كانت مهمته تتلخص في الدخول داخل الوسط القذر و الإقتصاد المحرم ليقوم بإرسال تقارير دورية إلى الدولة للوصول إلى دراسة وافية حول كيفية قيام هذه الصناعة و قياس حجمها و طريقة تطورها في سبيل ضربها في العمق و القضاء عليها قضاء مبرماً. كانت مهمة على مستوى عالٍ من الأهمية بحيث أن الدولة أعدت له وثيقة براءة في حال وقع في قبضة الأمن واستحال عليه الفكاك من ذلك المأزق، و كانت هذه الوثيقة موقعة من جملة من الوزراء و المسئولين بحيث تكفل له براءته. و كان مصرحاً له أن يقوم بالمتاجرة في المخدرات بحيث يصير من كبار التجار و كان له حق الإنتفاع بمدخول هذه التجارة بل و حماية نفسه بكل طريقة بما في ذلك القتل و مقاومة رجال الشرطة لو اضطرته الظروف.
 و تمر الأيام بأحمد زكي حتى يقرر الإلتقاء بالشخص الذي يستلم تقاريره البريدية لأنه بقي لفترة لا يحس بأي تأثير أو تجاوب من الدولة مع المعلومات التي يرسلها. و يحدد موعداً مع الرجل، ليكتشف أن رسائله كانت تصل إلى طريق مسدود بسبب إلغاء العنوان الذي يرسل إليه فكانت تحفظ في البريد حتى تمر الفترة القانونية فيصير موظف البريد مخولاً بفتح الرسائل و الإطلاع عليها ليتمكن من إخبار المرسل بحالة العنوان المرسل إليه.
 و في مرارة بالغة يكتشف الرجل الذي انغمس في قذارة المخدرات من أجل هدف نبيل أن جهوده ضاعت، و أنه تحول إلى إمبراطور مخدرات آخر دون يتحقق الهدف المرجو للمهمة النبيلة، مهمة اضطر أن يتحول فيها إلى نفس المخلوق الذي كان يبغضه و يتمنى هلاكه، و أي مرارة أكثر من هذه.
 في حياة الإنسان و في ظروف استثنائية كما قد يعتقد، يقبل أن يدخل في أمر هو يبغضه و يمارس دوراً ربما هو آخر ما قد تقبله قناعاته، ليجد جهده هباء، و يجد نفسه هباء، فلا هو حاز الهدف المرجو ولا هو حافظ على نقاء نفسه الذي يتمناه، و هنا تكون المصيبة فلا هو عاد متصالحاً مع نفسه على طبيعتها ولا هو تمكن من أن يعود الفرد الذي كان، ولم يحقق الهدف الذي يثبت فيه لنفسه مشروعية ما قام به فيستعيد راحة باله.
 يحصل هذا غالباً عندما يحاول الإنسان محاربة الشر بالشر، أو مغالبة الباطل بالباطل، حين يتصدى للكذب بالكذب، حين يقرر أن يدخل لعبة قذرة لينهيها فينغمس فيها و لا يستطيع الخروج منها، كل ذلك لأنه آمن أن الغاية النبيلة  تبرر كل وسيلة للوصول إليها. و لكن يا ترى، هل هناك أحد يقوم بأفعال سيئة دون أن يقنع نفسه بحسنها بطريقة أو أخرى؟ أذكر أن أحد الكتاب المعروفين و هو ديل كارنيجي طرح مثالا في أحد كتبه لواحد من مشاهير السفاحين و كيف أنه بعد إلقاء القبض عليه كتب في مذكراته تساؤلاته عن سبب كره الناس له. يقول كراولي ذو المسدسين الذي قيل عنه أنه من النوع الذي يقتل لأهون سبب و لأتفه باعث. كتب هذا المجرم عن نفسه “إن تحت ثيابي قلباً مضنى و لكنه رقيق لا يطيب له أن يمس أحداً بأي سوء. و قائل هذه العبارة نفسه قد قتل شرطياً برصاصة واحدة و بدون أي كلام رداً على طلبه “هات رخصتك”.
 لهذا يلزم أن يراقب الإنسان نفسه حين يتبنى قضية ما، ولا يأخذه الحماس ليحيف على غيره لإعتقاده بأن هدفه نبيل، فالنوايا التي بداخلنا لا تعكسها إلا أفعالنا، و قد قيل قديما لا يطاع الله من حيث يعصى، و لا ميكيافيللية في الخير.
 آخر الوحي:
 ما تشاؤون فاصنعوا
 فرصة لا تضيع
فرصة أن تحكَموا
و تحطوا و ترفعوا
و تدلوا على الرقاب و تعطوا و تمنعوا
ما تشاؤون فاصنعوا
لكم الأرض أجمع
قد خلقتم لتحصدوا
 و عبيداً ليزرعوا

محمد مهدي الجواهري

الأحد، 30 سبتمبر 2012

"الأسكان" و الأسنان







الأحد 30 سبتمبر 2012


أعلم أن همزة الإسكان تكون في الأسفل إلا أنها في الدارجة تكون في الأعلى، ثم ان القافية حكمت أنه لم أستطع أن أنزل همزة الأسنان فأعليت همزة الإسكان. وذكري للقضيتين معاً ليست من قبيل الظرافة ولكن لأن الموضوعين بصراحة يستحقان الكتابة ومطروقان بكثرة، وتجمعهما بعض المشتركات التي تجعل ذكرهما في مقال واحد أبلغ من فصلهما.
الإسكان وهي الخدمة الحكومية التي تنتظرها نصف عوائل الشعب أو أكثر يتشابه عندنا مع طب الأسنان ذو الطوابير الطويلة التي لا تنتهي، فكما ان أمام أي عائلة جديدة تنضم إلى انتظار الخدمة الإسكانية ما يربو على خمسين ألفا من الطلبات، فكذلك هناك طابور طويل أمام المتقدم لعلاج الأسنان في العيادات الحكومية بشكل مبالغ فيه. وكما أن عيادات الأسنان الخاصة والموجهة لذوي الدخل المحدود والمتوسط ربما صارت الأكثر بين جميع تخصصات الطب، فكذلك نجد مشاريع شقق التمليك والوحدات السكنية الصغيرة صارت مجالاً ناجحاً للاستثمار للمواطن الذي لا يجد حلاً سوى الالتحاق بركب المملوكين للبنوك وتحول القرض العقاري من دين ينقض الظهر إلى علامة على كون الإنسان مواطناً.
الإسكان يعدنا في ظرف خمس سنوات أن يجعل مدة انتظار المواطن للخدمة أقل من خمس سنوات، وبعيداً عن أسباب تراكم الطلبات، فإن عدد الطلبات التي تفوق خمسين ألفاً لا تنحصر في الوحدات إنما هناك طلبات قروض وقسائم، وهذه لا تعد مشاريع تحتاج تنفيذ بقدر ما هي تحتاج سيولة للقروض يمكن حلها عن طريق التعاون مع البنوك وتغطية الفوائد عن طريق الدولة وتحتاج تخطيط أراضٍ جديدة وتوزيعها على الطلبات لينحسر جزء كبير من العبء ويبقى عبء المشاريع التي تحتاج أيضاً إلى التسريع خصوصاً مع الوعد بتحويل مدة الانتظار إلى أقل من خمس سنوات.
أما بالنسبة للأسنان فإلى حين تنفيذ الخطط التطويرية التي قدمت الوزارة عرضاً عنها للوزير قبل أسابيع (أقل من ثلاثة أشهر)، فليس من العدل بتاتاً أن يبقى المواطن تحت رحمة طابور الانتظار، لماذا لا تقوم الوزارة بالتنسيق مع عدد من العيادات في كل منطقة لاستقبال المواطنين وتقديم العلاج لهم حتى تصل الخدمة الحكومية إلى المستوى المأمول؟ أو أن تقوم الوزارة بتوفير تأمين صحي للأسنان ولباقي التخصصات التي لا تتمكن حالياً من تغطية الحاجة إليها؟
أما أن نعيد ونكرر قضية أن العلاج مجاني ومجاني ومجاني ثم تكون العيادات الخاصة هي الملجأ، يجب التفكير ألف مرة قبل أن نقول هذا الكلام والعيادات الخاصة يفوق عددها عدد صالونات الحلاقة في كل المناطق. نعم العلاج مجاني وهي نعمة نحمد الله عليها ألف مرة، ولكن طب الأسنان وباستبيان بسيط سنجد أن أكثر الناس لم يعودوا يعرفون ساعات عمل العيادة الحكومية ليأسهم منها.
والإسكان خدمة حكومية لكل المواطنين ولكن هذا كاد يكون حبراً على ورق حين ينتظر المواطن طلبه ليسكن فيه الابن بعد زواجه. فأنا أعرف وغيري يعرف مواطنين لم يصلهم الدور إلا وقد زوجوا أبناءهم أو ألحقوهم بالجامعة أو وجدوا لهم عملاً بسيطا. القضية الإسكانية أشبعت طرحاً ونقاشاً، إلا أن مما يوجع القلب أن تترك قضايا عالقة كهذه لتتفاقم فتخلق أزمات الكل في غنىً عنها. نعم هناك من يتاجر بهموم الناس، صحافي وسياسي، ولكن لماذا يسمح بتوفير رصيد لهم؟ تتحول القضايا الخدمية إلى قضايا سياسية ومن ثم تحتاج حلاً سياسياً.
قيل قديماً ولا أدري مدى صحة المقولة “لا وجع كوجع الضرس ولا هم كهم العرس” والله من وراء القصد.

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

مع عقلاء المجانين









الأربعاء 26 سبتمبر 2012


أحد الكتب ذائعة الصيت في ثقافتنا العربية الإسلامية، وكنت أذكر دوماً ما ينقل من القصص والحوادث عنه من طرائف المواعظ التي تجري على لسان أناس اشتهروا بالجنون وإن كان واقع حالهم صحة العقل ورجحانه، وإنما اعتزلوا عالم العقلاء لما وجدوه يجري بصورة غير منطقية فقرروا مخالفته واعتزاله فما كانت لهم حيلة ليفعلوا ويسلموا من شر من يقال عنهم العقلاء إلا بادعاء الجنون.
وعجبت حين وجدت ناشر الكتاب يعلق قائلاً “هذا الكتاب نال شهرة واسعة لغرابة موضوعه، وطرافة محتواه، إذ يحتوي على نوادر الحمقى وأخبار المجانين من الذكور والإناث، ويبين أصل الجنون في اللغة، ويعدد أسماء المجنون، ويسوق الأمثال المضروبة في الحمق والحمقى”. وكان عجبي من ذاك أن الناشر على ما يبدو لم يطلع حقاً على الكتاب، إذ أن مجمل ما تقرأه في الكتاب من قصص لا يتعلق بحمقى ولا بمجانين كما أسلفت، إنما يدور حول من ادعوا الجنون أو اعتزلوا الناس رغم رجحان عقلهم ونقاء سريرتهم ونفاذ بصيرتهم. إلا أن ظاهر الكتاب يبدو قد خدع الناشر كما خدع كل بطل من أبطاله القريب منه والناظر.
ويصنف الكتاب المجانين إلى أنواع وضروب، فمنهم من عشق فتيمه الحب وجن، ومنهم من اعتقد بدعة أو ارتكب كبيرة فأدركه شؤمها فجن، ومنهم من سمي مجنوناً بلا حقيقة حتى أن العرب اعتبرت الشباب شعبة من الجنون. ومنهم من جن من مخافة الله. ثم يأتي إلى لب الكتاب فيقول ومنهم من تجان وتحامق وهو صحيح العقل، ثم يقسم هؤلاء إلى ضروب. فمن المتحامقين من أراد تورية شأنه وستر أمره عن الناس، ومنهم من تحامق لينال غنى، وآخر تحامق لينجو من بلاء وآفة.
ولعل تفسير ذلك كله في قول ينقل في الكتاب إذ يقول “الناس ثلاثة، مجنون ونصف مجنون وعاقل. فأما المجنون فأنت منه في راحة، وأما نصف المجنون فأنت منه في تعب، وأما العاقل فقد كفيت مؤنته”.
ولعل القائل قد فاته شيء مهم، وهو أن يشير إلى فرق بين عقلاء المجانين ومجانين العقلاء، فإن عقلاء المجانين قوم ظاهرهم الجنون وباطنهم العقل وهم قلة قليلة، وأما مجانين العقلاء فأقوام ظاهرهم العقل وباطنهم الجنون والخبل والعياذ بالله منهم لكثرتهم وشدة أذاهم.
والحق يقال إن الفتن العقيدية والسياسية التي جرت في بلاد الإسلام كانت عذراً لكل متحامق، والخلافات التي نشبت حجة لكل معتزل، ولكن الطريف أن العقلاء كانوا يسمعون العظات ويهتمون لها حين يسمعون أمثالها على ألسنة المجانين. وربما كان ذلك أصل مقولة “خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين”.
فذلك مجنون يقذفه الأطفال بالحجارة فيقال له: ارمهم وكفهم عنك فيقول لا أفعل: يمنعني من ذلك خصلتان: خوف الله وأن أكون مثلهم.
وذلك آخر اسمه لغدان من بني أسد يمر بقوم من تيم اللات بن ثعلبة فيعذبونه ويعبثون به فيقول لهم “ما أعلم في الدنيا قوماً خيراً منكم” فيسألونه عن ذلك فيرد عليهم: بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري. يسأل عن ذلك فيجيب: بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري، وقد قيدوني وسلسلوني، وكلكم مجانين ليس فيكم مقيد”.
هذا وقصص المجنون الأشهر “بهلول” أكثر من أن تحصى في وعظ الكبراء، ولا أدري أي مجنون يقصدون وقد طبقت شهرته الآفاق في الوعظ والنصح والتدين. وللحديث تتمة.

آخر الوحي:
رأيت الناس يدعوني**بمجنون على حال
ولو كنت كقارون**وفرعون في الأقبال
رأوني حسن الوجه**جميلا حسن البال
وماذاك على حق**ولكن هيبة المال

جعيفران

الأحد، 23 سبتمبر 2012

هكذا أدبنا محمد






الأحد 23 سبتمبر 2012

منذ سنوات خرج على العالم رسام من الدنمارك برسومات يحاول من خلالها الإساءة إلى منقذنا ومنقذ البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتحركت المشاعر حباً وغيرةً عليه وعلى مقامه في نفوسنا، وما كان أول من يتجرأ على هذا المقام الشريف ولن يكون آخر من يتجرأ، فمعروف أنه من يريد الظهور والشهرة لا يستغني أن يقرن اسمه باسم كتب له الخلود، ولأنه لا يمكن له أن يقترن به وهو دونه مقاماً إلا أن يسيء إليه، وشبهت العرب من يروم ذلك بذلك الذي "وضع برازه" ** في بئر زمزم لعل الناس تعرفه ولو بالسفاهة والحمق.
وهاهو آخر يتجرأ على هذا المقام بفيلم تافه وآخر برسومات مسيئة ولكن عبثاً أن ينال هؤلاء مآربهم لسبب بسيط لا يدركه هؤلاء وينبغي لنا نحن أن ندركه جيداً. فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مقامه منيع إلى درجة أن التجرؤ عليه يجعل نوره يشع في قلوب كانت تعيش الظلمة سنين طويلة دون أن يقصد المسيئون ذلك. إذ لو كنت أعيش في مكان آخر وعلى عقيدة أخرى وسمعت عن إساءة لنبي الإسلام من شخص على ملتي فسأتساءل عدة تساؤلات منها ألا يخشون أن يتعرض هؤلاء المسلمين لعقيدتنا؟
سيأتي الجواب حينها أن أهل الإسلام لا يمكن أن يسيئوا لنبي آخر، لأنهم يحترمون كل الأنبياء ويعتبرون رسالاتهم والإيمان بها جزءا من عقيدتهم. بمعنى آخر لا يمكن أن يخرج مسلم سفيه فيسب موسى أو عيسى عليهما السلام انتقاما لنبيه. وهذا قد يكون مفهوماً بالنسبة للمسيحي بالذات لأنه يعتبر رسالة المسيح مكملة لرسالة موسى. ولكن ما لا يمكن أن يفهمه أحد هو نهي القرآن عن سب الكافر الذي لا يدعو إلى ديانة سماوية بل يدعو إلى ديانة أرضية. لأن القرآن يدعو إلى عدم سب الذين كفروا فيسبوا الله.
حين أسمع برجل بهذه العظمة وديانة بهذه العظمة فإنني ولاشك اقف احتراماً لهذه الديانة التي أدبت أتباعها ألا يسبوا أحداً حتى ولو كان وثنياً فيسب ذلك الشخص ربهم.
ماهذا الخلق الرفيع الذي يستحيل أن يوجد إلا في شخص تناهى في النبل وعقيدة بلغت أعلى درجات الرقي؟ لاشك حينها أن من يسمع بهذا المستوى الأخلاقي الرفيع ستخلق عنده تساؤلات عدة لن تجد لها أجوبة إلا بمعرفة بهذه الشخصية وبمآثرها وبالعقيدة التي تدعو إليها.
أقول للسياسيين على الضفة الأخرى من العالم الذين يريدون اختلاق أي سبب ليثيروا غضبة المسلمين ليحققوا مآربهم المشبوهة، هيهات، فرغم الغضب الشديد، فتلك الأخلاق في احترام مقدسات المخالف هي من الثوابت التي لا تمس. أما نسبتكم كل ما يسيء الإسلام فهو يجعلنا نتساءل عن أمرين:
أولهما عن الأخلاق التي تربيتم عليها، وثانيهما عن صدق دعواكم حول ما تؤمنون به من الديمقراطية التي باتت عندكم القبول بكل ما يقال حول أديان الآخرين فيما أنتم تسيئون إلى أمتكم قبل غيرها وتثيرون الكراهية لأمتكم التي لم تحمل للآخر إلا اضطهاد عقيدته.
نعم هكذا أدبنا نبينا، ألا نسيء لأحد ولا لعقيدة أحد، فكيف تأدبتم أنتم؟

---------------------------------------
**العبارة الأصلية قبل النشر: الذي بال في بئر زمزم

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

الأمن الغذائي إلى أين؟







الأربعاء 19 سبتمبر 2012


عشنا خلال الشهرين الماضيين أخبارا ووقائع قضايا شحنات اللحوم الفاسدة التي أتتنا كل منها من وادٍ مختلف وكأن الحظ العاثر أو سببا آخر زاد مما يأتينا من اللحم الفاسد. اشتعلت القضية واشتعل معها تقاذف الاتهامات بين الجهات المعنية والمسؤولة عن وصول الشحنات ودخولها إلى البلاد وسمعنا وقرأنا من التصريحات الشيء الكثير التي تحلل الأسباب وتطرح الحلول عبر إثارة قضايا أخرى متعلقة بالقضية الأساسية.
فمما طرح موضوع اللحوم المبردة بديلاً للرؤوس الحية، ومما طرح مسألة الحاصل من احتكار للدعم على الشركة بدلاً من توزيعه على غيرها من مستوردي اللحوم، وأسهبت الصحافة ووسائل الإعلام في تغطية الموضوع حتى وصل إلى المناكفات وتبادل الردود بين مسؤولين من نفس الجهات حول نفس القضايا.
أقول أسهب الجدل حول الموضوع وأعادنا إلى القضية الأساس وهي قضية الأمن الغذائي بصورة عامة والقصور الخطير في تأسيس مقومات وموارد وطنية في هذا المجال المهم والحيوي حتى وصل الوضع إلى هذا السوء. حيث كنا سابقاً نتلقى التطمينات قبل بداية المواسم المهمة كشهر رمضان المبارك والأعياد بتوافر الشحنات الكافية، ثم يصل بنا الحال إلى شح في اللحوم خلال أشهر عادية، يتزامن معه شح في الإنتاج السمكي وربما كانت لتكون الطامة أكبر لو رافقتها أنباء عن أمراض وأوبئة متعلقة بالطيور.
مما لاشك فيه أن العمل في مجال الصناعات الغذائية هو عمل ذو عوائد مجزية لما يترافق معه من طلب لا يصل إلى حد الاكتفاء. لكن المعوقات الموجودة لا يمكن قطعاً تجاوزها بدون توافر دعم للمربين والمستوردين بشكل متكامل وفعال. وحين أقول متكامل فإني أتكلم عن تسهيلات للعمل في هذا المجال بشكل يدفع المزيد من التجار لدخول هذا المجال سواء كمستوردين أو مربين، تكامل يوفر خدماته لهذا المجال كما يوفر مركز خدمات المستثمرين كل التسهيلات اللازمة لعموم النشاطات التجارية في تأسيس الشركات لمزاولة أنشطتها. وحين أقول فعال فأنا أتكلم عن دعم يحقق أهدافه المراد الوصول إليها.
من المشاكل الأولية التي تمس مربي المواشي مشكلة الحصول على أرض يزاولون عليها أنشطتهم ويفعلون منها سجلاتهم ويحصلون على احتياجاتهم من الكهرباء والماء وجلب العمال. كيف لا ونحن نشاهد حظائر الماشية تضيق عليها السبل وتلاحقها الشكاوى للخروج من المناطق التي أقيمت فيها دون بديل مناسب ويعمل كثير كهواة يتعامل في السوق المحلي بيعاً وشراء بسبب ضيق الإمكانات دون أن يستطيع تحقيق فكرة الاستيراد من الخارج.
هل تعجز الدولة عن رعاية حقيقية للمجال الزراعي تبدأ من توفير الأراضي للمربين، ليشعر العاملون بهذا المجال بالجهد المبذول في توفير الأعلاف والأدوية وباقي الخدمات؟
الدعم الحقيقي الذي من الممكن أن يخلق أمناً غذائياً لا يمكن أن يقتصر على مبلغ يخفض تكلفة الموردين لينخفض السعر على المستهلك، الدعم يتمثل في أن نأخذ موضوع الثروة الحيوانية بجدية لتكون رافداً يغطي نسبة كبيرة من احتياج السوق، الموضوع يحتاج استراتيجية متكاملة جادة ودعماً لجهود كل من يريد أن يحقق الأمن الغذائي سواء عبر الاستيراد أو عبر الإنتاج المحلي.

الأحد، 16 سبتمبر 2012

ماذا يجري في ليبيا؟







الأحد 16 سبتمبر 2012


سنضطر للكلام في كثير مما لا يمس ليبيا بشكل مباشر، لنستوضح قراءتنا لما سيجري على ليبيا و ما أسبابه والتوقعات التي توضع على المدى المتوسط و القصير، أي أن نتائج هذه القراءة سيتضح صدقها من عدمه خلال سنة إلى ثلاث سنوات.
ففيما يمر العالم بأزمة اقتصادية عارمة ألقت بظلالها عليه ابتداء منذ عام 2007 و عام 2008 حين تردت أحوال البنوك الإستثمارية الكبرى على خلفية ديون الرهن العقاري الأمريكية التي أعيد تمويلها عن طريق هذه البنوك عن طريق سلسلة من إصدارات السندات المتصل بعضها بالآخر، و حين تعثر المستفيدون من الديون عن دفع أقساطهم تساقطت السندات كحبات الدومينو تجر معها البنوك التي قامت بالإصدار و البنوك التي استثمرت في هذه الإصدارات على حد سواء.
 تفجرت بعدها أزمة الديون السيادية داخل الإتحاد الأوروبي و كانت أكثرها إثارة للقلق هي أربع دول:  البرتغال، إيرلندا، اليونان و إسبانيا. و قد كان أشدها وطأة و أولها إنفجاراً الحالة اليونانية التي تسارعت دول الإتحاد الأوروبي و فرنسا و ألمانيا بالذات للدعوة لدعم اليونان لإخراجها من المأزق قبل أن تغرق معها جميع دول الإتحاد الأوروبي أو منطقة اليورو.
 و بعيد الأزمة و كحل متوقع و لزيادة السيولة في الأسواق، قامت البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة لتنسحب الأموال من الإيداعات التي تصير غير مجدية و تتجه إلى التوظيف في مشاريع و أعمال أكثر ربحية من ناحية، و لتتمكن البلدان والشركات المستدينة من إعادة تمويل ديونها بتكلفة أقل.
 من حيث أسعار العملات التي تعكس قوة الإقتصاد فالدولار و اليورو يواصلان الإنخفاض على خلفية هذه الأزمات، و خصوصاً اليورو الذي مازالت هناك مخاوف من انسحاب اليونان اذا عجز الإتحاد الأوروبي من انقاذها مما قد يفتح الباب لإنسحاب آخرين.
إذن فاليورو و الدولار كإقتصادين لن يتحملا أي إرتفاع مفاجئ في أسعار النفط خصوصاً في ظل خطط الإنقاذ التي يتم تنفيذها على مستوى الشركات الكبرى و حتى بعض الحكومات.
 النفط مهيأ للإرتفاع بسبب التوتر السياسي و الإستراتيجي في الخليج، فإيران المهددة بضربات من أمريكا و إسرائيل و التي نستثني نفطها من معادلة السعر بسبب العقوبات و المقاطعة الواقعة عليها، قد هددت بسد مضيق هرمز في حال وجود أي تهديدات بحرية لأمنها،مما سيمنع قطعياً تدفق أغلبية نفط الخليج إلى باقي دول العالم، و يؤدي ذلك إلى رفع السعر بشكل جنوني و غير مسبوق. بل حتى لو لم يتم سد المضيق فإن أي حرب قصيرة الأمد ستكون كافية لرفع الأسعار بشكل مؤذ للإقتصادين الأوروبي و الأمريكي.
 من هنا تدخل ليبيا كمفتاح لحل هذه المعضلة أمام جيوش دول الناتو التي تقف اقتصاداتها كسد دفاع أمامها، و بمعنى آخر يكون النفط الليبي و تأمينه و توفره هو الحل أمام هذه الحكومات ليقف وزراء المالية و الإقتصاد في نفس اتجاه وزراء الدفاع و الحربية. فليبيا بالإضافة إلى توافر النفط فيها بكميات هائلة غير مستغلة إلى حدها الأقصى فهي كذلك تقع بعيداً عن ساحة المعركة وتمر إمداداتها عبر طرق مختلفة تماماً هي الأقرب إلى أوروبا.
 إذن فالمتوقع أن يجري في المستقبل القريب التدخل بشكل أكبر في الداخل الليبي لضبط الأمن من ناحية، و لتأمين إنتاجية أكبر من النفط الليبي لتغطية أي خلخلة تسببها الحرب أو التوترات على ضفتي الخليج العربي و مضيق هرمز. و الأيام كفيلة بتوضيح هذه التوقعات و ربما كان حدث مقتل السفير الأمريكي هناك سبباً مباشراً و بداية لهذا التحرك المتوقع.

آخر الوحي:

 لم يعد يذكرني منذ اختلفنا أحد في الحفل
غير الإحتراق
كان حفلاً أمميا إنما قد دعي النفط
و لم يدع العراق

مظفر النواب

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

الثوب الوطني








الأربعاء 12 سبتمبر 2012


كما هي العادة معي في كل الأعياد و المناسبات، أذهب إلى أحد محلات الخياطة لتفصيل اللباس الوطني أو الثوب الوطني. هذا الثوب الذي لا يستغني الإنسان عنه ليحس بزهوة العيد، سواء كان كبيراً أو صغيراً، فاستحباب لبس الجديد بالإضافة إلى ما اعتدناه من أن يكون طابع يوم العيد تقليدياً في الملبس يجعل الجميع في ذلك اليوم يرتدي الثوب الوطني.
في السنوات الماضية دخلت على الثوب تغييرات كثيرة، فقد طالت الياقة، و تعددت أشكال الأكمام، و دخلت التطريزات المختلفة على صدر الثوب، و الأزرار صارت مخفية أو ظاهرة، بالإضافة إلى دخول الياقة الصينية و قبلها الياقة القطرية. تنوعت أنواع القماش، و رغم كل ما يميز الثوب العماني و الإماراتي و غيرهما، إلا أن من يرتدي الثياب المختلفة يظل محتفظاً بطابع وطني نوعاً ما لأنه يرتدي الثوب.
مع هذا فأنا متأكد أنني لو زرت محلات الخياطة كلها دون أن أحدد ما أريده و اكتفيت بإعطاء القياسات و طلبت من الخياط أن يقوم بتفصيل ثوب وطني لي فسأجد حتماً من كل منهم اجتهاداته و رؤيته و مفهومه المختلف للثوب الوطني. أقول أن كل هذه الثياب ستختلف عن بعضها البعض من حيث الضيق و الإتساع، نوعية القماش، شكل الياقة، شكل الكم، و ربما أصر أحدهم على التطريز، أو أن يضيف إضافاته الخاصة من القطع الإضافية.
ربما اشترط علي أن ألبس معه البشت أو الصديري أو أي قطعة إضافية تعلو الثوب ليكون الثوب وطنياً بمفهومه هو. و لو خضعت لاجتهادات الخياط أو أصررت أن أفصل أنا بمفهومي الخاص، فهل سيخرج الثوب عن كونه وطنياً؟ لا أعتقد، و لا أظن أنها ستكون مشكلة كبيرة.
فإذا كان مفهوم الثوب الوطني يختلف عليه أرباب هذه المهنة و صناعها، و يمتلكون اجتهادات يعتقدونها تطويرات و إضافات محمودة، أو التزاماً بأصالة معينة، دون أن يخرج عن كونه الثوب الوطني،فكيف لنا أن نحتكر مفهوماً أكثر تعقيداً و عمقاً منه و هو مفهوم الوطن فنحدد له شكلاً نخرج كل من اختلف عنه من دائرة الوطنية؟
صدق إن شئت أو لا تفعل أن كل تيار سياسي يحمل صورة عن الوطن تختلف عن الآخر، و يحمل رؤاه و تصوراته لما هو الوطن و ما يجب أن يكون عليه، و لكن كيف أخرجت من يختلف عن هذه الصورة من دائرة الوطنية؟ 
البعض يختار الوطن لنا من قماش خشن ليدوم، دون أن يدري أن دوام الملبس و طول عمره لا يستلزم أن نتأذى من خشونته. آخر يريد الوطن من خامة معينة يعتقدها الأجمل، و ثالث يتحرى للوطن أن يكون بحسب مقاييس عالمية في التفصيل.
لنختلف أو نتفق على ثوبنا الذي سنلبسه جميعاً، و لنكن ليس حقاً ولا عدلاً أن ننتهي في آخر المطاف و قد قرر كل منا أن يأخذ الشبر الذي يخصه من قطعة القماش التي كانت تفصل الثوب، أو أن يستأثر بعضنا به دون الآخرين.

آخر الوحي:
أمضيت كل سني العمر مرتحلاً
زادي الهوى و أنيسي في الأسى قلمي
كتائه جاب كل الأرض مغترباً
و لم يجد في نواديها سوى العدم

محمد نصيف

الأحد، 9 سبتمبر 2012

رهان كبير






الأحد 9 سبتمبر 2012

جلس الساهرون في تلك الليلة على طاولة القمار يمسك كل منهم بقطع اللعب التي تمثل قيمة ما دفعوه لكازينو الملهى الذي يرتادونه. كان نادل الملهى يتلقى منهم اختياراتهم للأرقام التي يتراهنون عليها ثم يدير الطاولة بينما يدفع اللاعب كرته المعدنية لتنتقل بين خانات الأرقام وتستقر في خانة ما عند توقف طاولة اللعب عن الدوران. حين تستقر الكرة عند رقم ما فقد تعني أن اللاعب ربح ليحصل على بعض المكاسب أو خسر فيضطر لدفع المزيد من المال إن كان متفائلاً بالربح في المرات التالية.
ما يحصل في تلك السهرة مشابه كثيراً لما حصل في أكثر من دولة من دول الربيع العربي، ربما سميناه الفوضى الخلاقة، رهان قائم في الخارج على سقوط الأنظمة، وبالذات في الحالة السورية، إلا أن الفارق بين لعبة الروليت وبين هذه الثورات هي أن الرهان المقدم ليست أموال يقدمها اللاعبون بقدر ما هي دماء الشعوب التي تجري المعارك في ساحات بلادها. الحالة السورية هي كسابقاتها من دول الربيع العربي من أن نظامها يتربع على سدة الحكم بدون مشاركة شعبية حقيقية رغم أنها كما سابقاتها نظام جمهوري يفترض أن مؤسساته تتكامل عبر الاختيار الشعبي. من في العالم كان يجهل وضع المشاركة الشعبية في هذه الدول. فمصر قبل ربيعها حصلت فيها انتخابات عام 2005 بمنافس آخر على منصب الرئيس وانتهت بالمرشح أيمن نور آنذاك مسجوناً بتهمة تزوير في أوراق الترشح. تونس هي الأخرى دولة حكمها رئيسها بن علي لثلاثة عقود دون تغيير وشاهدت صوره تعلق حتى في أصغر حوانيت العاصمة ورأيت في مكتباتها كتب تمجيد الحزب الحاكم من قبيل “تونس من الحزب الواحد إلى حزب الأغلبية”. وعلى نفس المنوال كان حزب البعث السوري يحكم بلاده لعقود حصل فيها التوارث الجمهوري ربما الأول في الدول العربية قاطبة لدرجة أن الدستور تم تعديله ليلائم حداثة سن بشار الأسد آنذاك.
ومما لا شك فيه أن تعاطي الغرب مع قضية سوريا لا يمكن أن يكون مبنياً على دوافع إنسانية بقدر ما هو بدوافع المصلحة، إذ أن ما جرى ويجري في فلسطين خير دليل على أن حسابات الإنسانية تأتي أخيراً في حسابات هذه الدول مع الشعوب المسلمة والعربية. بل إن المزيد من الدماء في سوريا هو شيء مطلوب لهذه الدول التي تعرف مسبقاً نتيجة قيام ثورات في بلدان تعيش عزلة دولية ولا تخشى من مواجهة هذه الأزمات.
الوضع الإنساني السيء في سوريا مع تفاقمه الذي يدفع ثمنه السوريون وحدهم هو رهان للدول والأحزاب التي تدفع باتجاه التغيير إلا أن الثمن الباهظ والمتزايد يدفعه السوريون دون غيرهم فيما تتحمل مسؤوليته الدول التي أبدت دعماً معنوياً ألقى بالسوريين بين شقي الرحى في أتون جحيم مشتعل دون أن يكفل لهم أي عون أو حماية من أن يكونوا حصاداً لهذه المعارك. و مع تزايد هذه الآلاف يوماً بعد يوم، نجد الرهان متواصلاً دون جهد يذكر لحقن الدماء. ترى؟ هل الدول الكبرى تهتم حقيقة بما يجري على هذه الدولة العربية، أم أنها تشجع أمراً يحمل لها فتحاً سواء نجح أم لم ينجح؟
هل سنسمع خلال سنوات بعد مأساة سوريا من الأمم المتحدة كلاماً عن مطالبة رؤساء دول الأمم المتحدة من كل الدول التي لا تحتمل نظاماً للمشاركة لشعبية أن تقوم الأمم المتحدة باستفتاء على رضا مواطني كل دولة عن حكمهم، وهل ستكون إجراءات تقرير المصير إلزامية أممية؟
ثلاثون عاما أو أكثر استغرقت السوريين ليدخلوا في مواجهة مع الرئيس ولعل الحبل على الجرار يأتي بمزيد من الضحايا، وهل يا ترى كان ليكون أمثال هذه القضية والضحايا لو حصل حراك مشابه في دولة عربية أخرى؟ أظن ذلك، يمكنكم النظر للسودان كمثال. وبينما تدور طاولة الروليت تطحن الرحى مزيداً من الأرواح ويرتفع الرهان بارتفاع عددهم.

آخر الوحي
الرصاصة لا تشبه السيف في أي شيء
سوى لحظتي الاحتواء
الرصاصة محض امتداد..
لصخرة قابيل حين بإثمين باء
دبب الوقت والخوف أنيابها
شحذتها الضغينة والكبرياء
سيد يوسف

الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

إفراط و تفريط!!







الأربعاء 5 سبتمبر 2012


حينما يتكلم الجميع عن الوسطية باعتبارها المنجاة للفرد و المجتمع، فإن كلاً من الناس يحسب نفسه وسطياً، و ربما لا أحد يحسب نفسه على التطرف. المتطرف لا يرى تطرفه و لكن يقال أن صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا حاجته، و المتطرف يسرف في تصوره للآخر متطرفاً، بينما هو على محور مختلف.
عندنا متطرف من النوع الذي يغفر لكل من يختلف معه على أي مستوى إلا أن يختلف معه سياسياً، فمثل هذا لا يقبل منه أي رأي و لا يؤخذ بأي شيء مما يقول. كأن يقول أحدهم مثلاً في استشراف لما يتوقعه من انتقادات “سيقولون ماركسيين، شيوعيين، بعثيين، طائفيين “ و يوجه أن هذه العناوين تستخدم لضرب و تسقيط المخالف في الرأي. و الواقع من الحال أن المتكلم يعرض عن هذه الحقائق و كأنها لا تعني له شيئاً. أيها الأخ، إنما وثق الناس بك دون أولئك أول الأمر قبل أن تمكن لهم القلوب فقط لأنك دخلت من بوابة الدين، أما لو أنك دخلت من حيث دخل المذكورين لما وجدت أذناً صاغية و لا عقلاً متفهماً ولا قلباً متعطفاً. إن تلك الإختلافات التي ذكرت ليست هامشية أو غير ذات بال، و حسبي أن من ترك باباً من الحق أحوجه الله إليه.
عندنا آخر من النوع الذي يقبل بأن تختلف معه في كل شئ، إلا أن يكون من ترجع إليه في الأحكام شخصاً آخر فتجده يهاجمك على تقليدك الديني. فعندما غرد وزير الخارجية البحريني تغريدته الشهيرة “كوكب آخر” و قال أن على من يرفض الأخوة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم أن يكفينا شره و يذهب إلى كوكب آخر. حينها رد عليه أحد المغردين ممن يفترض فيهم أنه من أهل العلم، ليقول أن هذه التغريدة نموذج لهدم التوحيد، فعنده “كيف نجمع بين الموحد و المشرك في صف واحد و نسميهم إخوان؟”. و لعمري لقد رمتني بدائها و انسلت، فالذين فرقوا دينهم هم بلاء الأمة. إذ كيف في بلد تعددي يقبل أن يقوم رجل دين بتكفير من لا يرجعون إلى نفس فقيهه الذي يرجع إليه و كأنه احتكر الحق و الحقيقة. ثم إن كان رجل الدين لا يحفظ أرحامه و لا يخشى من تقسيم المجتمع، فماذا لنا لنتوقعه من خيره و من غيره؟
عندنا متطرفون يقومون بتقييم ظروف بلد ما بالسيء أو الحسن فقط من خلال ارتباطاتهم الإستراتيجية، فيسوغون ما لا يسوغ للدفاع عن شخصية سياسية أو الهجوم عليها داخل بلادهم أو خارجها. بمعنى أنهم مع ما يسعد الجمهور و يسعد غيرهم و ليس مع ما يقتنعون به، هناك من يدافعون عن النظام السوري البعثي و آخرون يذوبون حباً في البعث الصدامي، و طبعاً كل ذلك دفاعاً عن مصالح أو رغبة في الإنتقام.
عندنا متطرفون حقوقيون مع حق المجموع و آخرون متطرفون مع حقوق الفرد رغم أن لكل منهما حقوقه التي لا يجب أن تطغى على حقوق الآخرين. و أعتذر عن ذكر من سقط الحديث عنهم سهواً لكثرتهم، و كما يقول المثل، عندي و عندكم خير. والله من وراء القصد.

الأحد، 2 سبتمبر 2012

الأميرة النائمة

الأحد 2 سبتمبر 2012

فيما يطلق على الصحافة لقب السلطة الرابعة في مواضع معينة، يطلق عليها أيضاً لقب صاحبة الجلالة، و هو لقب يدل على سلطتها التي تمارسها عبر التزامها بقضايا المجتمع و أحداثه و تواجدها قريباً من كل ما يهم الناس عموماً و القراء بشكل خاص. أما إذا ابتعدت عن هذه الإهتمامات فإنها تدخل حالة أشبه ما تكون بحالة الأميرة النائمة في الأسطورة القديمة و تظل بإنتظار تحريرها من ذلك السبات الأبدي الذي دخلت فيه.
 في زماننا هذا يسهل على الصحافة الوقوع في هذا الفخ لأسباب عدة و يصعب خروجها منه، فمن هذه الأسباب احتدام المنافسة في مجالها و تعدد المتنافسين بعد أن كان عدد الصحف أقل مما هو عليه اليوم. و من الأسباب الأقسى عليها وجود الإعلام الجديد الذي جعل من عامة الناس صحافيين و مراسلين و مراقبين يطرحون أفكارهم و متابعاتهم أولاً بأول في سياق تفاعلي مباشر تفتقر إليه الصحافة.
 اليوم حين يحدث حدث ما فإنه و بشكل مباشر بل لحظي نجد أصداء الخبر تتردد في مواقع التواصل متبوعة بالتأكيد أو النفي و التحليل بالإضافة إلى خلفية الحدث و النتائج المتوقعة منه، لذا فإن تعاطي الصحف مع نفس الحدث يجب أن يكون حذراً و إلا خرجت من دائرة التأثير و فقدت مصداقيتها بأسرع ما يكون. فإن الناس و إن كرهوا صحيفة ما إلا أن مصداقيتها تجبرهم على متابعتها و إن أحبوا جريدة ما فهم قد لا يهتمون بقراءتها لأنه ليس فيها ما يستحق المتابعة. تتحول هذه الصحيفة الفاقدة للمصداقية إلى شبيه لحنفية الماء الساخن حين يكون السخان مطفأ، تكفي عنها الحنفية الأخرى و تؤدي ذات غرضها.
 حين تنتمي الصحيفة لا يعود بإمكانها أن تجتذب إهتمام أحد فهي لا تعود مرآة للمجتمع و إنما لوحة محببة لأشخاص ينظرون إليها و يستريحون إلى منظرها و لا تجتذب غيرهم، و هنا لا يكترث بالنظر إليها من يعرف أنه لن يرى صوراً جديدة فيها.
 بالأمس البعيد تجاهلت بعض الصحف خبر إساءة أحد النواب إلى فئة من المجتمع، و جرمها شنئانها أن تعدل في تغطيتها، بل و جرمها أن تتابع القضية التي رفعت ضده، و جرمها نفس الشنئان أن تنتصر لمصداقيتها حتى بنشر تحقيقاتها المعهودة التي تحمل استنكار الفعاليات المجتمعية لمثل هذه التصرفات الخاطئة ففعلت كما تفعل صحف الأحزاب إزاء سقطات الحزبيين المنتمين لحزب ما.
 تجاهلت نفس الصحف إساءة شخصيات أخرى متعددة بعضها تتهم فئات أخرى بالضلال و أخرى بالشرك إلى غير ذلك من خطابات الكراهية و التكفير فتراجعت عن دورها في حماية المجتمع من هذه الظواهر لصالح حسابات تظنها سياسية و لكنها للأسف تضرب مهنيتها و مصداقيتها في العمق و تضرب كل ادعاءاتها بأنها حامية اللحمة و رائدة الوحدة.
 قد يقول بعض أصحاب النوايا الخيرة أن الصحافة باعتبارها جزء من المجتمع و يحمل لواءها أفراد من المجتمع فمن المتوقع أن تصيبها ذات الأدواء التي تصيب المجتمع ككل. و نرد هنا بردين مهمين.
 أولهما: أن بعض هذه الصحف للأسف كانت تنهج هذا النهج السلبي قبل أن تمر البلاد بأزمة 2011 . يشهد بذلك ما كتبناه حول نفس الموضوع في هذه الزاوية منذ عام 2010 و الطبع غالب التطبع.
و ثانيهما: أنه إذا كنا لا نعول على ثقافة المثقفين ووعي الواعين و نزاهة المهنيين من كتاب و مفكرين في حماية المجتمع و التنبه للأخطار المحدقة فإن التعويل على وعي عامة الناس أو على نزاهة السياسيين يكون ضرباً من الخبل الذي لا دواء له. والله من وراء القصد.

الأربعاء، 29 أغسطس 2012

أجراس يقرعها عابر سبيل








الأربعاء 29 أغسطس 2012


الجرس الأول:
مواطن بحريني يعمل بوظيفة عامل في شركة خاصة، يعاني من أحد أمراض الدم الوراثية، وقبل أن يحصل على هذه الوظيفة التي قضى فيها خمسة عشر عاماً، كان قد عمل سابقاً في كافتيريا أو مطعم صغير لمدة خمس سنوات. يرغب في تسجيل سنوات خدماته الأولى في التأمينات الاجتماعية وضمها الى سنوات الخدمة ليتمكن من التقاعد، فلا الراتب مجز ولا صحته تعنيه كثيراً على تحمل وطأة العمل. كان يتساءل إن كان بإمكان أحد مساعدته لتيسير معاملته وانهاء اجراءات ضم الخدمة غير المسجلة ان أمكن.
ما أعرفه أن القانون يسمح للعامل بتسجيل سنواته غير المسجلة، حين يقوم بدفعها. هو لا يمانع أن يفعل، ولكن هل من المعقول أن يطلب منه اليوم بعد عشرين سنة من ذلك التاريخ أن يتسلم شهادة راتب من كافتيريا بسيطة وكلنا يعرف كيف تدار هذه المحلات بلا نظام ولا دفاتر يدوية. هل من الممكن أن يتم تزكيته من قبل شخصية عامة من دائرته أو شهادة شهود كما كان يحصل قبلاً في اثبات الملكيات والزيجات وغيرها؟ الجواب عند صندوق التأمينات، واسم المواطن متوفر ان أمكن مساعدته.

الجرس الثاني:
شارع الامام الحسين في المنامة يعد من الشوارع الصعبة في المرور وكذلك عند البحث عن موقف بسبب الضيق الشديد والازدحام الدائم. فهل من المعقول بدلاً من أن نرى تخطيطاً جديداً من وزارة البلديات للمنطقة ترافقه أعمال تطويرية للشوارع وتوسعات من قبل وزارة الأشغال، هل من المعقول أن نجد توسعة للأرصفة وتضييقاً للشارع؟ ومن ثم نجد الأرصفة تتحول الى مواقف وتزيد الطين بلة؟
بالطبع ليس هذا هو الشارع الوحيد ولا المنامة هي المنطقة الوحيدة ولكن المثال يقرب ويبعد والذكرى تنفع المؤمنين.

الجرس الثالث:
كانت وزارة البلديات قد وعدت مراراً وتكراراً بانطلاق مشروع تطوير سوق جدحفص المركزي ولكن يبدو أن أكثر المشاريع لا ترى النور لسبب أو آخر. وكان المزمع أن يشمل مشروع التطوير بناية أو مجمع من عدة طوابق. وانما يبدو أن الفارق بين اعلان الخطط وتنفيذها بون شاسع من زراعة الاحباطات للناس من جراء اعلان توجيهات بلا تكليفات، أوتكليفات بلا موازنات، أو أي من النقوصات الكلاسيكية التي تواجه دوماً العاملين في المجال البلدي.

الجرس الرابع:
مازالت امكانية معرفة العامل والعاطل عبر هيئة اصلاح سوق العمل، وبيانات كل المواطنين فضلاً عن عموم الموظفين مسجلة لديها. والسؤال الذي يواجهنا عندها لماذا لا تعرف الوزارات حال المواطنين في حال الغنم، وتعرفه في حال الغرم فقط

الأحد، 26 أغسطس 2012

مع الثقافة










الأحد 26 أغسطس 2012


قلت من قبل أن هناك انفصاماً ثقافياً نعيشه بين نمط و مدارس الشعر الرائجة و التي تحظى باهتمام الناس و تمس مشاعرهم و بين ما يحظى برعاية وزارة الثقافة. يتجلى ذلك في تولع الناس و تعلقهم بالشعر العمودي فصيحاً و عامياً و استخدامهم له في كافة الفنون و المقامات من إنشاد و تواشيح و مسابقات شعبية و مهرجانات. وفي الضفة الأخرى ما ترعاه الدولة ممثلاً في وزارة الثقافة.
منذ متى شهدنا آخر مهرجان أو مسابقة شعرية برعاية رسمية تحظى بإهتمام عامة الناس و متابعتهم و شغفهم. إذ لا شك أن مسابقات مثل شاعر المليون و أمير الشعراء اللذين تمت إقامتهما في دولة الإمارات العربية المتحدة كانتا آخر برنامجين يستحقان المتابعة في هذا المجال.
الشعر العمودي في البحرين كأي دولة عربية أخرى يحظى بتعلق و متابعة من الجماهير سواء التي تكتب أو تتذوق الشعر. إلا أن مستوى الشعر و حضوره في الإهتمام الرسمي لا يحظى بما يستحقه و بما يشبع الحس الثقافي للشعب.
لو عدنا إلى تاريخ البحرين لوجدنا طرفة بن العبد جالساً على عرش الشعر في البحرين، فيما توجد الكثير من الأسماء اللامعة و الواعدة التي تستحق المطالعة و التشجيع. و يمتد هذا التاريخ بين ذلك الزمان و بين زماننا هذا.
هل نعمل اليوم بنفس النظرية التي تقول أن العربي يستحق الإهتمام و التشجيع بعد أن يشتهر عالمياً أو خارج بلده ثم يموت؟ هل حينها فقط يصير إحياء تراثه واجباً وطنياً، أم أنها كقول الشاعر:
إن الفتى ينكر فضل الفتى
مادام حياً فإذا ما ذهب
لج به الحرص على نكتةٍ
يكتبها عنه بماء الذهب.
بتفويتنا لهذه الرعاية، كم حرمنا الوطن من إشهار و معرفة، و من كنوز زاخرة من الدواوين الشعرية و الخامات الشعرية التي لا تضاهى. و التي ربما لا نجد لها بديلاً في المستقبل. إن في البحرين الكثير و الكثير من الخامات التي ينبغي استغلالها لأننا بلد ينتج الثقافة و لا يستهلكها.
ماذا يضرنا من إقامة مهرجانات شعرية، لا أقول بمستوى أمير الشعراء و شاعر المليون. الشعر لغة و بلاغة و شعور و إنسانية، و كل هؤلاء لا ينقصون البحرين و لكنهم ينتظرون المبادرة المحتضنة ليبدأوا المشوار.
لا ننتظر من وزارة الثقافة إطلاعنا على ما يدور في فكرها و لكن نبحث عن تغيير نوعية البرامج و ضيوفه حتى نرى خامات بلدنا تلك و هي تشق طريقها و تستقطب مشاهدين آخرين من الأقطار الأخرى.
والله من وراء القصد

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

أين الحواريون؟






الأربعاء 22 أغسطس 2012


فيما لو كنت أتكلم عن موضوع تاريخي أو ديني، فإن الحواريين بفتح الحاء هم تلاميذ السيد المسيح عليه السلام، إلا أن كسر الحاء يأخذنا مباشرة إلى كل من كان ينادي بالحوار في البحرين طوال الأزمة التي بدأت في فبراير 2011 وحتى الساعة. فالحوار منذ كان دعوة من سمو ولي العهد إلى أن صار منتدى شارك فيه الجميع بمختلف آرائهم وتوجهاتهم حتى مرحلة تحوله إلى تسريبات في بعض الصحف عبر مصادر غير معلنة عن تواصلات وترتيبات أو مقابلات تسبق انطلاق مرحلة أخرى من الحوار.
والحوار الأحدث وهو حوار التوافق انطلقت فعالياته في الثاني من يوليو عام 2011 بدعوات لحضور 300 شخصية، وتم تقسيم مواضيع الحوار ضمن المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وبعد اختتام فعالياته، وإعلان نتائجه، جاء موضوع تقرير لجنة تقصي الحقائق ليشغل الساحة الإعلامية فيما بعد.
وجاء بعد ذلك موضوع تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق وتشكيل لجنة خاصة بذلك الأمر، ومن ثم تشكيل جهاز لمتابعة تنفيذ التوصيات والذي أصدر أول تقرير له في 11 يوليو 2012 ويتوقع أن يكون له تقارير لاحقة باعتبار أنه صدر بصفة تقرير مرحلي شمل مواضيع التطوير القضائي، المساءلة، التعويضات، دور العبادة وحرية التعبير.
اليوم ونحن في الثلث الأخير من أغسطس 2012، مازلنا نتطلع إلى موضوع الحوار أو الحل السياسي كموضوع حيوي ومهم لإنهاء الأزمة الخانقة التي مازالت تداعياتها على مستوى السياسة والأمن والحقوق بالإضافة إلى المستوى الاجتماعي تؤرق كل من يحمل هم هذا الوطن ولا يكاد يعرفه بسبب هذا الشحوب والاختناق والانقسام.
وفيما لا نرى من مخرجات حوار التوافق تغييراً ملحوظاً طرأ على أسباب أو نتائج الأزمة، فإن آخر ما طرح على المستوى الرسمي حول موضوع الحوار هو الدعوة إلى حل داخلي بعيداً عن الوساطات والدعوة إلى شجب ونبذ العنف صراحة. أما على مستوى المعارضة فقد كان أبرز ما طرح حول الحوار هو القبول المبدئي بحوار يسع الجميع، والدعوة إلى عدم القيام بأية أعمال تتنافى والسلمية ثم التأكيد على أنه لا حوار حالياً على الأرض وأن كل ما يجري بعيد عن الجدية.
سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أو مستوى الجمعيات السياسية ليس هناك أحد يقول إنه ضد حوار جدي يفرز نتائج على الأرض ويقود إلى إيجاد الحلول وإنهاء الأزمة، فإذا كان الأمر كذلك، فأين الحواريون وأين نقف اليوم أم أن علينا متابعة الكثير من التواريخ المهمة وانتظار الطحين من الرحى؟

الأربعاء، 15 أغسطس 2012

الحل البحريني






الأربعاء 15 أغسطس 2012


في لحظة صدق مع النفس ومصارحة ربما تكون نابعة من الصيام وشهر الصيام، وربما من السأم من الدوامة التي تدور فيها كل الحمامات داخل الشبكة بحثاً عن قارض يملك أن يصنع ثقباً يسمح لها بالخروج من مأزقها، أو لعله سأم من تقاذف الملامة بين الأطراف ومن لحظات البحث عن إيجاد معذورية لما ليس له عذر بينما يرفض كل طرف أن يقول أخطأت في كذا وسأصلحه بكذا. ربما ونحن مصابون بالسقم إزاء البحث عن الرشد، فلا أنت تستطيع إيجاد رشد ديني عند من يلزم نفسه بالدين، ولا رشداً قانونياً عند من التزامه القانون، فلا تدري أين العذر لمن لا يبحث أساساً عن العذر.
اللعبة إن كانت سياسية وحسب، حطمت باقي القواعد الأخرى وسخرتها لها، وصار كل ما عدا ذلك خارج نطاق التغطية. ثم تجد أن السياسة هي مصالح وتوازنات وتدافع قوى. ورغم أن السياسة هي محل تسيير الأمور وهي بطبيعتها عصب المنظومة المركزي إلا أن حراكها وتطورها وانتقالها لا يجوز أن يشل جميع مناحي الحياة، ولا يصح أن يوقف الحراك في حياتنا اليومية بهذا الشكل الفج. وأطرح هنا مثالا يتطلب سعة الصدر. وهو مثال سد الشوارع الذي يقوم به منتسبو بعض التيارات السياسية فيعطل مصالح الناس، لا شك أن العائق غير منصف للناس وغير مجد في تحقيق أي فائدة حتى سياسياً، وقس على ذلك الكثير.
في لحظة الصدق هذه، تنظر إلى ما يعطل إيجاد حل للأزمة في البحرين، فتجد أن الكلام عن حل بحريني خالص هو كلام غير واقعي شئنا أم أبينا. ولذلك عدة أسباب، أحدها وهو مهم جدًّا مشكلة الثقة التي هي حاضرة بغض النظر عن الأسباب، أحدها أيضاً أن الأزمة قد تم تدويلها على المستوى الإعلامي والحقوقي والسياسي وصار هناك عدة جهات تنتظر وتحث على إيجاد حل عبر حوار ذي مغزى يتمكن من حل المشكلة، سبب آخر هو أن البحرين وأزمتها هي جزء من سياق جغرافي واقتصادي يفرض حداً أدنى وأقصى للحلول المرجوة ويخرج الخيار من كونه محلياً ويظل السقف خاضعاً لتجاذبات تشبه تجاذبات الحل في لبنان فموجة ترفع هذا الطرف وأخرى تدفع بتصلب الطرف الآخر.
هل يدرك الفرقاء هذا؟ نعم يدركون هذا جيداً ولكن السعي بين أكبر ربح وأقل كلفة يفرض التمترس خلف كلمة التوافق والحل البحريني وكلمة وست منستر وإلا فلا هذا ولا ذاك في وارد تقديم الحل الواقعي.
ما نتمناه في ظل وضع كهذا هو أن يتم تحرير الحياة اليومية من هاجس المصادمات لأن السياسيين إن صدقوا في قولهم أن هذا هو السبيل الذي لا غيره عندهم وقد ركبوا اعجاز الإبل وإن طال السرى وأنهم قد أحرقوا سفن العودة فإنه يجب مساعدة الوضع في العودة إلى طبيعته وأن نرأف بالبحرين، البحرين التي هي البشر كما هي الحجر وكما هي البحر ولكل من هؤلاء حقه علينا، والله من وراء القصد.

الأحد، 5 أغسطس 2012

العقيدة و الإستقطاب








الأحد 5 اغسطس 2012


مسلسل أبناء الرشيد: الامين و المأمون، عمل تاريخي جميل حين تجول في ثناياه تبصر إبداعات في صياغة النص و سبك الأحداث و تركيبها و صنع الأبعاد المركبة لشخصيات هذا العمل، كان من مزاياه الجميلة ندرة تعرضه لبعد منفرد من شخصية معينة، بل كان يحاول توضيح الجوانب المختلفة من أبعاد كل شخصية.  لذا كانت الشخصيات فيه أقرب للواقع من المثالية، فلا شخصية فيه خيرة كالملائكة، و قل أن تكون فيه شخصية اقرب للشياطين. بشر هذا العمل قريبون من البشر، و كاتب العمل ابتعد كثيراً عن تحديد مآل كل شخصية من شخصيات عمله إلى الجنة أو إلى النار كما فعل كتاب كثير من الأعمال، و ترك المشاهد يتصفح بدون أن يقحم القناعات في ذهنه إقحاماً.
 بالتأكيد كانت شخصية العمل الأساسية شخصية المأمون الذي كان منكباً على العلم و المعرفة و مخالطة عامة الناس مع إخفاء حقيقة شخصيته، بيد أن الناس كانت تعلم أنه ابن الرشيد. كان أقرب إلى قلب أبيه إلا أن الأعراف اقتضت أن يكون هو ولي العهد الثاني حيث كان الأمين إبن زوجة الرشيد العباسية زبيدة بينما كان المأمون إبن أمة فارسية، مما اقتضى تأخيره في ولاية العهد ليكون ثانياً.
 يسهب العمل في تصوير صراع المصالح داخل البلاط و بين كبار رجال الحاشية، و ولاة الأمصار و كيف يعد كل من هؤلاء الدسائس للآخر و الحيل المختلفة و الوشايات معتمدين على الفضائح و الزلات و الأهواء التي ترتبط بهؤلاء الشخوص، حتى تحين نكبة كل منهم على يد الآخر، و تتوالى عهود كل من هؤلاء الرجال بتوالي نكبات من قبلهم و تدور الأيام عليهم بين صعود و هبوط و تقريب و تبعيد و تولية أمر و عزل.
 و تستمر الأحداث من عهد الرشيد إلى الأمين حتى يصل المأمون إلى الحكم، فيقوم بتقريب العلماء، و هنا تتضح المعالم السياسية للمشاريع الثقافية، فيتبدى كيف تكون توجهاته من أمثال تقريب العلماء درءاً لفتنة هنا أو تقوية لضعف الدولة هناك. فالمأمون الذي لم يكن على مذهب التشيع أظهر قرباً له حتى جعل ولاية العهد في الإمام الثامن للشيعة الإمامية و هو الإمام علي بن موسى الرضا. و في سياق المسلسل يتضح بجلاء أن هذا التمذهب ليس دينياً و إنما سياسي، فالمأمون بحسب المسلسل ارتأى أن ذلك يجعله أقرب للشيعة، و معروف أنهم كانوا حانقين من أبيه الرشيد الذي قضى والد الرضا في سجونه.
 ثم ما يلبث أمر ولاية العهد أن يثير حفيظة العباسيين فيحركوا الفتن في بغداد عاصمة الرشيد و يخلعوا طاعتهم عن ابن أخيهم، فيتحرك المأمون بنفسه إليها و يبدأ بمجالدتهم و محاربتهم حتى يخمد أوار تلك الفتنة، فيقوم بإشغال الرعية من نخب و عوام بأنفسهم في صراع عقائدي حول مسألة خلق القرآن، ليضع الناس في فتنة ظاهرها و إطارها العام ديني ثقافي، و مقصدها إلهاء الناس عنه و عن حكمه و وضع مخالفيه تحت طائلة سيفه و سوطه.
 يأتي بعد ذلك هجوم الروم على بعض ثغور الدولة، فيشار عليه أن يوجه الحملات لحرب الروم لأن في ذلك ردعاً لهم من ناحية، و جمعاً لكلمة رعيته من ناحية، خاصة و الفتن و الصراعات تدب في كل المفاصل و النواحي، و الأمر لا يكاد يستتب في منطقة حتى تتحرك الإحتجاجات و الدعوات في مناطق أخرى.
 يوضح المسلسل من خلال هذه الأمثلة على الإستقطاب و استغلال الدين في توجيه السياسة و تغطيتها كيف أن الدولة في زمان المأمون و غيره من ملوك الدولة العباسية أو الأموية كانت تستفيد من الدين في جمع شعثها و توحيد صفوفها. و حتى اليوم فلم تختلف حرب المأمون على الروم عن قيام فرنسا و تونس بمحاربة الحجاب أو قيام سويسرا بمنع المآذن أو قيام الدول بنشر دعاة المذاهب على القنوات. هذه الدعوات كلها ليست دعوات أفكار و إنما دعوات صنع أقطاب، تتحول فيها الأفكار إلى شركة تجارية مملوكة لدولة أو علامة تجارية مسجلة، أو ناد رياضي قوي يتعصب له الجمهور و تخرج نية التقرب إلى الله من الفكرة و تتحول إلى أنا متضخمة تجذب حولها ذوات ملايين الأفراد يتحولون إلى قطعان أو ذرات غبار تصنع جبلاً لا قيمة لها في ذاتها و إنما القيمة لها في مجموعها، و قد خلقت فرادى ثم جمعت شيعاً و أحزاباً يحارب بعضها بعضاً لخدمة هذه الأقطاب التي يدعي كل منها أنه في خدمة الدين أو الإنسانية أو العدالة، بينما هو في خدمة الفرقة و أو في خدمة وجود أو بقاء منفرد لمصالح منفردة مركزية.
هذه القطيعة ربما كان سببها الجهر بدعوات و العمل لخدمة هذه الدعوات، بدلاً من أن تكون الدعوات خادمة للهدف الأسمى فتشتمل على نكران ذواتها، و هنا يكون رياؤها هو الحقيقة فيما المعلن عن جوهرها كذباً، و ربما لهذا قيل قديماً أن كونوا دعاة بغير ألسنتكم. و رمضان كريم.

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

ساهر الليل






الأربعاء 01 أغسطس 2012

لا تخلو خارطة الأعمال الفنية الرمضانية في صيغتها السنوية من أعمال تستدعي الإهتمام. فبين الأعمال التاريخية والدينية إلى الدرامية و الإجتماعية حتى برامج الفكاهة الخفيفة، تبرز أعمال تعالج قضايا تمس بعض شؤون المجتمع المعاصرة بوجه من الوجوه.
 في هذا العام برز عمل ساهر الليل بالنسبة للمشاهد الخليجي كعمل ذي أهمية حيث يؤرخ بصورة مقربة ما جرى في الكويت إبان الإحتلال العراقي في مطلع تسعينات القرن الفائت. العمل الذي يحكي قصة أسرة كويتية يداهمها الإحتلال و يشرح ظروفها كمثال لما تعرض له كل الكويتيين في تلك الفترة المظلمة.
 وبالطبع فإن الأعمال التي أرخت لتلك الفترة  تركزت أكثر ما يكون في المسرحيات و البرامج الكوميدية التي ركزت على جانب ساخر من شخصية صدام حسين نفسه و طال بعضها السخرية من العراقيين أنفسهم، و تعرضت بعض المسلسلات لذكر موضوع الأسرى آنذاك ذكراً عرضياً غير مسهب.
 و بغض النظر عن  مستوى النص و الإخراج الذي لست بصدده كوني أولاً غير متابع قريب للمسلسل، و ثانياً كوني غير مختص في مجال النقد، يتركز نقدي له على المستوى الإنطباعي كمشاهد أو مواطن خليجي عادي. فإن أكثر ما راقني في هذا العمل هو توقيته، فهو يأتي ليذكر الخليجيين عموماً و الكويتيين خصوصاً بالجرائم الفظيعة التي اقترفها نظام صدام في حق جيرانه، في فترة نسيها الكثيرون أو تناسوها، حتى تكلم الكثير من الكتبة و المنظرون عن شخصية صدام و اختلاق بعد قومي لا يشرف بحمله، أو الحديث عن بعد طائفي في فزاعته التي انقضى زمانها و قبرت.
 في هذا الزمان الذي نرى طائفيين لا يتحرجون من الإشادة بمناقب المهيب الجرذ الذي تعدى على جيرانه من عرب و عجم، و فتك بشعبه دون تفرقة، فما سلمت من أذاه طائفة ولا قومية من القوميات ولا حزب من الأحزاب. عانى العراقيون في زمانه و ذاقوا الأمرين بين الحروب و الحصارات و المجاعات فيما هو يختبئ في برجه العاجي و رفاهيته الباذخة.
 لا يستحي هؤلاء من الإشادة بذكره و كأن عشرين عاماً كانت كافية لننسى – نحن أطفال ذلك الوقت- صافرات الإنذار و مخاوف أسلحته الكيماوية التي أباد بها الأكراد و أشرطة اللاصق التي ما زالت آثارها على نوافذ بيوتنا جميعاً دون فرق. لم ننس ما حملناه للمدارس من تموينات لساعة الإحتياط، و ما عرض في الأسواق من أقنعة مضادة للغاز. كيف ننسى و إن كان ما مسنا من الخوف لا يقارن بما مس إخواننا في الكويت التي هي عزيزة على قلب كل مواطن في هذا الخليج، و ما مسهم من الكرب و الأسر و القتل و التهجير.
 نعم، نشيد بهذا الجانب من هذا العمل الفني، و نقول يجب أن لا تغيب هذه الذكرى، لأن الأمة التي تنسى بهذه السرعة تاريخها الحديث هي أمة بائسة. و رمضان كريم.

الأحد، 29 يوليو 2012

الآخر أم أنفسنا؟








الأحد 29 يوليو 2012


كثيراً ما نعبر كما عبرت الأديان والمبادئ والنظريات الأخلاقية التي تحث بطبيعتها على الخير، وكما عبر القرآن بأن ما نفعله من خير فنحن لا نقدمه للآخرين إنما نقدمه لأنفسنا، نقدمه لسعادتنا ونقدمه لراحتنا. في المنظور الديني وعلى أساس عقيدة القيامة والحساب والحياة الأخرى، لكل هذه الأعمال الحسنة مردود إيجابي مشابه لطبيعة هذه الأعمال يبرر التصرف بهذه الطريقة. وفي المنظور العقلي أو النفسي والأخلاقي المجرد من الدين والمبني على نظريات فلسفية، فإن هذه التصرفات مدفوعة بما تخلقه من سعادة ورضا وسلام نفسي.
وربما يكون من الطريف ملاحظة السلوك الحيواني الخير في هذا الاتجاه من قبيل الوفاء عند الكلب والطائر والطاعة عند الحمار والإحجام عن أكل الميتة عند السبع بل وامتناعه عن الافتراس إلا عند الجوع. وكذلك، ما يتركه الإحسان في نفوس كثير من الحيوانات. فمراقبة أمثال هذه التصرفات و الطبائع قد توصلنا إلى انطباع أن التصرفات الأخلاقية الإيجابية هي تصرفات فطرية قبل أن تكون عقلية أو دينية. وباختصار فإن الإحسان والأذى يؤثران في نفس كل ذي نفس حين يقعان عليه، وبالتأكيد يؤثران على كل ذي نفس حين يصدران منه.
وفي هذا الباب هناك كلمة تؤثر عن أحد العلماء في البحرين، يقول فيها انه حتى القط في البحرين يميز بين الحلال والحرام، وذلك أن القط حين ترمى له قطعة اللحم يأكلها في مكانه دون أن يتحرك آمناً مطمئناً، أما حين يسرق السمكة فهو يولي هارباً لعلمه بأن فعله جريرة تستدعي العقاب.
وبالتأكيد فإن هذا ما ينطبق على الفعل الحسن وتأثيره في النفس وما يخلقه من السعادة، فالفعل السيئ يخلف أثراً سيئاً ومزعجاً لا يمكن التخلص منه بالنسبة لأي مخلوق يقترفه حتى لو كان حيواناً، فقد قدمنا أن الحيوان يميز بين الحق وبين العدوان، لذا فإن الإنسان ربما تميز عن الحيوان بقدرته على خلق التبرير بسبب وجود وازع أو واعظ داخلي يزعجه عندما يتصرف بالطريقة الخاطئة.
وربما كان أسوأ ما يساق من تبريرات للنفس وبالتالي للمجاميع هو إطلاق صفة التكفير على الآخر ومن ثم يصير كل ما يصدر تجاهه من أفعال مباحاً لا ضير في اقترافه، وبالتالي حماية النفس من التأثير النفسي السلبي الناتج من التصرف السلبي. مثل هذه التنظيرات صدرت مراراً وتكراراً لتبرير الاعتداءات التي تحصل في أي صراع بين فئات مجتمعية مختلفة. ربما كان لنا أن نتذكر يوم هتف أحد المسلمين عند فتح مكة “اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة” وكيف أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعا حينها أن ينادى “اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة”.
التبريرات تشمل أيضاً أن يكون الإنسان مظلوماً، فتجد في كثير من الأحيان أن مظلوماً بالفعل استحال إلى ظالم حين عاقب من لا ذنب له أو تجاوز حدود ما وقع عليه من الاعتداء، فرغم أننا لا نزعم المثالية، إلا أنه من الجهالة والظلم الفاحش أن يعتدي الإنسان على من لا ذنب له فيسلبه حقاً من حقوقه، أو أن يأخذ بالجريرة المحسن والمسيئ أو يتجاوز حدود حقه فيعتدي فوق ما اعتدي عليه.
لذا فإننا حين نجد مجتمعاً يتجه بهذا الاتجاه فإننا نعلم أنه على شفير منحدر أخلاقي ونفسي يؤدي آخر ما يؤدي إلى كوارث لا تنتهي، وهنا يتوجب تنبيه الناس أن يكفوا عن إيذاء أنفسهم في الدنيا على المدى القصير والبعيد ومن ثم إيذائها فيما بعد.
في شهر رمضان نجد المسلمين يتنبهون لذلك مؤقتاً فتجد الواحد منهم حين يهم بإيذاء الآخر يتذكر أن أذاه سيصيب أول ما يصيب صيامه هو، فيحجم عن هذا التعدي ويقول “اللهم إني صائم”!!